أفكار وآراء

القمة العربية الأمريكية.. قضايا الطاقة والسلام

القمة العربية الأمريكية التي سوف تعقد في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض بين القيادة الأمريكية ممثلة بالرئيس جو بايدن وعدد من القيادات العربية ممثلة بقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومصر والأردن والعراق من القمم المهمة لما ستطرحه من موضوعات، وتعد قضايا الطاقة والسلام في المنطقة والأمن الإقليمي من أهم القضايا التي سوف تكون مدار بحث خلال تلك القمة في ظل مناخ من التوتر يسود المنطقة من خلال تواصل الحرب الكارثية في اليمن والتوتر والحرب غير المعلنة بين إيران والكيان الإسرائيلي علاوة على تعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني.

كما أن موضوع الطاقة سوف يكون حاضرا والسبب يعود إلى التأثيرات المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية مما تسبب في حرب الطاقة بين روسيا الاتحادية والغرب وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز.

الرئيس الأمريكي بايدن أمامه استحقاق الانتخابات النصفية للكونجرس في شهر نوفمبر القادم وهي انتخابات حاسمة بين محافظة الحزب الديمقراطي على الأغلبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ أو فقدان تلك الأغلبية في أحد المجلسين، وهذا هو المرجح على ضوء تاريخ الانتخابات الأمريكية النصفية.

أمن المنطقة

يعد الأمن الإقليمي من القضايا الحيوية التي سوف تبحثها القمة العربية الأمريكية في الرياض انطلاقا من الأوضاع غير المستقرة خلال السنوات الماضية، ومن خلال التوتر المتصاعد بين إيران والكيان الإسرائيلي الذي أسفر عن حوادث السفن الغامضة التي هددت أمن الملاحة البحرية في منطقة الخليج العربي، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية وهي حليفة تقليدية لدول مجلس التعاون الخليجي وأيضا مصر والأردن والعراق مهتمة بالأمن والاستقرار في منطقة حساسة ليس فقط بسبب تدفق الطاقة عبر مضيق هرمز إلى الغرب ولكن هناك متغير السلام أو ما يطلق عليه مسار التطبيع بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية وإنهاء حالة العداء المتواصلة منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ وقيام الكيان الإسرائيلي بمساعدة الدول الغربية خاصة بريطانيا ووعد بلفور المشؤوم.

الاستراتيجية الأمريكية تنطلق من تقليل وجودها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولعل انسحابها من أفغانستان والعراق يعد خطوة في هذا الاتجاه، حيث إن المواجهة الاستراتيجية مع الصين على شواطئ المحيط الهادئ هو الاتجاه الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك تبقى منطقة الخليج العربي من المناطق الحيوية في ظل متغير مسار التطبيع. ومن هنا فإن الأجندة الأمريكية التي قد يكشف عنها الرئيس الأمريكي بايدن في قمة الرياض هو حث الدول العربية على المضي قدما في موضوع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كما حدث مع عدد منها، ويبدو أن هناك مواقف ثابتة على صعيد عدد من الدول العربية، وهو أن السلام مع الكيان الإسرائيلي يتحقق من خلال الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية وحل الدولتين وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل. ومن هنا فإن هناك تناقضا أمريكيا واضحا بين تأييد الإدارة الأمريكية لحل الدولتين وأيضا التوجه نحو مسار التطبيع دون حل للقضية الفلسطينية. ومن هنا فإن قضية السلام أحد المحاور الأساسية لجولة الرئيس الأمريكي بايدن لإسرائيل وفلسطين المحتلة والسعودية سوف تشكل المحور الأهم للخروج برؤية مشتركة.

