أضاميم.. "قناديل المعرفة" أوقدتها رمضاناً فأحيت أرواحاً ومخطوطات
السبت / 28 / رمضان / 1443 هـ - 19:22 - السبت 30 أبريل 2022 19:22
كانت فكرة،
مجرد فكرة خطرت على البال،
ذات يوم من أيام عام 1417هـ/ 1997م،
وكان شهرُ رَمضانَ يَطرقُ أبوابَ الدُّنيا،
ودأبت العادة أن تقدم جريدة عُمان في أعدادها خلال أيامه المباركة، تقارير ومقالات وحوارات وقراءات تتناسب مع روحانية الشهر الفضيل، وكنت في مكتبة ما، قريباً من إحدى المخطوطات العمانية، تصفحتها فرغبت في الكتابة عنها، واستحوذت على ذهني، فقد رأيت أن الحديث عن المخطوطات اكتشاف معرفي جديد، خاصة المجهول منها.
وبعد تفكير في تقديم المادة، رأيت أن أسمِّي المساحة التي سأنشر فيها القراءات: «قنَاديلُ المَعْرفَة»، فأوقدتها رمضاناً كاملًا، وخصصتها لغُرَرِ المخطوطات العمانية، راجياً أن تكون قد أحيَتْ أرواحاً من المؤلفين والنُّساخ ومن نُسِخَتْ لهم، وعاد لهم ذكر في الحياة بعد وفاتهم ـ رحمهم الله.
في تلك الأيام ترددت على «دائرة المخطوطات» بوزارة التراث القومي والثقافة، وأسدى لي موظفو الدائرة تعاوناً في تقديم المخطوطات، وتصوير بعض الصفحات منها، وكنت أدوِّن عنوان المخطوط، واسم المؤلف، من الصفحات الأولى، المتضمنة عنوان الكتاب واسم المؤلف، وكذلك الصفحة الأخيرة، وما يعرف بـ«حَرْدِ المَتْنِ»، والذي يأتي على شكل هرَم مقلوب، في آخر صفحة من المخطوط، فأنقل منه اسم الناسخ والمنسوخ إليه، وتاريخ الانتهاء من النَّسخ.
وبدأت خطة الكتابة عن كل مخطوط، فتنوعت بين قرآنية، وفقهية، ولغوية وشعرية، ومخطوطات في علم الفلك والطب، بحيث تغطي أيام الشهر الفضيل، وكانت المخطوطات من الوفرة بمَكان، وبخطوط رائعة حد الإبهار، وتحمل المخطوطات القرآنية إبداعاً زخرفياً، خاصة في صفحتي «سُورَة الفاتحة» وبداية «سُورَة البقرة»، وفيهما يبرز الإبداع الزُّخرفي، وتظهر جماليات الخط العربي.
وهلَّت غُرَّة رمضان، وكانت البداية بالكتابة عن مخطوط قرآني، بخط: عبدالله بن ناصر بن خلف المزروعي، انتهى من نسخه عام 1119هـ، وكان بحالة جيدة، رغم مرور ثلاثة قرون على كتابته، ثم بعد أن نشرت المادة، رأيت أن أكرر الكتابة عن مخطوط قرآني آخر، استفتحت به صباح الحادي عشر من شهر رمضان، فكتبت عن مصحف تعرَّفت عليه لأول مرة، وهو المصحف المكتوب بقلم الناسخ المبدع الشيخ: عبدالله بن بشير بن مسعود بن سعيد بن عمر العوامري الحضرمي الصُّحاري، كتبه في «مسجد مُوَدْ» بنزوى، لا يزال المسجد قائماً حتى اليوم، وانتهى من كتابته يوم الاثنين، 13 ذي القعدة عام 1148هـ، هذا المصحف آية في الإبداع الخطي، وقد أعدت الكتابة عنه في هذه الزاوية «أضاميم»، ونشرتها بتاريخ: 26 ديسمبر 2021م، وخلال تلك الفترة، ظهر المصحف مُصَوَّراً، على النفقة الخاصة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد، (حرصاً على المحافظة على التراث العَربي العُماني الخالد، وتقرُّباً إلى الله تعالى، ابتغاء مرضاته).
