هل الاستيلاء على أصول روسيا يساعد على إعمار أوكرانيا
الجمعة / 17 / ذو القعدة / 1443 هـ - 18:50 - الجمعة 17 يونيو 2022 18:50
فيكتور فيكسلبيرج بليونير يتاجر في المعادن وأحد المقربين من الكرملين. في عام 2011 زار فريقا كان يتولى تصميم يخت طلب بناءه بتكلفة تبلغ 90 مليون دولار. ذهب الرجل إلى هناك للإشراف على تجهيز يَخْتِه (تانجو). لكن هذا الاهتمام بالتفاصيل أوْدَى به.
عندما أُدرِج فيكسيلبيرج في لائحة العقوبات الأمريكية أول مرة عام 2018 جُمِّدت أصوله الأجنبية في جزر فيرجِن البريطانية. لم يكن اليخت 'تانجو' من بينها. فقد كان يملكه عبر شركة صُوَرية (وهمية) مسجلة في جزر فيرجِن. لكن مهندِسَين في ترسانة بناء السفن تذكَّرا اجتماعهما به في عام 2011 فأبلغا وكالة التحقيقات الفيدرالية. أكد تتبعُ تحويلاتٍ مالية أن فيكسيلبيرج يملك حقا 'تانجو'. في 14 أبريل هذا العام احتجزت الشرطة الإسبانية بطلب من أمريكا اليختَ في مايوركا.
اصطياد تانجو كان إنجازا كبيرا لقوة المهام 'كليبتوكابشر' التي شكلها الرئيس الأمريكي جو بايدن لتعقب أصول الأوليجارش (الساسة الروس الأثرياء) الذين أدرجوا في قائمة سوداء بواسطة الغرب بعد غزو روسيا أوكرانيا.
وضع الاتحاد الأوروبي يده على أعمال فنية ويخوت وعقارات تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 7 بلايين دولار. وضبطت إيطاليا يختا ضخما بقيمة 700 مليون دولار قِيلَ أن له صلة بفلاديمير بوتين. وتحتجز أمريكا سفنا وطائرات تقدر قيمتها بحوالي بليون دولار. وإذا أضفنا احتياطيات البنك المركزي الروسي من العملات الأجنبية التي خضعت للعقوبات الغربية ستبلغ قيمة الأصول المحتجزة 400 بليون دولار.
بحسب مدرسة كييف للاقتصاد يمكن أن تصل قيمة إجمالي خسائر أوكرانيا الاقتصادية حتى الآن إلى 600 بليون دولار. لذلك لا يمكن للعديدين، كما يبدو، مقاومة فكرة الاستيلاء على الأصول الروسية وبيعها واستخدام حصائلها لتعويض ضحايا عدوان بوتين. فشارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي على سبيل المثال يحاجج قائلا: 'من الأهمية البالغة ليس فقط تجميد الأصول ولكن أيضا تيسير مصادرتها وجعلها متاحة لإعادة إعمار أوكرانيا'.
حصلت الفكرة أيضا على دعم من الساسة الغربيين في كل البلدان من كندا إلى ألمانيا.
لكن هنالك عقبتين كبيرتين أمام هذه الخطة هما المصاعب العملية لتجميد الأصول والصعوبات القانونية للاستيلاء عليها.
لننظر أولا في الجوانب العملية لتجميد الأصول. احتياطي عملات البنك المركزي هدف واضح ومباشر نسبيا. فأكثر من نصف احتياطيات روسيا توجد في الغرب. وهي خاضعة للعقوبات. لكن هذه الأموال الضخمة حتى الآن ليست مجمدة من الناحية الفنية. المعاملات مع البنك المركزي الروسي ممنوعة لكن أمواله ليست مجمدة بصفة قانونية. ذلك يعني أن البلدان الغربية تحتاج إلى خطوة إضافية لكي يكون في مقدورها الاستيلاء على هذه الأموال حسبما يقول آدم سميث الشريك في شركة الاستشارات القانونية 'جيبسون دان.'
يمكن لحلفاء أوكرانيا أن يقرروا اتخاذ تلك الخطوة كما فعلت أمريكا عندما جمدت احتياطيات البنك المركزي الأفغاني بعد دخول طالبان كابول.
