أهمية التعاون المالي الآسيوي
الاحد / 29 / محرم / 1444 هـ - 19:05 - الاحد 28 أغسطس 2022 19:05
يو يونغدينغ
في الثاني من يوليو من عام 1997، انهار البات التايلندي، بعد موجات من هجمات المضاربة، نَـفَـد المخزون لدى الحكومة من العملات الأجنبية وأصبحت عاجزة عن دعم ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي، ولهذا قررت تعويم البات الذي انزلق إلى حالة من السقوط الحر، وتقدمت موجة من الشركات المالية وغير المالية التايلندية، والتي اقترضت بإفراط بالدولار، بطلبات إعلان الإفلاس، وبدأت الأزمة المالية الآسيوية.
بسبب عجزها عن سداد ديونها الخارجية، لجأت تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية إلى صندوق النقد الدولي طلبًا للدعم، لكن حزم الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي جاءت ضئيلة، ومتأخرة للغاية، وبشروط بالغة القسوة، وقد تبين على نحو متزايد أن منطقة شرق آسيا ستكون أفضل حالا بإنقاذ ذاتها.
من المؤكد أن المنطقة لم تكن محرومة من الموارد، فبرغم أن بعض البلدان، مثل تايلند، كانت تدير عجزا في الحساب الجاري، فإن منطقة شرق آسيا ككل كان لديها فائض خارجي، لذلك، في سبتمبر من عام 1997، اقترحت اليابان تجميع احتياطيات المنطقة من النقد الأجنبي واستخدامها لإنقاذ البلدان المتعثرة.
الواقع أن «صندوق النقد الآسيوي» الذي كان المفترض إنشاؤه لإدارة هذا المرفق، وَعَـدَ بالتحرك بسرعة أكبر وفرض شروطًا أقل صرامة مقارنة بشروط صندوق النقد الدولي، لكن الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي اعترضا على المبادرة، وولِـد صندوق النقد الآسيوي جهيضا. مع ذلك، لم تيأس القوى الإقليمية من التعاون.
في شهر مايو من عام 2000، وَقَّـعَـت بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) العشر في ذلك الحين - بروناي دار السلام، وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلند، وفيتنام - بالإضافة إلى الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية (آسيان+3) - على مبادرة شيانج ماي، أول ترتيب لتبادل العملات في المنطقة. من خلال تمكين البلدان من مقايضة عملاتها المحلية بالدولار الأمريكي لفترة محددة زمنيا، كان المفترض أن تساعد مبادرة شيانج ماي المقترضين الإقليميين على التغلب على تحديات السيولة في الأمد القريب، وبالتالي العمل كمكمل لصندوق النقد الدولي.
وفتح هذا الطريق أمام الوفاء بوعد صندوق النقد الآسيوي: في عام 2009، أصبحت المبادرة تحمل مسمى «تعددية مبادرة شيانج ماي»، مخطط متعدد الأطراف لتجميع الاحتياطيات بلغ مجموعه 120 مليار دولار. وفي عام 2014، جرى توسيع المرفق إلى 240 مليار دولار. جاء مَـعْـلَـم آخر على الطريق في عام 2002، عندما أطلقت آسيان+3 مبادرة أسواق السندات الآسيوية، على أمل أن تعمل سوق السندات الإقليمية على تعزيز الاستقرار المالي، وتقليل التعرض لتقلبات تدفقات رأس المال، وتخفيف عدم توافق العملات وآجال الاستحقاق، ومقاومة «فرط النشاط المصرفي». وفي مارس 2022، بلغت قيمة سوق السندات بالعملات المحلية في منطقة شرق آسيا الناشئة 23.5 تريليون دولار.
في عام 2005، اقترح بنك التنمية الآسيوي المحاولة الأكثر طموحًا للتعاون المالي الإقليمي: وحدة العملة الآسيوية. تتألف وحدة العملة الآسيوية من سلة عملات بلدان آسيان+3، وهي مصممة كمرساة لتمكين بلدان المنطقة من ربط عملاتها، وبالتالي ردع خفض قيمة العملات تنافسيا وتمكين بلدان المنطقة من تعويم عملاتها جماعيا مقابل الدولار الأمريكي. وهذا من شأنه أن يعمل على تمكين التعديل الأسرع لاختلالات توازن الحساب الجاري وتعزيز التجارة الإقليمية والتدفقات المالية.
بالبناء على فكرة وحدة العملة الأسيوية، ابتكرت مجموعة من الاقتصاديين اليابانيين مفهوما تكميليا: «الوحدة النقدية الآسيوية»، التي تعكس قيمتها المتوسط المرجح لعملات شرق آسيا. ولكن، على الرغم من ترحيب الأكاديميين الآسيويين بالمقترحات باعتبارها خطوات أولى محتملة نحو إنشاء عملة إقليمية مشتركة، لم تكتسب فكرة وحدة العملة الآسيوية ولا اقتراح الوحدة النقدية الآسيوية أي ثِـقَـل بين صناع السياسات. من المؤسف أن التعاون المالي الآسيوي بدأ يفقد زخمه في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة.