أما العشر الأواخر فقد استفتحتها بعرض مخطوطة قرآنية مجهولة الناسخ، وتتضمن 453 ورقة، كل ورقة تتألف من 12 سطراً، بمساحة: 23×12 سم، ولاحظت أن المخطوط يبدأ بهذا البيت الشعري:
كَتبْتُ وقد أيقنتُ ما قَد كتَبتُه
بأنَّ يَدِي تَفنَى ويَبْقى كِتابُها
والمبهر فيه أن الصفحتين الأولى والثانية، لسورة الفاتحة، والآيات الخمس الأولى من سورة البقرة، مكتوبتان في ورقتين مزخرفتين بماء الذهب، تبدوان لوحتان تخبران عن خطاط فنان.
ومن بين المخطوطات التي تناولتها بالعرض، «كتابُ الابانَة» لسلمة بن مسلم العُوْتبي الصُّحاري، وكانت دهشتي بهذا المعجم اللغوي لا توصف، كنت قد سمعت أن مؤلفاً عمانياً لديه معجم كبير وفريد بين المعاجم العربية، فنقلت منه بعضاً مما جاء في المقدمة، مع تقديم أنموذج لكلماته المعجمية.
في ذلك العام كان المعجم تتناوله أيادي مجموعة من المحققين الأردنيين، فطبع بعد سنتين في أربعة أجزاء كبيرة، عام 1420هـ/ 1999م، أما المعجم المخطوط فيقع في مجلدين كبيرين، لذلك قسمت الكتابة عنه في حلقتين متتابعتين، المجلد الأول يبدأ بحرف الألف وينتهي بالخاء، والثاني يبدأ بحرف الدال وينتهي بالياء، وكم سُعدت حين وقفت على نسخة أخرى من الإبانة، تبدأ بالألف وتنتهي بالقاف، كتبت بخط الناسخ: سليمان بن ماجد الحضرمي من أهالي «فرق - نزوى»، عام 1343هـ، وكانت نسخة خاصة للشيخ الفقيه عامر بن خميس بن مسعود المالكي، عليهما رحمة الله، وبالتأكيد فإن ظهور كتاب الإبانة مطبوعاً أعادته للحياة الثقافية، كما كان يحلم به مؤلفه قبل ألف عام.
من بين المخطوطات التي عرضتها في قناديل المعرفة: «الدرَّة الفاخِرة في كشفِ علوم الآخِرَة»، للشيخ درويش بن جمعة المحروقي، نُسِخَتْ بيد الناسخ: طالب بن راشد بن عبدالله البوسعيدي، من بلدة «صياء - قريات»، يوم السبت، لعشر ليال بَقِيَتْ من شهر جمادى الأولى 1206هـ، وفي المخطوط الكثير من الشواهد الشعرية، والمواعظ، وفي آخره قصيدة استغفارية، للشاعر سالم بن محمد بن سالم بن صخبور النزوي، تبدأ بهذا المطلع:
استَغفِرُ اللهَ من حَوْلِي وأوْزارِي
وأستجيرُ به خَوفاً مِنَ النارِ
أستَغفرُ اللهَ من شِركٍ علمتُ به
أو لم أكنْ عالِماً سِرِّي وإظهَارِي.
ومن بين ما عرضته كذلك، مخطوطة «الجَمْعُ بين الصَّحِيحَين»، للشيخ الإمام الحافظ الحميدي، وتعد حتى ذلك الوقت أقدم مخطوطة تحتفظ بها دائرة المخطوطات، (أكثر من 800 عام)، نُسِخَتْ عام 617هـ، وتقع في 679 صفحة، كل صفحة تضم 20 سطراً، وقد اهتم الناسخ بتشكيل الكلام نحوياً.
وعرضت مخطوطة في علم النحو، عنوانها «التقييدُ في المَعْنى المُهمُّ والمُفيد»، تأليف: أحمد بن محمد الرقيشي، نسخها: عبدالله بن سليمان بن سعيد بن رويشد بن غريب المنوري في ربيع الأول 1249هـ، تتضمن عشرة أبواب من علم النحو.
كما خصَّصْتُ إحدى القناديل، لتضيء جانباً من حياة النحوي الكبير يوسف حمدان بن خميِّس اليوسفي، فقد ذاع ذكره كثيراً في النصف الأول من القرن العشرين، وترك مجموعة من المؤلفات النحوية، من بينها كتابه «إسْعادُ الرَّاوي شرح لامية الشَّبْرَاوي»، و«خلاصة العمل شرح بلوغ الأمل»، وله منظومات فقهية وأراجيز، توفي الشيخ حمدان اليوسفي في المدينة المنورة، ليلة السادس من شهر ذي الحجة، عام 1384هـ/ 1965م، ودفن في مقبرة البقيع.