استهداف الأصول الخاصة أكثر صعوبة. تبلغ قيمة إجمالي استثمارات روسيا الأجنبية المباشرة حوالي 500 بليون دولار. لكن راشيل زيمبا الباحثة بمركز الأمن الأمريكي الجديد تقول إن نسبة لا تكاد تذكر من هذه الاستثمارات مجمدة. إحدى المشاكل في هذا الخصوص صعوبة معرفة مكان الاستثمار. في أحيان كثيرة تكون قبرص المقر المسجل. لكنها غالبا ما تكون محطة عبور مؤقتة. لذلك ركز التجميد على أصول الأفراد. وهنا أيضا يشكل تعقب هذه الأصول تحديا عويصا.
يقول آنديرس آسلند المستشار السابق للحكومتين الروسية والأوكرانية إن الروس الخاضعين للعقوبات لديهم أصول في الخارج تقدر بحوالي 400 بليون دولار. لكنه يعتقد أن 50 بليونا منها فقط مجمدة. فالأوليجارش الأكثر حرصا، بعد استهدافهم بالعقوبات عقب غزو روسيا للقرم في عام 2014، يخبئون أصولهم الأجنبية الآن وراء طبقات تتكون من عشرين إلى ثلاثين شركة صورية. كما نقلت بعض الأصول المادية إلى بلدان غير معادية. فأكثر من مائة طائرة روسية خاصة هبطت هناك خلال أسابيع بعد غزو أوكرانيا.
إلى ذلك يقع تطبيق العقوبات على عاتق الشركات الخاصة التي تخدم الأثرياء (من بنوك إلى مرافئ يخوت). وليس لدى كل هذه الشركات الخبرة الكافية لكشف ما يخفيه ملوك المال. أيضا ربما سيتوجب على من يتولى تجميد الأصول رعايتها أيضا. وهذا يستنزف مواردا. فالمنازل تحتاج إلى الاعتناء بها واليخوت تكلف أموالا تساوي 10% من قيمتها لصيانتها السنوية.
هذه الصعوبات تتضاءل أهميتها عندما نقارنها بمشاكل المصادرة. وهي الخطوة التالية إذا لزم استخدام الأصول الروسية لإعادة إعمار أوكرانيا.
في الديمقراطيات الغربية الاستيلاء على الممتلكات الأجنبية على أساس الجنسية أو الرأي السياسي غير قانوني. هذا لا يعني القول بعدم وجود سوابق لمصادرة أصول حكومية أو خاصة. لكنها حدثت في أوقات استثنائية وعند استيفاء مقاييس صارمة ومحددة.
فيما يتعلق بالأفراد يكون الشرط المعتاد للمصادرة صدور إدانة جنائية ولكن ليس على ارتكاب أية جريمة. بل فقط على الجريمة التي يعتبر أنها تستوجب ذلك. ويلزم أن تكون الأصول المصادرة إما أداة لارتكاب الجريمة أو مرتبطة بمنافع مالية مكتسبة منها. لكن مثل هذه الأشياء يمكن أن تستغرق سنوات (وأموالا كثيرا) لإثباتها في المحكمة.
إلى ذلك، من المستبعد أن تختفي العراقيل أمام المصادرات قريبا. فقد رفض مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون في أبريل يمنح الرئيس سلطة مصادرة أصول الأوليجارش وذلك بعد تحذير الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية من احتمال إعلان بطلانه في المحكمة.
لذلك يعكف المسؤولون في الغرب، بدلا عن ذلك، على إطالة قائمة الجرائم التي تستدعي الاستيلاء على الأصول. ففي أبريل تقدمت إدارة بايدن بمشروع قانون يضيف تجنب ( الالتفاف حول) العقوبات وضوابط التصدير إلى قائمة المخالفات التي يعاقب عليها 'قانون المنظمات التي تمارس الكسب المشروع والفاسدة' الذي شُرِّع عام 1970 بقصد التصدي لرجال العصابات. هدف إدارة بايدن من هذه الإضافة للقانون تمكين الاستيلاء على المكاسب غير المشروعة. وفي 25 مايو وضعت المفوضية الأوروبية خططا لتيسير مصادرة البلدان الأعضاء لأصول الأفراد الذين يشتبه في انتهاكهم العقوبات.
