العرب.. والكتلة التاريخية
الاثنين / 27 / ذو القعدة / 1443 هـ - 14:53 - الاثنين 27 يونيو 2022 14:53
«الكتلة التاريخية».. مصطلح ثقافي ذو دلالة سياسية، تعرّض له المفكرون بالتحليل والنقد، كما اعتمده المثقفون مخرجًا من الأزمات السياسية التي تعصف بمجتمعاتهم، ومنذ أن سكّه أنطونيو جرامشي (ت:1937م) قلّما يغيب عند تحليل الظروف السياسية الملتهبة؛ خاصةً لدى اليساريين، وذلك باعتبار جرامشي مفكرًا شيوعيًا. إلا أن الأمر لم يقتصر عليهم، ففي وطننا العربي دخل حيّز تفكير المثقفين، ولعل هذا عائد إلى أن من أوائل متحدثيهم عنه محمد عابد الجابري (ت:2010م) صاحب مشروع «نقد العقل العربي»، والذي اشتغل على تفكيك «العقل المسلم»؛ برهانيًا وبيانيًا وعرفانيًا. والمصطلح.. لا يزال يتفاعل في الحقل الثقافي عربيًا، بيد أننا لا نسمع له صدى في الحقل السياسي، ربما بسبب انفصام الحقلين عن بعضهما البعض.
المقال.. يتحدث عن مفهوم الكتلة التاريخية، ويعمل على تحليله في إطار الظاهرة العربية؛ حضاريًا وسياسيًا، ومدى حاجة العرب إلى تفعيل هذا المفهوم لعلاج وضعهم السياسي. لأبدأ مع جرامشي المنظِّر الأول للمفهوم، هو فيلسوف إيطالي، قضى حياته في النضال السياسي، فكان نصيب السجون والأمراض منه الحظ الأوفر، لم يعش طويلاً فقد مات وعمره 46 عاماً، لكن تنظيره الفلسفي للثقافة والسياسة كان له تأثيره الواسع والعميق، ومصطلح «الكتلة التاريخية» ليس هو الوحيد الذي اجترحه جرامشي؛ فله أيضاً «المثقف العضوي»، الذي يعد الرافعة الفكرية للكتلة التاريخية، بحيث لا يمكن فهم هذه إلا بإدراك ذاك، بل لا يمكن الوصول عملياً إليها إلا بصحبته. الحديث عن هذه القضية يحتاج لشرح يطول؛ ومقصد المقال العرب وكتلتهم التاريخية. ما يميز جرامشي في نحته لمصطلحاته وتنظيره لمفاهيميه أنه لا يفعل ذلك وهو يحتسي فناجين القهوة بين كتبه، بل وهو يقارع خصومه السياسيين، لاسيما زعيم الفاشية الإيطالية بينيتو موسيليني(ت:1945م).
الكتلة التاريخية.. لدى جرامشي؛ تعني توافقاً ثقافياً صلباً بين المكونات الاجتماعية في إيطاليا لمواجهة البرجوازية والفاشية، فهي ليست بُنية فوقية لمعطيات الاجتماع وممارسة السياسة، وإنما تأسيس لبُنية تحتية على مكوّن ثقافي، بمعنى.. أن المكونات الاجتماعية بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية عليها أن تؤمن بثقافة تعمل على ترسيخها اجتماعياً لمواجهة الدكتاتورية الفاشية، ولمواجهة البرجوازية التي قسّمت المجتمع إلى طبقتين: غنية وفقيرة. فهي قوة تهيمن على المجتمع في مقابل الهيمنة الفاشية والبرجوازية.
ما طرحه جرامشي في الكتلة التاريخية يلاحظ منه ثلاثة أمور:
- مواجهة الهيمنة الاستبدادية بهيمنة ثقافية تجمع «كل أحرار المجتمع»، فهو لا يفتت السلطة ويضعفها، بل يبني سلطة محل أخرى، وهنا يأتي دور المثقف العضوي لبناء الكتلة، ولأنها في مواجهة البرجوازية الغربية فهي ليست نظرية محلية، وإنما نظرية شمولية.
