إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

 
ـ ما معنى حديث رسول صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت»؟

الرواية فيها خلاف لكن أكثر المحدثين يقبلونها، فابن حجر على سبيل المثال ضعف رواية «الرؤيا على أول عابر» لكن ابن حجر نقل أن المعنى يتفق مع رواية أخرى حسنها الترمذي وهي عند ابن ماجه، وصححها الحاكم، وكذا فعل الإمام النووي والطحاوي في «معاني الآثار» فأكثر المحدثين يقبلون هذه الروية، والتعبير الوارد فيها «على رجل طائر» يقصد به أنها غير مستقرة بعد، كما يقال في التعبير لمن كان غير مستقر بسبب كثرة الأسفار فيقال: «على جناح طير»، وهذا التعبير أي أنها خفيفة غير مستقرة تكاد تسقط ما لم تعبر، وهنا نأتي إلى المعنى، أولا الذي هو أهل لمن يعبر هذه الرؤيا لا بد أن يكون عالما بتعبير الرؤى، ويكون الوجه الذي يعبر به الرؤيا وجها صحيحا، وهذا أحسن ما حمل عليه تفسير الحديث، لأنه يقول إذا عبرت وقعت، يفهم منها أنها تقع على حسب تفسير العابر.

لكننها نجد في حديث أبي بكر الصديق رضوان الله عليه في الرجل الذي أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأى ظلة وهي تسقط سمنا وعسلا فيكتنفها الناس، فاستأذن أبو بكر رضوان الله تعالى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يعبر هذه الرؤيا فلما عبرها قال له صلى الله عليه وسلم أصبت بعضا وأخطأت في بعض، إذن لم يكن ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم من التعبير الخطأ في التعبير سببا في وقوع الرؤيا، إذن هذا منتف، ولذلك ورد في بعض الروايات زيادة في هذا الأثر نفسه، فورد: «فلا تقصها إلا على وادّ أو ذي رأي»، واد من الوداد، وذي عقل أي مدرك لتعبير الرؤى عالم بها، ويلتزم بآداب تعبير الرؤيا، فمحل تفسير الحديث أن الرؤيا تقع على حسب ما يقوله العابر لها إن كان عالما بتعبير الرؤى، وإن كان وجه تعبيره صحيحا، فكما قال الطحاوي، تحمل إن كان للرؤيا وجهان مقبولان صحيحان، فحين إذن على حسب ما يكون من المعبر تقع، أما إذا كان التعبير خطأ فإنه ليس مما يوقع الرؤيا، وإنما إذا كان التعبير صحيحا فإنها تقع لأنها رؤيا من الله تبارك وتعالى لكن استجلاء معناها كان صحيحا فوقعت كما كان، فعلى العابر أن يختار لها الوجه الأحسن، حتى تكون للرائي خيرا ومنفعة وصلاحا، هذا هو المقصود.

فإن كانت رؤيا شر عياذا بالله، حلم من الشيطان، فقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة منها ولا حاجة إلى أن يخبر بها أحدا، فقال: «إذا رأى أحدكم ما يكره، فليتفل على يساره ثلاثا، وليقل اللهم إن أعوذ بك من الشيطان ومن شر ما رأيت» والله تعالى أعلم.

ـ هل يمكن أن يكون الطلاق عن طريق وسيط مثل الهيئة أو المؤسسة، حتى يحد من ظاهرة الطلاق، بحيث لا يسمح للإنسان أن يطلق إلا بعد أن يجلس إلى هذه الجهة التي ترشده؟