واقع الحال، كل مقترح في هذا الصدد يواجه معركة سياسية قاسية. فعلى الرغم من أن معظم الجمهوريين يؤيدون معاقبة روسيا، إلا أن قلة منهم تريد منح بايدن انتصارا قبل انتخابات منتصف الفترة البرلمانية في نوفمبر. كما لن تكون للاتحاد الأوروبي سلطة إخطار حكومات الدول الأعضاء بكيفية استخدام حصائل الأصول المُسَيَّلة. وستتحَّفظ بعض البلدان من المصادرة. فألمانيا قد يلزمها تعديل دستورها الذي يضمن الملكية الخاصة. ومن المستبعد أن تؤيد قبرص ومالطا، وهما مركزا عبور للأموال الروسية، الاستيلاء عليها.
في الأثناء ستتطلب مصادرة الأصول الحكومية من الحكومات الغربية تسمية روسيا قوةً معادية أو الدعوة إلى تغيير نظامها. وهو ما حاولت تجنبه حتى الآن.
كقاعدة، يحمي مبدأ 'الحصانة السيادية' الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة الدولَ الأجنبية من المقاضاة المحلية. لكن بعض القوانين وخصوصا في الولايات المتحدة تسمح للحكومات بالحجز على الأصول الحكومية الأجنبية بدون محاكمة في حالات معينة.
أحد هذه التشريعات 'قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية الأمريكي' والذي يقدم دعما قانونيا للتجميد الحالي للأصول. القانون لا يخول للرئيس الأمريكي صراحةٌ سلطاتِ تبديل من يملك الأصول. لكن هنالك استثناء واحدا أضيف للقانون في عام 2001 يسمح بذلك عندما تكون أمريكا في حالة 'عداء مسلح' مع بلد آخر. هذا الاستثناء استخدمه جورج دبليو بوش لاحتجاز الأصول العراقية بعد غزوه العراق في عام 2003.
لكن اليوم تجهد أمريكا نفسها لتأكيد أن إرسالها الأسلحة إلى أوكرانيا لا يماثل كونها في صراع مسلح مع روسيا.
يمكن حجز الأصول بدون اللجوء إلى القانون المذكور. فالجهاز التنفيذي في الولايات المتحدة لديه سلطة التعامل مع أصول حكومية أجنبية معينة على هذا النحو حين ينزع عنها صفة الشرعية كما فعل في عام 2019 عندما صادر الأصول الفنزويلية بعد اعترافه بخوان غواديو رئيسا. لكن أمريكا حتى الآن لم تصل إلى مرحلة المطالبة برحيل بوتين.
في أحوال نادرة يمكن للكونجرس أيضا رفع حصانة الدول السيادية مما يسمح باستخدام أصولها لتعويض مطالبين في محاكمات محلية. فقد وضع جزء من الأصول الأفغانية المجمدة جانبا أثناء نظر المحكمة في مطالب عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر. لكن لكي ينطبق هذا على روسيا يلزم أمريكا إعلانها دولة إرهابية.
من جانبه، لم يناقش الاتحاد الأوروبي حتى موضوع الأصول السيادية، حسب جان دونين وازوفيتش المستشار بالشركة القانونية 'هيوز هوبارت آند ريد'. والعبارات التي تشير إلى هذه الأصول غائبة بوضوح في المقترحات التي يتقدم بها الاتحاد. أيضا لا يبدو اللجوء إلى المحاكم الدولية مسارا مثمرا. فلا روسيا أو أوكرانيا قبلت بالاختصاص القضائي لمحكمة العدل الدولية مع استثناءات قليلة ومحدودة، حسب استريد كوراسيني أستاذة القانون الدولي بجامعة فينا. كما سيتطلب إيجاد جسم جديد، شبيه باللجنة التي شكلت بواسطة الأمم المتحدة في عام 1991 للمطالبة بتعويضات من العراق بعد غزوه الكويت، موافقة روسيا.
لذلك بدأت أفكار مبتدعة في الظهور. إحداها تدعو إلى استهداف بلايين الدولارات التي تحصل عليها روسيا يوميا من صادراتها من النفط والغاز وليس استهداف أصولها.