- رغم أن جرامشي شيوعي إلا أنه بالكتلة التاريخية نقض التنظير الماركسي بكون الاقتصاد هو البُنية التحتية للاجتماع البشري، إذ طرح الثقافة بُنيةً تحتيةً له، كما رفض جدلية ماركس المادية وعنف لينين في التغيير الاجتماعي، وسعى ليوحّد المجتمع عبر الكتلة المتشكلة من كل مكونات المجتمع.
- الكتلة التاريخية.. ليست توحيداً للرؤية بين مكونات المجتمع حول قضية نضال عابرة؛ سياسية أو غيرها، وإنما هي بناء اجتماعي دائم، يحل محل الأحزاب السياسية، ومحل التنظير الماركسي والجدل الهيجلي والعنف الأيديولوجي، ليؤسس لحمة اجتماعية بعيدة عن تلك التناقضات، وعن العنصرية التي قامت عليها النازية والفاشية.
في العالم العربي.. تبنّى المفهوم الجرامشي محمد عابد الجابري، بدعوته لـ(شيء أقرب إلى ما سمّاه غرامشي بالكتلة التاريخية)، فدعا في ثمانينات القرن العشرين لـ (كتلة تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة تتعلق -أولاً- بالتحرر من هيمنة الاستعمار والإمبريالية السياسية والاقتصادية والفكرية، وتتعلق -ثانياً- بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها -إلى درجة كبيرة- التوزيع العادل للثروة في إطار مجهود متواصل للإنتاج. وبما أن مشكلة التنمية مرتبطة في الوطن العربي بقضية الوحدة؛ فإن هذه الكتلة التاريخية يجب أن تأخذ بُعداً قومياً في جميع تنظيراتها وبرامجها ونضالاتها) [موقع المحور العربي]. ورغم الانتقاد الذي وُجّه للجابري بأنه في طرحه هذا كان وظيفياً وليس تأريخياً، فبرأيي.. هو لم يبعد كثيراً عن المفهوم الجرامشي، فالكتلة التأريخية حاضرة لديه، ليس في دعوته هذه فحسب، وإنما كذلك في مشروعه «نقد العقل العربي»، وإنْ طرحه طرحاً تفكيكاً تأثراً بالمدرسة الفرنكفونية، لكن تتبعه للعقل العربي -مع اعتبار ملاحظات جورج طرابشي عليه- أسس لرؤية تأريخية مشتركة في أهم مكوناتها، وهو العقل الفقهي ذي البُنية البيانية.
كان الوضع العربي منذ نضال التحرر من الاستعمار والمواجهة مع إسرائيل؛ يتململ تحت الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة، مروراً بـ«النكسة» واتفاقية كامب ديفيد، ثم الحرب الأهلية اللبنانية، وأدوات النضال الفلسطيني الذي تمخضت عنه المقاومة في فلسطين ولبنان، والحرب العراقية الإيرانية، والغزو العراقي للكويت ونزول القوات الأمريكية في الخليج، كل ذلك أدى بالمثقفين العرب إلى محاولة تشكيل كتلة تاريخية؛ فكان «المؤتمر القومي العربي». ورغم أن الجابري قد دُعي إليه في دورته الثانية، إلا أن طرحه لمفهوم الكتلة التاريخية على الواقع العربي كان اللبنة الأساس للمؤتمر من بعد التنظير الجرامشي لها. وقد أرسى المؤتمر هذا المفهوم بأدواته الثقافية، متجنباً الانحيازات السياسية والأدلجات الدينية، وقد أثمر ذلك وقوفَه الفكري والحقوقي مع القضية الفلسطينية. كما أن لـ«مركز وحدة الدراسات العربية» -وهو من ثمرات المؤتمر- الفضل في التأصيل الثقافي للكتلة التأريخية، بل دفع بمفهوم المثقف العضوي إلى الأمام عبر الدراسات التي يصدرها. وبعد مرور 30 عاماً على تأسيس المؤتمر فمن المهم مراجعة فلسفته وأطروحاته ومنجزاته؛ خاصةً.. من قِبَل جيل الشباب.
