بين قمة جدة ومؤتمر طهران.. العالم يتشكل من جديد
الثلاثاء / 19 / ذو الحجة / 1443 هـ - 23:36 - الثلاثاء 19 يوليو 2022 23:36
هناك مفارقة واضحة بين عقد القمة الأمريكية العربية في مدينة جدة السعودية الأسبوع الماضي، وبين مؤتمر طهران الذي عقد أمس بين إيران وروسيا الاتحادية وتركيا. ويبدو لي أن القاسم المشترك لكلا الحدثين هو الحرب الروسية الأوكرانية، وما تمخض عنها من تحالفات واضحة وحرب إعلامية واقتصادية لم يشهد لها العالم مثيلًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
قمة جدة كانت بمثابة عودة أمريكية للمنطقة، وإن كانت متأخرة ولهذا لم يستطع الرئيس الأمريكي بايدن الحصول على مكاسب سياسية واستراتيجية كان يتطلع لها، ومن خلال التنسيق مع الكيان الإسرائيلي وهي إقامة الناتو العسكري الشرق أوسطي من خلال الشراكة العربية مع إسرائيل والإخفاق الثاني عدم تحقيق ما سمي بالاندماج العسكري للقوات الجوية بين الدول العربية المشاركة في قمة جدة ودول عربية أخرى والكيان الإسرائيلي بل إن هناك عددًا من الدول العربية أعلنت حتى قبل انعقاد قمة جدة، أنها لن تشارك في أي حلف عسكري ضد إيران. كما أن الهدف المهم من خطة بايدن هو حث دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وخاصة السعودية على زيادة إنتاج النفط بهدف خفض الأسعار، وهذا الأمر لم يتحقق وإن كانت الرياض ومن خلال تصريحات وزير الخارجية أن دول أوبك بلس تراجع أوضاع السوق لتحقيق التوازن، كما أن الكلمات في قمة جدة خاصة كلمة الأمير محمد بن سلمان تجاه إيران كانت إيجابية، حيث تحدثت عن أهمية الحوار مع إيران بصفتها دولة جارة تجمعها مع دول المنطقة دين الإسلام الحنيف وقيم ثقافية مشتركة وجوار جغرافي منذ آلاف السنين ومصالح تجارية واقتصادية مشتركة. وعلى ضوء ذلك فإن قمة جدة تحدثت عن مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هناك مصالح دول المنطقة مع أقطاب أخرى في العالم كالصين والهند وروسيا الاتحادية. ومن هنا فإن قمة جدة السعودية قد أعلنت عن هيمنة القطب الأمريكي على المنطقة بانفراد. وهذا يعود إلى أخطاء أمريكية من خلال الانتقال والاهتمام الأمريكي لمواجهة الصين على شواطئ المحيط الهادي منذ فترة أوباما مرورًا بترامب وأخيرا بايدن.
أما فيما يخص مؤتمر طهران بين روسيا الاتحادية وتركيا وإيران فإن ذلك يشكل المشهد السياسي المقابل للتحرك الأمريكي خاصة وأن الصين ليست بعيدةً عن المشهد في طهران، وهذه كتلة سكانية تقترب من ملياري نسمة أي ربع سكان العالم، وعلى ضوء ذلك فإن المشهد السياسي الدولي بدأ في التشكل من خلال اقتراب ذلك المشهد إلى العلن، وهو انتهاء القطبية الواحدة الأمريكية، وظهور عالم متعدد الأقطاب، كما أشرنا في أكثر من مقال في هذه الصحفية.
المواجهة العسكرية
الكيان الإسرائيلي ورغم الدعم الأمريكي المتواصل منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن، إلا أن إسرائيل تمر بوضع صعب فهي لم تستطع كسر شوكة المقاومة الفلسطينية وكذلك المقاومة اللبنانية علاوة على أن الشعوب العربية تتفاعل مع القضية الفلسطينية كما تفاعل معها القادة العرب في قمة جدة، وكان ذلك الموقف العربي الحاسم رسالة إلى الإدارة الأمريكية بأن السلام الشامل والعادل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ ورجوع حقوق الفلسطينيين هو المدخل الصحيح نحو إقامة السلام الشامل، وأن تعيش إسرائيل بسلام مع الدول العربية عدا ذلك فإن مشروعات التطبيع لن ينتج عنها شيء. ومن هنا، فإن الكيان الإسرائيلي يريد الخروج من ذلك المأزق من خلال التوتر وافتعال مواجهة عسكرية مع إيران خاصة بعد تعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني في جولات فيينا وأيضا جولة الدوحة.
