الوسطية في إنفاق المال.. سبيل لمواجهة تقلبات الحياة
تنشئة الأجيال على حسن التدبير والادخار مسؤولية الآباء
السبت / 30 / ذو الحجة / 1443 هـ - 17:06 - السبت 30 يوليو 2022 17:06
- د. إبراهيم الصوافيالعاقل من يسعى إلى حياة مطمئنة.. فلا يمد يده إلى الآخرين ولا يغرق نفسه في الديون
- د. سيف الهادي: يؤمر المسلم أن يكون وسطا بحيث لا يسرف ولا يقتر على نفسه وأولاده
تفرض الظروف الاقتصادية الراهنة على الأسر أهمية ضبط وترشيد الإنفاق وتحديد أولويات الصرف، وتربية جيل يقدر قيمة المال ويحسن تدبيره اقتداء بسيرة خير البشر وخاتم الأنبياء في شؤون الحياة كلها وبينها الشؤون الاقتصادية.
ومع كثرة السلع الكمالية وانتشارها والترويج لها على نطاق واسع، تأتي أهمية الحث على الترشيد والادخار الذي يعد مخرجا في أوقات الشدة والتقلبات الاقتصادية والظروف الطارئة التي لا تكون في الحسبان.
وتقع على المربين مسؤولية تنشئة الأجيال على الادخار وتوجيههم نحو الاعتدال والتوسط في الإنفاق بين البخل والتبذير، والعيش حياة سعيدة مطمئنة متزنة لا يضطر معها المرء إلى مد يده إلى الآخرين ولا يقبل أن يغرق نفسه في الديون.
- الاقتداء بخير البشر
وقال الشيخ الدكتور إبراهيم بن ناصر الصوافي، أمين فتوى بمكتب سماحة الشيخ المفتي العام لسلطنة عمان: إن للأب والمربي دورا كبيرا في تنشئة أولاده ومن يربيهم على الاقتصاد، فإن هذا من خُلق القرآن والله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه: 'وكلوا واشربوا ولا تسرفوا' وقال جل وعلا: 'ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفوراً' فعلى الأب أن يربي أولاده بأفعاله وأقواله على الاقتصاد وترك التوسع في الكماليات والحرص على الادخار حتى ينشأ الجيل وهو متربٍ تربية إسلامية ويتمتع بثقافة الادخار وترك التوسع في الكماليات وذلك جزء من التربية الملقاة على عاتق الآباء إذ إن التربية لا تقتصر على تربية العبادات أو الأخلاق الإسلامية وإنما تشمل كل ما يهم الشخصية، لأننا نريد أن نخرج شخصية إسلامية متكاملة تحسن إدارة نفسها في كل جوانب الحياة.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوة المسلمين، وقال الله عز وجل: 'لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا'، فيجب على المسلمين أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل جزئيات الحياة، وليس في جانب دون جانب، ومن الجوانب التي يجب أن نقتدي فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم الجانب الاقتصادي، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بسياسة الادخار فكان يدخر لأهله قوت سنة، وكان عليه الصلاة والسلام قنوعًا يقتصر على القليل ويبتعد عن البذخ والإسراف والتبذير وهذه من الأشياء التي يجب أن نزرعها في نفوس أبنائنا وأن نربي الأجيال الحاضرة عليها وينبغي للآباء والأمهات وكذلك كل من يتولى الإشراف على التربية أن يذكر من قصص النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ما يثبت هذه القيم والمبادئ في نفوس النشء.. مشيرًا إلى أن الأولياء والقائمين على التربية يؤمرون أن يلاحظوا سلوك أولادهم ومن يربونهم فإذا وجدوا منهم ميّلًا إلى الإسراف أو إلى عدم النظرة الجدية إلى المال أو المبالغة في النفقات فعليهم أن يلحظوا هذه السلوكيات الخاطئة وأن يسعوا إلى تصحيحها أولًا بأول قبل أن تستفحل وتتحول إلى سلوك، لأن الإنسان إذا تعود على أمر ربما يصعب عليه أن يتخلص منه لاحقًا فذلك من مسؤولية المربين أن تكون لديهم مراقبة ومتابعة للسلوكيات التي يسير عليها أفراد الأسرة فإن وجدوا منهم ميّلًا إلى الإسراف أو التبذير أو التوسع في الكماليات أو عدم معرفة قيمة المال فعليهم أن يصححوا لهم ذلك وأن يوجههم إلى الاقتصاد والاعتدال والتوسط في الإنفاق بين البخل والتبذير.