الكتلة التأريخية.. لدى العرب تأخذ بُعدين:
- البُعد الحضاري.. المتشكّل عبر الحضارات التي نشأت في المنطقة منذ حوالي خمسة آلاف عام، وهو بُعد لا يرضخ للنسب، فالبشر حالة سائلة من التنقل والترحال، ولا يقتصر على التشكل اللغوي الأخير، وإنما يضرب بجذوره إلى الحضارات العتيقة التي قامت في المنطقة من مضيق هرمز شرقاً حتى مضيق جبل طارق غرباً، حيث إن هذه الصفيحة الجغرافية قامت فيها أكبر الحضارات، وهي التي كان لها فضل التأسيس لحركة التاريخ التي أعقبتها، فقد كانت فيها العناصر الثقافية؛ اللغات والأديان والأنظمة السياسية والاجتماعية والبيئية متداخلة، ولا يمكن الفصل بينها. هذا البُعد ترسّخ بالإسلام خاتم الرسالات الإلهية، وبالعربية لغة القرآن، مما يجعل العرب على قدرة عالية من الحفاظ على وجودهم في ظل التحولات الكبرى التي تعصف بالعالم. والأمل معقود برجوعهم للإسهام في المشهد الحضاري، فيما لو تمكنوا من الخروج من كبوتهم الحالية.
- البُعد الوظيفي.. وهو التكتل على أساس قضية محددة، والعمل عليها بغية إنجاحها، وهذا يتحقق -كما دعا الجابري- بالسعي نحو الديمقراطية في المنطقة العربية باشتراك جميع مكونات الوطن؛ بغض النظر عن أعراقها القبلية وتوجهاتها السياسية ومذاهبها الدينية. ويمكن أن ندعو بذلك إلى إنشاء اتحاد بين الدول العربية. وبذكر الاتحاد؛ يحيلنا إلى تجارب الوحدة كجامعة الدول العربية؛ والتي بإمكانها أن تكون محركاً وظيفياً للكتلة التاريخية، إلا أنها ركدت حتى كادت أن ينساها العرب أنفسهم. ومن هذه التجارب الاتحاد المغاربي الذي هو الآخر انتهى، وأما مجلس التعاون لدول الخليج العربية فهو أوفر حظاً، إلا أنه لا يزال بعيداً عن تحقيق مفهوم الكتلة التاريخية؛ لأنه لا يرتكز على الثقافة بكونها قاعدة تأسيسية له، فضلاً أن يكون لديه مثقفون عضويون لترسيخ المشروع ثقافياً في المجتمع الخليجي.
ختاماً.. هل سيتمكن العرب وهم يملكون قاعدة صلبة من البُعد الحضاري للكتلة التأريخية؛ من النهوض حضارياً والتقدم سياسياً والإبداع ثقافياً على المستوى العالمي؟
المقال.. يتحدث عن مفهوم الكتلة التاريخية، ويعمل على تحليله في إطار الظاهرة العربية؛ حضاريًا وسياسيًا، ومدى حاجة العرب إلى تفعيل هذا المفهوم لعلاج وضعهم السياسي. لأبدأ مع جرامشي المنظِّر الأول للمفهوم، هو فيلسوف إيطالي، قضى حياته في النضال السياسي، فكان نصيب السجون والأمراض منه الحظ الأوفر، لم يعش طويلاً فقد مات وعمره 46 عاماً، لكن تنظيره الفلسفي للثقافة والسياسة كان له تأثيره الواسع والعميق، ومصطلح «الكتلة التاريخية» ليس هو الوحيد الذي اجترحه جرامشي؛ فله أيضاً «المثقف العضوي»، الذي يعد الرافعة الفكرية للكتلة التاريخية، بحيث لا يمكن فهم هذه إلا بإدراك ذاك، بل لا يمكن الوصول عملياً إليها إلا بصحبته. الحديث عن هذه القضية يحتاج لشرح يطول؛ ومقصد المقال العرب وكتلتهم التاريخية. ما يميز جرامشي في نحته لمصطلحاته وتنظيره لمفاهيميه أنه لا يفعل ذلك وهو يحتسي فناجين القهوة بين كتبه، بل وهو يقارع خصومه السياسيين، لاسيما زعيم الفاشية الإيطالية بينيتو موسيليني(ت:1945م).
