عن أحوال الموسيقى في مدينة صلالة ( 1- 3 )
كلام فنون
الاحد / 8 / محرم / 1444 هـ - 15:56 - الاحد 7 أغسطس 2022 15:56
عندما زار الرحالة العربي المعروف ابن بطوطة مدينة ظفار في القرن الرابع عشر الميلادي وقف على مشهد استعمال الآلات الموسيقية وهي تضرب أثناء خروج الحاكم من قصره متنزهًا أو متجولاً، وهي عادة استمرت على الأقل حتى الثمانينيات من القرن العشرين في مدينة صلالة وريثة مدينة ظفار البلد.
وفي كتابه « البلاد السعيدة » الذي نشرته وزارة التراث القومي والثقافة عام 1984م مترجمًا إلى اللغة العربية. وصف الكابتن برترام توماس في مطلع القرن العشرين بعض الممارسات الموسيقية في صلالة، ودوّن بعض الألحان، وذكر الآلات موسيقية مستعملة.
الممارسات الموسيقية في مدينة صلالة شائعة، وأهلها يحبون الشعر والغناء والثقافة عامة، ولهذه الممارسات مؤثرات ثقافية متنوعة ليس باعتبارها حاضرة لمحافظة ظفار فحسب بل لأنها من المدن الأساسية في عُمان وجنوب الجزيرة العربية، وتمتعت كغيرها من مدن هذه المنطقة بصلة اجتماعية وثقافية مع المحيط الجغرافي العربي والأفريقي. غير أن الكثير من تفاصيل جذور تلك الممارسات المتنوعة والمختلفة مجهولة؛ لانعدام التوثيق للفنون الموسيقية حتى السبعينيات من القرن العشرين مع الإصلاحات السياسية والثقافية التي أنجزها المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، مؤسس عُمان الحديثة حيث برز مفهوم المحافظة على التراث الموسيقي.
وفي عام 1983م وثق البروفيسور يوسف شوقي مصطفى (ت.1987م) المشرف على مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية بالصوت والصورة لقاءات مع عدد من المغنيين والعازفين في مدينة صلالة، وحصر عددًا من الأنماط الموسيقية والآلاتها الإيقاعية والهوائية والوترية، وفي السنوات اللاحقة جرى استكمال ما بدأه شوقي، وكاتب المقال كان من بين الأشخاص المشاركين في ذلك.
وكان الأرشيف الصوتي بمدينة فينا النمساوية قد أهدى وزارة الإعلام بمناسبة تأسيس مركز عُمان للموسيقى التقليدي تسجيلاً صوتيًا لغناء من ظفار يعود إلى عام 1904م يؤديه شخص يدعى محمد بن سالم الكثيري. وهذا التسجيل الصوتي المنسوخ من أسطوانة شمع هو أقدم وثيقة صوتية في أرشيف المركز حتى الآن.
ومنذ أن تأسست الإذاعة في مدينة صلالة عام (1970) والتلفزيون في عام (1975) أصبح للأغاني المحلية أهمية كبرى في هاتين القناتين الرسميتين، وتكوّن لديهما أرشيفًا مهمًا من خلال التسجيلات المباشرة للفنانين أو عبر تغطية الفعاليات الموسيقية المختلفة، وفي مقدمتها الاحتفالات السنوية بالعيد الوطني التي يقدم فيها الموسيقيون المحليون أبرز أغانيهم الوطنية والعاطفية، واعتقد عودة الإذاعة والتلفزيون العُمانيين إلى سابق عهدهما، وبث برامجها كاملة من صلالة سينعش الموسيقى والغناء وتراثها المحلي الثري في هذه المحافظة من جديد.
وفي تلك المرحلة نشاء سوق للأغاني الذي ظل منتشعًا حتى التسعينيات من القرن العشرين، وكان أبرز المحلات المختصة ببيع الأشرطة الغنائية أستوديو النوبي وأستوديو الفن، كما أسس الفنان سالم بن علي سعيد محلًا ثالثًا وكانت جميعها في مدينة صلالة.
