اقتراع أمريكا وإسرائيل على روح الديمقراطية
الأربعاء / 29 / ذو القعدة / 1443 هـ - 23:05 - الأربعاء 29 يونيو 2022 23:05
ترجمة: أحمد شافعي -
انهارت للأسف الأسبوع الماضي حكومة وحدة وطنية غير مسبوقة في إسرائيل. ولماذا ينبغي أن يبالي القارئ الأمريكي؟ لأن كثيرا من بلاءات السياسة الإسرائيلية اليوم هو محض نسخة مصغرة من التحزب الطاغي الذي ألمَّ بالسياسة في الولايات المتحدة.
عقلية الفوز مهما يكن الثمن التي تسيطر على اليمين المتطرف الترامبي ـ بحسب ما وصفت وصفا حيا في واشنطن يوم الثلاثاء الماضي خلال شهادة كاسيدي هتشينسن أمام لجنة التحقيق في أحداث السادس من يناير ـ هي جزء من اتجاه أعم يقوم على قيم عميقة العداء للديمقراطية تعاكس كثيرا مما لم يزل كثير من الأمريكيين والإسرائيليين يطمحون إليه. وفي حال سواد هذا الاتجاه، فإنه سوف يمزق أوصال المجتمعين، ولذلك فإن الانتخابات القادمة في كلا البلدين سوف تشهد اقتراعا على روح الديمقراطية الإسرائيلية وروح الديمقراطية الأمريكية.
ليس ذلك قدرا محتوما. ففي خرق لجميع الاتجاهات السياسية الأخيرة ـ وفي غداة ثلاثة انتخابات غير محسومة خلال سنتين ـ فعلت إسرائيل قبل سنة أمرا مشهودا، إذ شكلت تحالفا وحدة وطنية حاكما احتوى للمرة الأولى لا اليهود الإسرائيليين المنتمين إلى اليمين المتطرف واليسار المتطرف فقط بل وجمع معهم حزبا عربيا إسرائيليا فاز بأربعة مقاعد في البرلمان في انتخابات مارس 2021.
كان في القلب من هذا التحالف حزب (يمينا) اليميني التابع لرئيس الوزراء نفتالي بينيت، وحزب (آتيد) التابع لوزير الخارجية يائير لابيد في يسار الوسط، وحزب عربي إسرائيلي تابع لمنصور عباس ويعرف بحزب (رام).
تخيلوا جو بايدن، وميت رومني، وليز تشيني، ولاري هوجان، وليزا موركوفسكي، وتشارلي بيكر، والأدميرال المتقاعد بيل ماكرافين، وجو مانشين، وإيمي كلوبوشار، ومايك بلومبرج، وجيم كليبورن، وميشيل لوجان جريشام، جميعا في مجلس وزاري واحد ليكون بين أيديكم معادل أمريكي قريب من حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية التي قضت نحبها للتو.
أعتقد أن مثل هذه التحالفات بين اليسار واليمين والوسط ـ بما تتخذ من قرارات وموازنات نفعية تتجاوز الأقطاب الأيديولوجية المعتادة ـ هي السبيل الوحيد للحكم الفعال في البلاد الديمقراطية في هذا العصر بما فيه من تغيرات سريعة تكنولوجية وديموجرافية ومناخية.
وما لم يتجه اليسار واليمين إلى الوسط للعثور على سبيل للمشاركة في الحكم في إسرائيل وأمريكا، فسوف يعاني البلدان ركودا، إذ يتأكد عجز المواطنين والقادة عن القيام بالأمور الكبيرة والصعبة ـ في نطاق كبير يبدأ بالتعليم مرورا بالهجرة وصولا إلى السياسة الصناعية ـ اللازمة للازدهار في القرن الحادي والعشرين. لكن قدرا هائلا من الطاقة اليوم ينصب في سعي الأحزاب الكبرى في البلدين إلى إبطال منجزات بعضها بعضا (وابحث في القاموس عما يقوله عن: حق الإجهاض، والسيطرة على السلاح، والهجرة، وسياسة الطاقة في أمريكا).