الكتلة التاريخية.. لدى جرامشي؛ تعني توافقاً ثقافياً صلباً بين المكونات الاجتماعية في إيطاليا لمواجهة البرجوازية والفاشية، فهي ليست بُنية فوقية لمعطيات الاجتماع وممارسة السياسة، وإنما تأسيس لبُنية تحتية على مكوّن ثقافي، بمعنى.. أن المكونات الاجتماعية بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية عليها أن تؤمن بثقافة تعمل على ترسيخها اجتماعياً لمواجهة الدكتاتورية الفاشية، ولمواجهة البرجوازية التي قسّمت المجتمع إلى طبقتين: غنية وفقيرة. فهي قوة تهيمن على المجتمع في مقابل الهيمنة الفاشية والبرجوازية.
ما طرحه جرامشي في الكتلة التاريخية يلاحظ منه ثلاثة أمور:
- مواجهة الهيمنة الاستبدادية بهيمنة ثقافية تجمع «كل أحرار المجتمع»، فهو لا يفتت السلطة ويضعفها، بل يبني سلطة محل أخرى، وهنا يأتي دور المثقف العضوي لبناء الكتلة، ولأنها في مواجهة البرجوازية الغربية فهي ليست نظرية محلية، وإنما نظرية شمولية.
- رغم أن جرامشي شيوعي إلا أنه بالكتلة التاريخية نقض التنظير الماركسي بكون الاقتصاد هو البُنية التحتية للاجتماع البشري، إذ طرح الثقافة بُنيةً تحتيةً له، كما رفض جدلية ماركس المادية وعنف لينين في التغيير الاجتماعي، وسعى ليوحّد المجتمع عبر الكتلة المتشكلة من كل مكونات المجتمع.
- الكتلة التاريخية.. ليست توحيداً للرؤية بين مكونات المجتمع حول قضية نضال عابرة؛ سياسية أو غيرها، وإنما هي بناء اجتماعي دائم، يحل محل الأحزاب السياسية، ومحل التنظير الماركسي والجدل الهيجلي والعنف الأيديولوجي، ليؤسس لحمة اجتماعية بعيدة عن تلك التناقضات، وعن العنصرية التي قامت عليها النازية والفاشية.
في العالم العربي.. تبنّى المفهوم الجرامشي محمد عابد الجابري، بدعوته لـ(شيء أقرب إلى ما سمّاه غرامشي بالكتلة التاريخية)، فدعا في ثمانينات القرن العشرين لـ (كتلة تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة تتعلق -أولاً- بالتحرر من هيمنة الاستعمار والإمبريالية السياسية والاقتصادية والفكرية، وتتعلق -ثانياً- بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها -إلى درجة كبيرة- التوزيع العادل للثروة في إطار مجهود متواصل للإنتاج. وبما أن مشكلة التنمية مرتبطة في الوطن العربي بقضية الوحدة؛ فإن هذه الكتلة التاريخية يجب أن تأخذ بُعداً قومياً في جميع تنظيراتها وبرامجها ونضالاتها) [موقع المحور العربي]. ورغم الانتقاد الذي وُجّه للجابري بأنه في طرحه هذا كان وظيفياً وليس تأريخياً، فبرأيي.. هو لم يبعد كثيراً عن المفهوم الجرامشي، فالكتلة التأريخية حاضرة لديه، ليس في دعوته هذه فحسب، وإنما كذلك في مشروعه «نقد العقل العربي»، وإنْ طرحه طرحاً تفكيكاً تأثراً بالمدرسة الفرنكفونية، لكن تتبعه للعقل العربي -مع اعتبار ملاحظات جورج طرابشي عليه- أسس لرؤية تأريخية مشتركة في أهم مكوناتها، وهو العقل الفقهي ذي البُنية البيانية.
