أفكار وآراء

عندما يُضرب شابٌ عماني

سامح الله صديقي، فقد أبى إلا أن ينكّد عليّ ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك، عندما أرسل لي لقطة فيديو عن شاب عُماني يسوق شاحنة وبجانبه وافدٌ ينهال عليه باللكمات، فيما كان شخصٌ آخر يوثّق اللقطة بهاتفه داخل كبينة القيادة لينشرها فيما بعد عبر وسائل التواصل. ولستُ أدري أين ومتى حدث ذلك، لكن تلك اللقطة ظلت تطاردني في كلّ لحظة ولم تغادر مخيلتي، خاصةً أنّ التعليق المكتوب على الفيديو وحده كان حكاية أخرى تزيد من الهموم، إذ كان مكتوب 'لو حدث هذا في دولة أخرى لما جلس ساعة واحدة في البلد'، لنصل إلى سؤال مهم وهو: ما الذي أوصل الشباب العماني إلى هذا المستوى؟

اتجهتُ إلى تويتر لعلّي أجد التفاصيل، ووجدتُ مغرّدًا اسمه محمد الحسني الوحيدَ الذي تناول الموضوع بحرقة، موجهًا نداءً إلى الحكومة الرشيدة بأنّ الوقت قد حان لتدخلها لوقف مثل هذه التصرفات غير المقبولة التي يتعرّض لها المواطنون من بعض الوافدين بشكل متكرر ومستمر، 'ولا بد من فك طلاسم هيمنة وسيطرة هذه العمالة الوافدة على السوق والاقتصاد العماني، حيث تتحكم في شركات قطاع التمويل، والبنوك والصرافة، وقطاع البيع وتجارة التجزئة، وقطاع المقاولات، وقطاع النقل البري واللوجستي'، ويرى أنّ الحلّ الوحيد هو التعمين بشرط أن يكون تعمينًا حقيقيًا وليس مجرد أرقام.

لقد احترتُ عندما قرأتُ التعليقات على الموضوع، حيث ذكر بعضُهم أنّ هناك لقطات أخرى تُظهر أنّ المعتدي والمعتدى عليه أصحاب وهم في مزاح، وكأنّ اللقطة كانت مجرد تمثيل، لكن المغرّد محمد الحسني يؤكد أنّ الأمر لم يكن تمثيلا 'بالفعل السائق وقف بجانب الطريق، والوافد كمّل الضرب على العماني بعد وقوف الشاحنة، فيما كان الثاني يصوّر المشهد. والمقطع كامل معي ما حبيت أنزله على تويتر'، ومهما يكن، فيجب ألا يمرّ الأمر مرورًا عابرًا، إذ ما هو الهدف من أن يرضى شابٌ عمانيٌ لنفسه بالإهانة والمذلة لمجرد التمثيل، وما هي رسالة ذلك التمثيل؟ أليس ذلك تشجيعًا للآخرين للاعتداء على المواطنين؟ أليس ذلك دليلا على سيطرة العمالة الوافدة على مقدّرات الأمور؟ ألا يدلّ ذلك على الذل الذي وصل إليه 'بعض' الشباب العماني من قبل هذه العمالة التي أصبحت تشكّل مثل اللوبيات الآن على حساب شباب الوطن؟ ثم هناك أمرٌ آخر، وهو - سواء كان الضربُ حقيقيًا أم مزاحًا – ألا يشكّل ذلك خطورة بأن يعتدي شخصٌ على السائق - أيًا كان - وهو يسوق؟

معروفٌ أنّ الإنسان العماني على مرّ التاريخ تعامل مع الأجانب والزوار والمقيمين بأخلاق عالية؛ وهذا ما شهدت به كتب المستشرقين والرحالة الذين زاروا عُمان - على الأقل في المئتين عامًا الأخيرة - ولا يمكن أن ننكر الجهود التي بذلها الوافدون لبناء عُمان الحديثة، إذ كانوا شركاء في البناء والتنمية، وما حدث قد يكون حالة فردية، ولكن بالمقابل لا ينبغي أن نتجاهل الخطورة التي بات يشكلها بعض الوافدين، بعد أن سيطروا على كلّ القطاعات على حساب الشباب العماني، الذي يعاني من التسريح والبطالة وغلاء المعيشة، وإذا وجد عملا فإنه يكون تحت رحمة تلك اللوبيات التي تسيطر على الاقتصاد العماني، وهذا بحد ذاته يُنذر بخطر كبير قادم، فهل علينا أن ننتظر حتى تتحول القضية من حالة فردية إلى حالة عامة وجماعية حتى نعرف حجم المشكلة ثم نتحرك؟

