أفكار وآراء

أزمة الركود الاقتصادي وسبل التعافي "الهوم" وحكايته

قد تبدو مقارنة غريبة بين وضع اقتصادي عالمي وقصة محليّة لبائع عماني بسيط، لكن الحكمة تُؤتى من أفواهِ البسطاء، والحلول الكبرى تستدعي بالضرورة استقراءً وتأملا للواقع المُعاش، من الشعب وعلاقاته وتحدياته نأخذ ألوانَ العِبرِ وصنوفَ السِير

الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تشغل العالم اليوم تلقي بظلالها على الواقع المحلي في مستويات عدة اقتصادية واجتماعية وسلوكية وإنسانية عامة، وكما أن هذه التداعيات تركت آثارها السلبية في كثير من الدول والمجتمعات، فإن كثيرا ممن عايشوها تدبروا دروسها وتعلموا من تشكلاتها وتقلباتها عبر أعوام لم تمر خِفافا على شعوب العالم، وسيكون لها ما بعدها كما نتابع ونرى.

أما السلبيات فما زالت ميدانا للبحث والتقصي والتحليل في كل أشكالها وعلى كل مستوياتها دولا وشعوبا، خاصة ما يتصل منها بتشكلات القوى السياسية والاقتصادية في العالم، تحريكا لمركزيتها التي اتسمت بالثبات لعقود وها هي تتأرجح اليوم بين قوى مختلفة متنافسة يبحث كل منها لنفسه عن منبر وفضاءات متاحة أو ممكنة، ومع هذا الحراك الدؤوب للسيطرة السياسية والاقتصادية وإعادة تشكيل خارطة القوى في العالم الحديث لا يمكن إهمال ما تكبّد العالم كذلك من ضريبة هذه التحولات وهذا السعي الحثيث للتنفيذ والقيادة، من خسائر اقتصادية هائلة ليس آخرها التضخم الاقتصادي وآثاره المختلفة، ومن نجا اقتصاديا من حفرة التضخم وقع لا محالة في شرك ضعف الإنتاج أو تراجعه ليخرج من الركود إلى التعافي، ويقينا ستحتاج هذه المرحلة للكثير من الجهود من تقييم دوري مستمر ووضع خطط نصف سنوية مختلفة مناسبة لكل فترة من فترات التعافي (إذ لن تجدي الخطة الواحدة نفعا مع التغيرات السريعة) واللحاق بركاب الدول الناجية بأسرع وقت وبأقل الخسائر إن لم يكن من الخسارة بد.

وبعيدا عن كل تلك الدوائر العالمية أتأمل الواقع المحلي حيث شكوى التجار الدائمة من تأثير الأزمة على مشاريعهم التجارية والصناعية، بل وحتى على دخل المواطن الشهري وعجزه عن تحقيق الموازنة بين كفتيّ الإنفاق والاستهلاك.

وحتى تنجو لابد أن تكون مختلفا ولا يأتي الاختلاف من التقليد، كما لا يأتي الرزق من مجرد الشكوى والتذمر، وانتظار المال الوفير والخير الكثير من التلويح بعصا الحلم على جرة السمن المعلقة المهددة بالكسر في أي لحظة انفعال للحالم.

ومن الحالمين الساعين للاختلاف في أبسط أشكاله لكن بجد وإخلاص تأتي حكاية 'الهوم' علي المعمري، بائع البطيخ البسيط الذي استقرأ الواقع وتأمله فقرر الاختلاف ليضمن رزقه من خباء الصدق وتلوين المنطق.

ابتكر 'الهوم' طريقته الخاصة في تسويقه لمنتجه 'البطيخ' واستغل الوسائل المتاحة لذلك، بل فلنقل بأنه تبع قلبه ووحده الصدق قاد التسويق سعيا إليه وهو في مكانه.

وسيلة 'الهوم' هي بضع كلمات بسيطة ينطقها بعفوية وفرح، إضافة إلى شفافية وصدق يشهد لهما العابرون من متذوقي ومتسوقي بطيخ 'الهوم'.

ومن كاميرا هاتفٍ عابر مُسجِّلٍ لدقائق من عمل 'الهوم' اليومي إلى فضاءات شبكات التواصل الاجتماعي صار 'الهوم' علامة يُقصدُ حيثما كان، لا لصدقِه في عرض مُنتجِه وحسب، بل لتلك الطاقة الإيجابية التي يوزعها في المكان أوان عرض بضاعته الحلال على الجميع، بابتسامةٍ سخيّة، وثقة في صدق تسويقه حيث تُفتحُ البطيخةُ أمامَ طالبيها، بعيدا عن المَثل المُشككِ في حظّ البطيخِ بين جيّدٍ أو رديء فلا مِراءَ بعد عيان، ومع بيعه البطيخ لا ينسى 'الهوم' تمرير الكثير من الرسائل الرائعة لقيم الصدق والترابط الاجتماعي الإنساني، لا بين أفراد شعبه وحسب، بل بين الشعوب المختلفة على بساطة مفرداته والمتاح من وسائله.

قد تبدو مقارنة غريبة بين وضع اقتصادي عالمي وقصة محليّة لبائع عماني بسيط، لكن الحكمة تُؤتى من أفواهِ البسطاء، والحلول الكبرى تستدعي بالضرورة استقراءً وتأملا للواقع المُعاش، من الشعب وعلاقاته وتحدياته نأخذ ألوانَ العِبرِ وصنوفَ السِير.

تابعتُ احتفاءات كثير من الأفراد والجماعات بـ'الهوم' وأسلوبه الرائع المميز، لكنني أخشى عليه من منصات الاحتفالات خشية أن يؤخذ بالأضواء الباهرة المؤقتة فيبعد عن ميدانه الجميل ووصفته السحرية في توزيع الفرح متمنية له كل التوفيق واتساع الرزق، ولغيره من الشباب العمانيين ابتكار حكايتهم الخاصة ليأمنوا التقليد ويتسم كلٌّ منهم بعلامة يفخرُ ويُعرف بها.

صِدقُ الإنسان وعفويته وسعيه للاختلاف أنجاه وبضاعته من الركود والكساد، وكذلك سينجينا جميعا وعلى كل الصعد والمستويات إن اتبعنا وصفة 'الهوم' في موازنة بين طاقة إيجابية في العمل لا تحرقها الشكوى ولا يعيقها التذمر، ثم الصدق في التسويق، وبراعة التجديد في الوسائل، حينها نصل لمعدلات إنتاجية أعلى وثبات مأمول مستحق.