إيران والملف النووي

سوف تكون إيران حاضرة خلال تلك القمة العربية الأمريكية، ولعل الأوضاع غير المستقرة في منطقة الخليج العربي تلقي بظلالها على الوضع من خلال المواجهة غير المباشرة بين إيران والكيان الإسرائيلي، وهناك الموضوع المهم وهو الملف النووي الإيراني الذي لا يزال في إطار المناقشات بين طهران والولايات المتحدة الأمريكية والتي كان آخر محاولاتها في دولة قطر دون تحقيق اختراق واضح، كما أن إيران طرف مهم في أي ترتيبات أمنية في المنطقة في ظل الظروف السياسية، والتي جعلت إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول العربية وهو الأمر الذي أزعج إيران لأسباب تتعلق بالبعد الاستراتيجي والجغرافي، وعلى ضوء ذلك فإن تلك القمة العربية الأمريكية ستجد نفسها أمام الموضوع الإيراني، وحتى الحرب في اليمن وتداعياتها خلال السنوات السبع الأخيرة لها علاقة بإيران، ومن هنا فإن القمة العربية الأمريكية ستجد نفسها أمام قضايا معقدة وتحتاج إلى رؤية مشتركة تنطلق من خلال لغة الحوار وهي الآلية التي تنتهجها الدبلوماسية العمانية، لأن آلية الحوار مع إيران خاصة الحوار بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي هو المسار الصحيح نحو إقامة الأمن الإقليمي والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية للاقتصاد العالمي، كما أن العلاقات العربية الأمريكية هي علاقات مهمة، ومنذ عقود ترسخت من خلال المصالح المشتركة، وعلى ضوء ذلك فإن تلك القمة المهمة ستكون محط أنظار العالم. وهذا يعود إلى المتغيرات الجيوسياسية في العالم ومن أهمها الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية والتخوف من امتدادها إلى الدول الأوروبية خاصة دول البلطيق وبولندا وغيرها من الدول القريبة جغرافيا من روسيا الاتحادية، وليس هناك شك أن العالم ونظامه الحالي سوف يشهد تغيرا كبيرا، وقد تنتهي القطبية الأحادية التي سادت منذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي.

كما أن الحرب العالمية حول الطاقة متغير مهم خاصة موضوع الغاز الروسي الذي استخدم كسلاح مثالي خلال الحرب الحالية بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على روسيا الاتحادية بهدف الضغط عليها لإنهاء الحرب، وهو هدف يصعب تحقيقه كما أن منظمة البريكس وهي تضم روسيا الاتحادية، والصين، والبرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا، أصبحت تتحدث عن عملة بديلة للدولار الأمريكي، ومن هنا فإن المشهد السياسي الدولي يعد في غاية التعقيد والصعوبة للولايات المتحدة الأمريكية في ظل تحديات حقيقية تواجه الرئيس الأمريكي بايدن خاصة على الصعيد الاقتصادي وتأثيرها على نتائج انتخابات التصفية القادمة للكونجرس.

ثوابت راسخة

سوف يحدث نقاش عميق في القمة العربية الأمريكية حول مجمل تلك القضايا التي تمت الإشارة إلى بعضها، ومع ذلك فإن موضوع مسار التطبيع مع الكيان الإسرائيلي دون تحقيق السلام الشامل والعادل للقضية الفلسطينية هو أمر لا يمكن حدوثه وهو الموقف الراسخ والثابت لسلطنة عمان ومن خلال تصريحات عديدة لوزير الخارجية، وهناك موقف سعودي ثابت يتناغم مع الموقف العماني، وعلى ضوء ذلك فإن عملية السلام بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الوطنية الفلسطينية لابد من العودة إليها على ضوء قرارات الشرعية الدولية وعلى ضوء المبادرة العربية في قمة بيروت عام ٢٠٠٢، وهذا هو المنظور العربي لإيجاد السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط، بحيث ينتهي الصراع مع الكيان الإسرائيلي لتفتح مرحلة تعيش فيها الشعوب في المنطقة بسلام واستقرار، وهذا هو المسار الصحيح الذي ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل عليه بصرف النظر عن أي إدارة أمريكية ديمقراطية كانت أم جمهورية لأن السلام العادل والشامل مصلحة عربية وأمريكية وحتى للكيان الإسرائيلي إن أراد هذا الكيان العيش مع المحيط العربي بسلام.