أنا الـ Host
السبت / 5 / شوال / 1443 هـ - 16:12 - السبت 7 مايو 2022 16:12
تبحث هذه المقالة في البعد الاجتماعي لأنماط التفاعل الصوتي الناشئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تطبيق Clubhouse والمساحات الصوتية على تويتر. والتي ازدهرت بشكل موسع مطلع جائحة كورونا (كوفيد 19) ومع اضطرار الناس حول العالم إلى المكوث لفترات مطولة في منازلهم نظير الإجراءات الاحترازية والإغلاقات العامة وتقلص مساحة الفضاء الواقعي العام التي يمكن للفرد أن ينخرط فيها إبان الجائحة. وفي الواقع وكما يشير وديم ستريلكوفسكي من جامعة كاليفورنيا وإريك شتاين من جامعة وايدنر – في دراستين منفصلتين – أن هذا الشكل من التطبيقات أخذ فكرته الأساسية من مقاربات معمول بها في حقل الطب والصحة والنفسية وهو ما يسمى بالعلاج السردي الصوتي والعلاج التعرضي السردي (NET) والذي يوجه غالبًا للأشخاص الذين يعانون من اعتلالات أو صدمات نفسية بحيث تمكنهم تقنية العلاج هذه من الانخراط في السرد مع مجموعات اجتماعية تتضم أشخاص عانوا من ذات الأوضاع. وقد تكون تطبيقات وتقنيات المساحات الصوتية التي ظهرت وتوسعت إبان الجائحة حاولت تحويل هذه التقنية والمواقع والتطبيقات إلى مختبر نفسي عالمي يحاول من خلال تقنياته التخفيف عن الأفراد المنخرطين فيه من التداعيات النفسية والاجتماعية لتقلص مساحة الفضاء العام وتضاؤل قدرة الأفراد على الانخراط الاجتماعي الواقعي (المادي) مما يعرض حساسيتهم للواقع الاجتماعي وتجلياته النفسية إلى الضمور والانكماش.
قبل أيام أثار تصريح لأحد الفنانيين الخليجيين في إحدى البرامج الرمضانية موجة جدل واسعة في وسط محبيه ومتابعيه وحتى أولئك الذين يقفون في الطرف الآخر من الاتفاق مع شخصهِ ومنتجه، ما لفتني في المسألة أثناء تصفحي لتويتر هو إحدى المساحات الصوتية التي استحدثت لنقاش ذلك التصريح وأبعاده وجمعت مؤيديه ومعارضيه والواقفين على حد الحياد من التصريح في مساحة مشتركة، اللافت في المساحة أنها استمرت لقرابة الـ 16 ساعة بذات الأشخاص المضيفين وبذات القدرة على الأخذ والرد والعمق والاستجلاب والقياس والمقاربة والتصفية في موضوع الحوار – سواء اتفقنا مع أهميته أو اختلفنا – وهو ما جعلني أتساءل هل تشكل هذه المساحات أملًا في ظهور فضاءات عامة بديلة (جادة) وذات نفس طويل في مختلف القضايا وأبعاد الحياة أم أن ظرفية مثل هذه المساحات وموضوعها والتوقيت الذي جاءت فيه هو ما يجعل لها هذه الميزة؟
الواقع أننا لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال دون فهم الدوافع الكامنة خلف تطور تقنيات المساحات الصوتية وسرعة توسعها وانضمام الأفراد إليها. رغم وجود العديد من التطبيقات السابقة لهذه التقنيات والتي تسمح للفرد بخيار التواصل الصوتي إلا أن وديم ستريلكوفسكي يرى أن سر انتشار المساحات الصوتية يكمن في أنها لا تتطلب التحدث أمام كاميرا أو تقديم شرائح مرئية أو تتطلب قواعد لباس معينة وبالنسبة للكثير من الأشخاص الذين مكثوا أثناء الجائحة في العمل المنزلي وفي التنقل الافتراضي بين الاجتماعات والمؤتمرات الافتراضية المرئية فإن هذه المساحات ببساطة هي تنفيس عن ذلك الضغط الذي ولده العمل من المنزل وكسر لرتباته. إذن تتمثل الدوافع إذا ما حاولنا حصرها في التحرر من قيود الهوية المرئية، وأريحية اختيار موضع المتحدث/ المستمع، وعدم الحاجة إلى استعداد رسمي وشكلاني خلف الجهاز للولوج في محادثة مفتوحة، وعدم وجود قيود على الطريقة التي يتم من خلالها طرح الرأي من ناحية (طبيعة اللغة، نبرة الصوت، محددات التحاور...)، وعدم وجود وقت محدد بعينه للتداخل ما دامت المساحة متاحة وغير مقتصرة على أفراد معينين. هذه بعض العوامل التي قد تقف خلف اندفاع الكثير من الأشخاص للانخراط في هذه المساحات ليس بالضرورة في سبيل التحدث وإنما حتى في الاستماع فأنت قد تستمع لما يطرح وأنت حامل جهازك في المطبخ أو في غرفة النوم أو في حديقة المنزل أو وأنت تتناول وجبتك المفضلة أمام التلفزيون. لكن هذه المكنة وهذا التحرر من قيود الرسمية لا يلغي على الجانب الآخر المخاطر الماثلة في اختراق حدود حرية التعبير أو التجريح أو الإساءة أو التعنيف اللفظي أو المداهنة أو حتى طرح الحقائق المجتزأة دون تأصيل كون أنه ليس هناك مادة مرجعية أو على الأقل مرئية يمكن الاستناد إليها والنقاش المعمق حولها. ولا يميل الغالبية إلى خيارات التسجيل المرجعي. ولا يمكن أن نغفل كذلك شخصية الـ Host أو المضيف الذي يحاول في بعض الأحيان توجيه الحوار بالطريقة التي يراها هو صائبة ويتحكم في نمط ومدة المداخلات وفي إنزال الناس أو تصعيدهم إلى قائمة المتحدثين مما يستوجب في تقديرنا فهمًا لشخصية 'أنا الـ Host' والكيفية التي تتباين بها بين المجتمعات والتجمعات الافتراضية وموضوعاتها.
