موسم الهجرة إلى الخُرف
الاثنين / 2 / محرم / 1444 هـ - 18:10 - الاثنين 1 أغسطس 2022 18:10
لا أخفي امتعاضي من الإعلان الترويجي لموسم الخريف 'اهرب إلى خريف ظفار' لاستفزازه مشاعر المتلقي وفرض صيغة الأمر بالهروب على السائح، لأن فعل الأمر يقسو على الباحث عن لحظة الأُنس والاستمتاع بالرذاذ والضباب واخضرار الهضاب، فلا أدري لما حضرت كلمة الهرب وغابت لفظة المتعة والاستئناس. وكأن قواميس اللغة العربية أضناء بمفردات الإشهار والترويج، القادرة على جذب انتباه السائح والراغب في السفر والترويح عن النفس.
وبما أننا نعيش أجواء الخريف أو الخُرف وهي اللفظة التي يُشدد عليها الشاعر والمهندس علي العامري، والتي يأمل من وسائل الإعلام المختلفة اعتمادها بدلا عن كلمة الخريف، فإننا نُذكّر بلفظة (الخرف) في النقوش العربية القديمة، ففي كتاب المستشرق الإنجليزي بيستون (1911-1955) ' التقويم في النقوش العربية الجنوبية' ترجمة سعيد الغانمي، ونشرته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، يذكر بيستون أن كلمة الخريف تستعمل للتعبير عن السنة، وقد سبقه الحديث الشريف إلى ذلك، قال الرسول (ص) ' إنّ العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا' أي سبعين سنة.
وأشار بيستون مؤلف المعجم السبئي في كتابه المذكور أن الفصول الموسمية أربعة وهي ( ذ دثأ، ذ مليت، ذ قيظن، خرف)، وورد في الكتاب أيضا أن الفصلين الممطرين في النقوش الجنوبية هما ( دثأ / وخرف) وتشخيص هاتين اللفظتين بمعنى 'الربيع' و ' الخريف' مستندا على ما قدمه المؤرخ اليوناني (بليني) إذ يذكر ' أن البخور الخريفي كان يُسمى في العربية الجنوبية كرفياتم Carfiathum، وأن البخور الربيعي يسمى دثياتم Dathiathum'، وقد أصاب المؤرخ بليني فيما أشار إليه، لأن أجود اللبان يأتي في الموسمين المذكورين، إذ يبدأ تجريح أشجار اللبان في شهر مارس تحت مسمى (التوقيع) وتتوالى بعد ذلك عمليات التجريح حتى لحظة الجني، ويكون الحصاد عادة في منتصف شهور الخريف 'الخرُف' (يوليو، أغسطس، سبتمبر). ويبدو أنه تم جمع أشهر العمل في اللبان (إبريل، مايو، يونيو) مع أشهر الخريف وفي العادة فإن أفضل الأوقات لمزاولة حصاد اللبان، هي أكثرها سخونة وحرارة.
إن تتبع الفصول الموسمية في النقوش العربية الجنوبية، يقودنا إلى مقاربة الألفاظ الواردة في النقوش مع ألفاظ ما تزال منطوقة في إحدى اللغات العربية الجنوبية الحديثة كالشحرية مثالا، ففي هذه اللغة تدل لفظة دثأ على الأمطار في الصيف ( قُض) والخرُف هو الخريف، و(صربن) الصرب/ الربيع، والصراب لفظة تشير إلى موسم الحصاد، إذ تُحصد محاصيل الزراعة الموسمية مثل الذرة واللوبيا في فصل الربيع. ويطلق أيضا على السنة في الشحرية عدة مسميات منها الحول والخرف ( من خُرف ءد خُرف) أو من حول إلى حول، وليس لفظ الخُرف فحسب بل كلمة (ورخ) أيضا التي تُشير إلى الشهر أو إلى القمر/الهلال، وما تزال متداولة في اللغة الشحرية بذات المعنى.
تأتي لفظة (خرف) في قواميس اللغة العربية بعدة معان: فخَرَفَ في بُستانه، أقام فيه وقت اجتناء الثمر في الخريف، وخَرَفَ الثمر بمعنى جناه في الخريف وأيضا خرف النخل، لذلك نطلق على الرطب في ظفار لفظ (خَرِف). أما خُرِف فتأتي بمعنى أصابه مطر الخريف. والمَخرفُ موضوع الإقامة في فصل الخريف، بينما المِخَرفُ زنبيل صغير يُجتنى فيه أطايبُ الثمار في الخريف.
