أعمدة

نوافذ: نساء منسيات

 
في عام ٢٠١٩ قضيت الكثير من الوقت متنقلة بين المدن والحواضر العمانية، لطرح بعض الأسئلة على مجموعات من النساء المتعلمات حول الدور الاجتماعي والتنموي للمرأة، وكان واحدا من الأسئلة التي اعتدت طرحها في آخر كل لقاء هو عن النماذج والقدوات في حيواتهن.

الأغلبية الكبرى أجابت بأن الأب هو القدوة، وعندما أعيد السؤال حول القدوات من النساء، كانت الإجابات لا تحيد عن اسمين، أولهما السيدة خديجة وثانيهما السيدة عائشة أمهات المسلمين وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام.

تكرار هذه الإجابات كان مدعاة لفتح باب السؤال حول غياب أثر المرأة على المرأة، فهل تمجيد دور الأب ناتج عن 'كل فتاة بأبيها معجبة'؟ أم لغياب دور الأم فعليا عن القرارت المصيرية في حياة بناتها وترك الأمر على عاتق الأب ورجال العائلة وحدهم، أم أن النساء يكنن احتقارا عميقا لأدوارهن في الحياة ويمجدن بشكل لا شعوري دور الرجل أيا كان قربه أو بعده نتيجة لفكرة الدونية المترسخة بشكل عميق في اللاوعي.

هذه النظرة الدونية للمرأة والمكرسة اجتماعيا، والراسخة عبر الكثير من الأحاديث الموضوعة على النبي الكريم، والأمثال الشعبية والمقولات والقصص الخرافية، وتتداول كأنها دفاتر تشغيل في التعامل مع المرأة، دون أدنى مراجعة أو تفكر، كونت هذا النفور من المرأة عند المرأة نفسها، فابتعدت عن ذكر أي امرأة قد تكون مؤثرة لدرجة اعتبارها قدوة إلا إن كانت معصومة، وأن تكون هذه العصمة بطبيعة الحال عصمة دينية وذات علاقة ببيت النبوة وحده.

خلت ذاكرة المرأة حتى من أسماء سيدات عمانيات وعالمات جليلات عرفن بالفقه والورع والبذل لأجل العلم مثل الفقيهة عائشة الريامية التي عاشت ما بين القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري، وعرفت بالعلم والذكاء وقوة الشخصية، وكان يؤخذ عنها الفتوى بل ولها دور سياسي في عزل الإمام بلعرب بن سلطان، بل وأمرت سيف بن سلطان المعروف بقيد الأرض بلزوم بيته إلى أن يبت في أمر بيعته فامتثل، أو السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي (1741-1783م)، التي حكمت عمان بشكل مؤقت عندما أعلنت الوصاية على ابن أخيها السيد سعيد بن سلطان، و لعبت دورا سياسيا بل وعسكريا في أثناء حصار أخويها قيس وسعيد لمسقط حتى فكت الحصار بهذا أسهمت في استتباب الحكم له فحكم عُمان و زنجبار بين عامي (1806 -1856م).

هذان النموذجان وغيرهما من النماذج كالشاعرة عائشة الحارثية وشمساء الخليلية ونجية بنت عامر الحجرية، رغم امتلاكها للشرط الديني والسياسي والاجتماعي، لم تخطر على بال أحد من المشاركات في حلقات النقاش، وهذا يعني أما الجهل بوجودهن أو أن المعرفة بوجودهن لم تكن مؤثرة على تشكيل وعي المرأة بذاتها، وهذا أخطر من الجهل نفسه، أو أن هناك تغييب متعمد، فيخلو ذهن المرأة من أي صورة لنفسها إلا تلك الصورة الدونية والمشوشة والضعيفة، بوصفها منبع الفتنة وأصل الشرور.