ثقافة

تقرير تنشره منظمة «مراسلون بلا حدود» يلقى استنكارا من الصحافة العمانية

عن وضع الحريات الصحفية في سلطنة عمان

1
 
1
جميع المنظمات الصحفية والإعلامية في العالم تناشد بحرية التعبير، فهي من أسمى الشعارات التي تكفل حقوق الأفراد، ولا يوجد من يقبل أن يُحرم من إبداء رأيه في أمر يتعلق بالمنفعة العامة، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بمنصات الإعلام التي وُجِدت لتثقيف الناس وإنارة عقولهم وتمكينهم من العيش دون إكراه ولا مساس بكرامتهم.

منظمة «مراسلون بلا حدود» قدّمت مؤخرا تقريرا حول حال الحريات في العالم، وجاء تصنيف حال الحريات الصحفية في سلطنة عُمان متراجعا بالنظر إلى تصنيف العالم العربي. ووصف التقرير في الأوساط الصحفية والإعلامية العمانية وفي مؤسسات المجتمع المدني بأنه «غير منصف» لواقع الحريات الصحفية في سلطنة عمان، خاصة في وقت يرى الصحفيون أن واقع الحريات في عُمان تسير في مسار جيد. وتساءل الكثيرون علام استدلت هذه المنظمة في تقريرها، وممن استقت معلوماتها؟؟

«عمان» تتوجه إلى عدد من المختصين في جانب الصحافة لتستطلع رأيهم حول هذا التقرير ولتكشف مصادر هذه المنظمة، ولنعرف مدى مصداقية هذا التقرير.

يشير الدكتور محمد العريمي رئيس جمعية الصحفيين العمانية إلى أن حرية الصحافة في عمان مناسبة، فهي ليست مثالية وتحتاج إلى تطوير وتحديث للقوانين المعمول بها في الشأن الصحفي، مبيّنا أن جمعية الصحفيين العمانية قدّمت مرئياتها في قانون المطبوعات والنشر الحالي، ونناشد بالنظر في المقترح الذي تم طرحه من قِبل الجمعية لأن التأخير لن يخدم مصلحة سلطنة عمان، ويجب العمل بتطوير قانون المطبوعات والنشر من أجل تحقيق رؤية عُمان 2040.

ويوضح الدكتور محمد العريمي حول استضافة سلطنة عمان للمؤتمر العام لاجتماعات الاتحاد الدولي للصحفيين «الكونجرس» الحادي والثلاثين أن عقد المؤتمر يتم بشروط وضوابط عالية المستوى، استطاعت سلطنة عمان أن تحققها لتنال شرف الاستضافة، عدا ذلك لن تتمكن من استضافة «الكونجرس» في أرضها، بمعنى أن سلطنة عمان حققت في المجموع متطلبات وجود صحافة حقيقية التي تضم الجمعيات والمؤسسات العاملة في الإعلام.

وعن تأخر جمعية الصحفيين العمانية في الرد على تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، بيَّن العريمي أن الجمعية صُدمت عندما وصلها التقرير ببعض المعلومات التي وردت فيه، وهذا لا يعني أن كل ما ذُكر في التقرير خطأ، فهناك أشياء صحيحة، إلا أنني أستغرب عن ماهية المصادر التي استقى منها التقرير معلوماته، فجمعية الصحفيين العمانية تُعتبر مظلة الصحفيين، وهذه المنظمة لم تتواصل معنا، ونحن على أتمّ الاستعداد لتصحيح تلك المعلومات، لأننا نرسل بصفة دورية تقريرا لاتحاد الصحفيين العرب، واتحاد الصحفيين الدوليين، كما أننا سعينا للجلوس مع هذه المنظمة للتباحث، إلا أننا لم نلق أي تجاذب معهم، وسعينا سابقا لهم، ونحن مستعدون لتزويدهم بأي معلومة يريدون التحقق منها، كما أننا غير معنيين بما يقولون، فهم أحرار بما يقولون ونحن لا نهتز لأقوالهم، وإن كانت هناك جهات تود زيارة سلطنة عمان للاطلاع على وضع الصحافة لدينا فنحن على أتم الاستعداد لتحمُّل كل التكاليف ليأتوا إلى سلطنة عمان، للقاء المؤسسات الصحفية والصحفيين، وللوقوف على الواقع الصحفي في سلطنة عمان، مستنكرا من دعم الجهود بالكتابة من خلف المحيطات بقوله: هذا غير مقبول، والبحث عبر الإنترنت غير مقبول لأنه لا يمثل الواقع، مستشهدا بتقرير المنظمة نفسها في تصنيف إسرائيل وفلسطين، مشيرا إلى أن زميلة صحفية ضُربت برصاصة في رأسها، وهذا أكبر دليل على البحث في مصداقية أي تقرير قبل الاستعجال بالحكم على الأشياء، مطالبا المؤسسات بأن تقرأ، لأن هناك أخطاء وممارسات شخصية خاطئة ويجب ألا نستمع إليها دون التحقق منها، وبدورنا ندرس هذا التقرير ونقرأه، وإن كانت هناك أشياء سلبية لدينا فنسعى إلى تطويرها وتطوير إمكانياتنا الصحفية، لأننا لا نرفض النقد، وإنما ندرس وضع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ونعدلها بمراجعة أنفسنا.

