نوافذ .. مع عبدالله الطائي
السبت / 14 / محرم / 1444 هـ - 18:26 - السبت 13 أغسطس 2022 18:26
كان عمر الأستاذ أحمد الفلاحي (الأديب العُماني المعروف) سبعة عشر عامًا فقط حين التقى عبدالله الطائي (الذي هو بدوره أحد رموز الأدب العُماني الحديث) للمرة الأولى في مدينة الدمام بالسعودية، ونشأت بينهما صداقة ومودة لم تنته بوفاة الأول عام 1973م، بل لعلنا نقول إن هذا الرحيل المبكّر كان البداية الثانية للعلاقة بين الرجلين التي استمرت حتى اليوم، والتي تَوَّجَها الفلاحي أخيرًا بما يمكن أن نسميه التوثيق الكتابي لهذه العلاقة بإصداره كتابه الجديد 'مع عبدالله الطائي' عن مؤسسة الانتشار العربي في بيروت.
جاء الكتاب في 114 صفحة من القطع المتوسط، وتضمن مقالات كان الأستاذ أحمد قد نشرها على فترات متباعدة عن الطائي شاعرًا وروائيًّا وكاتب مقالات ورائدًا من رواد الثقافة في عُمان والخليج العربي، واختتمها بحوارٍ مطوّلٍ عنه كان قد أُجري معه لموقع عبدالله الطائي الإلكتروني.
أحدث هذه المقالات نشرًا كان عام 2021م في جريدة 'الرؤية' عن التجربة الروائية للأديب الراحل الذي كان – كما هو معلوم - رائد الكتابة الروائية في عُمان بروايته 'ملائكة الجبل الأخضر' المنشورة سنة 1963م، التي تبعتْها رواية ثانية صدرت بعد ثمان سنوات من رحيله هي 'الشراع الكبير'. ونعدّه أيضًا رائد الكتابة القصصية حتى وإن تأخر نشر كتابه القصصي 'المغلغل' إلى مطلع الألفية الجديدة، ذلك أنه من المعروف أن قصصه الأولى كتبها في أربعينيات القرن الماضي.
أما أقدم مقالات الكتاب فقد نشره الفلاحي في عام 1978م في مجلة 'الثقافة الجديدة' بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل الطائي، وأبدى فيه حزنه الشديد على 'نسيان عبدالله الطائي، والتغاضي عنه وعن آثاره'، وهو الحزن الذي سيستمر معه حتى مطلع الألفية الجديدة عندما سأله ليث بن نصر الطائي في الحوار المطوّل الذي سبقت الإشارة إليه: 'هل أخذ الطائي حيّزا كافيا في التناول الثقافي والإعلامي والتعليمي العماني بوصفه أحد أهم رواد الحركة الأدبية الحديثة في عمان؟' فكانت إجابته: 'كلا. للأسف لم يأخذ أي حيز فضلا عن أن يكون كافيا يتناسب مع حجمه ومكانته، فبرامج الإعلام غائبة عنه، والصحافة تتناوله بأقل ما يجب، ومناهج الدراسة تتجنبه ولا تقترب من أدبه، وكذلك المؤسسات الثقافية بما فيها وزارة التراث، والمؤسسات الأكاديمية بما فيها جامعة السلطان قابوس، وغيرها، لا يحضر ضمن برامجها وندواتها ودراسات منتسبيها، ولا شك أن هذا حال غير مبرر بل ومحزن'، لكنني أزعم أن مياهًا كثيرة جرت تحت الجسر منذ نشر هذا الحوار، وتغيَّر الوضع للأفضل، فقد بتنا نشاهد ندوات تُقام وكتبًا تصدر وبرامج إعلامية تذاع عن الأديب الراحل، وتضعه في المكانة التي يستحقها.