أولا: أصبحت الحاجة إلى دعم السيولة الإقليمية أقل إلحاحا. فمعظم عملات بلدان آسيان+3 تدير فوائض في الحساب الجاري أغلب الوقت، ونجحت المنطقة في تكديس نحو 3.7 تريليون دولار في هيئة احتياطيات من النقد الأجنبي بحلول الوقت الذي اندلعت فيه الأزمة المالية العالمية عام 2008 - بزيادة تتجاوز ستة أمثال حجم احتياطياتها الذي بلغ 542 مليار دولار في عام 1997.
ثانيا: على الرغم من التقدم المبهر الذي حققته سوق السندات الآسيوية على مدار السنوات العشر الأخيرة، فإن محاولات تنمية أسواق سندات العملات المحلية تدفعها احتياجات مالية محلية وليس التعاون المالي الإقليمي، ونادرا ما نرى إصدار سندات بالعملات المحلية عبر الحدود. الواقع أن التطور المالي في البلدان فرادى تجاوز بدرجة كبيرة تطور البنية الأساسية اللازمة لإصدار السندات بالعملة المحلية عبر الحدود. ونتيجة لهذا، تستمر عوامل مثل الضوابط التنظيمية غير الموحدة، ونقص السيولة السوقية، والافتقار إلى نظام فَـعّـال لتسوية الأوراق المالية، في إعاقة تطور إصدار السندات بالعملات المحلية عبر الحدود في المنطقة.
ثالثا: منذ اندلاع الأزمة المالية الآسيوية، تبنت أغلب دول شرق آسيا نظامًا موجهًا لإدارة أسعار صرف حرة، ولكن لم تربط أي منها عملاتها بسلة من عملات شرق آسيا تقوم على فكرة وحدة العملة الآسيوية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى عدم استعدادها لتقبل فكرة فرض قيود على أسعار صرف عملاتها من أجل تثبيت استقرار أسعار الصرف بين العملات الإقليمية.
في عموم الأمر، تشكل زيادة التعاون الاقتصادي والإقليمي أهمية بالغة لازدهار آسيا في الأمد البعيد، بيد أن السعي إلى تحقيق هذه الغاية - بما في ذلك التشكيل المحتمل لمجموعة اقتصادية شرق آسيوية - هو في الأساس مسألة سياسية وليست اقتصادية. بسبب التقارب الجغرافي الوثيق والترابط الاقتصادي بين دول شرق آسيا، ينبغي لحكومات آسيان+3 أن تسارع بشكل عاجل إلى إعادة المسعى الذي بدأ قبل خمسة وعشرين عامًا إلى أجنداتها.
_____________
يو يونجدينج - الرئيس السابق لجمعية الصين للاقتصاد العالمي ومدير معهد الاقتصاد العالمي والسياسة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.
خدمة بروجيكت سنديكيت
بسبب عجزها عن سداد ديونها الخارجية، لجأت تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية إلى صندوق النقد الدولي طلبًا للدعم، لكن حزم الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي جاءت ضئيلة، ومتأخرة للغاية، وبشروط بالغة القسوة، وقد تبين على نحو متزايد أن منطقة شرق آسيا ستكون أفضل حالا بإنقاذ ذاتها.
من المؤكد أن المنطقة لم تكن محرومة من الموارد، فبرغم أن بعض البلدان، مثل تايلند، كانت تدير عجزا في الحساب الجاري، فإن منطقة شرق آسيا ككل كان لديها فائض خارجي، لذلك، في سبتمبر من عام 1997، اقترحت اليابان تجميع احتياطيات المنطقة من النقد الأجنبي واستخدامها لإنقاذ البلدان المتعثرة.
الواقع أن «صندوق النقد الآسيوي» الذي كان المفترض إنشاؤه لإدارة هذا المرفق، وَعَـدَ بالتحرك بسرعة أكبر وفرض شروطًا أقل صرامة مقارنة بشروط صندوق النقد الدولي، لكن الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي اعترضا على المبادرة، وولِـد صندوق النقد الآسيوي جهيضا. مع ذلك، لم تيأس القوى الإقليمية من التعاون.
في شهر مايو من عام 2000، وَقَّـعَـت بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) العشر في ذلك الحين - بروناي دار السلام، وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلند، وفيتنام - بالإضافة إلى الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية (آسيان+3) - على مبادرة شيانج ماي، أول ترتيب لتبادل العملات في المنطقة. من خلال تمكين البلدان من مقايضة عملاتها المحلية بالدولار الأمريكي لفترة محددة زمنيا، كان المفترض أن تساعد مبادرة شيانج ماي المقترضين الإقليميين على التغلب على تحديات السيولة في الأمد القريب، وبالتالي العمل كمكمل لصندوق النقد الدولي.