كان الوضع العربي منذ نضال التحرر من الاستعمار والمواجهة مع إسرائيل؛ يتململ تحت الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة، مروراً بـ«النكسة» واتفاقية كامب ديفيد، ثم الحرب الأهلية اللبنانية، وأدوات النضال الفلسطيني الذي تمخضت عنه المقاومة في فلسطين ولبنان، والحرب العراقية الإيرانية، والغزو العراقي للكويت ونزول القوات الأمريكية في الخليج، كل ذلك أدى بالمثقفين العرب إلى محاولة تشكيل كتلة تاريخية؛ فكان «المؤتمر القومي العربي». ورغم أن الجابري قد دُعي إليه في دورته الثانية، إلا أن طرحه لمفهوم الكتلة التاريخية على الواقع العربي كان اللبنة الأساس للمؤتمر من بعد التنظير الجرامشي لها. وقد أرسى المؤتمر هذا المفهوم بأدواته الثقافية، متجنباً الانحيازات السياسية والأدلجات الدينية، وقد أثمر ذلك وقوفَه الفكري والحقوقي مع القضية الفلسطينية. كما أن لـ«مركز وحدة الدراسات العربية» -وهو من ثمرات المؤتمر- الفضل في التأصيل الثقافي للكتلة التأريخية، بل دفع بمفهوم المثقف العضوي إلى الأمام عبر الدراسات التي يصدرها. وبعد مرور 30 عاماً على تأسيس المؤتمر فمن المهم مراجعة فلسفته وأطروحاته ومنجزاته؛ خاصةً.. من قِبَل جيل الشباب.
الكتلة التأريخية.. لدى العرب تأخذ بُعدين:
- البُعد الحضاري.. المتشكّل عبر الحضارات التي نشأت في المنطقة منذ حوالي خمسة آلاف عام، وهو بُعد لا يرضخ للنسب، فالبشر حالة سائلة من التنقل والترحال، ولا يقتصر على التشكل اللغوي الأخير، وإنما يضرب بجذوره إلى الحضارات العتيقة التي قامت في المنطقة من مضيق هرمز شرقاً حتى مضيق جبل طارق غرباً، حيث إن هذه الصفيحة الجغرافية قامت فيها أكبر الحضارات، وهي التي كان لها فضل التأسيس لحركة التاريخ التي أعقبتها، فقد كانت فيها العناصر الثقافية؛ اللغات والأديان والأنظمة السياسية والاجتماعية والبيئية متداخلة، ولا يمكن الفصل بينها. هذا البُعد ترسّخ بالإسلام خاتم الرسالات الإلهية، وبالعربية لغة القرآن، مما يجعل العرب على قدرة عالية من الحفاظ على وجودهم في ظل التحولات الكبرى التي تعصف بالعالم. والأمل معقود برجوعهم للإسهام في المشهد الحضاري، فيما لو تمكنوا من الخروج من كبوتهم الحالية.
- البُعد الوظيفي.. وهو التكتل على أساس قضية محددة، والعمل عليها بغية إنجاحها، وهذا يتحقق -كما دعا الجابري- بالسعي نحو الديمقراطية في المنطقة العربية باشتراك جميع مكونات الوطن؛ بغض النظر عن أعراقها القبلية وتوجهاتها السياسية ومذاهبها الدينية. ويمكن أن ندعو بذلك إلى إنشاء اتحاد بين الدول العربية. وبذكر الاتحاد؛ يحيلنا إلى تجارب الوحدة كجامعة الدول العربية؛ والتي بإمكانها أن تكون محركاً وظيفياً للكتلة التاريخية، إلا أنها ركدت حتى كادت أن ينساها العرب أنفسهم. ومن هذه التجارب الاتحاد المغاربي الذي هو الآخر انتهى، وأما مجلس التعاون لدول الخليج العربية فهو أوفر حظاً، إلا أنه لا يزال بعيداً عن تحقيق مفهوم الكتلة التاريخية؛ لأنه لا يرتكز على الثقافة بكونها قاعدة تأسيسية له، فضلاً أن يكون لديه مثقفون عضويون لترسيخ المشروع ثقافياً في المجتمع الخليجي.
ختاماً.. هل سيتمكن العرب وهم يملكون قاعدة صلبة من البُعد الحضاري للكتلة التأريخية؛ من النهوض حضارياً والتقدم سياسياً والإبداع ثقافياً على المستوى العالمي؟