أفكار وآراء

الجامعة العربية وضرورة الهيكلة والإصلاح

الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية الذي عقد أمس في القاهرة ناقش عددا من القضايا السياسية العربية التقليدية والتي بعضها مشتعل منذ عام ٢٠١١ كما أن هناك إشكالية عقد القمة العربية التي من المقرر أن تعقد في الجزائر وعلى ضوء ذلك فإن الجامعة العربية وعلى مدى سنوات فشلت في الارتقاء بالعمل العربي المشترك إلى آفاق أرحب على صعيد التكامل الاقتصادي والاجتماعي وعلى صعيد إطلاق السوق العربية المشتركة وأيضا إيجاد حلول جذرية للصراعات والحروب التي تعاني منها الشعوب العربية في اليمن وسوريا وليبيا ومناطق التوتر في العراق ولبنان ومسألة المجاعة في الصومال.

ومن هنا فإن التوقعات بشأن أي إنجاز حقيقي لهذه الجامعة العربية تظل محدودة إن لم تكن معدومة، وكما أشرنا في عدة مقالات سابقة ومن هنا في صفحات الرأي في جريدة عمان فإن الجامعة العربية تحتاج إلى إعادة هيكلة وتغيير مسارها وتغيير ميثاقها والذي لم يعد متوافقا مع المرحلة الحالية، حيث المتغيرات الإقليمية والدولية خلال أكثر من سبعة عقود كما أن العالم العربي شهد طفرة سكانية وقدوم أجيال جديدة حيث ظهرت التقنية والتكنولوجيا الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي. كل هذه الأدوات أحدثت نقلة نوعية في السلوك لملايين من الشباب العربي ومن المهم تغيير نمط المنظومة العربية خلال المرحلة القادمة فالاجتماع تلو الاجتماع لن يغير من الواقع الصعب الذي يعد من الأوضاع المعقدة. كما تقوم الدول وحتى عدد من المنظمات الإقليمية والدولية وحتى كبريات الشركات العالمية بإعادة هيكلة شاملة بهدف التطوير والإصلاح والانتقال من الحالة السلبية إلى الحالة الإيجابية فإن الجامعة العربية تحتاج وبشكل سريع إلى إعادة هيكلة وتغيير حقيقي، حيث إن بقاء الجامعة العربية ومنذ عام ١٩٤٥ على نفس الحال هو أمر لا يمكن قبوله على الصعيد العربي الشعبي وحتى الرسمي فهناك ترهل حقيقي حدث في الجامعة العربية خلال العقود الأخيرة خاصة وأن الميثاق وطريقة التصويت ومسألة المجاملات كانت جزءا أصيلا من ذلك الترهل في المنظومة العربية وهذا عكس ما حدث في أوروبا بعد نهاية أقسى حرب شهدتها الإنسانية وهي الحرب العالمية الثانية والتي انتهت عام ١٩٤٥، حيث بدأت أول ملامح الاتحاد الأوروبي منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي حتى أصبحت المنظومة الأوروبية واضحة، وأصبح هناك تكتل اقتصادي وسياسي مهم بصرف النظر عن بعض السلبيات، كما أن هناك نموذجا آخر على الطرف الآخر من العالم وهو رابطة جنوب شرق آسيا المسمى بـ«الأسيان» والتي جاءت بعد حروب وصراعات طاحنة داخلية وخارجية في دول فيتنام وكوريا ولاوس والفلبين وكمبوديا وكان أقسى تلك الحروب ما تعرضت له اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تم ضربها بالقنبلة النووية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي ورغم ذلك نهضت اليابان وأصبحت الاقتصاد الثاني في العالم لعقود قبل أن تتراجع للمركز الثالث وتصبح الصين عملاق آسيا هي الاقتصاد الثاني عالميا كما أن الاتحاد الأفريقي وهو لا يبعد جغرافيا عن مقر جامعة الدول العربية أكثر حركة وديناميكية على صعيد القضايا الأفريقية بل أن الاتحاد الأفريقي يملك قوات عسكرية للتدخل السريع وعلى ضوء ذلك فإن الجامعة العربية تعد من أقل المنظمات الإقليمية فعالية خاصة خلال العقود الأخيرة وكما تمت الإشارة فإن المواطن العربي لم يعد يهتم باجتماعات تلك المنظمة ولا قراراتها والتي عادة تبقى حبيسة أرشيف الجامعة العربية حتى موعد القمة العربية. ورجوع عضوية سوريا إلى الجامعة لا يزال محل جدل حيث وجود المحاور العربية في الجامعة العربية والمواقف السياسية التي تحكم موقف كل أعضاء الجامعة العربية.

