أفكار وآراء

إجازة العيد.. راحة إجبارية من الأخبار

من الصعب على كاتب مقال الرأي في صحيفة أن يخرج على الناس في فترة الأعياد والإجازات الطويلة بالحديث عن مشكلات العالم وكوارث الصراعات الدولية. فعلى مدار عام كامل كانت إجازة عيد الفطر المبارك- التي امتدت لأسبوع كامل تقريبا- هي فترة الهدنة أو الراحة الإجبارية الأولي التي أخذها كل منا، ليتفرغ لنفسه وعائلته بعد أن أعانه الله وأدى فريضة الصيام العظيمة، في انتظار الهدنة الثانية في إجازة عيد الأضحى بإذن الله.

في أيام الأعياد الجميلة لا تتوقف الأخبار السيئة والأخبار الجادة الإقليمية والعالمية عن طرق أبوابنا واقتحام مجالسنا وتجمعاتنا واحتلال شاشات التلفزيون والهواتف الذكية وأجهزة الحاسب الآلي التي نستخدمها. ومع أن تجاهل هذه الأخبار والانصراف عن متابعتها تماما يبدو مستحيلا للبعض، فإننا على الأقل مطالبون من أجل صحتنا النفسية والعقلية أن نبعد أنفسنا عنها قدر الإمكان، سواء من خلال التوقف عن البحث عنها وتعليق أنشطتنا على شبكات التواصل الاجتماعي، أو بالبحث عن الأخبار الخفيفة والمنوعة التي لا تترك آثارا سلبية على سعادتنا وتوازننا النفسي في هذه الأيام.

وتتميز الأخبار الجادة بمستوى عال من القيمة الإخبارية، وتدور غالبا حول معلومات تتعلق بالسياسة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية، وتتطلب النشر الفوري.

في المقابل فإن الأخبار الخفيفة ليس من الضرورة نشرها فور الحصول عليها، وتكون منخفضة القيمة الإعلامية، وتتعلق بشؤون إنسانية في الغالب. وتحاول وسيلة الإعلام تلبية حاجة القراء إلى النوعين من الأخبار، وإن كانت الغلبة في الصحف العامة ونشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية والمواقع الإلكترونية الإخبارية للأخبار الجادة على حساب الأخبار الخفيفة. ويرتبط هذا بتصنيف وسائل الإعلام حسب سياستها التحريرية إلى وسائل محافظة تركز على الأخبار الجادة، ووسائل شعبية تفسح مجالا أكبر لنشر الأخبار الخفيفة، ووسائل معتدلة تجمع بين النوعين.

والأخبار الجادة هي التي تشتمل على موضوعات ذات طبيعة آنية عن الحوادث والنزاعات التي وقعت للتو أو على وشك الحدوث وتمس المصالح الحياتية للناس، كالأخبار الاقتصادية، والتجارية، والأخبار السياسية وأخبار المواصلات والطقس والجرائم والحرائق وغيرها. أما الخبر الخفيف فهو قصة أو رواية قد لا تحتاج إلى النشر على وجه السرعة. وعادة ما تكون عن الاتجاهات أو الأحداث الجارية أو الأشخاص المثيرين للاهتمام. ويمكن أن تكون القصص الإخبارية الخفيفة أطول من القصص الإخبارية الجادة، وغالبًا ما تُروى في قالب قصصي. وتحقق هذه الأخبار وظائف التسلية والترويح وتقدم المتعة والمعلومة وتركز على الاهتمام الإنساني والجدة، وإن كانت أقل فورية من الأخبار الجادة، مثل أخبار الفن والأدب، وأخبار الرياضة ونجومها، وأخبار المشاهير بشكل عام.