المواجهة العسكرية سوف تكون مكلفة للكيان الإسرائيلي خاصة وأن مساحة الكيان الجغرافية هي مساحة محدودة كما أن إسرائيل فشلت في هزيمة المقاومة الفلسطينية رغم الظروف الصعبة المحيطة بقطاع غزة المحاذية للكيان الإسرائيلي، بل أن حركة حماس خلقت خلال السنوات الأخيرة ما يسمى بقوة الردع.
ومن هنا، فإن المواجهة مع إيران سوف تكون خطأ استراتيجيا من قبل إسرائيل ومن هنا فإن مؤتمر طهران يبعث برسالة مهمة لواشنطن والكيان الإسرائيلي بأن العالم يتشكل من جديد، خاصة وأن هناك مشروعًا للتعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران، وهذا الاتفاق سوف تكون له نتائج مهمة على مجمل الصراع في المنطقة. كما أن تركيا لها مصالح اقتصادية وعسكرية مع روسيا الاتحادية وإيران وحتى الصين. ومن هنا، فإن الحرب الروسية الأوكرانية قد أعطت تلك المتغيرات الاستراتيجية، وكما قال توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في تصريحات صحفية مؤخرًا بأن العالم يشهد تطورات كبيرة وأن العالم على بداية التعددية القطبية، وأن الصين أصبحت دولة عظمى. ومن هنا، يمكن القول بأن أفول الإمبراطورية الأمريكية قد بدأ كما هو الحال مع بقية الإمبراطوريات السابقة وخاصة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وهي بريطانيا.
الاقتصاد الأمريكي والدولار
هناك حديث يدور بين روسيا الاتحادية وإيران حول التعامل بالعملة المحلية في التعاملات التجارية، كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ضرورة إطلاق عملة بدلا عن الدولار للدول البريكس وهي روسيا الاتحادية والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والصين، وقد تنضم إيران إلى هذه المجموعة المهمة. وعلى ضوء ذلك فإن نتائج الحرب الروسية الأوكرانية قد بدأت ملامحها في الظهور، كما أن أوروبا لن تحتمل انقطاع الغاز من روسيا خاصة وأن البديل ليس متوفرًا. ومن هنا، فإن التوقع هو فشل العقوبات الاقتصادية القاسية على روسيا الاتحادية والدخول في مفاوضات لإيجاد حل سياسي ينهي الحرب بين موسكو وكييف ومن المؤكد أن روسيا سوف تطلع بمكاسب مهمة.
الولايات المتحدة الأمريكية تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، حيث وصل التضخم إلى أكثر من تسعة بالمائة، وهو الأعلى منذ أربعة عقود، كما أن المواطن الأمريكي يواجه ارتفاع أسعار البنزين الذي وصل إلى نسب قياسية، كما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حوادث القتل في المدارس، وهناك مشاكل حقيقية تواجه إدارة الرئيس بايدن خاصة وأن الانتخابات الأمريكية النصفية للكونجرس في شهر نوفمبر القادم، وقد يخسر الحزب الديمقراطي أحد غرف الكونجرس.
