أعمدة

نوافذ :اتباع الظن

 
shialoom@gmail.com

تذكر بعض المصادر أن كلمة الـ «ظن» وردت في القرآن الكريم «نحو ستين مرة بين اسمٍ وفعل» ويتراوح معناها - وفق بعض التفاسير - بين الشك واليقين، وكما هو معلوم بالضرورة أن الظن حالة نفسية، ويشار بها؛ في كل الأحوال إلى الآخر، وإن تبنتها النفس عند كل فرد فينا، فحسن الظن نربطه بالآخر، وسوء الظن كذلك نربطه بالآخر، ويندر أن نعترف مع أنفسنا؛ على الأقل؛ بأننا أسأنا الظن، أو أحسنا الظن، فالحمولة «العتابية» نتوجه بها إلى الآخر مباشرة، ثم إن أسعفنا الحظ؛ يمكن أن نراجع أنفسنا، ونقول: نحن فعلا أسأنا الظن بهذا الإنسان، أو أحسنا الظن به، مع محاولة الاستدراك «ولكن» هو أساء الفعل؛ خاصة في الثانية أي مع «حسن الظن» به، وهذا يعكس هروبا من تحمل المسؤولية، يقول يحيى بن زياد الحارثي - رحمه الله - من أهل الكوفة -: إذا أنت خوّنت الأمين بظنه ** فتحت له بابا إلى الخون مغلقا، فإياك إياك الظنون فإنها ** أو أكثرها كالآل لمّا ترقرقا، ومع أن «اتباع الظن» أمر معنوي، ولكن أثره على الواقع يصبح ماديا مطلقا، لأنه تنبني عليه إجراءات وأحكام، ومواقف، ويذهب الأمر إلى الأبعد من ذلك عندما تقام مواجهات، وتلاسن، قد لا تستند إلى حقيقة عملية، ولكن لأن الأمر تجاوز الاحتمال المتوقع لاستيعاب موقف ما حصل فيه «اتباع الظن» فانتقل الشعور المعنوي إلى إجراء واقعي يملس تأثيراته على حياة الناس، وتكون له نتائج كارثية؛ وهذا مما يؤسف له حقا، ولذلك فـ «60» مرة التي وردت في القرآن الكريم، بين اسم وفعل، لم تأت عبثا؛ تعالى الله عن قول العبث؛ وإنما جاءت لتؤصل تداعيات الفعل ونتائجه المتوقعة من أثر «اتباع الظن» في سوئه على وجه الخصوص، وهذا الجانب «سوء الظن» يعكس بالضرورة هواجس نفس غير سوية، حيث يرى صاحبها في سلوكيات الآخرين على أنها موجهة ضده، قصد الآخرون ذلك أو لم يقصدوا، وهذه النوعية من الناس هم الأكثر سوءًا حال من غيرهم، حيث التذمر والشكوى، وحيث لا توجد شجرة مورقة خضراء في حياتهم، فالحياة؛ عندهم تلبس وجها مكفهرا قاتما، وهذه؛ بالضرورة؛ إشكالية نفسية شديدة الحساسية.

يقول الأستاذ الدكتور طارق الحبيب في إحدى تغريداته - في منصة تويتر: « إن الشخص الذي لا يعاني من علة نفسية يكون في الغالب على دراية جيدة في تفهم مشاعره وانفعالاته وهو يملك القدرة الجيدة على إدارة حياته» انتهى النص، ولعل هؤلاء هم المتفائلون، الذي تشبعت نفوسهم بـ «حسن الظن» بالآخر؛ حيث تتسع عندهم مساحة الرضا، والاطمئنان، ويرون الحياة بساطا أحمديا يمكن أن يتسع للجميع، وليس هو مظنة الشك، وسوء الظن، فالرؤية تستشرف آفاقا من الرضا والود، والتعاون، وليست فقط زاوية صغيرة محدودة، لا تتسع إلا للإساءة والضيق والحرج والمشقة. يقول أبو الطيب المتنبي - رحمه الله-: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ** وصدّقَ ما يعتادُه من توهُّمِ، وعادى محبّيه بقول عُداته ** وأصبح في ليلٍ من الشكِّ مظلمِ، ويثني على ذلك أيضا أحمد شوقي - رحمه الله -: ساءت ظنون الناس حتى أحدثوا ** للشك في النور المبين مجالا، والظن يأخذ من ضميرك مأخذا ** حتى يُريك المستقيم محالا، جنّبكم الله سوء الظن.