ورغم أن الجمهور في غالبية دول العالم يفضل بشكل عام الأخبار الجادة، ومع ذلك فإن قطاعات منهم تفضل التعرض للأخبار الخفيفة. وعلى سبيل المثال فإن 34% من الجمهور في اليابان يفضلون الأخبار الخفيفة. وتشير دراسات حديثة في هذا الشأن أن تفضيل الجمهور للأخبار الجادة يزيد في بعض الدول الغربية، مثل اليونان، وإسبانيا، والدنمارك، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية. ويزيد تفضيل الأخبار الخفيفة لدى النساء أكثر من الرجال، ولدى صغار السن أكثر من كبار السن في كل دول العالم تقريبا، كما يزيد بشكل خاص لدى الأشخاص الذين تمثل شبكات التواصل الاجتماعي مصدرهم الرئيس في الحصول على الأخبار.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل هناك أخبار خفيفة أو سارة يمكن أن ننشغل بها في هذا العالم الذي يموج بالصراعات الداخلية والخارجية والحروب والأزمات؟ وإذا استطعنا أن نتجنب خلال أسبوع العيد التعرض لأخبار الحرب الروسية في أوكرانيا مثلا أو الحرب في اليمن وسوريا، والاستفزازات الصهيونية في الأراضي المحتلة، والانقلاب على الإرادة الشعبية في تونس، والخلاف الجزائري- المغربي، والأزمات الاقتصادية في لبنان ومصر، وعدم الاستقرار السياسي في العراق، واضطهاد المسلمين في الصين والهند.. إذا استطعنا أن نتجنب كل ذلك فأين الأخبار الخفيفة التي يمكن أن نطالعها؟ والتي قد لا يسبب التعرض لها ارتفاع ضغط الدم والصداع مثل الأخبار السياسية؟ دعونا هنا نقدم قصتين اهتمت بهما الصحافة البريطانية الأسبوع الماضي، الأولى عن بيل جيتس رابع أغنى رجل في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت، والثانية عن نجم التنس الألماني العالمي السابق بوريس بيكر الذي كان أصغر لاعب يفوز ببطولة ويمبلدون وهو في السابعة عشرة من عمره فقط. وحقق 49 لقبًا فرديًا في 77 نهائيًا على مدار 16 عامًا.

بيل جيتس البالغ من العمر 65 عاما، خرج منذ أيام قليلة ليتحدث ربما للمرة الأولى لوسائل الإعلام عن طلاقه وزوجته ميليندا العام الماضي بعد زواج استمر 27 عاما، وهو الطلاق الذي كلفه نصف ثروته التي قدرت في ذلك الوقت بنحو 130 مليار دولار والتي تم اقتسامها بينهما. الجميل في الأمر أن جيتس لم يتحسر على كل هذه الأموال التي أضاعها الطلاق وذهبت إلى ملينيدا، ولكنه على العكس قال: إن تسوية الطلاق كانت عادلة، وعبر باحترام عن تقديره لشريكة سنوات كفاحه، وقال انه لا زال يشعر بالحزن لانهيار الزواج، ولا زال يعتبر ميليندا 'صديقة'.

الطريف أن الشيء الوحيد الذي ضايقه في الطلاق هو إصرار زوجته السابقة على الاحتفاظ ليس بأبنائهم الثلاثة، ولكن بكلبهم المحبوب، وهذا هو ما قتله وأثر عليه، حسب تعبيره. قصة خبرية خفيفة من ثقافة مختلفة تخفف إلى حد كبير كآبة الأخبار وتناسب أيام الأعياد.. أليس كذلك؟

القصة الثانية مليئة بالميلودراما لكنها تتعلق بواحد من أكبر مشاهير لعبة التنس، وهو النجم الألماني السابق بوريس بيكر، والذي حقق منها ومن أعماله الأخرى كمدرب ومعلق على المباريات في هيئة الإذاعة البريطانية، بعد اعتزاله نحو 127 مليون جنيه استرليني. رغم كل هذه الثروة قضت محكمة بريطانية منذ أيام قليلة بسجنه عامين ونصف العام، بتهم تتعلق بإخفاء أصول وقروض بقيمة 2.5 مليون جنيه استرليني لتجنب سداد الديون، وقت إعلان إفلاسه عام 2017، للهرب من سداد ديون يصل مجموعها إلى نحو 50 مليون جنيه استرليني. ولعل هذا ما دفع الصحافة الإنجليزية لمحاولة الإجابة عن سؤال مهم هو كيف أهدر النجم العالمي كل هذه الثروة؟ وكانت الإجابة تسويات حالات الطلاق الباهظة والاستثمارات والصفقات المشبوهة والخاسرة، بالإضافة إلى 'التزامات أسلوب الحياة الباهظة، والتي كانت تكلفه 22 ألف جنيه استرليني شهريا لمنزل في ويمبيلدون. المحزن في الأمر أن ابنته 'آنا' من عارضة الأزياء الروسية أنجيلا إرماكوفا التي لم يعترف بها إلا بعد عامين من ولادتها وبعد معركة قضائية كلفته ملايين الدولارات، كانت أول من وقف إلى جانب والدها وكتبت رسالة إلى قاضية المحكمة ترجوها ألا تحكم عليه بالسجن، من أجل أخيها غير الشقيق البالغ من العمر 12 عاما.

أليست هذه القصص الخفيفة والمسلية أفضل من قصص الحروب في أوقات الأعياد والإجازات التي نحتاج فيها إلى الراحة؟؟ وفاصل مؤقت نواصل بعده الجري وراء أخبار العالم وقضاياه الكبرى التي لا تنتهي.