على الرغم من استمرار التحالف الوحدوي في إسرائيل لأقل من سنة فقد استطاع تمرير ميزانية وطنية في نوفمبر حققت التوازن بين نطاق عريض من الاهتمامات. قد يبدو هذا ضئيلا، لكنها كانت ميزانية إسرائيل الوطنية الأولى القائمة على أولويات وطنية منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ولعل في مقدمة كل شيء أن التحالف الوحدوي استطاع أن يظهر أن اليهود والعرب الإسرائيليين قادرون على الحكم معا، وهذا منجز تاريخي. لقد تحدثت مع بينيت قبيل سقوط حكومته. وقد أبدى بينيت شجاعة سياسية في معارضة كثيرين من ناخبي قاعدته بالتحالف مع عباس، وأذهلني الاحترام والطيبة اللذان يظهرهما بينيت لشريكه المسلم العربي الإسرائيلي في الحكم وتحديه للكثيرين في قاعدته الانتخابية.
وفرت حكومتهم أيضا للإسرائيليين استراحة عابرة من الانقسام الذي دعمه رئيس وزراء إسرائيل السابق بينامين نتانياهو وحلفاؤه العنصريون المتطرفون. وزعامة نتانياهو مختلفة تماما. شبيهة للغاية بزعامة ترامب. والحق أن نتانياهو وترامب أخوان سياسيا من والدتين مختلفتين.
يشترك الاثنان في نهج الأرض المحروقة في السياسة ويقوم على أن الفوز بالسلطة والبقاء فيها لا يكون من خلال إقامة تحالف واسع ينطلق من المنتصف، وإنما بتجييش القاعدة الانتخابية وحملها على التطرف ضد «الآخر» ثم استعمال كل ما يتوافر من طاقة سلبية لمهاجمة الحدود المؤسسية والإعلامية والقضائية لإلهاء الرأي العام عن المحاولات المبذولة للاستيلاء على السلطة.
يواجه بيبي لائحة اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة ويأمل أن ينجيه انتخابه مرة أخرى من حكم محتمل بالسجن. ويأمل ترامب ألا تفضي به أفعاله المتعلقة بالسادس من يناير إلى توجيه اتهام له بالتآمر على قلب آخر انتخابات رئاسية أمريكية. وقد قام باستدعاء كل من بيبي وترامب النائب العام الذي قام بتعيينه وكان الاستدعاء على خلفية سلوك معاد للديمقراطية.
شنَّ نتانياهو وأتباعه هجوما بلا رحمة على أعضاء حزب بينيت الذين شاركوا في تحالف الوحدة الوطنية مما أدى إلى إخراج قليل منهم لإسقاط الحكومة. وإكمالا لاستخفافه، أسقط نتانياهو الحكومة بقيادته تصويتا ضد تجديد نظام قانوني ذي مستويين يسمح للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بالحياة في ظل قانون مدني بدلا من القانون العسكري الذي تحكم إسرائيل الفلسطينيين بموجبه.
كان هذا النظام ذو المستويين يتجدد بانتظام، ولا يمكن أن يعيش ناخبو نتانياهو من المستوطنين إلا به. ولكن لحرمان حكومة الوحدة من القدرة على الحكم، حشد نتانياهو تصويتا ضده.
كان شعار بينيت الضمني هو «عندنا بلد علينا أن نديره» بينما كان شعار نتانياهو «عندنا حكومة علينا أن نسقطها».
برغم أن الحكومة لم تدم إلا عاما، فقد أظهر بينيت ولابيد وعباس إمكانية تحقيق ما يبدو مستحيلا، وذلك ما قدَّره كثير من الإسرائيليين في هدوء. ويشير لي الواقع ـ والرياضيات الجديدة في السياسة الإسرائيلية ـ إلى أن من الممكن أن تحقق هذه الحكومة عودة يوما ما.
أي رياضيات؟ ليس لدى أحزاب إسرائيل في يسار الوسط ويمينه أصوات كافية مجتمعة لتشكيل أغلبية حاكمة. ولكن أحزاب اليمين كذلك أيضا. في الماضي كانت الأحزاب الدينية الإسرائيلية تبيع نفسها لتحالفات اليسار واليمين، واضعة أصواتها وراء التحالف الذي يعرض أكبر تمويل للمدارس الدينية الأرثوذكسية.
لكن بفضل نتانياهو وصحبه، اصطبغت الأحزاب الدينية في إسرائيل بصبغة متطرفة ولن تستمر في تشكيل حكومات مع يسار الوسط الذي يتزايد استياؤه من اضطراره إلى شراء الأحزاب الأرثوذكسية.