وفتح هذا الطريق أمام الوفاء بوعد صندوق النقد الآسيوي: في عام 2009، أصبحت المبادرة تحمل مسمى «تعددية مبادرة شيانج ماي»، مخطط متعدد الأطراف لتجميع الاحتياطيات بلغ مجموعه 120 مليار دولار. وفي عام 2014، جرى توسيع المرفق إلى 240 مليار دولار. جاء مَـعْـلَـم آخر على الطريق في عام 2002، عندما أطلقت آسيان+3 مبادرة أسواق السندات الآسيوية، على أمل أن تعمل سوق السندات الإقليمية على تعزيز الاستقرار المالي، وتقليل التعرض لتقلبات تدفقات رأس المال، وتخفيف عدم توافق العملات وآجال الاستحقاق، ومقاومة «فرط النشاط المصرفي». وفي مارس 2022، بلغت قيمة سوق السندات بالعملات المحلية في منطقة شرق آسيا الناشئة 23.5 تريليون دولار.
في عام 2005، اقترح بنك التنمية الآسيوي المحاولة الأكثر طموحًا للتعاون المالي الإقليمي: وحدة العملة الآسيوية. تتألف وحدة العملة الآسيوية من سلة عملات بلدان آسيان+3، وهي مصممة كمرساة لتمكين بلدان المنطقة من ربط عملاتها، وبالتالي ردع خفض قيمة العملات تنافسيا وتمكين بلدان المنطقة من تعويم عملاتها جماعيا مقابل الدولار الأمريكي. وهذا من شأنه أن يعمل على تمكين التعديل الأسرع لاختلالات توازن الحساب الجاري وتعزيز التجارة الإقليمية والتدفقات المالية.
بالبناء على فكرة وحدة العملة الأسيوية، ابتكرت مجموعة من الاقتصاديين اليابانيين مفهوما تكميليا: «الوحدة النقدية الآسيوية»، التي تعكس قيمتها المتوسط المرجح لعملات شرق آسيا. ولكن، على الرغم من ترحيب الأكاديميين الآسيويين بالمقترحات باعتبارها خطوات أولى محتملة نحو إنشاء عملة إقليمية مشتركة، لم تكتسب فكرة وحدة العملة الآسيوية ولا اقتراح الوحدة النقدية الآسيوية أي ثِـقَـل بين صناع السياسات. من المؤسف أن التعاون المالي الآسيوي بدأ يفقد زخمه في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة.
أولا: أصبحت الحاجة إلى دعم السيولة الإقليمية أقل إلحاحا. فمعظم عملات بلدان آسيان+3 تدير فوائض في الحساب الجاري أغلب الوقت، ونجحت المنطقة في تكديس نحو 3.7 تريليون دولار في هيئة احتياطيات من النقد الأجنبي بحلول الوقت الذي اندلعت فيه الأزمة المالية العالمية عام 2008 - بزيادة تتجاوز ستة أمثال حجم احتياطياتها الذي بلغ 542 مليار دولار في عام 1997.
ثانيا: على الرغم من التقدم المبهر الذي حققته سوق السندات الآسيوية على مدار السنوات العشر الأخيرة، فإن محاولات تنمية أسواق سندات العملات المحلية تدفعها احتياجات مالية محلية وليس التعاون المالي الإقليمي، ونادرا ما نرى إصدار سندات بالعملات المحلية عبر الحدود. الواقع أن التطور المالي في البلدان فرادى تجاوز بدرجة كبيرة تطور البنية الأساسية اللازمة لإصدار السندات بالعملة المحلية عبر الحدود. ونتيجة لهذا، تستمر عوامل مثل الضوابط التنظيمية غير الموحدة، ونقص السيولة السوقية، والافتقار إلى نظام فَـعّـال لتسوية الأوراق المالية، في إعاقة تطور إصدار السندات بالعملات المحلية عبر الحدود في المنطقة.
ثالثا: منذ اندلاع الأزمة المالية الآسيوية، تبنت أغلب دول شرق آسيا نظامًا موجهًا لإدارة أسعار صرف حرة، ولكن لم تربط أي منها عملاتها بسلة من عملات شرق آسيا تقوم على فكرة وحدة العملة الآسيوية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى عدم استعدادها لتقبل فكرة فرض قيود على أسعار صرف عملاتها من أجل تثبيت استقرار أسعار الصرف بين العملات الإقليمية.
في عموم الأمر، تشكل زيادة التعاون الاقتصادي والإقليمي أهمية بالغة لازدهار آسيا في الأمد البعيد، بيد أن السعي إلى تحقيق هذه الغاية - بما في ذلك التشكيل المحتمل لمجموعة اقتصادية شرق آسيوية - هو في الأساس مسألة سياسية وليست اقتصادية. بسبب التقارب الجغرافي الوثيق والترابط الاقتصادي بين دول شرق آسيا، ينبغي لحكومات آسيان+3 أن تسارع بشكل عاجل إلى إعادة المسعى الذي بدأ قبل خمسة وعشرين عامًا إلى أجنداتها.
_____________
يو يونجدينج - الرئيس السابق لجمعية الصين للاقتصاد العالمي ومدير معهد الاقتصاد العالمي والسياسة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.
خدمة بروجيكت سنديكيت