خارج الحسابات
السبت / 11 / ذو القعدة / 1443 هـ - 14:55 - السبت 11 يونيو 2022 14:55
كنت عندما يتعذر عليّ تفسير أي تصرف أو مشاهدة عشتها تفسيرًا علميًا ملائمًا وواقعيًا - خاصة في مراحل التكوين الأولى أيام الإعدادية والثانوية - أذهب مباشرة إلى تفسير وحيد كان ومازال يقنعني حتى الآن وهو أن سبب ما حدث كان يعود إلى ' حُسن النية ' حُسن النية فقط بعيدًا عن أي حسابات أُخرى .
وقد تصطدم هذه النتيجة بالنظريات العلمية وبالمنطق خاصة في مجال علاج الأمراض لكنها مُثبتة على الواقع وبالتجارب العملية وهذا ما أكده آبائنا وأجدادنا فعليًا خاصة ممن عاشوا السنوات التي سبقت نهضة عُمان الأولى عام 1970 وإلى أن انتشرت الخدمات الصحية في أرجاء الوطن الكبير بعد هذا التاريخ والأمثلة على ذلك كثيرة .
ومن المؤكد أن التعامل بحُسن نية مع معضلات الحياة حينها لم يكن يخضع للاشتراطات وإلا فقد مفهومه ومعناه وإنما كان ' أسلوب حياة ' ساعدت على ترسيخه عوامل كمحدودية التعليم والعوز وكذلك بسبب عدم وجود البديل الأفضل فالوسّام والمُجبرُ مثلًا كانا يقومان بدور الطبيب ليس لأنهما متعلمين بل بدافع تقديم خدمة عرفا فك بعض رموزها ذات تجربة وهذا ينطبق على العراف الذي يقوم بمهمة المعالج النفسي ومعالج العيون من الرمد وغيرهم .
اليوم تتوفر كل الخدمات الطبية مع أطقم متخصصة من الأطباء في داخل وخارج الوطن لكن الأمراض في تزايد والقلق من فتكها في تصاعد حد أن الوساوس والتوجس من المجهول باتا يُنسيا البعض أن هناك رب مُسيطر هو من يُدبر هذا الكون ويتحكم فيما يدور فيه .
يسقط الطفل من سريره فيستنفر من في البيت جميعهم، يعلو صراخ الأم ويهرع الأب إلى أقرب عيادة . نسي هذا الأب أنه سقط عشرات المرات من النافذة والدرج وسور البيت وما كان علاجه سوي خلطة الكركم أو ما نسميه محليًا ب ' لِجزُع ' و' الآيدين ' إذا توفر وإذا كسرت يده أو رجله جبرها مُجبر البلدة وعاد كل شيء إلى ما كان عليه ولا مستشفى ولا يحزنون .
اليوم نستنكفُ الشرب من مياه الآبار والأفلاج ونُصر على شرب الماء المُفلتر من إنتاج شركة محددة لأنه ' قليل أو خال من الصوديوم ' إذ أثبتت التجارب المخبرية أنه الأكثر نقاءً بين أنواع المياه المتوفرة في السوق . ونحن أنفسنا عندما كنا صغارًا نشرب من تجمع مياه الأمطار ' الغُبة ' وها نحن في أتم الصحة والعافية .
ولعل من أغرب المواقف التي أتذكرها كان ' علاج ألم الأُذن ' فكنا إذا آلمتنا آذاننا نلجأ مباشرة إلى القهوة نسكبها على الأُذن ونشعر بالتحسن مباشرة ولم يكن يخطر على بالِ أي منا أن سبب الألم هو الالتهاب وأننا بحاجة لزيارة طبيب مختص لإجراء فحص دقيق ووصف دواء مناسب من الصيدلية .
كنا عندما نُصاب في أي أصبع من أصابع أقدامنا بسبب اللعب بالدراجة الهوائية أو كرة القدم يعتبره الأهل ' تكفيره ' لا تستحق الهلع فيأتون لنا بالرماد الحار من الموقد ويلفون به موضع الإصابة لنتفاجأ بعد أيام أن الإصابة في طريقها للشفاء .
ولعل من أهم تجارب العلاج الناجعة التي تستند على عامل ' حُسن النية ' لا غير والتي عايشتها شخصيًا وما زالت عالقة في ذهني تجربة علاج مرض ما يعرف بـ' الغاشية ' الذي احترفه طبيب الحارة ـ رحمه الله ـ من خلال الكي أو ' الوسم ' بعد تشخيص لا يتجاوز وقته الدقيقتين .
قريبًا فقط عرفت أن مرض ' الغاشية ' الذي كان يعالجني منه المرحوم سالم بن خميس الخياري هو ما يعرف الآن علميًا بـ ' جرثومة المعدة '. المرحوم سالم لم يقرأ ' القانون في الطب ' لابن سيناء ولا ' الموجز في الطب ' لابن النفيس ولم يتخرج من جامعات هارفرد أو أُكسفورد أو السوربون ولم تنشر أبحاثه في مجلات علمية متخصصة إنما كان يُعالج بنيته الصافية مستندًا على إيمانه العميق بقدرة الله سبحانه وتعالى على شفاء كل الأمراض والأسقام . هذا كل ما في الأمر .
- آخر نقطة
يومًا ما سنتحدث باستفاضة عن أمورٍ غامضة ما زلنا نرفض الاقتراب منها . سنكون حينها أكثر شجاعة على دخول الحرب والخروج منها منتصرين .