فخمِّنوا من الذي تقدم ليحل محل الأحزاب الدينية اليهودية؟ إنه حزب عربي إسرائيلي بقيادة منصور عباس.
تجنب معظم عرب إسرائيل اللعب داخل السياسة الإسرائيلية، وأنشأوا لأنفسهم أحزابا مناصرة للفلسطينيين يسارية قليلة الأهمية في الغالب وعادة ما اجتنبت الأحزاب اليهودية أن تتخذ منها شركاء. لكن عرب إسرائيل يؤلفون قرابة 21% من سكان إسرائيل. ومع انقسام اليهود بالتساوي، فإن لعرب إسرائيل القدرة الضمنية على أن يكونوا الصوت الحاسم وأن يستعملوا هذه السلطة للحصول على مزيد من التمويل لمدارسهم وبلداتهم وشرطتهم. وتلك كانت رؤية منصور العظيمة.
تحقيقا لتلك النتيجة، انفصل منصور عباس بصورة أساسية عن أحزاب عرب إسرائيل الأخرى، ليلعب هو في وسط السياسة الإسرائيلية، وبرغم مقاومة بعض ناخبيه، حصل عباس على دعم من كثير من عرب إسرائيل الذين فاض بهم الكيل من الفساد داخل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقسوة وانعدام كفاءة حماس في غزة. أرادوا التركيز على حياتهم في إسرائيل.
رأى بيبي هذا الخطر على الفور. فحاول ابتداء أن يتودد إلى عباس ويجتذبه إلى ائتلافه، ولمّا فشل ذلك حاول ـ كدأبه ـ أن يلحق بعباس ضررا يجعل تحالف غيره معه مستحيلا. ومثلما جاء في «ذي تايمز أوف إسرائيل»، زعم نتانياهو زورا أن حزب منصور عباس «معاد للسامية معاد للصهيونية يدعم الإرهاب ويمثل الإخوان المسلمين ويسعى إلى تدمير إسرائيل». ووجَّه بيبي اتهاما لبينيت بأنه يحكم متعاونا مع «داعمين للإرهاب».
ولا عجب في هذا: فنتانياهو لا يستطيع أن يسمح لعرب إسرائيل بأن يصبحوا الصوت الحاسم في السياسة الإسرائيلية، وبخاصة أمثال عباس، الذي لا ينازع شرعية إسرائيل ويعترف صراحة بآلام الهولوكوست. فقد أعلن في خطبة في الكينيست قبل سنتين قائلا «إنني أحني رأسي لبطولة النساء والرجال الذي بدأوا انتفاضة جيتو وارسو».
وقد أوجز لي موشي هالبريتال أستاذ الفلسفة في الجامعة العبرية الأمر كله بقوله إن تحالف الوحدة الوطنية في إسرائيل «كان فتحا موعودا لحكم مشترك بين العرب واليهود في إسرائيل. ولا يمكن أن يمحوه أحد، برغم كل الضغوط الوطنية المتطرفة التي تصور عرب إسرائيل باعتبارهم طابورا خامسا. وعلى الناخبين الإسرائيليين الآن أن يقرروا: هل يريدون بلدا احتوائيا قادرا على أن يوفر لجميع مواطنيه الاحترام والكرامة أم بلدا قاما على نفي الآخر؟».
وأضاف هالبريتال قائلا إنه لذلك السبب سوف يكون «الاقتراع في الانتخابات القادمة على روح إسرائيل».
وكذلك أيضا الاقتراع في الولايات المتحدة. ولقد أوضحت ذلك على نحو مؤلم شهادة هتشينسن أمام البرلمان يوم الثلاثاء ـ وقد كانت من كبار موظفي ترامب في البيت الأبيض ـ حينما تحدثت ببلاغة عن إن إحساسها الوطني وواجبها كأمريكية قد تعرضا لانتهاك من أفعال ترامب وحلفائه. لم تتناول هتشينسن السياسات الانتخابية، لكنها فعلت شيئا أهم من ذلك بكثير، إذ أرغمتنا على أن نسأل أنفسنا ونحن نستمع إلى شهادتها عن البلد الذي نريده، وعن نوع الزعامات التي نريدها، وعن الروح القائمة في قلب أمريكا.
