منوعات

"قوص" مدينة مصرية تاريخية نقلت توابل الشرق إلى بلدان أوروبا

 
مصر 'د ب أ': قوص مدينة تاريخية مصرية، كانت عاصمة ومقر حكم لأكبر أقاليم الصعيد، وهو إقليم 'القوصية' الذي كان يمتد من القوصية – في أسيوط - حتى أسوان، وكان والى الإقليم يقيم في مدينة قوص.

وقد اشتهرت قوص بأنشطتها التجارية التي ازدهرت بفضل جموع الحجيج من أقاليم مصر وبلاد المغرب العربي، حين كانت قوص محطة لتجمعهم قبل أن يسلكوا طريق الحج المصري، الذي كان ينتهي بميناء عيذاب على شواطئ البحر الأحمر، وكذلك استخدامها كمحطة لنقل البضائع ما بين ميناء عيذاب وبقية البلدان والأقطار بما فيها دول قارة أوروبا.

وبحكم ما كانت عليه كمحطة دائمة للتجارة، وخاصة تجارة تلك المواد التي كانت تأتي من بلاد الشرق، عبر ميناء عيذاب، ومركزا لمرور التجار وجموع المسافرين، فقد كانت قوص محطة رئيسية لنقل توابل الشرق إلى بلدان أوروبا.

وفي ذلك يقول الباحث الفرنسي، جان كلود جارسان، صاحب كتاب 'ازدهار وانهيار حاضرة مصرية... قوص'، ان تطور تجارة الشرق الأقصى، عبر قوص، كان عوضا للمدينة عما خسرته بعد التحول الجزئي لطريق الحج، ومن ثم تراجع أعداد الحجيج وأعداد الوافدين والمترددين على المدينة.

وبحسب 'جارسان' فإن أعمال التخريب التي قام بها المغول، والتي أدت لتدمير الإمكانيات التي كانت تسمح بنقل البضائع إلى بيروت وعكا، فرضت على السفن مواصلة الإبحار باتجاه ميناء عيذاب، دون أن تضطر لتعريض شحناتها الثمينة بالإتجاه لتفريغها في ميناء السويس، مع التعرض لملاحة عكس الاتجاه على بحر ملىء بالصخور.

ووفقا لرواية صاحب كتاب 'ازدهار وانهيار حاضرة مصرية.. قوص'، فإن رسالة ترجع إلى الثلث الأول من القرن الثالث عشر، مرسلة إلى قوص من عدن على الأرجح، تشير إلى أن ' الفلفل والقرنفل والعنبر والمسك' تواصل الوصول عبر ميناء عيذاب إلى قوص عاصمة مصر العليا آنذاك، حيث يفد التجار من كل حدب وصوب لانتظار السلع الثمينة الموزعة في طرود، والتي تضم بجانب توابل الشرق، الصمغ والحرير.

ويؤكد الباحث الفرنسي، جان كلود جارسان، في كتابه 'ازدهار وانهيار حاضرة مصرية.. قوص'، على أن 'نقل توابل الشرق الأقصى إلى أوروبا لم يتحول عن طريق النيل' وأن قوص ظلت لقرون محطة لنقل تلك التوابل من ميناء عيذاب على شواطئ البحر الأحمر، إلى نهر النيل لتصل إلى أنحاء أوروبا.

ويحكي لنا المؤرخ المصري، محمد عبده الحجاجي، الكثير عن أمجاد مدينة قوص منذ عصر الدولة الفاطمية 297 هجرية – 909 ميلادية، وحتى أواخر حكم المماليك سنة 932 هجرية – 1517 ميلادية، أي ما يقرب من 650 سنة – ستة قرون ونصف – والمدينة في قمة مجدها وشهرتها.

وكما يروي 'الحجاجي' في كتابه 'قوص في التاريخ الإسلامي'، فإن الكثيرين من المؤرخين والجغرافيين والرحّالة العرب، قد أسهبوا في وصف قوص وذكروا محاسنها، وما كانت تتمتع به المدينة من مكانة مرموقة وصيت بعيـد بين مختلف مدن الديار المصرية.

وكما عرفت قوص الكثير من المعالم الإسلامية والمساجد التاريخية، فقد عرفت المدينة أيضا آثاراً تعود للعصرين الروماني والفرعوني.

وإذا كانت مدينة قوص قد اشتهرت بمكانتها التجارية، واستخدامها كمحطة تجارية لنقل بضائع وتوابل بلاد الشرق إلى بلدان أوروبا، فقد اشتهرت أيضا بأنها مدينة الشعراء، حيث ضمت قوص خلال وقت معين مجموعة مهمة من شعراء العصر الأيوبي.

وبحسب 'الحجاجي' فقد شهدت قوص في العصر الإسلامي، نهضة ثقافية واسعة النطاق، لا تقل بحال عما كانت تتمتع به عواصم العالم الاسلامي في ذلك الوقت من تقدم وازدهار، كالقاهرة، ودمشق، وحلب، والإسكندرية.

وقد ساعد قوص على تبوأ تلك المكانة، أنها كانت عاصمة الصعيد، بجانب أنها كانت طريقا سهلا ميسورا يربط بين المشرق والمغرب، مما سهّل من تعرف العلماء والفقهاء المشارقة والمغاربة عليها، في رواحهم وغدوهم من الأراضي المقدسة في مواسم الحج أو في رحلاتهم المختلفة الى المشرق والمغرب، حين كانت محطة لتجمع الحجاج والمسافرين الذين كانوا يسلكون طريق الحج المصري.

وقد لفت موقع المدينة، وما حظيت به من شهرة بين التجار من جهة، والعلماء والفقهاء من جهة ثانية، لفت اهتمام صلاح الدين الأيوبي، مؤسس الدولة الأيوبية، فأنشأ بها العديد من المدارس والجوامع، التي كانت تعنى بفقه السنة، فصارت المدينة مزدحمة بالعلماء والفقهاء وطلاب العلم، ومن هنا جاء ذلك الحشد الهائل من العلماء والفقهاء الذين ينتسبون إلى قوص، وقد بلغ عدد المدارس في المدينة إبان العصرين الأيوبي والمملوكي 16 مدرسة وذلك بحسب ما ورد بكتاب الطالع السعيد للإدفوي.