وهناك مخطوطات أخرى استعرَضْتُها، ونَشرْتُها خلال تلك الأيام، من بينها مخطوطة «السِّيرة الكلوية» لأبي سعيد القلهاتي، ومخطوطة أخرى تتضمن «أرجوزة في منافع القرآن الكريم»، لبُلبُل الشعراء: سالم بن محمد بن سالم الدرمكي، نشرت بعد ذلك في ديوانه الشعري الصادر طبعته الأولى عام 2000م.
كما قدَّمْتُ قراءة في مخطوطة «المَعْرَجُ الأسْنَى في نَظْم أسْمَاءِ اللهِ الحُسْنى» لأبي مسلم البهلاني، ومخطوطة «تنبيه الغافل وتنشيط المتثاقل» لدرويش بن جمعة المحروقي، ومخطوطة «النَّوامِيسُ الرَّحمَانية، في تسهل الطريق إلى العُلوم الرَّبانية» لشاعر العلماء وعالم الشعراء: سعيد بن خلفان الخليلي، وكانت بقلم الناسخ: عبدالعزيز بن محمد بن سالم الرَّواحي، أتمَّ كتابتها بتاريخ 20 شعبان 1298هـ.
ومن بين المخطوطات التي استعرضتها «إيضاحُ البَيان فيما يحلُّ ويحرم من الحَيَوان»، لأبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي، كتبت بخط الناسخ: مسيعيد بن سويعيد بن مسعود السَّعدي، أتم نسخها بتاريخ 28 رمضان 1249هـ، وكذلك مخطوطة «شمسُ الآفاق في تركيبِ الأوفاق» لخلفان بن جمعة النزوى العقري، كتبت عام 1310هـ، بقلم الناسخ: ناصر بن عبدالله بن سالم، ومخطوطة «مكارمُ الأخلاق وجَوَاهرُ الأعلاق في الأعناق»، لعامر بن عبدالله العَقْرِي النزوي، نسخها: عمران بن مسلم بن خميس بن عبيد القريتاني، للسيِّد: بَرْغَش بن سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد، وأتم نسخها 20 ربيع الأول 1286هـ.
هذه «القناديل»، أوْقدْتُ نورَها شهراً رمضانياً، بدءاً من يوم الغُرَّة إلى 30 رمضان - 1417هـ/ 10 يناير – 8 فبراير 1997م، ومن خلالها تعرَّفت على نفائس التراث العماني، في مخطوطاته، التي لم تكن قد ظهرت مطبوعة، فصدر بعضها محققاً، وبعضها ما يزال ضَمائِم الخَزائِن.
وفي تلك الأيام، اقترح لي أحد الأصدقاء، أن أجمع ما كتبته عن هذه الذخائر، ولكني صرفت النظر عن نشرها في كتاب، وأهملت الفكرة بتكاسل مني، لعدم نضج تجربتي في الكتابة، وأرجو ألا يكون نور تلك القناديل قد تبدَّد سُدَى، أرجو أن يكون قد أضاف معرفة لقارئِها، وأفاد ما نشرته أحد المشتغلين بالبحث، مع أني لم أقرأ إشارة إليها، في أي من الكتب التوثيقية والبحثية الصادرة بعد ذلك، وحسبي اليوم من كتابة هذه الإضمامة، أني أعرِّفُ القارئ على عناوين مخطوطات أُلِّفَتْ بعُقول عمانية، ونُسِخَت بأقلام عمانية، وأحبارٍ عمانية، في تلك السنين البعيدة، على ضوء القناديل.
وفي الختام، تحية لزملائي الأحبة، فقد عملنا معاً فريقاً واحداً، بدءاً من التحرير، والإخراج الصحفي، وتنضيد المادة المكتوبة، وفرز الصور الضوئية، والتنفيذ أو المونتاج، وحتى فرز الصفحة بعد تنفيذها، عمل يدوي مضني، من أجل أن تخرج الصفحة للقارئ تحفة صحفية، تحية لتلك الأيام الجميلة، والليالي التي أضأناها بقناديل المحبة، وكان حب العمل دافع لحرق ساعات طويلة، دون أن نشعر فيها بملل، فتنسل الساعات منا كالماء من بين الأصابع، ونصل النهار بالليل، تحية لكل الزملاء وليس بالمستطاع ذكرهم جميعاً، فإخلاصهم وتعاونهم ومحبتهم هي اللمسة الأجمل في العمل الصحفي، بعضهم ما يزال مرابطاً في تلك الثغور، وبعضهم خرج إلى التقاعد.