توماس فريدمان كاتب عمود في الشؤون الخارجية بجريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».
ترجمة خاصة لـ عمان عن «نيويورك تايمز»
انهارت للأسف الأسبوع الماضي حكومة وحدة وطنية غير مسبوقة في إسرائيل. ولماذا ينبغي أن يبالي القارئ الأمريكي؟ لأن كثيرا من بلاءات السياسة الإسرائيلية اليوم هو محض نسخة مصغرة من التحزب الطاغي الذي ألمَّ بالسياسة في الولايات المتحدة.
عقلية الفوز مهما يكن الثمن التي تسيطر على اليمين المتطرف الترامبي ـ بحسب ما وصفت وصفا حيا في واشنطن يوم الثلاثاء الماضي خلال شهادة كاسيدي هتشينسن أمام لجنة التحقيق في أحداث السادس من يناير ـ هي جزء من اتجاه أعم يقوم على قيم عميقة العداء للديمقراطية تعاكس كثيرا مما لم يزل كثير من الأمريكيين والإسرائيليين يطمحون إليه. وفي حال سواد هذا الاتجاه، فإنه سوف يمزق أوصال المجتمعين، ولذلك فإن الانتخابات القادمة في كلا البلدين سوف تشهد اقتراعا على روح الديمقراطية الإسرائيلية وروح الديمقراطية الأمريكية.
ليس ذلك قدرا محتوما. ففي خرق لجميع الاتجاهات السياسية الأخيرة ـ وفي غداة ثلاثة انتخابات غير محسومة خلال سنتين ـ فعلت إسرائيل قبل سنة أمرا مشهودا، إذ شكلت تحالفا وحدة وطنية حاكما احتوى للمرة الأولى لا اليهود الإسرائيليين المنتمين إلى اليمين المتطرف واليسار المتطرف فقط بل وجمع معهم حزبا عربيا إسرائيليا فاز بأربعة مقاعد في البرلمان في انتخابات مارس 2021.
كان في القلب من هذا التحالف حزب (يمينا) اليميني التابع لرئيس الوزراء نفتالي بينيت، وحزب (آتيد) التابع لوزير الخارجية يائير لابيد في يسار الوسط، وحزب عربي إسرائيلي تابع لمنصور عباس ويعرف بحزب (رام).
تخيلوا جو بايدن، وميت رومني، وليز تشيني، ولاري هوجان، وليزا موركوفسكي، وتشارلي بيكر، والأدميرال المتقاعد بيل ماكرافين، وجو مانشين، وإيمي كلوبوشار، ومايك بلومبرج، وجيم كليبورن، وميشيل لوجان جريشام، جميعا في مجلس وزاري واحد ليكون بين أيديكم معادل أمريكي قريب من حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية التي قضت نحبها للتو.
أعتقد أن مثل هذه التحالفات بين اليسار واليمين والوسط ـ بما تتخذ من قرارات وموازنات نفعية تتجاوز الأقطاب الأيديولوجية المعتادة ـ هي السبيل الوحيد للحكم الفعال في البلاد الديمقراطية في هذا العصر بما فيه من تغيرات سريعة تكنولوجية وديموجرافية ومناخية.
وما لم يتجه اليسار واليمين إلى الوسط للعثور على سبيل للمشاركة في الحكم في إسرائيل وأمريكا، فسوف يعاني البلدان ركودا، إذ يتأكد عجز المواطنين والقادة عن القيام بالأمور الكبيرة والصعبة ـ في نطاق كبير يبدأ بالتعليم مرورا بالهجرة وصولا إلى السياسة الصناعية ـ اللازمة للازدهار في القرن الحادي والعشرين. لكن قدرا هائلا من الطاقة اليوم ينصب في سعي الأحزاب الكبرى في البلدين إلى إبطال منجزات بعضها بعضا (وابحث في القاموس عما يقوله عن: حق الإجهاض، والسيطرة على السلاح، والهجرة، وسياسة الطاقة في أمريكا).