ومن هنا، فإن المشهد السياسي الدولي ومن خلال حدثي قمة جدة، ومؤتمر طهران فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف تشهد متغيرات حاسمة كما أن الكيان الإسرائيلي سوف يجد نفسه عاجزًا عن مواجهة تلك الموجة من المتغيرات في ظل ذلك الاستقطاب الدولي. ومن هنا، فإن الدول العربية لابد أن تتمسك بمصالحها، وأن تنفتح على كل أقطاب العالم فالعصر الأمريكي في تصوري يتجه نحو النهاية لتبقى أمريكا أحد أقطاب العالم، وهذا يتطلب مراجعة عربية للحفاظ على الأمن القومي العربي، وأيضا تواصل الزخم لقضية العرب المركزية التي تحدث على أهميتها وأنها هي مفتاح السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
إن مؤتمر طهران هو بداية تعاون استراتيجي خاصة بين طهران وموسكو في إطار ترتيب الأوراق والتحالفات في العالم.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي
قمة جدة كانت بمثابة عودة أمريكية للمنطقة، وإن كانت متأخرة ولهذا لم يستطع الرئيس الأمريكي بايدن الحصول على مكاسب سياسية واستراتيجية كان يتطلع لها، ومن خلال التنسيق مع الكيان الإسرائيلي وهي إقامة الناتو العسكري الشرق أوسطي من خلال الشراكة العربية مع إسرائيل والإخفاق الثاني عدم تحقيق ما سمي بالاندماج العسكري للقوات الجوية بين الدول العربية المشاركة في قمة جدة ودول عربية أخرى والكيان الإسرائيلي بل إن هناك عددًا من الدول العربية أعلنت حتى قبل انعقاد قمة جدة، أنها لن تشارك في أي حلف عسكري ضد إيران. كما أن الهدف المهم من خطة بايدن هو حث دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وخاصة السعودية على زيادة إنتاج النفط بهدف خفض الأسعار، وهذا الأمر لم يتحقق وإن كانت الرياض ومن خلال تصريحات وزير الخارجية أن دول أوبك بلس تراجع أوضاع السوق لتحقيق التوازن، كما أن الكلمات في قمة جدة خاصة كلمة الأمير محمد بن سلمان تجاه إيران كانت إيجابية، حيث تحدثت عن أهمية الحوار مع إيران بصفتها دولة جارة تجمعها مع دول المنطقة دين الإسلام الحنيف وقيم ثقافية مشتركة وجوار جغرافي منذ آلاف السنين ومصالح تجارية واقتصادية مشتركة. وعلى ضوء ذلك فإن قمة جدة تحدثت عن مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هناك مصالح دول المنطقة مع أقطاب أخرى في العالم كالصين والهند وروسيا الاتحادية. ومن هنا فإن قمة جدة السعودية قد أعلنت عن هيمنة القطب الأمريكي على المنطقة بانفراد. وهذا يعود إلى أخطاء أمريكية من خلال الانتقال والاهتمام الأمريكي لمواجهة الصين على شواطئ المحيط الهادي منذ فترة أوباما مرورًا بترامب وأخيرا بايدن.
أما فيما يخص مؤتمر طهران بين روسيا الاتحادية وتركيا وإيران فإن ذلك يشكل المشهد السياسي المقابل للتحرك الأمريكي خاصة وأن الصين ليست بعيدةً عن المشهد في طهران، وهذه كتلة سكانية تقترب من ملياري نسمة أي ربع سكان العالم، وعلى ضوء ذلك فإن المشهد السياسي الدولي بدأ في التشكل من خلال اقتراب ذلك المشهد إلى العلن، وهو انتهاء القطبية الواحدة الأمريكية، وظهور عالم متعدد الأقطاب، كما أشرنا في أكثر من مقال في هذه الصحفية.
المواجهة العسكرية
الكيان الإسرائيلي ورغم الدعم الأمريكي المتواصل منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن، إلا أن إسرائيل تمر بوضع صعب فهي لم تستطع كسر شوكة المقاومة الفلسطينية وكذلك المقاومة اللبنانية علاوة على أن الشعوب العربية تتفاعل مع القضية الفلسطينية كما تفاعل معها القادة العرب في قمة جدة، وكان ذلك الموقف العربي الحاسم رسالة إلى الإدارة الأمريكية بأن السلام الشامل والعادل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ ورجوع حقوق الفلسطينيين هو المدخل الصحيح نحو إقامة السلام الشامل، وأن تعيش إسرائيل بسلام مع الدول العربية عدا ذلك فإن مشروعات التطبيع لن ينتج عنها شيء. ومن هنا، فإن الكيان الإسرائيلي يريد الخروج من ذلك المأزق من خلال التوتر وافتعال مواجهة عسكرية مع إيران خاصة بعد تعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني في جولات فيينا وأيضا جولة الدوحة.
