تأملات
الثلاثاء / 9 / صفر / 1444 هـ - 15:29 - الثلاثاء 6 سبتمبر 2022 15:29
أفكر بأنه علينا أن نتبنى خطابا في مديح 'التقشف' خصوصاً في ظل تفاقم محاولتنا لمعالجة أي أزمات نمر بها بالاستهلاك دون أن يشفي ذلك أي شيء ولا يساهم وإن بدرجة بسيطة في معرفتنا بذواتنا وما نمر به. إنني أدعو لما يمكن اعتباره سياسة الاعتراف العامة، يتم من خلالها التعبير عن إشكالية الموقف المعاش حتى ولو بطريقة مباشرة. أتذكر الآن ما قرأته عن أن “luxury brands – العلامات الفاخرة' وحدها التي لم تخسر على الإطلاق في ظل الجائحة على العكس من ذلك، ازدادت أرباح الكثير منها، بل إن بعض هذه الشركات قامت برفع أسعار منتجاتها الأمر الذي أدى لزيادة بيع هذه المنتجات. لكي تحصل على حقيبة من إحدى هذه العلامات التجارية الفاخرة، يجب أن تسجل اسمك في قائمة الانتظار لمدة تتجاوز الخمس سنوات. أو يجب أن تقدم ما يثبت بأنك تستحق شرائها عبر تقديم مستندات وكشوفات معينة، الأمر الذي دفع لأن يستغل الكثير من الأثرياء هذه الشروط ليصبحوا وسطاء لبيع هذه المنتجات فيزيد سعر ما هو باهض الثمن أصلاً. ثم إن علينا بهذا الصدد الإشارة المستمرة للتفاوت الطبقي، ووصول مجموعة محدودة من الناس للموارد، وعن السياسات التي تدفع نحو هذا الشكل من التنفيس والعلاج.
.....
لديّ علاقة وطيدة بالشاعرة الإيرانية 'فروغ فرخزاد' أتعلق بالكثير من قصائدها، 'وهم الحديقة، أو الوهم الأخضر' إحدى قصائدها المفضلة بالنسبة لي، تقول فيها 'كان وقع قدمي يرتفع من إنكار الطريق/ وصار يأسي أوسع من صبر روحي/ وذلك الربيع، ذلك الوهم الأخضر/ الذي كان له عبور على النافذة الصغيرة/ يساررني: / انظري أنتِ لم تتقدمي قط/ بل انطويت على نفسك' أعلق في غرفة نومي ملصق فيلمها الوحيد 'البيت الأسود' الذي أنتج عام 1963 هذا الفيلم الذي يقع في عشرين دقيقة لكنه قادر على تعليقك لأيام، ودفعك لمشاهدته عدة مرات، والذي تصوره في مستوطنة للجذام في إيران، يظهر المصابون به، وهم يبكون مصيرهم عبر الشعر والامتنان للرب الذي منحهم أشياء أخرى رغم بشاعة ما يمرون به. لا تقدم فروغ فرخزاد نقلاً مباشراً لما يحدث داخل هذا الخان، بل تقدم درساً في تقديم هذا البؤس على أنه جزء من كل قاتم، ننتمي له جميعاً. عدا أنها تنظر إليه من عدسة الشعر، فهنالك الراوية التي نسمع صوتها تدير الكاميرا والمونتاج بالقصيدة وتقتبس من القرآن والإنجيل بين الفينة والأخرى. ليس غريباً على الإطلاق أن تتمتع السينما الإيرانية بهذا المنظور، عباس كياروستمي الذي رحل عن عالمنا عام 2017 هو الآخر شاعر ومخرج، ويبدو أن علينا أيضاً أن نصغي أكثر أن التقنية ليست كل شيء في الفن، وأن الرؤى الفنية الراسخة تأتي من الإحساس بالعالم والتقاطع معه على نحو شعري.
....