على الرغم من استمرار التحالف الوحدوي في إسرائيل لأقل من سنة فقد استطاع تمرير ميزانية وطنية في نوفمبر حققت التوازن بين نطاق عريض من الاهتمامات. قد يبدو هذا ضئيلا، لكنها كانت ميزانية إسرائيل الوطنية الأولى القائمة على أولويات وطنية منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ولعل في مقدمة كل شيء أن التحالف الوحدوي استطاع أن يظهر أن اليهود والعرب الإسرائيليين قادرون على الحكم معا، وهذا منجز تاريخي. لقد تحدثت مع بينيت قبيل سقوط حكومته. وقد أبدى بينيت شجاعة سياسية في معارضة كثيرين من ناخبي قاعدته بالتحالف مع عباس، وأذهلني الاحترام والطيبة اللذان يظهرهما بينيت لشريكه المسلم العربي الإسرائيلي في الحكم وتحديه للكثيرين في قاعدته الانتخابية.
وفرت حكومتهم أيضا للإسرائيليين استراحة عابرة من الانقسام الذي دعمه رئيس وزراء إسرائيل السابق بينامين نتانياهو وحلفاؤه العنصريون المتطرفون. وزعامة نتانياهو مختلفة تماما. شبيهة للغاية بزعامة ترامب. والحق أن نتانياهو وترامب أخوان سياسيا من والدتين مختلفتين.
يشترك الاثنان في نهج الأرض المحروقة في السياسة ويقوم على أن الفوز بالسلطة والبقاء فيها لا يكون من خلال إقامة تحالف واسع ينطلق من المنتصف، وإنما بتجييش القاعدة الانتخابية وحملها على التطرف ضد «الآخر» ثم استعمال كل ما يتوافر من طاقة سلبية لمهاجمة الحدود المؤسسية والإعلامية والقضائية لإلهاء الرأي العام عن المحاولات المبذولة للاستيلاء على السلطة.
يواجه بيبي لائحة اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة ويأمل أن ينجيه انتخابه مرة أخرى من حكم محتمل بالسجن. ويأمل ترامب ألا تفضي به أفعاله المتعلقة بالسادس من يناير إلى توجيه اتهام له بالتآمر على قلب آخر انتخابات رئاسية أمريكية. وقد قام باستدعاء كل من بيبي وترامب النائب العام الذي قام بتعيينه وكان الاستدعاء على خلفية سلوك معاد للديمقراطية.
شنَّ نتانياهو وأتباعه هجوما بلا رحمة على أعضاء حزب بينيت الذين شاركوا في تحالف الوحدة الوطنية مما أدى إلى إخراج قليل منهم لإسقاط الحكومة. وإكمالا لاستخفافه، أسقط نتانياهو الحكومة بقيادته تصويتا ضد تجديد نظام قانوني ذي مستويين يسمح للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بالحياة في ظل قانون مدني بدلا من القانون العسكري الذي تحكم إسرائيل الفلسطينيين بموجبه.
كان هذا النظام ذو المستويين يتجدد بانتظام، ولا يمكن أن يعيش ناخبو نتانياهو من المستوطنين إلا به. ولكن لحرمان حكومة الوحدة من القدرة على الحكم، حشد نتانياهو تصويتا ضده.
كان شعار بينيت الضمني هو «عندنا بلد علينا أن نديره» بينما كان شعار نتانياهو «عندنا حكومة علينا أن نسقطها».
برغم أن الحكومة لم تدم إلا عاما، فقد أظهر بينيت ولابيد وعباس إمكانية تحقيق ما يبدو مستحيلا، وذلك ما قدَّره كثير من الإسرائيليين في هدوء. ويشير لي الواقع ـ والرياضيات الجديدة في السياسة الإسرائيلية ـ إلى أن من الممكن أن تحقق هذه الحكومة عودة يوما ما.
أي رياضيات؟ ليس لدى أحزاب إسرائيل في يسار الوسط ويمينه أصوات كافية مجتمعة لتشكيل أغلبية حاكمة. ولكن أحزاب اليمين كذلك أيضا. في الماضي كانت الأحزاب الدينية الإسرائيلية تبيع نفسها لتحالفات اليسار واليمين، واضعة أصواتها وراء التحالف الذي يعرض أكبر تمويل للمدارس الدينية الأرثوذكسية.
لكن بفضل نتانياهو وصحبه، اصطبغت الأحزاب الدينية في إسرائيل بصبغة متطرفة ولن تستمر في تشكيل حكومات مع يسار الوسط الذي يتزايد استياؤه من اضطراره إلى شراء الأحزاب الأرثوذكسية.
