أعمدة

نوافذ : يوميات شاهد على عصر

 
Ashuily.om

لم أحسب أن ما كنت اقرأه في كتب التاريخ قديمه وحديثه من حروب وأحداث ساهمت في إعادة تشكيل العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وفكريا وحضاريا، بأنني وفي يوم من الأيام سأكون شاهدا عليها ومراقبا لها ومعاصرا لكل مجرياتها وهي تمر أمام عيني وتحت سمعي وبصري. ولم أكن أعتقد أيضا بأنني في يوم من الأيام سأكون درسا من دروس التاريخ يشير إليها مَن يأتي من بعدي من الدارسين للتاريخ بأنها كانت حقبة مليئة بالأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية وأفضت في نهايتها إلى إعادة تشكيل خارطة العالم بظهور أمم ودول وممالك كانت ضعيفة وانحسار ممالك كانت تحكم العالم، باختراعات واكتشافات ساهمت في رخاء وتنمية العالم من جهة وساهمت في خرابه ودماره من جهة أخرى.

من المفيد ومن غير المفيد في الوقت ذاته أن تكون شاهدا على عصر حدثت فيه تحولات كبرى في العالم كأن تشاهد بأم عينك ساعة بساعة حروبا تُشن بين الدول للتنافس على أطماع وأوهام يلتهم فيها الكبير الصغير ويأكله لقمة سائغة بمبررات واهية في كثير من الأحيان من دون أن يحرّك أحد ساكنا وكأن الحرب وخيارها بات قدرا مكتوبا على البشرية أن تعيشه منذ أن خلق الله الأرض وحتى يبعثها من جديد، وأنا كشاهد على عصر هذه الحروب أسرد وأحكي هذه اليوميات على مَن يأتي من بعدي من بشر، أحدّثهم عن مآسي الإنسان، وطمعه، وجبروته، وسلطانه.

من الجيد أن تكون شاهد عيان على تحولات اقتصادية كبرى حدثت في عصر اعتبره أهله ذهبيا في الطفرة الاقتصادية والصناعية التي حدثت فيه. عصر تسارعت فيه الاختراعات والاكتشافات وتحولت فيه كثير من دول العالم إلى التمدن والحضارة بفضل الاقتصاد والصناعة الحديثة والتي بات فيها كل شيء في متناول اليد بعد أن كان عسيرا على المرء الحصول على أبسط الخدمات إلا بعد جهد ومشقة.

من يومياتي الحديثة التي شهدتها ودوّنتها عن هذا العصر هي يوميات المرض والوباء والموت الأسود الذي فتك بأرواح الناس في كل بقاع العالم بعد أن كان العالم يحسب أنه على مرمى حجر من السيطرة على كل أوبئة وأمراض وأسقام العالم فجاء فيروس صغير ليُعيد تشكيل المعادلة من جديد وليذكّر الناس بالتاريخ وأن ما حدث للأمم البائدة يمكن أن يحدث من جديد وأن لا مفر من ذلك حتى بأعتى قوى الأرض. كنت شاهدا على أقصى لحظات ضعف الإنسان وجبنه وتسليمه أمر انقياده لخالقه وعلى تقوقعه على ذاته وانفصاله عن عالمه وكأن الدنيا عادت بالوراء إلى أزمان العصور الساحقة.

الخمسون عاما المنصرمة من عمر العالم حسبما شهدتها كانت مختلفة عن كل ما شهده العالم في تاريخه من تطورات تقنية متسارعة، بداياتها كانت باختراع الحاسب الآلي البسيط ونهايتها لا يعلمها إلا الله فربما تفضي هذه النهايات إلى حروب وغزوات إلكترونية تتحكم فيها التقنية بمصائر الأمم والشعوب والأفراد وتصبح الحياة فيها افتراضية أكثر منها واقعية. لكن التحولات الكبرى في منظومة التقنية هي أكثر ما يسم هذا العصر ويميزه عن غيره من العصور الغابرة التي سبقته ولهذا أطلق عليه أهله بأنه عصر التقنية والآلة وعصر الاتصال وعصر الميكنة.

من يومياتي التي كنت أحكيها لمَن هم أصغر مني سنا بأنني وُلِدت ضمن جيل ذهبي محظوظ شاهد على تحولات كبرى حدثت في العالم وعلى الأخص حدث كثير منها في هذه البقعة التي نوجد فيها حيث كنت شاهد عيان على كل مراحل التقدم والتطور التي حدثت في سلطنة عمان وكنت مراقبا ومتابعا لها ساعة بساعة. شهدت على الحياة البسيطة التي كانت تخلو من أبسط مقومات المدنية والحضارة كوجود السيارات والطرق المعبّدة المرصوفة والكهرباء والهاتف وغيرها من أبجديات الحضارة والتمدن وكنت شاهد عيان على وصول كل هذه الخدمات وغيرها الكثير وكأنني أشاهد فيلما تحدث فيه معجزات تنموية تنقل بلدا من الظلام إلى النور ومن التخلّف إلى الحضارة.

أنا اليوم بمثابة الحكّاء الشاهد على عصر يروي فيه قصص التحولات الكبرى التي شهدها العالم في الخمسين سنة الفائتة بكل أفراحها وأتراحها، حلوها ومرها، عذبها وزلالها، وكأنني أعيش لأسرد قصة الحضارة كما سردها هيردودت وابن خلدون وديفيد هيوم وغيرهم من عظماء المؤرخين.

* عبدالله الشعيلي كاتب وعماني ورئيس تحرير جريدة عمان أوبزيرفر