إن اختلاف التقويم الجنوبي (الخريف /خُرف، الربيع/صِرب، الشتاء، الصيف/قُظ) المختلف عن التقويم الشمالي المعروف (الصيف، الخريف، الشتاء، الربيع)، يُمكن استثماره سياحيا نظرا لارتباط بعض الطقوس بمواسم معينة مثل موسم جداد النخل و(خطيل) الإبل والغوص، وغيرها من العادات الاجتماعية التي قد تصبح مادة للترويج إذا أحسنا طريقة عرضها إعلانيا وتسويقها إعلاميا في عالم يبحث عن التفرد والأصالة. فكل مفردة من تلك المفردات الثقافية تُمثل قيمة إنسانية فريدة من نوعها، ويمكن استثمارها ثقافيا واقتصاديا.
وبما أننا نعيش أجواء الخريف أو الخُرف وهي اللفظة التي يُشدد عليها الشاعر والمهندس علي العامري، والتي يأمل من وسائل الإعلام المختلفة اعتمادها بدلا عن كلمة الخريف، فإننا نُذكّر بلفظة (الخرف) في النقوش العربية القديمة، ففي كتاب المستشرق الإنجليزي بيستون (1911-1955) ' التقويم في النقوش العربية الجنوبية' ترجمة سعيد الغانمي، ونشرته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، يذكر بيستون أن كلمة الخريف تستعمل للتعبير عن السنة، وقد سبقه الحديث الشريف إلى ذلك، قال الرسول (ص) ' إنّ العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا' أي سبعين سنة.
وأشار بيستون مؤلف المعجم السبئي في كتابه المذكور أن الفصول الموسمية أربعة وهي ( ذ دثأ، ذ مليت، ذ قيظن، خرف)، وورد في الكتاب أيضا أن الفصلين الممطرين في النقوش الجنوبية هما ( دثأ / وخرف) وتشخيص هاتين اللفظتين بمعنى 'الربيع' و ' الخريف' مستندا على ما قدمه المؤرخ اليوناني (بليني) إذ يذكر ' أن البخور الخريفي كان يُسمى في العربية الجنوبية كرفياتم Carfiathum، وأن البخور الربيعي يسمى دثياتم Dathiathum'، وقد أصاب المؤرخ بليني فيما أشار إليه، لأن أجود اللبان يأتي في الموسمين المذكورين، إذ يبدأ تجريح أشجار اللبان في شهر مارس تحت مسمى (التوقيع) وتتوالى بعد ذلك عمليات التجريح حتى لحظة الجني، ويكون الحصاد عادة في منتصف شهور الخريف 'الخرُف' (يوليو، أغسطس، سبتمبر). ويبدو أنه تم جمع أشهر العمل في اللبان (إبريل، مايو، يونيو) مع أشهر الخريف وفي العادة فإن أفضل الأوقات لمزاولة حصاد اللبان، هي أكثرها سخونة وحرارة.
إن تتبع الفصول الموسمية في النقوش العربية الجنوبية، يقودنا إلى مقاربة الألفاظ الواردة في النقوش مع ألفاظ ما تزال منطوقة في إحدى اللغات العربية الجنوبية الحديثة كالشحرية مثالا، ففي هذه اللغة تدل لفظة دثأ على الأمطار في الصيف ( قُض) والخرُف هو الخريف، و(صربن) الصرب/ الربيع، والصراب لفظة تشير إلى موسم الحصاد، إذ تُحصد محاصيل الزراعة الموسمية مثل الذرة واللوبيا في فصل الربيع. ويطلق أيضا على السنة في الشحرية عدة مسميات منها الحول والخرف ( من خُرف ءد خُرف) أو من حول إلى حول، وليس لفظ الخُرف فحسب بل كلمة (ورخ) أيضا التي تُشير إلى الشهر أو إلى القمر/الهلال، وما تزال متداولة في اللغة الشحرية بذات المعنى.
تأتي لفظة (خرف) في قواميس اللغة العربية بعدة معان: فخَرَفَ في بُستانه، أقام فيه وقت اجتناء الثمر في الخريف، وخَرَفَ الثمر بمعنى جناه في الخريف وأيضا خرف النخل، لذلك نطلق على الرطب في ظفار لفظ (خَرِف). أما خُرِف فتأتي بمعنى أصابه مطر الخريف. والمَخرفُ موضوع الإقامة في فصل الخريف، بينما المِخَرفُ زنبيل صغير يُجتنى فيه أطايبُ الثمار في الخريف.
إن اختلاف التقويم الجنوبي (الخريف /خُرف، الربيع/صِرب، الشتاء، الصيف/قُظ) المختلف عن التقويم الشمالي المعروف (الصيف، الخريف، الشتاء، الربيع)، يُمكن استثماره سياحيا نظرا لارتباط بعض الطقوس بمواسم معينة مثل موسم جداد النخل و(خطيل) الإبل والغوص، وغيرها من العادات الاجتماعية التي قد تصبح مادة للترويج إذا أحسنا طريقة عرضها إعلانيا وتسويقها إعلاميا في عالم يبحث عن التفرد والأصالة. فكل مفردة من تلك المفردات الثقافية تُمثل قيمة إنسانية فريدة من نوعها، ويمكن استثمارها ثقافيا واقتصاديا.