ومع ذلك نؤكد بأن لدينا بعض القوانين التي باتت بالية، نظرا لزمن وضع قانون المطبوعات والنشر في سلطنة عمان، وهي بحاجة للتغيير، وقدمنا فيه مرئيات قبل ثماني سنوات، وندعو للنظر فيها، فمن هو المستفيد من تجميد هذا القانون!

ويؤكد رئيس جمعية الصحفيين العمانية أننا يجب أن نسعى بيد واحدة من أجل رؤية عُمان 2040 التشاركية، وأن نعدل هذا القانون الذي لم يعد صالحا لتحقيق هذه الرؤية.

الحرية المسؤولة

من جانبه يوضح علي المطاعني إعلامي وكاتب صحفي أن وضع الحريات في سلطنة عمان جيد إلى حد ما، مقارنة مع العديد من الجوانب، منها مستويات الحريات في العالم ودول المنطقة، خاصة التي تتشابه ظروفها مع ظروف سلطنة عمان، وكذلك مع التجربة العمانية في المشاركة السياسية، مبيّنا أن هناك مساحات واسعة للكتابة وحرية التعبير بعيدا عن التشنج والتعصب أو القذف والسب والتعرُّض لبعض المحظورات التي تمنعها كل الأنظمة والتشريعات في العالم وليس في سلطنة عمان وحسب، كالذات الإلهية والأيديولوجيات والمذاهب والعرقيات والأجناس وغيرها التي تعتبر ممارسة الحرية فيها مقيّدة باحترامها وعدم المساس بها، فضلا عن ذلك ما حدده القانون كالذات السلطانية وأفراد العائلة المالكة مثل الكثير من الدول التي تتشابه أنظمتها السياسية مع نظام الحكم في سلطنة عمان.

ويضيف المطاعني: إن الذات السلطانية والعائلة المالكة محمية بموجب القانون، باعتبار السلطان رمزا للبلاد، وغير ذلك فإن كل أشكال النقد متاحة وليس هناك ما يمنع النقد دون التعرُّض لشخصيات، و«شخصنة» الأمور على نحو غير دقيق.

ويعترض المطاعني على أولئك الذين ينتقدون ويجنحون إلى الخصوصيات والأفراد بعيدا عن الموضوعات والقضايا التي يجب أن تناقش، فيقعون في المحظورات في الكثير من المرات، مبيّنا: من خلال تجربتي في الكتابة على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاما في مقالات الرأي المحلية والشؤون الاقتصادية مارسنا النقد على كافة مؤسسات الدولة بأسلوب يقدم المشكلة أو القضية ويناقشها بالأدلة، وندلي بالرأي بكل حرية ودون أي قيود، ولم نتعرّض إلى ما يمكن تسميته بعدم إتاحة حرية التعبير، فالحرية المسؤولة في سلطنة عمان متاحة بلا شك وليس هناك موانع تقيّد أي إعلامي من الكتابة أو التغريد.

ويدلل المطاعني باستضافة سلطنة عمان لاجتماعات الاتحاد الدولي للصحافة كرد كاف على ما أثارته منظمة مراسلون بلا حدود على اعتبار أن الاتحاد الدولي للصحافة هو مؤسسة دولية معنية بحرية الصحافة، وإقامة اجتماعاته في سلطنة عمان هو دليل على وضع سلطنة عمان ضمن دائرة حرية التعبير، فهذا الاتحاد لن يختار سلطنة عمان إذا كانت هناك انتهاكات لحرية التعبير فيها وتقيّدها، لذا فإن إقامة الاتحاد بحضور أكثر من ثلاثمائة وخمسين صحفيا من دول العالم يدلل على مدى حرية التعبير ومدى إتاحتها وفق الأنظمة والأطر كما هو في دول العالم.

ويتابع: إن تقرير مراسلون بلا حدود ليس علميا ولا يستند إلى معايير معروفة وليس لديه من الأدلة التي تبرهن على تصنيفه، فهي استنتاجات انطباعية من بعض المغرضين، ولا يمكن أن يستند إليها في كل الأحوال.

