أفكار وآراء

تحرير قطاع الاتصالات ودعم الإعلام الجديد

يمثل تحرير قطاع الاتصالات الخطوة الأولى التي يجب أن تبدأ بها الحكومات العربية، إذا أرادت الدخول في العصر الرقمي والتحول من الإعلام القائم على الوسائل التقليدية إلى الإعلام الجديد باعتباره إعلام المستقبل.

ويضم قطاع الاتصالات حسب تعريف المنظمات الدولية المعنية مدى واسع من الشركات والخدمات يمتد من مشغلي شبكات الاتصالات الهاتفية والإنترنت وحتى شركات الإعلان والطباعة. ويعني تحريره فتح المجال للشركات العالمية المتخصصة والمستثمرين الأجانب القادرة على تحديث هذا القطاع وتطويره ومواكبة الجديد فيه، لدخول سوق الاتصالات دون قيود أو عوائق، لتقديم المنتجات والخدمات الاتصالية المختلفة.

ومن حسن الطالع أن غالبية الدول العربية انتبهت مبكرا وتحديدا منذ مطلع الألفية الجديدة إلى ضرورة وأهمية تحرير قطاع الاتصالات الوطني، وفتحت المجال أمام دخول شركات جديدة وطنية وإقليمية ودولية للتزويد بخدمات الهاتف المحمول وخدمات الإنترنت في السنوات الأخيرة. ولعل أهم ما أنجزته غالبية الدول العربية في هذا المجال هو إصدار قوانين مفصلة للاتصالات تتناسب مع العصر الرقمي، فهل تكفي تلك القوانين في إحداث التحرير المأمول لقطاع الاتصالات العربي خاصة وأن الخصوصية الثقافية والدينية التي تتمتع بها الدول العربية قد توجب فرض بعض القيود والإبقاء على محركات قطاع الاتصالات تحت سيطرة الدولة؟

تتطلب الإجابة عن هذا السؤال القيام باستعراض سريع للإطار القانوني الذي استحدثته دول عربية لتنظيم قطاع الاتصالات، تمهيدا للحكم على درجة ومستوى تحرير القطاع والتي تختلف من دولة إلى أخرى حتى على المستوى العالمي.

في مصر على سبيل المثال يقوم الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بأداء دوره الذي يكفله له قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 في تنظيم قطاع الاتصالات من خلال إصدار مختلف أنواع الوثائق التنظيمية والتي تشمل التراخيص، والتصاريح، والأطر والقرارات التنظيمية بما تتضمنها من قواعد وإجراءات. وفي المغرب أنشئت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات كمؤسسة عمومية مكلفة بتنظيم وتقنين قطاع المواصلات. وفي تونس استحدثت الهيئة الوطنية للاتصالات كهيكل منظّم لقطاع الاتّصالات. وتتمتع الهيئة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وبتنظيم إداري ومالي مرن يتلاءم مع مهامّها. وتتولّى النّظر في النّزاعات المتعلّقة بإقامة وتشغيل واستغلال الشبكات والمرتبطة بالربط البيني، والاستعمال المشترك للبنية التحتية وخدمات الاتصالات.

وفي لبنان 'تم تأسيس الهيئة المنظمة للاتصالات' كمؤسسة عامة مستقلة، بموجب قانون الاتصالات، وأُنيط بها تحرير وتنظيم وتطوير قطاع الاتصالات في لبنان. وتصدر الهيئة التراخيص والأنظمة والقرارات المتعلقة بقطاع الاتصالات.