إن إعادة هيكلة الجامعة العربية على أسس صحيحة أصبحت ضرورة قومية لأن تواصل النهج السياسي الحالي لهذه الجامعة قد يجعلها أكثر هشاشة وقد يكون مصيرها مصير عصبة الأمم وهو الأمر الذي لا يرغب فيه أحد، فوجود رابطة عربية هو أمر مهم ويخدم المصالح القومية العربية ولكن غياب الفاعلية هو أيضا مضر بالعمل العربي المشترك وأيضا تواصل الصراعات والحروب والخلافات العربية العربية يعطي فرصة مواتية للتدخلات الخارجية وهذا أمر يشكل خطورة على الأمن القومي العربي.

***

هناك طرح يقول إن الوضع السياسي العربي معقد وصعب وأن مسألة هيكلة جامعة الدول العربية سوف يأخذ مناقشات وقد ينتهي إلى مزيد من الخلافات وبالتالي فإن البداية الصحيحة تكون من خلال تفعيل العمل العربي المشترك خاصة على صعيد الأمن الغذائي والسوق العربية المشتركة والاستثمار وهذه الرؤية صحيحة وفي مكانها فالمهم أن يبدأ العرب بخطوة صحيحة تصب في نهاية المطاف في صالح العمل العربي المشترك وتكون بداية لتصحيح الوضع العربي المتأزم في أكثر من منطقة، فالشعب اليمني يرزح تحت حرب تدخل عامها الثامن وهناك تحذير من الأمم المتحدة حول قرب المجاعة في الصومال وسوريا شبه مقسمة وهناك توتر في العراق ولبنان وأيضا ليبيا تدخل مجددا مرحلة المعارك العسكرية، وعلى ضوء ذلك فإن انطلاق عملية تنموية عربية مشتركة قد تبدو أكثر منطقية خاصة موضوع الأمن الغذائي حيث انكشفت معظم الدول العربية حول مسألة توفير القمح بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا كما أن الدول العربية تعاني بعد الأزمة الصحية العالمية بسبب انتشار فيروس كورونا وعلى ضوء ذلك فإن بداية أي خطوة عربية في اتجاه التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي هي خطوة مهمة ومع ذلك فإن آليات عمل الجامعة العربية على المدى القصير والمتوسط لابدّ أن يتغير لأن ذلك أصبح ضرورة ولابدّ أن يشعر القادة العرب بأن مسؤوليتهم الوطنية والقومية تحتم عليهم مراجعة الوضع العربي برمته ولعلّ عقد القمة العربية في الجزائر في مارس القادم إن تم الاتفاق على ذلك الموعد يكون أولى خطوات النقاش الجاد حول ما يتحدث عنه هذا المقال والأطروحات الأخرى لأن بقاء الحال على ما هو عليه يعد مسألة تسبب المزيد من الانحدار والانتكاسة للعمل العربي وتزيد من المشكلات وأن أي قرارات سوف تظل هامشية وغير قابلة للتنفيذ.

وهناك تنامٍ سكاني كبير شهدته الدول العربية خاصة مصر والعراق والسعودية والجزائر والسودان وحتى بقية الدول العربية من خلال نسب متفاوتة، وهناك أرقام من مراكز بحثية عربية تشير أن نسبة الشباب في العالم العربي تقترب من ثلثي السكان وهذا جيل جديد يتطلع إلى المستقبل في ظل تطورات تقنية وتكنولوجية متسارعة، وفي ظل الثورة الصناعية الرابعة وفي ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم وعلى ضوء ذلك فإن تلك الأجيال تتطلع إلى المشاركة الإيجابية في تطور أوطانها من خلال الفرص الحقيقية للعمل ومن خلال توفير التعليم الراقي والمتطور ومن خلال برامج عربية مشتركة وهذه من الأمور الحيوية لأي إستراتيجية عربية مشتركة من خلال ما تمت الإشارة، ومن هنا فإن وجود الجامعة العربية الفاعلة على صعيد العمل العربي المشترك في قضايا الشباب والتعليم وفي مجال الأمن الغذائي وحتى على صعيد السياحة المشتركة وتنقل الأموال بين الدول العربية كلها أمور تضيف للاقتصاد العربي ويحول منظومة جامعة الدول العربية إلى منظومة فاعلة يكون لها دور حقيقي في فض النزاعات والخلافات العربية وأيضا في تفعيل العمل العربي المشترك كما تمت الإشارة إلى بعض من أدواته وبدون ذلك تظل الجامعة العربية مجرد مقر للاجتماعات الدورية والبيانات التي تظل في نهاية المطاف حبيسة الأدراج وهو الأمر الذي لا يسر أي مواطن عربي غيور ولا حتى أي مسؤول عربي.