يتحدث الفلاحي عن الدور السياسي الذي لعبه عبدالله الطائي في نهضة عُمان الحديثة إثر تعيينه من قبل السلطان قابوس -رحمه الله- أول وزير إعلام في عام 1970م، ورغم أنه لم يستمر طويلًا في هذا المنصب إلا أن له قصب السبق في تأسيس اللبنات الأولى للإذاعة العُمانية، وتأسيس جريدة الوطن. وحفظت الذاكرة العُمانية له إلقاءه بصوته خطاب انضمام عُمان إلى الأمم المتحدة عام 1971م، والنشيد الوطني الشهير 'صوت النهضة' الذي كتب كلماته، وأذيع للمرة الأولى عام 1971 كذلك. ويتحدث الأستاذ أحمد أيضًا عن دور الطائي المؤثر في وفد الصداقة العُماني الذي جاب الدول العربية 'في جولة امتدت لما يقرب من شهرين ابتداءً من ديسمبر 1970م للتعريف بعُمان والتواصل مع الأشقاء العرب سعيًا للانضمام إلى جامعة الدول العربية، وبحكم خبراته الواسعة وصداقاته وروابطه القوية مع المسؤولين في الدول العربية تيسر للوفد إنجاز مهمته بصورة أسرع وأسهل'.
ورغم أن الفلاحي ليس ناقدًا ـ كما يقول ـ إلا أن مقالاته في هذا الكتاب لا تخلو من بعض الالتماعات النقدية والالتقاطات الفطِنة، يقول مثلا في إحداها: 'قلّما يجد المتأمل في أدب عبدالله الطائي شيئًا ليس عن شؤون الوطن وشجونه في ماضيه الغابر، أو حاضره المرئي، أو مستقبله المأمول، فهو عندما يرثي أمه، أو قريبه الكندي، أو أخاه نصر أو علَمًا من أعلام بلده كالشاعر هلال بن بدر أو العلامة الرقيشي فحديثه كله يتمحور حول الوطن ومعاناته، وهو عندما يتغزل ـ وما أقل الغزل عند عبدالله الطائي ـ تجد عُمان بارزة في غزلياته، وهو عندما يخاطب صديقًا أو يهنئ في مناسبة ما لا تغيب عُمان عن تلك التحية أو التهنئة، وروايتاه ـ كما علمتم ـ كلتاهما تدور حول أحداث مهمة في تاريخ هذا الوطن، وكذلك تجاربه القليلة في القصة القصيرة. أما مقالاته فأغلبها عن عُمان'.
'مع عبدالله الطائي' كتاب يسرد ـ إضافة إلى ما سبق ـ حكاية عُمْر من الصداقة بين رمزين من رموز الثقافة المعاصرة في عُمان؛ الأول بريادته الفنون الأدبية الحديثة، وصناعته جزءًا من تاريخها الثقافي المعاصر، والثاني بجناح أبوّته الذي خفضه ـ ولا يزال ـ للمثقفين العُمانيين بكافة مشاربهم وتوجهاتهم.
جاء الكتاب في 114 صفحة من القطع المتوسط، وتضمن مقالات كان الأستاذ أحمد قد نشرها على فترات متباعدة عن الطائي شاعرًا وروائيًّا وكاتب مقالات ورائدًا من رواد الثقافة في عُمان والخليج العربي، واختتمها بحوارٍ مطوّلٍ عنه كان قد أُجري معه لموقع عبدالله الطائي الإلكتروني.
أحدث هذه المقالات نشرًا كان عام 2021م في جريدة 'الرؤية' عن التجربة الروائية للأديب الراحل الذي كان – كما هو معلوم - رائد الكتابة الروائية في عُمان بروايته 'ملائكة الجبل الأخضر' المنشورة سنة 1963م، التي تبعتْها رواية ثانية صدرت بعد ثمان سنوات من رحيله هي 'الشراع الكبير'. ونعدّه أيضًا رائد الكتابة القصصية حتى وإن تأخر نشر كتابه القصصي 'المغلغل' إلى مطلع الألفية الجديدة، ذلك أنه من المعروف أن قصصه الأولى كتبها في أربعينيات القرن الماضي.