- حياة مطمئنة
وأضاف: إن العاقل هو من يسعى إلى أن يعيش حياة سعيدة مطمئنة متزنة لا يضطر معها إلى مد يده إلى الآخرين ولا يقبل أن يغرق نفسه في الديون لأنه همٌ بالليل وذلٌ بالنهار، والدين مسؤولية وتبعة في الدنيا والآخرة، وقد يدفع الدين الإنسان إلى الهروب والابتعاد عن الناس ويوقعه في الكذب والتحايل وغير ذلك من الأمور المنكرة، ولذلك على الإنسان ألا ينظر إلى غيره في النفقات وإنما النظر إلى قدر ما في يده، وأن يسأل نفسه سؤالا جريئا ومباشرا هل أنا في حاجة إلى شراء هذا؟! وهل لدي من المال ما يسمح لي بالتوسع في هذا؟! ولا يكلف نفسه فوق طاقته، ويحسب حسابا للأيام القادمة، إذ إن الإنسان عندما يكون في رخاء يؤمر بالادخار والاقتصاد في الاتفاق حتى يدخر من المال ما يعينه على أيام الشدة، وأيام الشدة والصعوبات تأتي فجأة، والإنسان قد يحدث له حادث، أو تنزل عليه نازلة، أو يفاجأ بأمر، فإذا لم يكن لديه مال قد ادخره فربما يجد صعوبة في تجاوز ذلك الموقف وقد يضطر للدين فلذلك لا يجب على الإنسان أن ينفق كل ما لديه وإنما عليه أن يعوّد نفسه على سياسة الادخار ويربي نفسه على عدم شراء كل ما تتوق له النفس وإنما يشتري بقدر الحاجة ويدخر بعد ذلك ما يحتاجه من المال للأيام القادمة.
- نظرة كلية
وقال الخبير الإعلامي الدكتور سيف بن سالم الهادي: إن لدى المسلم نظرة كلية إلى المال ولديه منهج يتعامل به معه، ولا تحتاج أي مؤسسة أكثر من هذا، النظرة الكلية والمنهج، هذه الثنائية تجعل المسلم قادرا على التعامل مع كل التقلبات الاقتصادية، وقادرا أن يتعامل مع هذا المال تضمن له استعادة الدنيوية والأخروية، أما النظرة الكلية فإن المال مال الله، يأخذه المسلم من حله، فلا يجوز له أن يأخذ مالا حراما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: 'إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين' (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)، وقال عز وجل: 'قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق'، ويشترط في الرزق أن يكون طيبا يأخذه الإنسان من حله، ومعنى ذلك أنه لا توجد الانتهازية أو الأنانية أو السرقة أو الاغتصاب أو أي مبدأ ينطلق من أن الغاية تبرر الوسيلة، والأمر الثاني أن في هذا المال حق لغيره من الفقراء والمحتاجين، يقول الله تعالى: 'وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم'، والأمر الثالث أنه يُسأل عن كل شيء يأخذه من هذا المال أو ينفقه فيه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: 'لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع' ومن بينها 'وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه' إذن هذه هي الرؤية الكلية أن المال مال الله يأخذه من الحلال ثم في هذا المال حق للفقراء والمساكين وأخيرا أن هذا المال كما يؤخذ من حله ينفق في حله.
وأضاف: إن الله سبحانه وتعالى يأمر المسلم أن يكون وسطا بين الإسراف والتقتير بحيث لا يسرف في التعاطي مع المال ولا يقتر على نفسه وأولاده، ويعيش عيشة الكفاف التي تضمن له القدرة المقبولة من الرفاهية والسعادة وفي نفس الوقت تمكنه من أن يستديم هذه الحالة بحيث إذا مرت عليه أوضاع اقتصادية شديدة فإن ما يدخره من المال سيكون قادرًا على أن يمده بالسيولة التي تمكنه من تجاوز المرحلة، ويقول الله سبحانه وتعالى: 'والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما' ويقول تعالى: 'ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط' فإذن هذا هو المنهج في التعامل مع المال، لا يقتر المسلم على نفسه بحيث يعيش أوضاعا اقتصادية متردية، لأن الدنيا كما أنها دار ابتلاء هي دار راحة ورخاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: 'إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده' وقد جعل الله تعالى الإنفاق على النفس وعلى الأولاد جهادا في سبيل الله كما ورد في حديث الذي مر على النبي صلى الله عليه وسلم وتمنى الصحابة أن يكون في سبيل الله فأخبرهم عليه الصلاة والسلام: إن سعيه على والديه وأسرته ونفسه يعد في سبيل الله.