الاقتصادية

«أنسنة المدن» .. بيئة عصرية جاذبة للاستثمار

تتواءم المدينة مع جميع أنماط الحياة الحديثة والصحية

مشروع المدينة المستدامة بمنطقة يتي بمسقط
 
مشروع المدينة المستدامة بمنطقة يتي بمسقط


  • سعيد الغيلاني: توجيه التنمية العمرانية باتجاه المدن العصرية لتعظيم الفائدة الاقتصادية


  • عبدالله الغافري: أنسنة المدن حافز للمستثمرين لتصبح مدنا مستدامة


  • فهد الإسماعيلي: أنسنة المدن مكلفة ماديا وتجب التضحية بالكثير من المساحات لإنشائها


  • نادر المرهون: يمكن للمدن العصرية في قالبها العمراني الحديث تحقيقه وتقديم أجيال آمنة وصحية ومنتجة




بدأت الشركات العقارية في سلطنة عمان التوجه إلى تطبيق «أنسنة المدن» التي توفر التخطيط العمراني الحديث المتناسب مع البيئة، التي تضمن تواءم المدينة الصديقة مع جميع أنماط الحياة العصرية، بعيدا عن ضوضاء المركبات وملوثاتها، لتوفر من خلالها كل وسائل الراحة وأنماط الحياة الصحية.

«عمان الاقتصادي» طرح مع عدد من أصحاب الشركات العقارية والمهندسين أهمية «أنسنة المدن» ومدى إقبال المواطنين والمقيمين على نمط الحياة في المدن العصرية، حيث أكد مهندسون وعقاريون أن أنسنة المدن هي بيئة جاذبة للعيش من قبل المواطنين والمقيمين لما تتمتع به من خدمات أكثر ملاءمة للإنسان، ليشعر بأنه يعيش في مدينة صديقة له، تخدمه وتمكنه من الاستمتاع بحياته، وتطوير إمكاناته ومزاولة حياته، وأنسنة المدن تجعل المدينة صديقة للإنسان، وألا تكون عبارة عن علب أسمنتية.


  • فوائد أنسنة المدن




وعن فوائد أنسنة المدن قال المهندس عبدالله الغافري الرئيس التنفيذي لشركة الوساطة العقارية: إن أنسنة المدن لها فوائد جمة منها تعزيز أسلوب الحياة العصري والصحي لكافة شرائح المجتمع المختلفة، كما تساعد في بناء علاقات اجتماعية وطيدة في أحياء هذه المدن وتشجع أفراد المجتمع على ممارسة الرياضة والتقليل من اعتمادها على وسائل النقل لتلبية احتياجاتهم اليومية، وتعد هذه المدن جاذبة للعيش فيها لما بها من مميزات عديدة تسهل حياة الفرد وتنشط الحركة التجارية في هذه المواقع لوجود تكتلات سكانية وبوجود البنية الأساسية بمثل هذه المدن وتوفر الخدمات المناسبة وتعد حوافز للمستثمرين للاستثمار فيها كونها مدن مستدامة.

وأوضح الغافري أن الثقافة والتعليم هي من العناصر الأساسية لتطوير أنسنة المدن واستدامتها بما يتماشى مع عادات المجتمع وتقاليده وبما ينص عليه الدين الإسلامي فمع التطور والتقدم الحضاري لبناء مجتمعات تستطيع بثقافتها مجاراة التطورات المتسارعة في العالم ويبقى الأهم هو المحافظة على الإرث الثقافي العربي والإسلامي وإبقائها للأجيال القادمة فمنها تستنبط مدن تحاكي الحاضر وتعكس ثقافة المجتمع وتعاليمه.

وأكد الغافري أن هناك توجها من قبل الحكومة لأنسنة المدن ولكن في مراحله الأولى فالعديد من المدن والأحياء السكنية تنعدم حتى من ممرات المشي ناهيك عن تحديات مواقف السيارات وانعدام البنية الأساسية التي تساعد في توفير الكثير من الخدمات لأنسنة المدن فالمشوار طويل ولكن لا بد من البت فيه وتسريعه كون بناء هذه المدن أصبحت حاجة ملحة لتطور وتيرة النمو الاقتصادي والسياحي وتشجع لبناء بيئة حياة وبيئة عمل جاذبة للاستثمار الأجنبي وحتى المحلي.