مجرد فكرة خطرت على البال،
ذات يوم من أيام عام 1417هـ/ 1997م،
وكان شهرُ رَمضانَ يَطرقُ أبوابَ الدُّنيا،
ودأبت العادة أن تقدم جريدة عُمان في أعدادها خلال أيامه المباركة، تقارير ومقالات وحوارات وقراءات تتناسب مع روحانية الشهر الفضيل، وكنت في مكتبة ما، قريباً من إحدى المخطوطات العمانية، تصفحتها فرغبت في الكتابة عنها، واستحوذت على ذهني، فقد رأيت أن الحديث عن المخطوطات اكتشاف معرفي جديد، خاصة المجهول منها.
وبعد تفكير في تقديم المادة، رأيت أن أسمِّي المساحة التي سأنشر فيها القراءات: «قنَاديلُ المَعْرفَة»، فأوقدتها رمضاناً كاملًا، وخصصتها لغُرَرِ المخطوطات العمانية، راجياً أن تكون قد أحيَتْ أرواحاً من المؤلفين والنُّساخ ومن نُسِخَتْ لهم، وعاد لهم ذكر في الحياة بعد وفاتهم ـ رحمهم الله.
في تلك الأيام ترددت على «دائرة المخطوطات» بوزارة التراث القومي والثقافة، وأسدى لي موظفو الدائرة تعاوناً في تقديم المخطوطات، وتصوير بعض الصفحات منها، وكنت أدوِّن عنوان المخطوط، واسم المؤلف، من الصفحات الأولى، المتضمنة عنوان الكتاب واسم المؤلف، وكذلك الصفحة الأخيرة، وما يعرف بـ«حَرْدِ المَتْنِ»، والذي يأتي على شكل هرَم مقلوب، في آخر صفحة من المخطوط، فأنقل منه اسم الناسخ والمنسوخ إليه، وتاريخ الانتهاء من النَّسخ.
وبدأت خطة الكتابة عن كل مخطوط، فتنوعت بين قرآنية، وفقهية، ولغوية وشعرية، ومخطوطات في علم الفلك والطب، بحيث تغطي أيام الشهر الفضيل، وكانت المخطوطات من الوفرة بمَكان، وبخطوط رائعة حد الإبهار، وتحمل المخطوطات القرآنية إبداعاً زخرفياً، خاصة في صفحتي «سُورَة الفاتحة» وبداية «سُورَة البقرة»، وفيهما يبرز الإبداع الزُّخرفي، وتظهر جماليات الخط العربي.
وهلَّت غُرَّة رمضان، وكانت البداية بالكتابة عن مخطوط قرآني، بخط: عبدالله بن ناصر بن خلف المزروعي، انتهى من نسخه عام 1119هـ، وكان بحالة جيدة، رغم مرور ثلاثة قرون على كتابته، ثم بعد أن نشرت المادة، رأيت أن أكرر الكتابة عن مخطوط قرآني آخر، استفتحت به صباح الحادي عشر من شهر رمضان، فكتبت عن مصحف تعرَّفت عليه لأول مرة، وهو المصحف المكتوب بقلم الناسخ المبدع الشيخ: عبدالله بن بشير بن مسعود بن سعيد بن عمر العوامري الحضرمي الصُّحاري، كتبه في «مسجد مُوَدْ» بنزوى، لا يزال المسجد قائماً حتى اليوم، وانتهى من كتابته يوم الاثنين، 13 ذي القعدة عام 1148هـ، هذا المصحف آية في الإبداع الخطي، وقد أعدت الكتابة عنه في هذه الزاوية «أضاميم»، ونشرتها بتاريخ: 26 ديسمبر 2021م، وخلال تلك الفترة، ظهر المصحف مُصَوَّراً، على النفقة الخاصة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد، (حرصاً على المحافظة على التراث العَربي العُماني الخالد، وتقرُّباً إلى الله تعالى، ابتغاء مرضاته).
أما العشر الأواخر فقد استفتحتها بعرض مخطوطة قرآنية مجهولة الناسخ، وتتضمن 453 ورقة، كل ورقة تتألف من 12 سطراً، بمساحة: 23×12 سم، ولاحظت أن المخطوط يبدأ بهذا البيت الشعري:
كَتبْتُ وقد أيقنتُ ما قَد كتَبتُه
بأنَّ يَدِي تَفنَى ويَبْقى كِتابُها
والمبهر فيه أن الصفحتين الأولى والثانية، لسورة الفاتحة، والآيات الخمس الأولى من سورة البقرة، مكتوبتان في ورقتين مزخرفتين بماء الذهب، تبدوان لوحتان تخبران عن خطاط فنان.