كل ما يمكن أن يؤدي إلى تلافي الجور في الطلاق أو التعدي فيه، أو إيقاعه دون حسبان للعواقب، فهو محل ترحاب، بقي البحث في الطلاق الذي يوقعه متجاوزا هذه الهيئات أو هذه الإجراءات، لأن الحكم الشرعي فيه حينئذ أنه واقع، فهناك في شرع الله تعالى جملة من الموانع التي تبعد المسلم عن التعجل في إيقاع الطلاق، ومع ذلك ما التفت إليها كثير من الناس، لما أمر ربنا تبارك وتعالى بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» أي مستقبلات لعدتهن، فدلت السنة على أن يكون طلاق الرجل للمرأة في طهر لم يجامعها فيه، مما يعني أنه يأثم إن أوقع الطلاق في حالة حيضها، وأن يوقع الطلاق وقد عشي الرجل امرأته أو أن يأتي بأكثر من لفظ واحد ومع ذلك فإن هذه الأحكام الشرعية التي أريد لها أن يتريث الرجل في أمر الطلاق وأن لا يوقعه إلا وأنه يرى أنه هو السبيل الوحيد في إصلاح شأن الأسرة، فالطلاق علاج لمشكلات تعذر علاجها إلا بوقوع الفرقة بين الزوجين، ومع ذلك فإن الناس للأسف الشديد يتهورون ولا يلتفتون، ولكن تفقيه الناس وعمل ما يمكن أن يؤدي إلى إدراكهم لعواقب الطلاق وكيفية علاجهم للمشكلات الأسرية الزوجية التي تنشأ داخل الأسرة، وتبيان الوسائل الشرعية في علاج هذه المشكلات وإرشاد الزوجين الرجل والمرأة إلى ما يحتاجان للتعرف عليه من الأحكام الشرعية ومن الأخلاق في التعامل مع الطرف الآخر، ومن العواطف وكيفية التعبير عنها، وفي السنة النبوية الشريفة الكثير من هذا، وفي كيفية إنشاء حوار بين الزوجين والتشاور في الأمور التي تعن لهما، ومما من شأنه أن يطفئ أوار الخلافات التي يمكن التي تدفع الزوجين إلى وقوع الطلاق، سواء كان باستفزاز من المرأة، أو من جور وتسلط من الرجل، فكل هذه الوسائل متى ما اتبعت واتخذت سنشهد بإذن الله عز وجل تراجعا في حالات الطلاق التي يتهور ويتعدى فيه، مما هو مجلبة لمزيد من المشكلات على خلاف مقصود الشارع.

لكن هذا بحال من الأحوال لا يعني إن أوقع الرجل الطلاق أنه لا يقع، لأنه خالف الوسيلة التي هيئت لذلك، فمن جملة الأحكام الشرعية المعلقة على القول باللسان، فهذا القول إما أن يكون صريحا أو يكون كناية لكل حالة منها قرائن ويترتب عليها آثار وأحكام شرعية فلا يمكن تعطيل هذه الأحكام بوجه من الوجوه والله تعالى أعلم.

ـ الله تعالى نهى نوحا عليه السلام من مخاطبته في الذين ظلموا: «وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ»، لكن خاطبه بعد ذلك في شأن ابنه: «وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ» فرد الله عليه بأن: «قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ» فهل هذا الرد هو إشارة إلى نهيه على المخاطبة الأولى؟

مقام نوح عليه السلام وهو مقام الرسالة والاصطفاء من الله تبارك وتعالى، وقد أذن له تعالى في أن يأخذ أهله معه: «قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ» ولذلك دعا ولده: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ» إذا هذا هو الأظهر في سبب مناشدة نوح لربه جل وعلا وذلك قال: « رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ» فجاءه الجواب: « إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ» فبعض المفسرين قالوا إنه الشرك، وبعضهم قال العصيان، لأن الكفر سواء كان بالشرك أو بالعصيان والفسوق قاطع للأواصر والعلاقات، أما ما ينصرف إلى أذهان كثير من الناس من نفي صلة الأبوة بين نوح وابنه هذا فهذا منزه عنه نوح عليه السلام وينزه عنه الأنبياء، فهم منزهون في أعراضهم، ولا يمكن أن يقدح في عرض نبي من أنبياء الله تبارك وتعالى أبدا، وهذا لا وجه له لا لغة ولا شرعا، وإنما هو مما سرى في أذهان كثير من الناس إما أن يكون ناشئا عن جهل، أو أنه ناشىء عن أساطير وخرافات تناقلوها والله تعالى المستعان.