أفكار وآراء

العراق وليبيا.. القفز إلى المجهول

الذي يحدث في العراق وليبيا من أحداث مؤسفة تنذر بتطورات قد تقود إلى حروب وصراعات أهلية في ظل حالة من عدم اليقين وتداخل الأحزاب السياسية والمليشيات المسلحة علاوة على التدخلات الخارجية ومصالح الدول الأجنبية.

وعلى ضوء ذلك التعقيد السياسي الذي يلف الساحتين العراقية والليبية فإن هناك تخوفا من انحدار الأوضاع الأمنية إلى أكثر مما حدث، ومن هنا فإن على العقلاء في البلدين الشقيقين تدارك الأمر ونزع فتيل الصراع والعودة إلى آلية الحوار السياسي لإنقاذ البلدين من القفز إلى المجهول.

المشهد العراقي والغزو الأمريكي

ما يحدث في العراق الشقيق من تداعيات أمنية وصراع مسلح بين الفرقاء في العراق هو نتاج لما حدث في عام ٢٠٠٣، حيث الغزو العسكري الأمريكي للعراق وتدمير الدولة العراقية بكل مؤسساتها وأجهزتها العسكرية والأمنية وإيجاد وضع أمني هش وإطلاق مفهوم الحزبية والكراهية بين مكونات الشعب العراقي الذي كان في حالة من السلم الاجتماعي ونبذ المذهبية.

ومن هنا فإن الذي يدور في العراق هو امتداد طبيعي لنتائج ذلك الغزو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الحالة السياسية ما بعد الغزو لم تكن مستقرة، كما تفشت ظاهرة الفساد التي وصلت إلى أرقام خيالية قدرتها مؤسسة مكافحة الفساد العراقية إلى ما يقارب تريليون دولار نهبت من ثروات ومقدرات الشعب العراقي، كما أن العملية السياسية وتعاقب عدد من الحكومات ودور مجلس النواب لم يمنع من حدوث شرخ بين مكونات الدولة العراقية.

ومن هنا فإن العراق يمر بوضع سياسي خطِر يتعدى الصراع العسكري بين الكتل السياسية، إذ أضافت التدخلات الخارجية ومصالح الدول الأجنبية بعدا سلبيا في ظل مصالح الكتل المحلية مع هذا الطرف أو ذاك، وكما يبدو من مظاهر الصراع المسلح الذي اندلع في المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا وفي ظل التداعيات السياسية والمظاهرات من قبل المناصرين لمقتدى الصدر والآخرين المناصرين لنوري المالكي وكتلة القانون علاوة على اقتحام المتظاهرين قاعات مجلس النواب فإن ذلك المشهد السياسي كان إشارة واضحة لتطورات أكبر تجلت في المواجهة العسكرية بين الكتلتين المتصارعتين من خلال مشروعين متضادين، حيث إن مقتدى الصدر يتحدث عن إزالة كل الوجوه السياسية التقليدية وإيجاد وجوه سياسية جديدة تنهض بالعراق وتضع العراق بكل إمكانياته وقدراته الطبيعية والبشرية في مصاف الدول المتقدمة، في حين أن مشروع دولة القانون يتحدث عن الالتزام بالدستور والعملية السياسية التي تفرزها الانتخابات.

ومن هنا تعقد الموقف السياسي ولم تستطع الحكومة المنتهية ولايتها ولا رئيس الدولة ولا حتى مجلس النواب إيجاد آلية للحوار للوصول إلى مقاربة سياسية تبعد العراق عن شبح الصدام المسلح الذي وقع مؤخرا.

إن العراق يمر بمرحلة انعدام وزن سياسي وإذا لم يتم احتواء الصراع المسلح على الصعيد العربي أو حتى الدولي فإن الأمور سوف تشهد مزيدا من التصعيد في ظل سقوط أكثر من عشرين ضحية من المتظاهرين وعشرات الجرحى، كما أن هناك مسؤولية وطنية وأخلاقية على الكتل السياسية لوقف نزيف الدم العراقي والعودة للحوار، حتى لا ينزلق العراق للمجهول وتشتعل حرب أهلية لا يعرف أحد أن يحتويها، كما أن الدول العربية عليها مسؤولية قومية خاصة دور جامعة الدول العربية التي لا تزال غير فاعلة في القضايا العربية وتكتفي بإصدار البيانات التي ليس لها تأثير.