ومن بين المخطوطات التي تناولتها بالعرض، «كتابُ الابانَة» لسلمة بن مسلم العُوْتبي الصُّحاري، وكانت دهشتي بهذا المعجم اللغوي لا توصف، كنت قد سمعت أن مؤلفاً عمانياً لديه معجم كبير وفريد بين المعاجم العربية، فنقلت منه بعضاً مما جاء في المقدمة، مع تقديم أنموذج لكلماته المعجمية.
في ذلك العام كان المعجم تتناوله أيادي مجموعة من المحققين الأردنيين، فطبع بعد سنتين في أربعة أجزاء كبيرة، عام 1420هـ/ 1999م، أما المعجم المخطوط فيقع في مجلدين كبيرين، لذلك قسمت الكتابة عنه في حلقتين متتابعتين، المجلد الأول يبدأ بحرف الألف وينتهي بالخاء، والثاني يبدأ بحرف الدال وينتهي بالياء، وكم سُعدت حين وقفت على نسخة أخرى من الإبانة، تبدأ بالألف وتنتهي بالقاف، كتبت بخط الناسخ: سليمان بن ماجد الحضرمي من أهالي «فرق - نزوى»، عام 1343هـ، وكانت نسخة خاصة للشيخ الفقيه عامر بن خميس بن مسعود المالكي، عليهما رحمة الله، وبالتأكيد فإن ظهور كتاب الإبانة مطبوعاً أعادته للحياة الثقافية، كما كان يحلم به مؤلفه قبل ألف عام.
من بين المخطوطات التي عرضتها في قناديل المعرفة: «الدرَّة الفاخِرة في كشفِ علوم الآخِرَة»، للشيخ درويش بن جمعة المحروقي، نُسِخَتْ بيد الناسخ: طالب بن راشد بن عبدالله البوسعيدي، من بلدة «صياء - قريات»، يوم السبت، لعشر ليال بَقِيَتْ من شهر جمادى الأولى 1206هـ، وفي المخطوط الكثير من الشواهد الشعرية، والمواعظ، وفي آخره قصيدة استغفارية، للشاعر سالم بن محمد بن سالم بن صخبور النزوي، تبدأ بهذا المطلع:
استَغفِرُ اللهَ من حَوْلِي وأوْزارِي
وأستجيرُ به خَوفاً مِنَ النارِ
أستَغفرُ اللهَ من شِركٍ علمتُ به
أو لم أكنْ عالِماً سِرِّي وإظهَارِي.
ومن بين ما عرضته كذلك، مخطوطة «الجَمْعُ بين الصَّحِيحَين»، للشيخ الإمام الحافظ الحميدي، وتعد حتى ذلك الوقت أقدم مخطوطة تحتفظ بها دائرة المخطوطات، (أكثر من 800 عام)، نُسِخَتْ عام 617هـ، وتقع في 679 صفحة، كل صفحة تضم 20 سطراً، وقد اهتم الناسخ بتشكيل الكلام نحوياً.
وعرضت مخطوطة في علم النحو، عنوانها «التقييدُ في المَعْنى المُهمُّ والمُفيد»، تأليف: أحمد بن محمد الرقيشي، نسخها: عبدالله بن سليمان بن سعيد بن رويشد بن غريب المنوري في ربيع الأول 1249هـ، تتضمن عشرة أبواب من علم النحو.
كما خصَّصْتُ إحدى القناديل، لتضيء جانباً من حياة النحوي الكبير يوسف حمدان بن خميِّس اليوسفي، فقد ذاع ذكره كثيراً في النصف الأول من القرن العشرين، وترك مجموعة من المؤلفات النحوية، من بينها كتابه «إسْعادُ الرَّاوي شرح لامية الشَّبْرَاوي»، و«خلاصة العمل شرح بلوغ الأمل»، وله منظومات فقهية وأراجيز، توفي الشيخ حمدان اليوسفي في المدينة المنورة، ليلة السادس من شهر ذي الحجة، عام 1384هـ/ 1965م، ودفن في مقبرة البقيع.