وتنص المادة 20 من قانون هيئة الاتصالات بسلطنة عمان، الصادر في عام 2002، والمعدل في 2011، بوجوب حصول الأشخاص والشركات الراغبة في تأسيس أو تشغيل نظام الاتصالات أو تزويد خدمات الاتصالات الحصول على ترخيص من الهيئة قبل بدء العمل. وتتوزع التراخيص إلى ثلاث فئات، إذ يتم إصدار ترخيص الفئة الأولى بمرسوم سلطاني، بناءً على اقتراح وزير النقل والاتصالات، وبعد موافقة هيئة تنظيم الاتصالات. ويُخول ترخيص الفئة الأولى صاحبه بإنشاء أو تشغيل شبكة اتصالات عامة، أو بنية اتصالات دولية، أو تقديم خدمات الاتصالات العامة، أو خدمات النفاذ الدولي. وُيحدد المرسوم السلطاني فترة الترخيص. ويصدر ترخيص الفئة الثانية للشركات المشغلة لأنظمة خدمات الاتصالات العامة، والتي تعتمد عملياتها التشغيلية على شبكات الاتصالات المملوكة من قبل الشركات الحاملة لترخيص الفئة الأولى. كما يُمكن للشركات الحاصلة على ترخيص الفئة الثانية توفير بعض الخدمات الإضافية للاتصالات العامة، أو خدمات ذات قيمة مضافة، والتي تقتضي الاستفادة من موارد (الترقيم) دون استغلال أي مصدر من المصادر الطبيعية التي تمتلكها السلطنة. ويصدر ترخيص الفئة الثانية بقرار وزاري، بناءً على اقتراح الهيئة وبعد موافقتها. ويُحدد القرار مدة الترخيص، بما لا يتعدى عشر سنوات. أما ترخيص الفئة الثالثة لمقدمي خدمات الاتصالات الخاصة، غير المتصلة بشبكة الاتصالات العامة فيمنح بقرار هيئة تنظيم الاتصالات، وذلك لعدد غير محدد من مالكي شبكات الاتصال الخاصة، أو موفري خدمة الاتصالات الخاصة، ممن يستوفون الشروط المحددة من قبل الهيئة، على ألا تتجاوز فترة الترخيص خمس سنوات.

وفي المملكة العربية السعودية عندما تم توفير خدمة الإنترنت لعموم السكان في المملكة للمرة الأولى في نهاية عام 1998، كان يتم تزويد الخدمات تحت إشراف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ووحدة خدمات الإنترنت. وانتقل الإشراف على الإنترنت في المملكة في عام 2006 من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات. واعتبارا من هذا التاريخ، تولى المزودون المرخصون لخدمات المعطيات تشغيل بوابات الإنترنت على أسس تجارية. وفي قطر فإن الجهة المسؤولة عن تنظيم قطاع الاتصالات في الدولة هي هيئة تنظيم الاتصالات، التي أنشئت سنة 2014. وتتولى الهيئة 'المستقلة' تنظيم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع البريد والنفاذ إلى الإعلام الرقمي. وتعمل الهيئة على تشجيع ودعم قطاع اتصالات مفتوح وتنافسي لضمان توفير خدمات اتصالات مبتكرة ومتقدمة وموثوق بها مع الالتزام الكامل بتحقيق التوازن بين حقوق المستهلكين وتلبية احتياجات مقدمي الخدمة.

وفي مملكة البحرين، تأسست هيئة تنظيم الاتصالات في عام 2002 بإصدار قانون الاتصالات الذي نص في مادته الثانية على إنشاء الهيئة. وتتمتع الھیئة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتتولى تنظيم خدمات الاتصالات. ومنذ إنشائها، ركزت على تحرير قطاع الاتصالات وتطويره من خلال تشجيع المنافسة الفعالة والعادلة بين المشغلين الحاليين والوافدين الجدد مع حماية مصالح المستهلكين. وتأسست الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات والحكومة الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 2003 بعد صدور قانون الاتصالات. ويتمحور دور الهيئة في مجالين هما: تنظيم قطاع الاتصالات، وتمكين الجهات الحكومية في مجال التحول الرقمي.

وفي دولة الكويت أسست الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات في عام 2014 وتتولى مسؤولية الإشراف على قطاع الاتصالات ورقابته وحماية مصالح المستخدمين ومزودي الخدمات وتنظيم خدمات جميع شبكات الاتصالات في الدولة. وتتضمن أعمال الهيئة استقبال الطلبات المتعلقة بحجب أي محتوى إلكتروني يتعارض مع المصلحة العامة بما في ذلك الأخلاق العامة، أو تعاليم الدين الإسلامي، أو النظام العام، أو الأمن الوطني، أو غير ذلك مما هو محظور بموجب القوانين المعمول بها بدولة الكويت.

وفي الأردن أنشئت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بموجب قانون الاتصالات، كمؤسسة حكومية مستقلة معنية بتنظيم قطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ووفقا لقانون الاتصالات تقع على الهيئة مسؤولية ' تنظيم خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة وفقا للسياسة العامة المقررة لضمان تقديم خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للمستفيدين بسوية عالية وأسعار معقولة، وبما يحقق الأداء الأمثل لقطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.'

تلك هي الصورة العامة لجهود الدول العربية لتحرير وتنظيم قطاع الاتصالات. ورغم أهمية الأطر القانونية، إلا أنها تبقى نصوصا عامة والعبرة بالتطبيق خاصة بالنسبة للنصوص التي تتصل بتدخل الدول في المحتوى الرقمي، وهذا موضوع المقال القادم بإذن الله.