ومع تطور المدينة الحديثة، جاء مهرجان خريف صلالة ثم مهرجان صلالة السياحي والفعاليات الموسيقية الأخرى التي تنظمها مختلف المؤسسات الحكومية في أماكن متعددة من مقر المهرجان. وبشكل عام توجد عدد من المنشآت الأخرى التي تستقبل بعض الفعاليات الموسيقية الموسمية لعل أبرزها مسرح المديرية العامة للتراث والثقافة سابقًا، ومسرح المروج الذي نأمل أن يعاد بناءه بشكل مناسب.
إن هذه المنشآت رغم تواضعها كانت ولا تزال أهم الأماكن التي تقدم فيها أنواع مختلفة من الغناء إلى جمهور صلالة من المواطنين والمقيمين والزوار الذين يأتون إلى صلالة في الموسم السياحي الصيفي، ولكنها تتوقف عن تقديم أي نشاط موسيقي بعد ذلك خارج هذا الموسم السياحي.
ومنذ السبعينيات من القرن العشرين جاء إلى صلالة الكثير من الوافدين من بلدان مختلفة عربية وغير عربية، وانخرطوا في أعمال مختلفة، حيث جلب عدد منهم أسرهم واستقروا في المدينة. وهذه الجاليات رغم أن أثرها كبير في المجال الاقتصادي إلا أنها ليست كذلك في الثقافة والموسيقى على وجه الخصوص. والحديث عن التفاعل الثقافي لمكونات مجتمع مدينة صلالة المحلي والوافد أمر شائك ومعقد، ولكن أعتقد السبب الأساسي في ذلك يعود إلى انعدام اللغة المشتركة بين المواطنين والوافدين، فهؤلاء الذين بيننا نتحدث معهم بلغتهم أو باللغة الانجليزية أو بلغة ثالثة لا أدب لها ولا فن، ومكسورة الألفاظ والقواعد، ونحن إزاء ذلك لا نعير أي اهتمام لتعليمهم اللغة العربية، وهم في المقابل لا يكترثون لتعلم لغتنا العربية. من هنا لا نجد حتى الآن أثر لهذه الجاليات في المشهد الغنائي والثقافي، رغم عددها الكبير بما في ذلك الجاليات العربية التي ينحصر دورها على التعليم، وهذا لافتًا للنظر، ويستحق دارسة معمقة... للمقال بقية.
وفي كتابه « البلاد السعيدة » الذي نشرته وزارة التراث القومي والثقافة عام 1984م مترجمًا إلى اللغة العربية. وصف الكابتن برترام توماس في مطلع القرن العشرين بعض الممارسات الموسيقية في صلالة، ودوّن بعض الألحان، وذكر الآلات موسيقية مستعملة.
الممارسات الموسيقية في مدينة صلالة شائعة، وأهلها يحبون الشعر والغناء والثقافة عامة، ولهذه الممارسات مؤثرات ثقافية متنوعة ليس باعتبارها حاضرة لمحافظة ظفار فحسب بل لأنها من المدن الأساسية في عُمان وجنوب الجزيرة العربية، وتمتعت كغيرها من مدن هذه المنطقة بصلة اجتماعية وثقافية مع المحيط الجغرافي العربي والأفريقي. غير أن الكثير من تفاصيل جذور تلك الممارسات المتنوعة والمختلفة مجهولة؛ لانعدام التوثيق للفنون الموسيقية حتى السبعينيات من القرن العشرين مع الإصلاحات السياسية والثقافية التي أنجزها المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، مؤسس عُمان الحديثة حيث برز مفهوم المحافظة على التراث الموسيقي.
وفي عام 1983م وثق البروفيسور يوسف شوقي مصطفى (ت.1987م) المشرف على مشروع جمع وتوثيق الموسيقى التقليدية العُمانية بالصوت والصورة لقاءات مع عدد من المغنيين والعازفين في مدينة صلالة، وحصر عددًا من الأنماط الموسيقية والآلاتها الإيقاعية والهوائية والوترية، وفي السنوات اللاحقة جرى استكمال ما بدأه شوقي، وكاتب المقال كان من بين الأشخاص المشاركين في ذلك.
