أعمدة

نوافذ.. إعلاء القيم وامتثال الأخلاق..

 
السمت والأخلاق لا تشترى بل هي فطرة مغروسة لا يمكن أن تفسد إلا حال إهمال سقي تربتها أو سقيها بماء عاطب فينحل فيها الزرع ويفسد فيها الثمر، وما من شك أن التربة العمانية لا تقبل إلا الطيب منها وتلفظ الخبيث كله جملة وتفصيلًا.

إن الجحيم التقني الذي يغزونا في كل تفاصيل الحياة رغم أنه ـ ربما ـ لم يُصنع لكي يكون جحيمًا إلا أن الممارسة الفعلية لذلك الغزو من قبل البعض لم يخرج من ذلك السياق السيئ في أداء الخدمات الحسنة مع التنوع الكثير لوسائل التواصل التي تبتدعها الشركات بمختلف الأشكال والأنواع (للتكسب)، وبداعي وضع مساحات لا محدودة لممارسة ما يستهدفونه من الحرية بتفاهاتها المختلفة.

وعلى الرغم من التشابه الكبير في ممارسة تلك الحرية في مختلف الوسائل إلا أن «المرئي» منها أصبح مكبًا لكل «النفايات» شرقها وغربها، ومع تلك التطبيقات في مختلف المتاجر وعبر حتى أصغر جهاز يستخدمه الأطفال بسهولة ربما تعجز الآباء عن دقة المراقبة، إلا أن كل ذلك لا يمنعنا من أن نعيد النظر في منح تلك الوسائل لأبنائنا ومراقبة تلك الوسائط، فالتقنية التي فتحت الحرية على مصراعيها منحت مساحات للرقابة الأبوية حتى وإن كانت عن بُعد، كل ما نحتاجه فقط أن نبحر في البحث عنها، وعن آلية عملها بالقدر نفسه الذي نبحث فيه عن تفاهات الأشياء في كل ذلك الطوفان الهادر والبركان الثائر.

في الأسبوع الماضي طرحت فكرة «الحرية المسؤولة» التي نمارسها، والحرية المطلقة التي يبحث عنها الكثيرون، في حين أن هذا الأسبوع شهدنا تفاعلًا كبيرًا عبر (منصات التواصل الاجتماعي) أثبتت أن الحرية المسؤولة تكاد تكون شحيحة في مقابل تلك الحرية الفجة التي ضج الكثيرون (من الغيورين على الدين والأخلاق التي عهدناها في العماني) برغبة مجابهتها والتصدي لها بشكل حازم من قبل الجهات المختصة، وهذا الأمر هو في الحقيقة ما تفرضه القوانين في ممارسة الحرية فهي المتاحة وفق القانون وأي تجاوز لذلك غير مقبول، وهي ما كان يفاخر به المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ في خطاباته المختلفة تجاه الإنسان العماني، وهي نفسها التي يحث عليها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ في خطابه السامي خلال لقائه بشيوخ ولايات محافظتي الداخلية والوسطى بحصن الشموخ، مؤكدًا أهمية الحفاظ على الهوية العمانية، والسمت العماني والعادات والتقاليد التي توارثها العمانيون، كما أكد جلالته في رسائله السامية أن تنشئة الأجيال لا تتم عبر وسائل التواصل، مما يعني أن تناول واستهلاك المعارف المتداخلة يجب أن يتم بما لا يؤثر على وعينا المجتمعي الذي تشكله القيم الدينية ومسؤوليتنا الوطنية.

وامتثالًا لمسؤوليتنا الأخلاقية والمجتمعية ولتوجيهات سلطاننا ـ أعزه الله ـ علينا نترجم ونحقق ذلك وأن نؤدي واجبنا قبل كل شيء كأولياء أمور تجاه هذا الجيل الغارق في هذا العالم التقني المترامي الأطراف بخيره وشره، ولأننا كما أشرنا في المنطلق أن الأصل في الإنسان العماني هو الخلق، وإعلاء القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية فإن مراجعة الأصل على شواذ التصرفات هو المفترض الغالب، وهذا ما سيتحقق ـ لا شك ـ فحينما تكون المطالبة بالرقابة على القدر الذي تابعناه وعبر ذات المنصات فإن الوضع سيكون بخير، وأولئك الذين لا يأبهون بكل ذلك ستطولهم يد القانون، وهذه الوسائل وإن طال التفاعل بها ومعها سيطمسها الزمن لا محالة.