مع عودة الطلبة للمدارس، يجب أن نتذكر أهمية التفكير الناقد في تسليح الطلبة بما يمكنهم من الوقوف في وجه هذا العالم ومتطلباته. أستمع عبر الإذاعة دون أن أعرف من المضيف والضيف، لوصية أخيرة تقول أن على طلبتنا أن يتسلحوا بالمواطنة. وأمام اختفاء الحدود الثقافية بفعل العولمة العنيفة اليوم، هذه نصيحة لا شك وأنها مهمة، لكنني لا أظن بأنها تأتي من بث روح المواطنة بطريقة تقليدية، النقد وحده قادر على ترشيح كل ما نتلقاه، وفرزه. والحرية قادرة على أن تجعلنا نشعر بقيمة أن نختار ما نتلقاه وما نمنحه، فيما عدا ذلك لن نجد أنفسنا سوى جوقة تتحرك نحو ما يريده منطق السوق، ومنطق 'الترند' حتى على صعيد الأفكار والقيم. هل قرأت عزيزي القارئ عن الأطروحات الجديدة التي تظهر تعاطفاً كبيراً مع هتلر وتنكر عليه الهولوكوست والنازية. هذا متوقع بالمناسبة، إنه منتج لثقافة اليوم التي ترمي إلى التمايز والى إعادة تفكيك كل السرديات وتجزئتها، أمام تصاعد خطابات يمينية متطرفة إزاء مواقف محايدة من الحلول الجذرية والصارمة.
تمنيتُ لو أنني في المدرسة عرفتُ أشياء كثيرة، لو أن معلماتي لم يخصمن مني علامات لأنني عبرتُ عن فكرتي في سؤال في إحدى مواد العلوم الإنسانية، لو أن أحداً قال لي آنذاك أن هذا ليس كل شيء فيما يتعلق بالحياة، وأن هنالك الكثير مما يجب أن أتعلمه عن نفسي وعن الآخرين. لو أن التنافسية لم تكن سامة بالقدر الذي يجعلها راسخة في الطريقة التي نتعامل بها مع كل شيء. دون أن نعرف أنها قيمة ليبرالية خطيرة وعنيفة. تمنيت لو أن أحداً كان يشجعنا على العمل الحرفي، على تعلم شيء نصنعه بأيدينا وأن يكون هنالك مقررات عامة لكل الطلبة في هذا، فالحِرفة، والصناعة باليد أمران مفيدان حتى على صعيد التعرف على الذات. لا بد وأن نتحدث اليوم مع الطلبة عن الذكاء الاصطناعي وعن الخوارزميات وتحيزها، وكيف يستطيعون اكتشاف ذلك بأنفسهم عبر علاقتهم الكبيرة بالوسائط الإلكترونية التي يتفاعلون فيها. إنها مهمة كبيرة لا شك في ذلك، ويشتكي المعلمون من الأعباء الكثيرة الملقاة عليهم، لكنهم أهلٌ للمهمة هذه، وعلينا أن ندعمهم جميعاً.
.....
لديّ علاقة وطيدة بالشاعرة الإيرانية 'فروغ فرخزاد' أتعلق بالكثير من قصائدها، 'وهم الحديقة، أو الوهم الأخضر' إحدى قصائدها المفضلة بالنسبة لي، تقول فيها 'كان وقع قدمي يرتفع من إنكار الطريق/ وصار يأسي أوسع من صبر روحي/ وذلك الربيع، ذلك الوهم الأخضر/ الذي كان له عبور على النافذة الصغيرة/ يساررني: / انظري أنتِ لم تتقدمي قط/ بل انطويت على نفسك' أعلق في غرفة نومي ملصق فيلمها الوحيد 'البيت الأسود' الذي أنتج عام 1963 هذا الفيلم الذي يقع في عشرين دقيقة لكنه قادر على تعليقك لأيام، ودفعك لمشاهدته عدة مرات، والذي تصوره في مستوطنة للجذام في إيران، يظهر المصابون به، وهم يبكون مصيرهم عبر الشعر والامتنان للرب الذي منحهم أشياء أخرى رغم بشاعة ما يمرون به. لا تقدم فروغ فرخزاد نقلاً مباشراً لما يحدث داخل هذا الخان، بل تقدم درساً في تقديم هذا البؤس على أنه جزء من كل قاتم، ننتمي له جميعاً. عدا أنها تنظر إليه من عدسة الشعر، فهنالك الراوية التي نسمع صوتها تدير الكاميرا والمونتاج بالقصيدة وتقتبس من القرآن والإنجيل بين الفينة والأخرى. ليس غريباً على الإطلاق أن تتمتع السينما الإيرانية بهذا المنظور، عباس كياروستمي الذي رحل عن عالمنا عام 2017 هو الآخر شاعر ومخرج، ويبدو أن علينا أيضاً أن نصغي أكثر أن التقنية ليست كل شيء في الفن، وأن الرؤى الفنية الراسخة تأتي من الإحساس بالعالم والتقاطع معه على نحو شعري.