في اجتماع لبلدان مجموعة السبع في مايو اقترحت أمريكا فرض رسم جمركي على النفط الروسي وإرسال الحصيلة إلى أوكرانيا. لكن التوصل إلى اتفاق حول ذلك حتى داخل الاتحاد الأوروبي سيكون شاقا.
تدعو فكرة جديدة أخرى إلى حفظ استحقاقات روسيا مقابل صادرات نفطها في حسابات عهدة بالبنوك العالمية كما حدث مع مدفوعات النفط الإيراني في العشرية الثانية. وقد أصبحت تلك الأموال المتراكمة والتي تبلغ حوالي 100 بليون دولار متاحة مرة أخرى لإيران بعد رفع العقوبات عنها في عام 2016.
هذه المرة يمكن للغرب المطالبة بمنح أوكرانيا بعضا من المال المحتجز. ويذكر أحد العليمين أن واشنطن ربما تدرس هذه الفكرة في الوقت الحاضر. لكن روسيا قد تحاول إنهاء مبيعاتها النفطية المتبقية للغرب. إلى ذلك سيتطلب فرض الإجراء على نطاق أكثر اتساعا تهديدَ من ينتهكونه بعقوبات ثانوية. وهذا شيء تجنبه الغرب حتى الآن.
كل هذا يوحي أن محاولات احتجاز الأصول الروسية أثناء دوران رحى الحرب ستواجه واحدة من ثلاثة مزالق. فما لم تتخل البلدان الغربية عن ضمانات الحماية التي تقدمها للأفراد والدول ستخاطر بقضاء سنوات عديدة أمام المحاكم. وإذا تخلت عنها يمكن أن تعرض للخطر الثقة التي تشكل دعامة اقتصاداتها ومجتمعاتها. وقد يدفع اقتراح المزيد من هذه الأفكار ردَّ فعل انتقامي من روسيا وغضب باقي العالم.
لا يعني ذلك أن الكنز الروسي لا يمكن المساس به إلى الأبد. ففي الغالب يتم الاتفاق حول معظم التعويضات حين تنتهي الحرب وكشرط أيضا لفك تجميد الأصول الأجنبية. ويبدو أن بوتين لايزال بعيدا عن التفكير في السلام. لكن إذا فكر فيه قد يكون القبول بذهاب بعض المال إلى أوكرانيا الثمنَ الذي يجب عليه سداده مقابل عودة بعض أصوله الخاصة، بما في ذلك يختا فاخرا بملايين الدولارات.
عندما أُدرِج فيكسيلبيرج في لائحة العقوبات الأمريكية أول مرة عام 2018 جُمِّدت أصوله الأجنبية في جزر فيرجِن البريطانية. لم يكن اليخت 'تانجو' من بينها. فقد كان يملكه عبر شركة صُوَرية (وهمية) مسجلة في جزر فيرجِن. لكن مهندِسَين في ترسانة بناء السفن تذكَّرا اجتماعهما به في عام 2011 فأبلغا وكالة التحقيقات الفيدرالية. أكد تتبعُ تحويلاتٍ مالية أن فيكسيلبيرج يملك حقا 'تانجو'. في 14 أبريل هذا العام احتجزت الشرطة الإسبانية بطلب من أمريكا اليختَ في مايوركا.
اصطياد تانجو كان إنجازا كبيرا لقوة المهام 'كليبتوكابشر' التي شكلها الرئيس الأمريكي جو بايدن لتعقب أصول الأوليجارش (الساسة الروس الأثرياء) الذين أدرجوا في قائمة سوداء بواسطة الغرب بعد غزو روسيا أوكرانيا.
وضع الاتحاد الأوروبي يده على أعمال فنية ويخوت وعقارات تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 7 بلايين دولار. وضبطت إيطاليا يختا ضخما بقيمة 700 مليون دولار قِيلَ أن له صلة بفلاديمير بوتين. وتحتجز أمريكا سفنا وطائرات تقدر قيمتها بحوالي بليون دولار. وإذا أضفنا احتياطيات البنك المركزي الروسي من العملات الأجنبية التي خضعت للعقوبات الغربية ستبلغ قيمة الأصول المحتجزة 400 بليون دولار.
بحسب مدرسة كييف للاقتصاد يمكن أن تصل قيمة إجمالي خسائر أوكرانيا الاقتصادية حتى الآن إلى 600 بليون دولار. لذلك لا يمكن للعديدين، كما يبدو، مقاومة فكرة الاستيلاء على الأصول الروسية وبيعها واستخدام حصائلها لتعويض ضحايا عدوان بوتين. فشارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي على سبيل المثال يحاجج قائلا: 'من الأهمية البالغة ليس فقط تجميد الأصول ولكن أيضا تيسير مصادرتها وجعلها متاحة لإعادة إعمار أوكرانيا'.
حصلت الفكرة أيضا على دعم من الساسة الغربيين في كل البلدان من كندا إلى ألمانيا.
لكن هنالك عقبتين كبيرتين أمام هذه الخطة هما المصاعب العملية لتجميد الأصول والصعوبات القانونية للاستيلاء عليها.
لننظر أولا في الجوانب العملية لتجميد الأصول. احتياطي عملات البنك المركزي هدف واضح ومباشر نسبيا. فأكثر من نصف احتياطيات روسيا توجد في الغرب. وهي خاضعة للعقوبات. لكن هذه الأموال الضخمة حتى الآن ليست مجمدة من الناحية الفنية. المعاملات مع البنك المركزي الروسي ممنوعة لكن أمواله ليست مجمدة بصفة قانونية. ذلك يعني أن البلدان الغربية تحتاج إلى خطوة إضافية لكي يكون في مقدورها الاستيلاء على هذه الأموال حسبما يقول آدم سميث الشريك في شركة الاستشارات القانونية 'جيبسون دان.'
يمكن لحلفاء أوكرانيا أن يقرروا اتخاذ تلك الخطوة كما فعلت أمريكا عندما جمدت احتياطيات البنك المركزي الأفغاني بعد دخول طالبان كابول.
استهداف الأصول الخاصة أكثر صعوبة. تبلغ قيمة إجمالي استثمارات روسيا الأجنبية المباشرة حوالي 500 بليون دولار. لكن راشيل زيمبا الباحثة بمركز الأمن الأمريكي الجديد تقول إن نسبة لا تكاد تذكر من هذه الاستثمارات مجمدة. إحدى المشاكل في هذا الخصوص صعوبة معرفة مكان الاستثمار. في أحيان كثيرة تكون قبرص المقر المسجل. لكنها غالبا ما تكون محطة عبور مؤقتة. لذلك ركز التجميد على أصول الأفراد. وهنا أيضا يشكل تعقب هذه الأصول تحديا عويصا.
يقول آنديرس آسلند المستشار السابق للحكومتين الروسية والأوكرانية إن الروس الخاضعين للعقوبات لديهم أصول في الخارج تقدر بحوالي 400 بليون دولار. لكنه يعتقد أن 50 بليونا منها فقط مجمدة. فالأوليجارش الأكثر حرصا، بعد استهدافهم بالعقوبات عقب غزو روسيا للقرم في عام 2014، يخبئون أصولهم الأجنبية الآن وراء طبقات تتكون من عشرين إلى ثلاثين شركة صورية. كما نقلت بعض الأصول المادية إلى بلدان غير معادية. فأكثر من مائة طائرة روسية خاصة هبطت هناك خلال أسابيع بعد غزو أوكرانيا.
إلى ذلك يقع تطبيق العقوبات على عاتق الشركات الخاصة التي تخدم الأثرياء (من بنوك إلى مرافئ يخوت). وليس لدى كل هذه الشركات الخبرة الكافية لكشف ما يخفيه ملوك المال. أيضا ربما سيتوجب على من يتولى تجميد الأصول رعايتها أيضا. وهذا يستنزف مواردا. فالمنازل تحتاج إلى الاعتناء بها واليخوت تكلف أموالا تساوي 10% من قيمتها لصيانتها السنوية.
هذه الصعوبات تتضاءل أهميتها عندما نقارنها بمشاكل المصادرة. وهي الخطوة التالية إذا لزم استخدام الأصول الروسية لإعادة إعمار أوكرانيا.
في الديمقراطيات الغربية الاستيلاء على الممتلكات الأجنبية على أساس الجنسية أو الرأي السياسي غير قانوني. هذا لا يعني القول بعدم وجود سوابق لمصادرة أصول حكومية أو خاصة. لكنها حدثت في أوقات استثنائية وعند استيفاء مقاييس صارمة ومحددة.
فيما يتعلق بالأفراد يكون الشرط المعتاد للمصادرة صدور إدانة جنائية ولكن ليس على ارتكاب أية جريمة. بل فقط على الجريمة التي يعتبر أنها تستوجب ذلك. ويلزم أن تكون الأصول المصادرة إما أداة لارتكاب الجريمة أو مرتبطة بمنافع مالية مكتسبة منها. لكن مثل هذه الأشياء يمكن أن تستغرق سنوات (وأموالا كثيرا) لإثباتها في المحكمة.
إلى ذلك، من المستبعد أن تختفي العراقيل أمام المصادرات قريبا. فقد رفض مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون في أبريل يمنح الرئيس سلطة مصادرة أصول الأوليجارش وذلك بعد تحذير الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية من احتمال إعلان بطلانه في المحكمة.
لذلك يعكف المسؤولون في الغرب، بدلا عن ذلك، على إطالة قائمة الجرائم التي تستدعي الاستيلاء على الأصول. ففي أبريل تقدمت إدارة بايدن بمشروع قانون يضيف تجنب ( الالتفاف حول) العقوبات وضوابط التصدير إلى قائمة المخالفات التي يعاقب عليها 'قانون المنظمات التي تمارس الكسب المشروع والفاسدة' الذي شُرِّع عام 1970 بقصد التصدي لرجال العصابات. هدف إدارة بايدن من هذه الإضافة للقانون تمكين الاستيلاء على المكاسب غير المشروعة. وفي 25 مايو وضعت المفوضية الأوروبية خططا لتيسير مصادرة البلدان الأعضاء لأصول الأفراد الذين يشتبه في انتهاكهم العقوبات.
واقع الحال، كل مقترح في هذا الصدد يواجه معركة سياسية قاسية. فعلى الرغم من أن معظم الجمهوريين يؤيدون معاقبة روسيا، إلا أن قلة منهم تريد منح بايدن انتصارا قبل انتخابات منتصف الفترة البرلمانية في نوفمبر. كما لن تكون للاتحاد الأوروبي سلطة إخطار حكومات الدول الأعضاء بكيفية استخدام حصائل الأصول المُسَيَّلة. وستتحَّفظ بعض البلدان من المصادرة. فألمانيا قد يلزمها تعديل دستورها الذي يضمن الملكية الخاصة. ومن المستبعد أن تؤيد قبرص ومالطا، وهما مركزا عبور للأموال الروسية، الاستيلاء عليها.
في الأثناء ستتطلب مصادرة الأصول الحكومية من الحكومات الغربية تسمية روسيا قوةً معادية أو الدعوة إلى تغيير نظامها. وهو ما حاولت تجنبه حتى الآن.
كقاعدة، يحمي مبدأ 'الحصانة السيادية' الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة الدولَ الأجنبية من المقاضاة المحلية. لكن بعض القوانين وخصوصا في الولايات المتحدة تسمح للحكومات بالحجز على الأصول الحكومية الأجنبية بدون محاكمة في حالات معينة.
أحد هذه التشريعات 'قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية الأمريكي' والذي يقدم دعما قانونيا للتجميد الحالي للأصول. القانون لا يخول للرئيس الأمريكي صراحةٌ سلطاتِ تبديل من يملك الأصول. لكن هنالك استثناء واحدا أضيف للقانون في عام 2001 يسمح بذلك عندما تكون أمريكا في حالة 'عداء مسلح' مع بلد آخر. هذا الاستثناء استخدمه جورج دبليو بوش لاحتجاز الأصول العراقية بعد غزوه العراق في عام 2003.
لكن اليوم تجهد أمريكا نفسها لتأكيد أن إرسالها الأسلحة إلى أوكرانيا لا يماثل كونها في صراع مسلح مع روسيا.
يمكن حجز الأصول بدون اللجوء إلى القانون المذكور. فالجهاز التنفيذي في الولايات المتحدة لديه سلطة التعامل مع أصول حكومية أجنبية معينة على هذا النحو حين ينزع عنها صفة الشرعية كما فعل في عام 2019 عندما صادر الأصول الفنزويلية بعد اعترافه بخوان غواديو رئيسا. لكن أمريكا حتى الآن لم تصل إلى مرحلة المطالبة برحيل بوتين.
في أحوال نادرة يمكن للكونجرس أيضا رفع حصانة الدول السيادية مما يسمح باستخدام أصولها لتعويض مطالبين في محاكمات محلية. فقد وضع جزء من الأصول الأفغانية المجمدة جانبا أثناء نظر المحكمة في مطالب عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر. لكن لكي ينطبق هذا على روسيا يلزم أمريكا إعلانها دولة إرهابية.
من جانبه، لم يناقش الاتحاد الأوروبي حتى موضوع الأصول السيادية، حسب جان دونين وازوفيتش المستشار بالشركة القانونية 'هيوز هوبارت آند ريد'. والعبارات التي تشير إلى هذه الأصول غائبة بوضوح في المقترحات التي يتقدم بها الاتحاد. أيضا لا يبدو اللجوء إلى المحاكم الدولية مسارا مثمرا. فلا روسيا أو أوكرانيا قبلت بالاختصاص القضائي لمحكمة العدل الدولية مع استثناءات قليلة ومحدودة، حسب استريد كوراسيني أستاذة القانون الدولي بجامعة فينا. كما سيتطلب إيجاد جسم جديد، شبيه باللجنة التي شكلت بواسطة الأمم المتحدة في عام 1991 للمطالبة بتعويضات من العراق بعد غزوه الكويت، موافقة روسيا.
لذلك بدأت أفكار مبتدعة في الظهور. إحداها تدعو إلى استهداف بلايين الدولارات التي تحصل عليها روسيا يوميا من صادراتها من النفط والغاز وليس استهداف أصولها.
في اجتماع لبلدان مجموعة السبع في مايو اقترحت أمريكا فرض رسم جمركي على النفط الروسي وإرسال الحصيلة إلى أوكرانيا. لكن التوصل إلى اتفاق حول ذلك حتى داخل الاتحاد الأوروبي سيكون شاقا.
تدعو فكرة جديدة أخرى إلى حفظ استحقاقات روسيا مقابل صادرات نفطها في حسابات عهدة بالبنوك العالمية كما حدث مع مدفوعات النفط الإيراني في العشرية الثانية. وقد أصبحت تلك الأموال المتراكمة والتي تبلغ حوالي 100 بليون دولار متاحة مرة أخرى لإيران بعد رفع العقوبات عنها في عام 2016.
هذه المرة يمكن للغرب المطالبة بمنح أوكرانيا بعضا من المال المحتجز. ويذكر أحد العليمين أن واشنطن ربما تدرس هذه الفكرة في الوقت الحاضر. لكن روسيا قد تحاول إنهاء مبيعاتها النفطية المتبقية للغرب. إلى ذلك سيتطلب فرض الإجراء على نطاق أكثر اتساعا تهديدَ من ينتهكونه بعقوبات ثانوية. وهذا شيء تجنبه الغرب حتى الآن.
كل هذا يوحي أن محاولات احتجاز الأصول الروسية أثناء دوران رحى الحرب ستواجه واحدة من ثلاثة مزالق. فما لم تتخل البلدان الغربية عن ضمانات الحماية التي تقدمها للأفراد والدول ستخاطر بقضاء سنوات عديدة أمام المحاكم. وإذا تخلت عنها يمكن أن تعرض للخطر الثقة التي تشكل دعامة اقتصاداتها ومجتمعاتها. وقد يدفع اقتراح المزيد من هذه الأفكار ردَّ فعل انتقامي من روسيا وغضب باقي العالم.
لا يعني ذلك أن الكنز الروسي لا يمكن المساس به إلى الأبد. ففي الغالب يتم الاتفاق حول معظم التعويضات حين تنتهي الحرب وكشرط أيضا لفك تجميد الأصول الأجنبية. ويبدو أن بوتين لايزال بعيدا عن التفكير في السلام. لكن إذا فكر فيه قد يكون القبول بذهاب بعض المال إلى أوكرانيا الثمنَ الذي يجب عليه سداده مقابل عودة بعض أصوله الخاصة، بما في ذلك يختا فاخرا بملايين الدولارات.