أعمدة

يقين الشجر

 
hamdahus@yahoo.com

في زيارتي الأخيرة لأوروبا، كنت أتأمل بانبهار الأشجار التي تقف بشموخ حولي وقد عراها الشتاء من كل أوراقها، لكنها وقفت مكانها صامدة طوال تلك الأشهر، بانتظار أن يأتي الربيع ويعيد لها الحياة، لم تجزع ولم تيأس، ظلت واقفة بصبر تنتظر، عندما اقتربت منها وجدت أن الحياة فعلًا بدأت تدب فيها، فقد بدأت البراعم بالظهور بشكل غير ملحوظ في بعضها، وبشكل بارز في الأخرى، العجيب أن أول ما يظهر هو أجملها، إذ تكتسي الأشجار بالزهور أولًا، وكأنها تستقبل الحياة بهذا المنظر الأنيق.

الأزهار هي تباشير الربيع، وهي بداية الحياة في هذه المخلوقات المذهلة التي يتجلى فيها اسم الله الحي بشكل مذهل، حتى الموت في دورته جميلًا ومهيبًا، فقد كانت زيارتي العام المنصرم مع بدايات الخريف، الذي كساها بألوان مذهلة وفائقة الجمال من تدرجات البرتقالي والبني، قبل أن تتساقط الأوراق هذه على الأرض مشكلة بساطًا فائق الروعة.

دائما ما يسألني العابرون على صفحتي في الانستجرام على سر صور الطبيعة في صفحة معنية بالثقافة المالية، دائما ما أجيب بأن الطبيعة هي معلمي الأول في الثراء والوفرة، يتجلى اسم الله الغني فيها بشكل مذهل، سواء في تنوع أشكال المخلوقات فيها، أو تنوع الألوان البهيجة في درجات الأخضر اللانهائية، كل شجرة تحمل درجة مختلفة من اللون الأخضر وتدرجاته، وأوراقها تكاد لا تتشابه في أحجامها وأشكالها.

المدهش أن الأشجار عندما تكتسي بالأزهار في بداية الربيع، ما تلبث أن تتساقط عنها، تاركة مكانا للأوراق الخضراء، ومكونة كساء مذهل من الألوان الجميلة التي تطرز العشب أسفلها فيتحول إلى سجادة طبيعية بأبهى وأجمل الألوان، وكأن الشجرة تعلمنا أن العطاء ما هو إلا الوجه الآخر للأخذ، فلا أخذ بلا عطاء، ولا عطاء بدون أخذ.

وهي كما تتنازل طوعًا عن أوراقها، وأزهارها مع تعاقب الفصول في تسليم مدهش لإرادة خالقها، ويقين مطلق بأن الربيع قادم، إنما تقدم لي درسًا في الاعتماد والتوكل عليه سبحانه، نسأل الله يقينا كهذا، وثباتا على الإيمان به.