طابع انتقائي

بدوره يرى الدكتور حسني نصر أكاديمي في مجال الصحافة والإعلام أن القراءات العربية النقدية تعترف للتقارير الدولية صراحة بصحة الاتهامات الموجهة إلى الحكومات العربية في مجال انتهاك حرية الصحافة، ومثل القيود التي تضعها القوانين العربية أمام الحق في انتقاد أداء السلطة السياسية، وفرض رقابة غير مباشرة على الصحف من خلال إصدار توجيهات لها تتعلق بموضوعات يحذر من الاقتراب منها ومنع الصحفيين من الكتابة حولها، وتضخم مفهوم الرقابة «الرقابة الذاتية» التي تعني الالتزام الذاتي من جانب المحررين بما يرضي المسؤولين الحكوميين واعتبارها أخطر من الرقابة الحكومية المباشرة، والأثر السلبي لإعلاء الرغبة في حماية الأمن العام على حساب تقييد حرية الصحافة، مضيفا إن حظر القوانين في بعض الدول العربية نقد الحكومة والعائلات الحاكمة والحكومات الصديقة، وكذلك حظر نشر أي مواد تهدد الاستقرار الاقتصادي أو الاجتماعي، والتهديد بتجميد أو إغلاق الصحف، واستخدام الدين كوسيلة للضغط على الصحفيين، بالإضافة إلى المفارقة الواضحة بين وجود الحق الدستوري في حرية التعبير ووجود الاشتراطات اللازمة لممارسته، وتأثير الإرادة السياسية في تطبيق القوانين الصحفية، والافتقار إلى الوعي الجماهيري المؤيد لحرية الصحافة والمدافع عنها، واستمرار تعرُّض الصحفيين للاحتجاز والاعتقال سواء لأسباب سياسية أو لأسباب أمنية.

ويبيّن الدكتور حسني نصر أنه برغم هذا الاعتراف المدعم بالأمثلة والحالات الواقعية إلا أن بعض القراءات العربية النقدية لهذه التقارير تؤكد أن هذه التقارير الدولية تقدم ما يمكن وصفه بأنه رؤية «تحاملية» وليست نقدية، حيث تركز على عرض ملامح القصور والضعف في النظام الصحفي في سلطنة عمان مع عدم الإشارة إلى التقدم الذي أحرزته في هذا المجال، مثل ندرة مساءلة الصحفيين أو اعتقالهم وندرة قضايا حرية التعبير بالإضافة إلى غياب استخدام العنف ضد الصحفيين، فضلا عن تقليص القيود على العمل الصحفي وحرية الرأي العام والتعبير على شبكات التواصل الاجتماعي في إطار من المسؤولية والشفافية.

ويضيف: إن هذه التقارير تعتمد في رؤيتها على المفاهيم الليبرالية الغربية دون مراعاة للخصوصية الثقافية والاجتماعية للدول العربية، خاصة عند مناقشة العلاقة بين القيم الدينية وحرية الصحافة، كما أنها لا تراعي البُعد الزمني لتطور أوضاع الصحافة في الدولة، حيث وضعت صورة قاتمة لها دون النظر إلى تطور أوضاعها مقارنة بفترات ماضية، التي من المنتظر لها المزيد من التطور في الفترة المقبلة خاصة مع نمو دعوات الإصلاح السياسي في المنطقة. وينتقد الدكتور حسني نصر التقارير التي يغلب عليها الطابع التعميمي والانتقائي على الأحداث والشواهد التي يتم الاستناد إليها، مما يخرج الأحداث عن إطارها العام ويفقدها قدرًا من موضوعيتها، مؤكدا أن سلطنة عمان وغيرها من الدول العربية تواجه عددا من التحديات الأمنية والسياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي مما يفرض وجود محددات لحرية العمل الصحفي تضع في اعتبارها دواعي الاستقرار الأمني والسياسي، التي ينبغي أن تنطلق في المقام الأول من وعي الصحفيين بموجبات المصلحة العامة التي قد تتعارض مع قيم الإثارة والتشويق الصحفيَين.

ويشيد نصر باستضافة سلطنة عمان لاجتماعات الكونجرس الحادي والثلاثين للاتحاد، هو بمثابة شهادة «كفاءة» و«جدارة» دولية أخلاقية لسلطنة عمان كدولة مستقرة داخليا لا تعادي أحدا، وتقوم علاقتها مع دول العالم على أساس السلام وحسن الجوار والتسامح، وكذلك شهادة حسن سيرة للإعلام العماني الذي يتطور تطورا هادئا وملموسا منذ انطلاقه في عام 1970 حتى اليوم، محافظا على تقاليد المجتمع، وبعيدا عن الإثارة المذمومة، ومؤديا لوظائفه الأساسية للفرد والمجتمع.