وفيما يتعلق بقدرة هذه الفضاءات على تشكيل فضاءات عمومية بديلة فإن ذلك في تقديرنا يجب أن لا يغني على فضاءات الواقع المادي لأن الهدف الأساس من الفضاء العام لا يقتصر فقط على تبادل الآراء وتلاقح الأفكار وتطوير المقاربات العامة والفهوم إزاء القضايا العمومية، وإنما هناك بُعد اجتماعي لتطوير 'الحساسية الاجتماعية' تجاه الآخر ومعرفته وفهمه من خلال الاقتراب المادي المباشر منه. وهو ما يدافع عنه عالم الاجتماع ماريو سمول من جامعة هارفارد الذي قضى شطرًا من نتاجه البحثي دارسًا أهمية الفضاء الواقعي (المادي) حيث تددل مجمل أبحاثه على محورية دور الفضاء الواقعي في تكوين الروابط الاجتماعية، 'من حدائق المدينة وصالونات الحلاقة إلى مبردات المياه في المكاتب ومحطات القهوة، كما يمكن للهندسة المعمارية والتصميم الحضري تغيير التفاعلات الاجتماعية بطرق غير متوقعة، غالبًا من خلال التأثير على كيفية تحرك الناس في مبنى أو مدينة. يميل الناس إلى التفكير في حياتهم الاجتماعية على أنها نتاج لاختياراتهم الخاصة - ولكن ، كما يقول ، فإن العوامل المكانية الصغيرة لها تأثير أكبر مما ندرك'.
مع الأهمية الجيدة التي أضافتها المساحات الصوتية للمجتمعات عمومًا لمناقشة قضاياها والشروع في تطوير فضاء عام مستحدث أقل في قيود الرسمية وأكثر في رقعة المشاركة. إلا أن الانخراط في إعادة تأهيل المدن وأماكن العمل والمساحات العمومية كمحفزات لتشكل فضاء عام واقعي أمر بالغ الأهيمة وأكثر إثراء للحياة الاجتماعية والمدينية على حد سواء.