....
مع عودة الطلبة للمدارس، يجب أن نتذكر أهمية التفكير الناقد في تسليح الطلبة بما يمكنهم من الوقوف في وجه هذا العالم ومتطلباته. أستمع عبر الإذاعة دون أن أعرف من المضيف والضيف، لوصية أخيرة تقول أن على طلبتنا أن يتسلحوا بالمواطنة. وأمام اختفاء الحدود الثقافية بفعل العولمة العنيفة اليوم، هذه نصيحة لا شك وأنها مهمة، لكنني لا أظن بأنها تأتي من بث روح المواطنة بطريقة تقليدية، النقد وحده قادر على ترشيح كل ما نتلقاه، وفرزه. والحرية قادرة على أن تجعلنا نشعر بقيمة أن نختار ما نتلقاه وما نمنحه، فيما عدا ذلك لن نجد أنفسنا سوى جوقة تتحرك نحو ما يريده منطق السوق، ومنطق 'الترند' حتى على صعيد الأفكار والقيم. هل قرأت عزيزي القارئ عن الأطروحات الجديدة التي تظهر تعاطفاً كبيراً مع هتلر وتنكر عليه الهولوكوست والنازية. هذا متوقع بالمناسبة، إنه منتج لثقافة اليوم التي ترمي إلى التمايز والى إعادة تفكيك كل السرديات وتجزئتها، أمام تصاعد خطابات يمينية متطرفة إزاء مواقف محايدة من الحلول الجذرية والصارمة.
تمنيتُ لو أنني في المدرسة عرفتُ أشياء كثيرة، لو أن معلماتي لم يخصمن مني علامات لأنني عبرتُ عن فكرتي في سؤال في إحدى مواد العلوم الإنسانية، لو أن أحداً قال لي آنذاك أن هذا ليس كل شيء فيما يتعلق بالحياة، وأن هنالك الكثير مما يجب أن أتعلمه عن نفسي وعن الآخرين. لو أن التنافسية لم تكن سامة بالقدر الذي يجعلها راسخة في الطريقة التي نتعامل بها مع كل شيء. دون أن نعرف أنها قيمة ليبرالية خطيرة وعنيفة. تمنيت لو أن أحداً كان يشجعنا على العمل الحرفي، على تعلم شيء نصنعه بأيدينا وأن يكون هنالك مقررات عامة لكل الطلبة في هذا، فالحِرفة، والصناعة باليد أمران مفيدان حتى على صعيد التعرف على الذات. لا بد وأن نتحدث اليوم مع الطلبة عن الذكاء الاصطناعي وعن الخوارزميات وتحيزها، وكيف يستطيعون اكتشاف ذلك بأنفسهم عبر علاقتهم الكبيرة بالوسائط الإلكترونية التي يتفاعلون فيها. إنها مهمة كبيرة لا شك في ذلك، ويشتكي المعلمون من الأعباء الكثيرة الملقاة عليهم، لكنهم أهلٌ للمهمة هذه، وعلينا أن ندعمهم جميعاً.