المواجهة العسكرية سوف تكون مكلفة للكيان الإسرائيلي خاصة وأن مساحة الكيان الجغرافية هي مساحة محدودة كما أن إسرائيل فشلت في هزيمة المقاومة الفلسطينية رغم الظروف الصعبة المحيطة بقطاع غزة المحاذية للكيان الإسرائيلي، بل أن حركة حماس خلقت خلال السنوات الأخيرة ما يسمى بقوة الردع.
ومن هنا، فإن المواجهة مع إيران سوف تكون خطأ استراتيجيا من قبل إسرائيل ومن هنا فإن مؤتمر طهران يبعث برسالة مهمة لواشنطن والكيان الإسرائيلي بأن العالم يتشكل من جديد، خاصة وأن هناك مشروعًا للتعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران، وهذا الاتفاق سوف تكون له نتائج مهمة على مجمل الصراع في المنطقة. كما أن تركيا لها مصالح اقتصادية وعسكرية مع روسيا الاتحادية وإيران وحتى الصين. ومن هنا، فإن الحرب الروسية الأوكرانية قد أعطت تلك المتغيرات الاستراتيجية، وكما قال توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في تصريحات صحفية مؤخرًا بأن العالم يشهد تطورات كبيرة وأن العالم على بداية التعددية القطبية، وأن الصين أصبحت دولة عظمى. ومن هنا، يمكن القول بأن أفول الإمبراطورية الأمريكية قد بدأ كما هو الحال مع بقية الإمبراطوريات السابقة وخاصة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وهي بريطانيا.
الاقتصاد الأمريكي والدولار
هناك حديث يدور بين روسيا الاتحادية وإيران حول التعامل بالعملة المحلية في التعاملات التجارية، كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ضرورة إطلاق عملة بدلا عن الدولار للدول البريكس وهي روسيا الاتحادية والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والصين، وقد تنضم إيران إلى هذه المجموعة المهمة. وعلى ضوء ذلك فإن نتائج الحرب الروسية الأوكرانية قد بدأت ملامحها في الظهور، كما أن أوروبا لن تحتمل انقطاع الغاز من روسيا خاصة وأن البديل ليس متوفرًا. ومن هنا، فإن التوقع هو فشل العقوبات الاقتصادية القاسية على روسيا الاتحادية والدخول في مفاوضات لإيجاد حل سياسي ينهي الحرب بين موسكو وكييف ومن المؤكد أن روسيا سوف تطلع بمكاسب مهمة.
الولايات المتحدة الأمريكية تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، حيث وصل التضخم إلى أكثر من تسعة بالمائة، وهو الأعلى منذ أربعة عقود، كما أن المواطن الأمريكي يواجه ارتفاع أسعار البنزين الذي وصل إلى نسب قياسية، كما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حوادث القتل في المدارس، وهناك مشاكل حقيقية تواجه إدارة الرئيس بايدن خاصة وأن الانتخابات الأمريكية النصفية للكونجرس في شهر نوفمبر القادم، وقد يخسر الحزب الديمقراطي أحد غرف الكونجرس.
ومن هنا، فإن المشهد السياسي الدولي ومن خلال حدثي قمة جدة، ومؤتمر طهران فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف تشهد متغيرات حاسمة كما أن الكيان الإسرائيلي سوف يجد نفسه عاجزًا عن مواجهة تلك الموجة من المتغيرات في ظل ذلك الاستقطاب الدولي. ومن هنا، فإن الدول العربية لابد أن تتمسك بمصالحها، وأن تنفتح على كل أقطاب العالم فالعصر الأمريكي في تصوري يتجه نحو النهاية لتبقى أمريكا أحد أقطاب العالم، وهذا يتطلب مراجعة عربية للحفاظ على الأمن القومي العربي، وأيضا تواصل الزخم لقضية العرب المركزية التي تحدث على أهميتها وأنها هي مفتاح السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
إن مؤتمر طهران هو بداية تعاون استراتيجي خاصة بين طهران وموسكو في إطار ترتيب الأوراق والتحالفات في العالم.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي