هوامش ومتون : نقوش على صخور «مسندم»
الأربعاء / 15 / ذو القعدة / 1443 هـ - 19:51 - الأربعاء 15 يونيو 2022 19:51
كلّما أزور محافظة مسندم تتجلّى لي خصوصية المكان وتفرّده بشكل أوضح، هذه الخصوصية نحتتها الطبيعة بإزميل الزمن، فرسمت صخور جبالها الصلدة لوحات طبيعية تشير إلى عظمة المكان وعراقته، وبين صفاء الماء وسقف السماء تقف تلك الصخور شامخة، لتروي تاريخًا يرتبط بالإنسان الذي عاش فيها منذ أقدم العصور، وبقي ملتصقًا بها، حتى إنّ الكثير من سكّان تلك الجبال فضّل البقاء فيها، على مغادرتها والنزول إلى مراكز المدن، فقامت الحكومة بتوفير مستلزمات الحياة وإيصال الخدمات رغم صعوبة ذلك، والتكاليف الباهظة، وكلّ ذلك تقديرًا لعلاقة الإنسان بالمكان الذي نشأ بين أكنافه وعمّره، وأضفى عليه من روحه، حتى تآخى مع تلك الجبال العالية التي تحيط بالمياه، بحنوّ أمّ تفتح حضنها لأولادها، هكذا تبدو لمن ينظر إليها عند هبوط الطائرة في مطار (خصب)، تلك الجبال تقدّم خلاصة لعظمة المكان، يقول الباحث صالح بن سليم الربخي عن جبالها، استنادًا للموسوعة البريطانية، و«لاروس» الفرنسية، والعربية الميسّرة: إنها تنتمي إلى عصر الزحف الجيولوجي الثاني، ويعرف بعصري: «الكريتاس»، و«الميوسين»، ويرجع تاريخهما إلى حوالي ألف وثمانمائة وخمسين مليون سنة، ويؤكد الآثاريون وجود مواقع أثرية تضم كنوزًا أثرية لم تكتشف بعد، وهذا يدل على العمق التاريخي للمحافظة التي تزخر بالكثير من القلاع، والأبراج، والحصون، ودور العبادة، والرسومات الصخرية، كما في (قدا) في (خصب) و(الروضة)، وهي من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، وقد سبقت الكتابة بزمن طويل. وقد استخدمت في النقش على الصخر، ونحت الأشكال بأدوات حادة كالبرونز والأحجار، وإحدى الرسومات كان لفارس يمتطي جواده حاملًا رمحًا، وهذا يعني أنه في حالة تحفز لدخول معركة، فقد عاش الإنسان في صراع مع الطبيعة حتى روّضها، وقد دوّن الإنسان القديم على صخور الجبال، مشاهد من الحياة اليومية، وقد رأيتُ في قاعة من قاعات حصن «خصب» صورًا منقوشة على بطون الصخور، وشروحات تتحدث عن تاريخ تلك الرسومات الذي لا ينفصل عن تاريخ المنطقة، وقد لفت نظري في الحصن صور الصخور الهائلة التي نُقشت عليها أشكال الحيوانات، والرموز المبهمة، والأجسام السماوية، وقوافل الإبل والمها، والنمور، والثعابين، والخيول، وقد بقيت تلك الرسومات صامدة تقاوم الزمن وتقلّباته والعوامل الجوّيّة؟
وقد وردت إشارة في لوحة تقول: إن الرسومات عادة ما تكون بيضاء في بداية نقشها على الصخر، لكنّ المؤثّرات الجوّيّة والمناخيّة، تجعل درجة الوضوح ليست عالية، وشيئا فشيئا، تفقد نصاعة لونها؛ ولأن تلك الرسومات قديمة، وتعود إلى عصور ما قبل الكتابة، لذا صار من الطبيعي ملاحظة الفتور في ألوانها، وتتحدّث الرسومات عن أنماط مختلفة من الحياة، وقوارب صيد الأسماك في مكان وصف بأنه يشرف على أهمّ خطوط الملاحة البحرية في العالم، وهي الموضوعات التي هيمنت على صور الفنّانين المشاركين في معرض «إبداع المكان والإنسان» الذي أقامه النادي الثقافي في محافظة مسندم، فأظهروا براعة في زوايا الالتقاط، وإظهار جماليات البيئة، والتشكيلات الصخريّة المنحوت عليها لوحات طبيعية ذكّرتني بجواب مايكل أنجلو عندما سئل: كيف تنحت التماثيل؟ فأجاب «إنني لا أصنع تمثالًا، إنني أنقّب عنه في الحجر، إنه هناك، وأنا أكشف عنه فقط».