ليبيا في حلقة مفرغة

منذ عام ٢٠١١ وسقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وليبيا تدور في حلقة مفرغة من الصراعات السياسية والعسكرية وأصبحت شبه مقسمة بين الفرقاء في غرب ليبيا وشرق ليبيا ووجود سلطات متعددة.

ورغم جهود الأمم المتحدة ومحادثات جنيف واتفاق الصخيرات في المغرب وإعداد الدستور للإعداد للانتخابات التشريعية وعلى مستوى رئيس ليبيا، تندلع المعارك والمواجهات العسكرية في العاصمة الليبية طرابلس وتدخل ليبيا في مرحلة خطيرة في ظل إصرار كل الفرقاء على مواقفهم السياسية وكما يحدث في العراق من إهدار كبير للمقدرات فإن ليبيا تتشابه مع الحالة العراقية، فكلا البلدين الشقيقين يمتلكان ثروات كبيرة من النفط والغاز خاصة ليبيا ذات الموقع الفريد على سواحل البحر الأبيض المتوسط ولديها ثروات كبيرة وعدد سكان محدود ومساحة كبيرة، وكان يمكن لليبيا أن تكون من الدول المتقدمة لو ترسخ بها الاستقرار والسلام بعد عام ٢٠١١، ولكن الفرقاء للأسف تمسكوا بمواقفهم السياسية وها هو الشعب الليبي الشقيق يدفع الثمن لأكثر من عقد حيث الصراعات والحروب المحلية والتدخلات الخارجية وأصبحت ليبيا مجالًا للأطماع الأجنبية في ظل فشل القوى السياسية المحلية في الوصول إلى حلول توافقية، وإخراج ليبيا من الحالة الراهنة التي تتسم بالصراعات والتوتر وضياع المقدرات والتي كان يجب توجيهها إلى ما يفيد الشعب الليبي ويحسن من مستواه المعيشي والحياتي.

إن الحالة الليبية دخلت في إطار التعقيد السياسي ويبدو أن الأوضاع قد تنزلق إلى ما هو أبعد من ذلك في ظل تشبث المكونات السياسية الليبية بمواقفها رغم أنه ينبغي الاحتكام إلى الدستور الليبي، خاصة فيما يخص انطلاق العملية السياسية وإجراء الانتخابات وإنهاء حالة الانقسام بين شرق ليبيا وغرب ليبيا والعودة إلى مكون الدولة الليبية، كما أن التدخلات الخارجية أضافت المزيد من التعقيدات على المشهد السياسي الليبي.

وعلى ضوء التطورات التي رُصدت مؤخرا في ليبيا والعراق فإن الأوضاع تبدو خطيرة إذا لم يُتدارك الوضع المتصاعد والعودة إلى آلية الحوار السياسي حيث إن البديل هو القفز إلى المجهول وتكرار المشهد اللبناني حيث اندلاع الحرب الأهلية التي تواصلت على مدى عقد ونصف العقد ودمرت بنيتها الأساسية؛ حيث لا يزال هذا البلد العربي الشقيق يعاني الأمرين من تداعيات تلك الحرب خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

العراق وليبيا في حاجة ماسة إلى مساعٍ حميدة على الصعيد العربي بهدف إنقاذ البلدين من الانزلاق إلى حرب أهلية معقدة في ظل وجود السلاح بكميات كبيرة في أيدي المليشيات المسلحة وفي ظل الظروف السياسية الصعبة لكلا البلدين، ودور الدول الأجنبية في تعقيد المشهد لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية، كما أن الكتل السياسية في كلا الحالتين العراقية والليبية مرتبطة بمصالح خارجية كان سببها المباشر في العراق تداعيات الغزو العسكري الأمريكي للعراق في ٢٠٠٣ وما نتج عنه من تداعيات خطِرة وتفكيك منظومة الدولة العراقية، كما أن ليبيا ومنذ عام ٢٠١١ وسقوط نظام القذافي دخلت في مشاكل سياسية وأمنية وتدخلات خارجية اتضحت بعض ملامحها الآن في الصراعات المسلحة التي تشهدها ليبيا الآن.

وإذا لم تحسم الأمور سياسيا فإن كلا البلدين سوف يدخلان في مرحلة خطيرة تنتج عنها تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في البلدين الشقيقين.

ومن هنا فإن تدخل العقلاء من الداخل والمساعي العربية وحتى الدولية الحميدة يعد أمرًا في غاية الأهمية لاحتواء التداعيات الأمنية والعسكرية التي يشهدها البلدان حاليًا.