وهناك مخطوطات أخرى استعرَضْتُها، ونَشرْتُها خلال تلك الأيام، من بينها مخطوطة «السِّيرة الكلوية» لأبي سعيد القلهاتي، ومخطوطة أخرى تتضمن «أرجوزة في منافع القرآن الكريم»، لبُلبُل الشعراء: سالم بن محمد بن سالم الدرمكي، نشرت بعد ذلك في ديوانه الشعري الصادر طبعته الأولى عام 2000م.
كما قدَّمْتُ قراءة في مخطوطة «المَعْرَجُ الأسْنَى في نَظْم أسْمَاءِ اللهِ الحُسْنى» لأبي مسلم البهلاني، ومخطوطة «تنبيه الغافل وتنشيط المتثاقل» لدرويش بن جمعة المحروقي، ومخطوطة «النَّوامِيسُ الرَّحمَانية، في تسهل الطريق إلى العُلوم الرَّبانية» لشاعر العلماء وعالم الشعراء: سعيد بن خلفان الخليلي، وكانت بقلم الناسخ: عبدالعزيز بن محمد بن سالم الرَّواحي، أتمَّ كتابتها بتاريخ 20 شعبان 1298هـ.
ومن بين المخطوطات التي استعرضتها «إيضاحُ البَيان فيما يحلُّ ويحرم من الحَيَوان»، لأبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي، كتبت بخط الناسخ: مسيعيد بن سويعيد بن مسعود السَّعدي، أتم نسخها بتاريخ 28 رمضان 1249هـ، وكذلك مخطوطة «شمسُ الآفاق في تركيبِ الأوفاق» لخلفان بن جمعة النزوى العقري، كتبت عام 1310هـ، بقلم الناسخ: ناصر بن عبدالله بن سالم، ومخطوطة «مكارمُ الأخلاق وجَوَاهرُ الأعلاق في الأعناق»، لعامر بن عبدالله العَقْرِي النزوي، نسخها: عمران بن مسلم بن خميس بن عبيد القريتاني، للسيِّد: بَرْغَش بن سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد، وأتم نسخها 20 ربيع الأول 1286هـ.
هذه «القناديل»، أوْقدْتُ نورَها شهراً رمضانياً، بدءاً من يوم الغُرَّة إلى 30 رمضان - 1417هـ/ 10 يناير – 8 فبراير 1997م، ومن خلالها تعرَّفت على نفائس التراث العماني، في مخطوطاته، التي لم تكن قد ظهرت مطبوعة، فصدر بعضها محققاً، وبعضها ما يزال ضَمائِم الخَزائِن.
وفي تلك الأيام، اقترح لي أحد الأصدقاء، أن أجمع ما كتبته عن هذه الذخائر، ولكني صرفت النظر عن نشرها في كتاب، وأهملت الفكرة بتكاسل مني، لعدم نضج تجربتي في الكتابة، وأرجو ألا يكون نور تلك القناديل قد تبدَّد سُدَى، أرجو أن يكون قد أضاف معرفة لقارئِها، وأفاد ما نشرته أحد المشتغلين بالبحث، مع أني لم أقرأ إشارة إليها، في أي من الكتب التوثيقية والبحثية الصادرة بعد ذلك، وحسبي اليوم من كتابة هذه الإضمامة، أني أعرِّفُ القارئ على عناوين مخطوطات أُلِّفَتْ بعُقول عمانية، ونُسِخَت بأقلام عمانية، وأحبارٍ عمانية، في تلك السنين البعيدة، على ضوء القناديل.
وفي الختام، تحية لزملائي الأحبة، فقد عملنا معاً فريقاً واحداً، بدءاً من التحرير، والإخراج الصحفي، وتنضيد المادة المكتوبة، وفرز الصور الضوئية، والتنفيذ أو المونتاج، وحتى فرز الصفحة بعد تنفيذها، عمل يدوي مضني، من أجل أن تخرج الصفحة للقارئ تحفة صحفية، تحية لتلك الأيام الجميلة، والليالي التي أضأناها بقناديل المحبة، وكان حب العمل دافع لحرق ساعات طويلة، دون أن نشعر فيها بملل، فتنسل الساعات منا كالماء من بين الأصابع، ونصل النهار بالليل، تحية لكل الزملاء وليس بالمستطاع ذكرهم جميعاً، فإخلاصهم وتعاونهم ومحبتهم هي اللمسة الأجمل في العمل الصحفي، بعضهم ما يزال مرابطاً في تلك الثغور، وبعضهم خرج إلى التقاعد.