قبل أيام أثار تصريح لأحد الفنانيين الخليجيين في إحدى البرامج الرمضانية موجة جدل واسعة في وسط محبيه ومتابعيه وحتى أولئك الذين يقفون في الطرف الآخر من الاتفاق مع شخصهِ ومنتجه، ما لفتني في المسألة أثناء تصفحي لتويتر هو إحدى المساحات الصوتية التي استحدثت لنقاش ذلك التصريح وأبعاده وجمعت مؤيديه ومعارضيه والواقفين على حد الحياد من التصريح في مساحة مشتركة، اللافت في المساحة أنها استمرت لقرابة الـ 16 ساعة بذات الأشخاص المضيفين وبذات القدرة على الأخذ والرد والعمق والاستجلاب والقياس والمقاربة والتصفية في موضوع الحوار – سواء اتفقنا مع أهميته أو اختلفنا – وهو ما جعلني أتساءل هل تشكل هذه المساحات أملًا في ظهور فضاءات عامة بديلة (جادة) وذات نفس طويل في مختلف القضايا وأبعاد الحياة أم أن ظرفية مثل هذه المساحات وموضوعها والتوقيت الذي جاءت فيه هو ما يجعل لها هذه الميزة؟
الواقع أننا لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال دون فهم الدوافع الكامنة خلف تطور تقنيات المساحات الصوتية وسرعة توسعها وانضمام الأفراد إليها. رغم وجود العديد من التطبيقات السابقة لهذه التقنيات والتي تسمح للفرد بخيار التواصل الصوتي إلا أن وديم ستريلكوفسكي يرى أن سر انتشار المساحات الصوتية يكمن في أنها لا تتطلب التحدث أمام كاميرا أو تقديم شرائح مرئية أو تتطلب قواعد لباس معينة وبالنسبة للكثير من الأشخاص الذين مكثوا أثناء الجائحة في العمل المنزلي وفي التنقل الافتراضي بين الاجتماعات والمؤتمرات الافتراضية المرئية فإن هذه المساحات ببساطة هي تنفيس عن ذلك الضغط الذي ولده العمل من المنزل وكسر لرتباته. إذن تتمثل الدوافع إذا ما حاولنا حصرها في التحرر من قيود الهوية المرئية، وأريحية اختيار موضع المتحدث/ المستمع، وعدم الحاجة إلى استعداد رسمي وشكلاني خلف الجهاز للولوج في محادثة مفتوحة، وعدم وجود قيود على الطريقة التي يتم من خلالها طرح الرأي من ناحية (طبيعة اللغة، نبرة الصوت، محددات التحاور...)، وعدم وجود وقت محدد بعينه للتداخل ما دامت المساحة متاحة وغير مقتصرة على أفراد معينين. هذه بعض العوامل التي قد تقف خلف اندفاع الكثير من الأشخاص للانخراط في هذه المساحات ليس بالضرورة في سبيل التحدث وإنما حتى في الاستماع فأنت قد تستمع لما يطرح وأنت حامل جهازك في المطبخ أو في غرفة النوم أو في حديقة المنزل أو وأنت تتناول وجبتك المفضلة أمام التلفزيون. لكن هذه المكنة وهذا التحرر من قيود الرسمية لا يلغي على الجانب الآخر المخاطر الماثلة في اختراق حدود حرية التعبير أو التجريح أو الإساءة أو التعنيف اللفظي أو المداهنة أو حتى طرح الحقائق المجتزأة دون تأصيل كون أنه ليس هناك مادة مرجعية أو على الأقل مرئية يمكن الاستناد إليها والنقاش المعمق حولها. ولا يميل الغالبية إلى خيارات التسجيل المرجعي. ولا يمكن أن نغفل كذلك شخصية الـ Host أو المضيف الذي يحاول في بعض الأحيان توجيه الحوار بالطريقة التي يراها هو صائبة ويتحكم في نمط ومدة المداخلات وفي إنزال الناس أو تصعيدهم إلى قائمة المتحدثين مما يستوجب في تقديرنا فهمًا لشخصية 'أنا الـ Host' والكيفية التي تتباين بها بين المجتمعات والتجمعات الافتراضية وموضوعاتها.
وفيما يتعلق بقدرة هذه الفضاءات على تشكيل فضاءات عمومية بديلة فإن ذلك في تقديرنا يجب أن لا يغني على فضاءات الواقع المادي لأن الهدف الأساس من الفضاء العام لا يقتصر فقط على تبادل الآراء وتلاقح الأفكار وتطوير المقاربات العامة والفهوم إزاء القضايا العمومية، وإنما هناك بُعد اجتماعي لتطوير 'الحساسية الاجتماعية' تجاه الآخر ومعرفته وفهمه من خلال الاقتراب المادي المباشر منه. وهو ما يدافع عنه عالم الاجتماع ماريو سمول من جامعة هارفارد الذي قضى شطرًا من نتاجه البحثي دارسًا أهمية الفضاء الواقعي (المادي) حيث تددل مجمل أبحاثه على محورية دور الفضاء الواقعي في تكوين الروابط الاجتماعية، 'من حدائق المدينة وصالونات الحلاقة إلى مبردات المياه في المكاتب ومحطات القهوة، كما يمكن للهندسة المعمارية والتصميم الحضري تغيير التفاعلات الاجتماعية بطرق غير متوقعة، غالبًا من خلال التأثير على كيفية تحرك الناس في مبنى أو مدينة. يميل الناس إلى التفكير في حياتهم الاجتماعية على أنها نتاج لاختياراتهم الخاصة - ولكن ، كما يقول ، فإن العوامل المكانية الصغيرة لها تأثير أكبر مما ندرك'.
مع الأهمية الجيدة التي أضافتها المساحات الصوتية للمجتمعات عمومًا لمناقشة قضاياها والشروع في تطوير فضاء عام مستحدث أقل في قيود الرسمية وأكثر في رقعة المشاركة. إلا أن الانخراط في إعادة تأهيل المدن وأماكن العمل والمساحات العمومية كمحفزات لتشكل فضاء عام واقعي أمر بالغ الأهيمة وأكثر إثراء للحياة الاجتماعية والمدينية على حد سواء.