أما أقدم مقالات الكتاب فقد نشره الفلاحي في عام 1978م في مجلة 'الثقافة الجديدة' بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل الطائي، وأبدى فيه حزنه الشديد على 'نسيان عبدالله الطائي، والتغاضي عنه وعن آثاره'، وهو الحزن الذي سيستمر معه حتى مطلع الألفية الجديدة عندما سأله ليث بن نصر الطائي في الحوار المطوّل الذي سبقت الإشارة إليه: 'هل أخذ الطائي حيّزا كافيا في التناول الثقافي والإعلامي والتعليمي العماني بوصفه أحد أهم رواد الحركة الأدبية الحديثة في عمان؟' فكانت إجابته: 'كلا. للأسف لم يأخذ أي حيز فضلا عن أن يكون كافيا يتناسب مع حجمه ومكانته، فبرامج الإعلام غائبة عنه، والصحافة تتناوله بأقل ما يجب، ومناهج الدراسة تتجنبه ولا تقترب من أدبه، وكذلك المؤسسات الثقافية بما فيها وزارة التراث، والمؤسسات الأكاديمية بما فيها جامعة السلطان قابوس، وغيرها، لا يحضر ضمن برامجها وندواتها ودراسات منتسبيها، ولا شك أن هذا حال غير مبرر بل ومحزن'، لكنني أزعم أن مياهًا كثيرة جرت تحت الجسر منذ نشر هذا الحوار، وتغيَّر الوضع للأفضل، فقد بتنا نشاهد ندوات تُقام وكتبًا تصدر وبرامج إعلامية تذاع عن الأديب الراحل، وتضعه في المكانة التي يستحقها.
يتحدث الفلاحي عن الدور السياسي الذي لعبه عبدالله الطائي في نهضة عُمان الحديثة إثر تعيينه من قبل السلطان قابوس -رحمه الله- أول وزير إعلام في عام 1970م، ورغم أنه لم يستمر طويلًا في هذا المنصب إلا أن له قصب السبق في تأسيس اللبنات الأولى للإذاعة العُمانية، وتأسيس جريدة الوطن. وحفظت الذاكرة العُمانية له إلقاءه بصوته خطاب انضمام عُمان إلى الأمم المتحدة عام 1971م، والنشيد الوطني الشهير 'صوت النهضة' الذي كتب كلماته، وأذيع للمرة الأولى عام 1971 كذلك. ويتحدث الأستاذ أحمد أيضًا عن دور الطائي المؤثر في وفد الصداقة العُماني الذي جاب الدول العربية 'في جولة امتدت لما يقرب من شهرين ابتداءً من ديسمبر 1970م للتعريف بعُمان والتواصل مع الأشقاء العرب سعيًا للانضمام إلى جامعة الدول العربية، وبحكم خبراته الواسعة وصداقاته وروابطه القوية مع المسؤولين في الدول العربية تيسر للوفد إنجاز مهمته بصورة أسرع وأسهل'.
ورغم أن الفلاحي ليس ناقدًا ـ كما يقول ـ إلا أن مقالاته في هذا الكتاب لا تخلو من بعض الالتماعات النقدية والالتقاطات الفطِنة، يقول مثلا في إحداها: 'قلّما يجد المتأمل في أدب عبدالله الطائي شيئًا ليس عن شؤون الوطن وشجونه في ماضيه الغابر، أو حاضره المرئي، أو مستقبله المأمول، فهو عندما يرثي أمه، أو قريبه الكندي، أو أخاه نصر أو علَمًا من أعلام بلده كالشاعر هلال بن بدر أو العلامة الرقيشي فحديثه كله يتمحور حول الوطن ومعاناته، وهو عندما يتغزل ـ وما أقل الغزل عند عبدالله الطائي ـ تجد عُمان بارزة في غزلياته، وهو عندما يخاطب صديقًا أو يهنئ في مناسبة ما لا تغيب عُمان عن تلك التحية أو التهنئة، وروايتاه ـ كما علمتم ـ كلتاهما تدور حول أحداث مهمة في تاريخ هذا الوطن، وكذلك تجاربه القليلة في القصة القصيرة. أما مقالاته فأغلبها عن عُمان'.
'مع عبدالله الطائي' كتاب يسرد ـ إضافة إلى ما سبق ـ حكاية عُمْر من الصداقة بين رمزين من رموز الثقافة المعاصرة في عُمان؛ الأول بريادته الفنون الأدبية الحديثة، وصناعته جزءًا من تاريخها الثقافي المعاصر، والثاني بجناح أبوّته الذي خفضه ـ ولا يزال ـ للمثقفين العُمانيين بكافة مشاربهم وتوجهاتهم.