فخمِّنوا من الذي تقدم ليحل محل الأحزاب الدينية اليهودية؟ إنه حزب عربي إسرائيلي بقيادة منصور عباس.
تجنب معظم عرب إسرائيل اللعب داخل السياسة الإسرائيلية، وأنشأوا لأنفسهم أحزابا مناصرة للفلسطينيين يسارية قليلة الأهمية في الغالب وعادة ما اجتنبت الأحزاب اليهودية أن تتخذ منها شركاء. لكن عرب إسرائيل يؤلفون قرابة 21% من سكان إسرائيل. ومع انقسام اليهود بالتساوي، فإن لعرب إسرائيل القدرة الضمنية على أن يكونوا الصوت الحاسم وأن يستعملوا هذه السلطة للحصول على مزيد من التمويل لمدارسهم وبلداتهم وشرطتهم. وتلك كانت رؤية منصور العظيمة.
تحقيقا لتلك النتيجة، انفصل منصور عباس بصورة أساسية عن أحزاب عرب إسرائيل الأخرى، ليلعب هو في وسط السياسة الإسرائيلية، وبرغم مقاومة بعض ناخبيه، حصل عباس على دعم من كثير من عرب إسرائيل الذين فاض بهم الكيل من الفساد داخل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقسوة وانعدام كفاءة حماس في غزة. أرادوا التركيز على حياتهم في إسرائيل.
رأى بيبي هذا الخطر على الفور. فحاول ابتداء أن يتودد إلى عباس ويجتذبه إلى ائتلافه، ولمّا فشل ذلك حاول ـ كدأبه ـ أن يلحق بعباس ضررا يجعل تحالف غيره معه مستحيلا. ومثلما جاء في «ذي تايمز أوف إسرائيل»، زعم نتانياهو زورا أن حزب منصور عباس «معاد للسامية معاد للصهيونية يدعم الإرهاب ويمثل الإخوان المسلمين ويسعى إلى تدمير إسرائيل». ووجَّه بيبي اتهاما لبينيت بأنه يحكم متعاونا مع «داعمين للإرهاب».
ولا عجب في هذا: فنتانياهو لا يستطيع أن يسمح لعرب إسرائيل بأن يصبحوا الصوت الحاسم في السياسة الإسرائيلية، وبخاصة أمثال عباس، الذي لا ينازع شرعية إسرائيل ويعترف صراحة بآلام الهولوكوست. فقد أعلن في خطبة في الكينيست قبل سنتين قائلا «إنني أحني رأسي لبطولة النساء والرجال الذي بدأوا انتفاضة جيتو وارسو».
وقد أوجز لي موشي هالبريتال أستاذ الفلسفة في الجامعة العبرية الأمر كله بقوله إن تحالف الوحدة الوطنية في إسرائيل «كان فتحا موعودا لحكم مشترك بين العرب واليهود في إسرائيل. ولا يمكن أن يمحوه أحد، برغم كل الضغوط الوطنية المتطرفة التي تصور عرب إسرائيل باعتبارهم طابورا خامسا. وعلى الناخبين الإسرائيليين الآن أن يقرروا: هل يريدون بلدا احتوائيا قادرا على أن يوفر لجميع مواطنيه الاحترام والكرامة أم بلدا قاما على نفي الآخر؟».
وأضاف هالبريتال قائلا إنه لذلك السبب سوف يكون «الاقتراع في الانتخابات القادمة على روح إسرائيل».
وكذلك أيضا الاقتراع في الولايات المتحدة. ولقد أوضحت ذلك على نحو مؤلم شهادة هتشينسن أمام البرلمان يوم الثلاثاء ـ وقد كانت من كبار موظفي ترامب في البيت الأبيض ـ حينما تحدثت ببلاغة عن إن إحساسها الوطني وواجبها كأمريكية قد تعرضا لانتهاك من أفعال ترامب وحلفائه. لم تتناول هتشينسن السياسات الانتخابية، لكنها فعلت شيئا أهم من ذلك بكثير، إذ أرغمتنا على أن نسأل أنفسنا ونحن نستمع إلى شهادتها عن البلد الذي نريده، وعن نوع الزعامات التي نريدها، وعن الروح القائمة في قلب أمريكا.
توماس فريدمان كاتب عمود في الشؤون الخارجية بجريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».
ترجمة خاصة لـ عمان عن «نيويورك تايمز»