ووسط ذلك، بحثت عن وجوه الصيادين، التي رأيتها محنّطة على الصخور، فلم أجدها، فالمصوّرون نقلوا لنا انبهارهم بالطبيعة، فمضت عين الكاميرا تلتقط من الأعلى صورا بانورامية، أظهرت جماليات المكان، ولسان حال العدسات يردد مع الشاعر أحمد شوقي قوله:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزّتا
لروائع الآيات والآثار
وقد تكرر ذلك بشكل يدعو للتساؤل عن سبب غياب الوجوه، ولم تلتقطها عدسات المصوّرين التي ركّزت على السلاسل الجبلية وتضاريس المكان. ويبدو أن المصوّرين تركوا للفنانين التشكيليين مهمة رسم الوجوه في المعرض الذي يضم لوحات تشكيلية مرسومة بالزيت والألوان المائية إلى جانب الصور الفوتوغرافية، فيما حلّقوا مع جماليات المكان المسندمي، فأنتجوا صورًا فنية أكدت خصوصية المحافظة التي وهبها الله طبيعة آسرة، ومياها وفيرة، وموقعًا استراتيجيًّا فريدًا في العالم، وغني بموروثاتها ومواقعها الأثرية، كونها من أقدم أماكن الاستيطان البشري.
وقد وردت إشارة في لوحة تقول: إن الرسومات عادة ما تكون بيضاء في بداية نقشها على الصخر، لكنّ المؤثّرات الجوّيّة والمناخيّة، تجعل درجة الوضوح ليست عالية، وشيئا فشيئا، تفقد نصاعة لونها؛ ولأن تلك الرسومات قديمة، وتعود إلى عصور ما قبل الكتابة، لذا صار من الطبيعي ملاحظة الفتور في ألوانها، وتتحدّث الرسومات عن أنماط مختلفة من الحياة، وقوارب صيد الأسماك في مكان وصف بأنه يشرف على أهمّ خطوط الملاحة البحرية في العالم، وهي الموضوعات التي هيمنت على صور الفنّانين المشاركين في معرض «إبداع المكان والإنسان» الذي أقامه النادي الثقافي في محافظة مسندم، فأظهروا براعة في زوايا الالتقاط، وإظهار جماليات البيئة، والتشكيلات الصخريّة المنحوت عليها لوحات طبيعية ذكّرتني بجواب مايكل أنجلو عندما سئل: كيف تنحت التماثيل؟ فأجاب «إنني لا أصنع تمثالًا، إنني أنقّب عنه في الحجر، إنه هناك، وأنا أكشف عنه فقط».
ووسط ذلك، بحثت عن وجوه الصيادين، التي رأيتها محنّطة على الصخور، فلم أجدها، فالمصوّرون نقلوا لنا انبهارهم بالطبيعة، فمضت عين الكاميرا تلتقط من الأعلى صورا بانورامية، أظهرت جماليات المكان، ولسان حال العدسات يردد مع الشاعر أحمد شوقي قوله:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزّتا
لروائع الآيات والآثار
وقد تكرر ذلك بشكل يدعو للتساؤل عن سبب غياب الوجوه، ولم تلتقطها عدسات المصوّرين التي ركّزت على السلاسل الجبلية وتضاريس المكان. ويبدو أن المصوّرين تركوا للفنانين التشكيليين مهمة رسم الوجوه في المعرض الذي يضم لوحات تشكيلية مرسومة بالزيت والألوان المائية إلى جانب الصور الفوتوغرافية، فيما حلّقوا مع جماليات المكان المسندمي، فأنتجوا صورًا فنية أكدت خصوصية المحافظة التي وهبها الله طبيعة آسرة، ومياها وفيرة، وموقعًا استراتيجيًّا فريدًا في العالم، وغني بموروثاتها ومواقعها الأثرية، كونها من أقدم أماكن الاستيطان البشري.