نحن لسنا شعب الله المختار، ولا يجب علينا أن ننظر إلى أنفسها بهذا المعيار، فعندنا من الأخطاء ما عندنا، لكن هناك واقعًا مؤلمًا هو أنّ هناك ممن يشتغلون في القطاع الخاص يذوقون الويلات من سطوة بعض الوافدين، وأذكر كلامًا قاله لي أحد الأصدقاء، بعد أن انتقل للعمل في القطاع الخاص، قال: 'عرفتُ معنى المذلة، عندما أصبحت تحت رحمة الوافدين'. والأمر في الواقع فيه تناقض صارخ، فكيف للشباب العماني أن يبحث عن الوظائف والأعمال فيما نجد أنّ عدد الأجانب يقترب من نصف السكان؟ أليست هذه مفارقة عجيبة؟ ولنا أن نتساءل هل لوجود هذا العدد الكبير من العمالة الوافدة ضرورة؟ فالبياناتُ الرسمية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تشير إلى أنّ عدد غير العمانيين العاملين في القطاع الخاص كان قد انخفض منذ ديسمبر 2020 إلى سبتمبر 2021 بنحو 80 ألف عامل وعاملة، لكنه عاد للارتفاع في أكتوبر من العام الماضي بتشغيل أكثر من 18 ألف وافد خلال الشهر، وبلغ عددهم في نهاية أكتوبر الماضي مليون ومئة ألف وافد، وهذا بلا شك رقم كبير جدًا في ظلّ وجود باحثين عن العمل من الشباب العماني ووجود مسرّحين من العمل، وهذه الزيادة أكدها ماوشومي رحمن، الدبلوماسي البنجلاديشي في سفارة بلاده لدى السلطنة في تصريحات نشرتها صحيفة 'بيزنيس استاندرز' الصادرة في دكا، عندما أشار إلى أنّ عدد العمال البنغاليين الذين تم استقدامهم إلى سلطنة عُمان العام الماضي بلغ نحو 60 ألف شخص، فيما توقّع رئيس اتحاد وكالات التوظيف في بنجلاديش أن تستقبل عُمان نحو 160 ألف عامل بنغالي هذا العام. وممّا يثير الدهشة أن نقرأ بين حين وآخر إعلانات عن وظائف شاغرة في عُمان تُنشر في الصحف الخارجية، وإنْ تعجب فعجبٌ قولهم إنّ هذه تخصصات ليست موجودة لدى الشباب العماني، وهل يصح أن يُقال كلامٌ كهذا بعد نصف قرن؟ وهل هذه التخصصات متعلقة بالذرّة وتخصيب اليورانيوم مثلا؟ ومع ذلك ما المانع أن يتخصص الشباب العماني فيها؟

القضية تحتاج إلى حلول سريعة وجذرية، فعندما تتفاقم الأمور من الصعب إيجاد حلول لها، ويكفي مشاكل هروب العمالة الوافدة وعاملات المنازل، فيكون المواطن في كلّ الأحوال هو الضحية. وعندما تكون هناك قوانين صارمة، تعاقب المخطئ وتعطي كلّ ذي حق حقه، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا، فإنّ الأمور ستستقيم، ومن الخطأ التصور أنّ كلّ مقومات الدولة الحديثة ستنهار عندما يشتغل العمانيون في كلّ القطاعات، بل إنّ ذلك سيكون ضمانًا لاستقرار الوطن، ومن يُلقي نظرة على مواقع التواصل سيرى حجم التذمر لدى الشباب، وهذا مؤشر يجب أن تنتبه إليه الدولة وتضع له الحلول.

في كلّ الأحوال؛ أنا نظرتُ إلى فيديو الاعتداء على المواطن العماني الشاب من قبل وافد آسيوي أنه قدّم رسالة مهمة لمن يهمه أمر استقرار الأمن الداخلي، وأعادني الفيديو إلى أحداث عام 2011، وما حصل بعدها من تعمين الوظائف والمهن في كلّ القطاعات مثل التجارة وغيرها، لكن الآن نجد أنّ تلك كانت فترة بسيطة فإذا الأمور عادت إلى ما كانت عليه؛ فالمحلاتُ التجاريةُ كلها يملكها ويديرها الأجانب، ويندر أن ترى فيها عُمانيين، وهذا مثال واحد فقط، نستطيع أن نقيس به كلّ القطاعات؛ هذا غير التجارة المستترة المنتشرة بشدة التي يتحمل المسؤولية عنها المواطنون. وفي ظني أنّ خطأ التعمين ركّز فقط على المهن البسيطة، وترك المناصب القيادية وكذلك الوظائف في القطاع الخاص بيد الأجانب وتحت رحمتهم. ويبقى أن نقول إنه إذا لم يحسّ الشباب العماني بقيمته في وطنه فلن يجدها في أيّ مكان آخر، لأنّ الوطن ليس مجرد قطعة أرض، بل هو مكان يحتوي أبناءه فيشعرون فيه بالأمن والأمان والسلام والاطمئنان، فيكونون مستعدين للتضحية من أجله. والشعورُ بالأمن والأمان يجب أن يكون حقًا لكلّ مواطن.