وعن مدى تطبيق أنسنة المدن في سلطنة عمان أشار الغافري قائلًا: كوننا في الوساطة العقارية فقد شهدنا تطبيق أنسنة المدن في المجمعات السياحية المتكاملة وبعض المجمعات السكنية المغلقة ولاحظنا مدى الرغبة في العيش بمثل هذه المجمعات من قبل المواطنين والمقيمين بحدٍ سواء.


  • الجمود الأسمنتي




ويرى المهندس نادر المرهون أن أنسنة المدن تعتبر القاعدة الأولى للتخطيط الحضري الحديث للمدن ولا يمكن أن تقوم مدينة مستقبلية تراعي كل الامتداد السكاني والزحف العمراني ما لم تبدأه المدن سابقًا ولم تضعه في حسابات التخطيط الأولية لها، وما المستقبل دون أن تكون المدن ذات طابع إنساني تتحول فيه من الجمود الأسمنتي إلى مظهر أكثر أنسانية يراعي كل حاجة لسكانها.

وأضاف المرهون: إن التحول من مدينة سيارات وحافلات إلى مدينة صديقة للإنسان يتنقل فيها الجميع في محيط أكثر حيوية وبيئة تناسب كل أنماط الحياة العصرية وتقلل بطبيعتها من أعبائها وتوجد أسلوب حياة صحي كأماكن للمشي وأخرى للدراجات تصحبها تخفيف استهلاك الوقود وتقليل التلوث وتجويد المواصلات والخدمات اللوجستية وتوفر مناطق خضراء أكثر انسيابية دون تكلف.

ويقول المرهون: إن سلطنة عمان كحال الكثير من الدول المجاورة تعمل في خططها القادمة على أنسنة المدن ولا يمكن تحقيق هذا الطموح دون ربط مؤسسي قوي يأتي من توجه شامل لربط كل الجهات لتسخير كل الجهود وتجاوز كل العقبات وتفعيل القرارات الحاسمة التي من شأنها تسريع هذا الطموح الكبير الذي يأمل المواطنون تحقيقها في القريب العاجل.

ويأمل المرهون في رفع مستوى التخطيط ومتابعة ما تمت إقامته، والدراسات لأنسنة مدنها وترسم على طابعها وجغرافيتها وهويتها ومناخها الكثير من العوامل التي من شأنها أن توثر على رسم تلك المناطق وأغلبها أثبتت نجاحات وقراءات إيجابية في الاقتصاد والصحة والحياة العامة للأفراد والدول، وتطويع كل الممكنات التي من شأنها رفعة الإنسان ورفاهية عيشه بإمكان أنسنة المدن في قالبها العمراني الحديث تحقيقه وتقديم أجيال آمنة وصحية ومنتجة.


  • نماذج و طرق عديدة




وعلى نحو مغاير يقول فهد الإسماعيلي مؤسس شركة تبيان العقارية: إن هناك نماذج وطرقا عديدة لأنسنة المدن فهو ليس نموذج واحد يمكن تطبيقه وكل موقع جغرافي له نموذج خاص به وهي ثقافة تبدأ من الممكنات الجغرافية لموقع ما إلى دراسة ثقافة البشر وسلوكياتهم والثقافة الاستهلاكية لديهم وبعد ذلك يحدث انسجام ما بين الجغرافيا وطبيعة البشر للحصول على مخرجات وخطط بناء أنسنة مدن تلبي الاحتياجات الموجودة فهي ليست مجرد اقتراحات وإنما هي دراسة الثقافة الموجودة في البلد.


  • تكلفة مساحية




وأضاف الإسماعيلي: إن إقامة أنسنة المدن مكلفة ماديًا ومكلفة من ناحية المساحة فتجب التضحية بالكثير من المساحات لجعلها مساحات مفتوحة وبها متنفس ويمكن إقامة برامج فيها على مدار العام وهذه المساحات قد لا تتوفر في رقعة معينة فهي بحاجة إلى تخطيط طويل الأمد لتغيير المدينة فعلى سبيل المثال في دول المنطقة بشكل عام درجات الحرارة والرطوبة مرتفعة حيث لا يمكن الاستفادة من الهواء الطلق إلا فترة بسيطة من العام فمن الضروري الأخذ بعين الاعتبار والنظر في الطقس وكلفة التشغيل والصيانة والاستدامة فمشروعات التطوير في الأماكن العامة وجعلها مراكز مدن وأحياء فيها أنسنة مدن هي ليست مرتبطة بشركة أو مشروع معين فهي ثقافة كاملة تبدأ من الموقع الجغرافي إلى نوعية البشر وسلوكياتهم وثقافاتهم.