وكان الأرشيف الصوتي بمدينة فينا النمساوية قد أهدى وزارة الإعلام بمناسبة تأسيس مركز عُمان للموسيقى التقليدي تسجيلاً صوتيًا لغناء من ظفار يعود إلى عام 1904م يؤديه شخص يدعى محمد بن سالم الكثيري. وهذا التسجيل الصوتي المنسوخ من أسطوانة شمع هو أقدم وثيقة صوتية في أرشيف المركز حتى الآن.
ومنذ أن تأسست الإذاعة في مدينة صلالة عام (1970) والتلفزيون في عام (1975) أصبح للأغاني المحلية أهمية كبرى في هاتين القناتين الرسميتين، وتكوّن لديهما أرشيفًا مهمًا من خلال التسجيلات المباشرة للفنانين أو عبر تغطية الفعاليات الموسيقية المختلفة، وفي مقدمتها الاحتفالات السنوية بالعيد الوطني التي يقدم فيها الموسيقيون المحليون أبرز أغانيهم الوطنية والعاطفية، واعتقد عودة الإذاعة والتلفزيون العُمانيين إلى سابق عهدهما، وبث برامجها كاملة من صلالة سينعش الموسيقى والغناء وتراثها المحلي الثري في هذه المحافظة من جديد.
وفي تلك المرحلة نشاء سوق للأغاني الذي ظل منتشعًا حتى التسعينيات من القرن العشرين، وكان أبرز المحلات المختصة ببيع الأشرطة الغنائية أستوديو النوبي وأستوديو الفن، كما أسس الفنان سالم بن علي سعيد محلًا ثالثًا وكانت جميعها في مدينة صلالة.
ومع تطور المدينة الحديثة، جاء مهرجان خريف صلالة ثم مهرجان صلالة السياحي والفعاليات الموسيقية الأخرى التي تنظمها مختلف المؤسسات الحكومية في أماكن متعددة من مقر المهرجان. وبشكل عام توجد عدد من المنشآت الأخرى التي تستقبل بعض الفعاليات الموسيقية الموسمية لعل أبرزها مسرح المديرية العامة للتراث والثقافة سابقًا، ومسرح المروج الذي نأمل أن يعاد بناءه بشكل مناسب.
إن هذه المنشآت رغم تواضعها كانت ولا تزال أهم الأماكن التي تقدم فيها أنواع مختلفة من الغناء إلى جمهور صلالة من المواطنين والمقيمين والزوار الذين يأتون إلى صلالة في الموسم السياحي الصيفي، ولكنها تتوقف عن تقديم أي نشاط موسيقي بعد ذلك خارج هذا الموسم السياحي.
ومنذ السبعينيات من القرن العشرين جاء إلى صلالة الكثير من الوافدين من بلدان مختلفة عربية وغير عربية، وانخرطوا في أعمال مختلفة، حيث جلب عدد منهم أسرهم واستقروا في المدينة. وهذه الجاليات رغم أن أثرها كبير في المجال الاقتصادي إلا أنها ليست كذلك في الثقافة والموسيقى على وجه الخصوص. والحديث عن التفاعل الثقافي لمكونات مجتمع مدينة صلالة المحلي والوافد أمر شائك ومعقد، ولكن أعتقد السبب الأساسي في ذلك يعود إلى انعدام اللغة المشتركة بين المواطنين والوافدين، فهؤلاء الذين بيننا نتحدث معهم بلغتهم أو باللغة الانجليزية أو بلغة ثالثة لا أدب لها ولا فن، ومكسورة الألفاظ والقواعد، ونحن إزاء ذلك لا نعير أي اهتمام لتعليمهم اللغة العربية، وهم في المقابل لا يكترثون لتعلم لغتنا العربية. من هنا لا نجد حتى الآن أثر لهذه الجاليات في المشهد الغنائي والثقافي، رغم عددها الكبير بما في ذلك الجاليات العربية التي ينحصر دورها على التعليم، وهذا لافتًا للنظر، ويستحق دارسة معمقة... للمقال بقية.