وأشار الإسماعيلي إلى أن مشروعات أنسنة المدن تعتمد بشكل كبير على الطلب العالي والقوة الشرائية إضافة إلى السياحة والثقافات المتعددة فوجود هذه المشروعات في سلطنه عمان تجعل المطور العقاري يفكر كثيرا قبل القدوم في الدخول في هذه الكلفة المادية والمساحية لأنه دائما ينظر إلى المردود ودائما كشركة عقارية تبحث عن تقديم الأفضل دائما ولكن في الوقت نفسه كشركة عقارية محكومة بعوامل الربح والخسارة فلا يمكن أن تقوم الشركة بإقامة مشروع وتضحي بمساحات واسعة ومبالغ كبيرة والمردود من هذه المشروعات لا يحقق الربح فهي مسألة قوائم مالية وربح وخسارة.

وأردف الإسماعيلي قائلا: نحاول بقدر المستطاع أن نحسّن من التصاميم كما لا يمكننا كشركة عقارية تنفيذ أنسنة مدن والبلد ليس مهيئ لهذا النوع من المشروعات إلا إذا كانت لديك مساحة كبيرة جدًا وعلى سبيل المثال مشروع الموج لديهم مساحة كبيرة جدا عرض المشروع أكثر من 7 كيلومترات كذلك الحال بالنبسة لمدينة العرفان، ومضيفا عندما تكون مساحة الأرض كبيرة وكلفة الأرض منخفضة بحيث لا تحتاج إلى ضخ مبالغ كبيرة فيمكن عمل تطبيق أنسنة المدن لأنه عندك مساحات كبيرة وتستقطب نوعية معينة من القوة الشرائية سواء فيما يتعلق بشراء الوحدات العقارية المختلفة أو المحلات التجارية والخدمات السياحية والصالات الرياضية المرافق وغيرها من الخدمات فتكون مدينة متكاملة.


  • السياسات العمرانية




وقال المهندس سعيد الغيلاني: إن أنسنة المدن مصطلح جديد ظهر بسبب وجود تحديات عديدة منها إشكالية التلوث في المدن المكتظة بالمركبات والاعتماد على المركبات في التنقل بشكل أساسي للحصول على الخدمات وخطورة الطرق على المشاة، مشيرًا إلى أن السياسات العمرانية السابقة أدت إلى إضعاف الأنشطة التجارية الصغيرة وأظهرت مجمعات تجارية ضخمة أدت إلى تغير أنماط الاستهلاك والتسوق.

وأضاف: إن من التحديات أيضًا السلبية في المدن الكبيرة تخليص الأعمال اليومية بالاستعانة بالمركبات في جميع المشاوير نتيجة لتباعات المسافات بين المدن السكنية والخدمات.

وأوضح أن ممارسات التخطيط العمراني الحالية لا تقتصر في هذا بل تتجاوزه إلى ازدياد معدلات التلوث وظهور طبقية مجتمعية نتيجة للمشروعات العقارية التي تستهدف الأثرياء وتباين في الخدمات المقدمة وارتفاع أسعار العقارات في وسط المدينة وتكلفة العيش مما يدفع بالسكان إلى الخروج إلى خارج المدينة بحثا عن فرص سكنية أقل أرهاقًا واستنزافًا لمقدراتهم المالية وهؤلاء هم الأغلبية التي تخنق المدينة في أوقات الذروة بالازدحام نتيجة للانتقال من مناطقهم إلى وسط المدينة حيث تتركز معظم الوظائف والأنشطة.

لأجل كل هذا جاء مصطلح خدمة لجميع السكان لتمكنهم من الحصول على أفضل الفرص من الخدمات والسكن والقدرة على الاختيار بين وسائل نقل متنوعة تناسب حاجاتهم للتنقل السهل والسريع.

ويقترح الغيلاني بأن الحل يكمن في أن تأتي الاستراتيجية العمرانية كحل مهم وجذري لإصلاح الواقع العمراني وتوجيه التنمية العمرانية بالاتجاه الصحيح والموصى به في الممارسات العمرانية الجديدة من أجل إصلاح واقع المدن وتعظيم الفائدة الاقتصادية المرجوة منها، ثم يأتي الحل الأهم وهو إيمان السكان بضرورة وحتمية إصلاح السياسات العمرانية وجعل المدينة قوية وحيوية جاذبة للسكان والاستثمار.