الفنون.. مراسيل الوئام وتفاهم الأنام
الاثنين / 23 / رمضان / 1443 هـ - 22:26 - الاثنين 25 أبريل 2022 22:26
إذا كانت البشرية تمارس العنف والدمار والقبح والممارسات اللاأخلاقية في بعض مناطق العالم، فإن هناك جزءا من البشر أيضا لا يزالون متمسكين بنشر السلام والتفاهم ونبذ الحرب، وما ينجم عنه من شقاق وكراهية وبغضاء بين الشعوب. وتتجسد الدعوات للتفاهم الإنساني في المهرجانات الثقافية التي تُعلي من شأن الفنون المُعبرة عن السمو الإنساني عبر الكلمات في اللغة والألوان في الرسم، والتكوينات في الفنون التشكيلية الأخرى. ويتمظهر ذلك حاليا في بينالي البندقية في دورته التاسعة والخمسين.
تُعتبر مشاركة سلطنة عمان في بينالي البندقية للمرة الأولى، ممارسة فعلية لتنفيذ أهداف الاستراتيجية الثقافية في محور التواصل الثقافي وهي «إبراز دور سلطنة عمان في خارطة الثقافة العالمية، وتعزيز التواصل والحوار الثقافي مع دول العالم، واستثمار التنوع الثقافي كوسيلة للترويج والتعريف بسلطنة عمان، وتحقيق الشراكة والتكامل مع المؤسسات المحلية والدولية في المجالات الثقافية»، فالمؤسسة الثقافية التي لا تمتلك استراتيجية واضحة ولا أهدافا محددة لا محل لها من الإنتاجية والإنجاز.
إن تعويل وزارة الثقافة على مُنتجات الثقافة العُمانية في حمل رسائل تفاهم إلى الآخر، تُذكر فتُشكر وتُفهم على أنه اهتمام بقيمة الفن والأدب في تجسير الهوة بين الثقافات، وإيجاد لغة حوار مُشتركة بيننا وبين الآخر، فالفن كما يقول إيمانويل كانت (1724-1804) في كتابه نقد ملكة الحكم «ينمي القوى العقلية ثقافيا في التواصل الاجتماعي»، وكان ذاته الذي يصف الفن بقوله: «الفن الجميل كفن جميل هو الفن الذي يمتلك القوة التأملية للحكم وليس مجرد الإحساس كمعيار له». لذلك تُشكل الفنون أي فنون أعمدة للثقافات التي تعتني بالروح لا المادة.
إن القيمة المضافة لمشاركة الفن العماني في أهم المهرجانات على خارطة الفنون العالمية، لا يتمثل في وجود الفن فحسب بل في حضور الفنان العُماني، والتعريف بثقافة وطنه لزوار المعرض القادمين من كل أنحاء العالم، لمشاهدة آخر الإبداعات في الفن الحديث، والتمتع بأحدث الإنتاجات الفنية للمُخيلة الإنسانية في الوقت الراهن، لذلك نأمل أن يتم تنظيم زيارات للفنانين والنحاتين والمصورين العُمانيين إلى البينالي، والتعرف على أساليب الفنانين الآخرين وأدواتهم في العمل والتنفيذ، فالمشاهدة البصرية على عين المكان تُغني عن عشرات الدورات التدريبية والمحاضرات في الفن. فاستغلال مثل هذه المهرجانات العالمية والمحافل الدولية وترك الانطباع الجيد في أذهان الزوار يعود بالنفع على سمعة البلد، وهنا أذكر حادثة وقعت لنا أثناء زيارة البندقية في نهاية خريف 2009، فأثناء انتقالنا بين الساحات في المدينة وصعودنا للجسور الرابطة بين أحياء المدينة العائمة، مررت بمحل بيع التحف واللوحات، وأشار لنا البائع حينما عرف أننا عرب إلى محل مقابلنا وأخبرنا أن المحل المقابل هو معرض دائم للفنان ووزير الثقافة المصري فاروق حسني، لهذا نأمل أن تبقى بعض لوحات الفنانين العمانيين المشاركة في البينالي في البندقية، أو في أحد المعارض أو المزادات، فمن المؤكد أن هناك حركة نشطة لوكلاء اللوحات الفنية، على هامش البينالي لتسويق الأعمال الفنية، وعقد صفقات مع الفنانين، إذ لا ينكر أحد أن مهرجانات الفنون العالمية، هي في الواقع بورصة لتسويق الأعمال الأدبية والفنية، فما هي إلا منافذ لتحريك السيولة المالية والاقتصاد.
أكمل بينالي البندقية الذي افتتح لأول مرة سنة 1894 دورته الـ59، ومن المفارقات أن يقام بينالي الفنون في مدينة مهددة بالغرق نتيجة للتغير المناخي، ولعل البشر يفعلون شيئا لإنقاذ مدينة ماركو بولو، وشايلوك اليهودي تاجر البندقية. المدينة التي تغنى بها الشاعر المصري علي محمود في (الجندولة)، ولحنها وغناها محمد عبد الوهاب سنة 1941.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
تُعتبر مشاركة سلطنة عمان في بينالي البندقية للمرة الأولى، ممارسة فعلية لتنفيذ أهداف الاستراتيجية الثقافية في محور التواصل الثقافي وهي «إبراز دور سلطنة عمان في خارطة الثقافة العالمية، وتعزيز التواصل والحوار الثقافي مع دول العالم، واستثمار التنوع الثقافي كوسيلة للترويج والتعريف بسلطنة عمان، وتحقيق الشراكة والتكامل مع المؤسسات المحلية والدولية في المجالات الثقافية»، فالمؤسسة الثقافية التي لا تمتلك استراتيجية واضحة ولا أهدافا محددة لا محل لها من الإنتاجية والإنجاز.
إن تعويل وزارة الثقافة على مُنتجات الثقافة العُمانية في حمل رسائل تفاهم إلى الآخر، تُذكر فتُشكر وتُفهم على أنه اهتمام بقيمة الفن والأدب في تجسير الهوة بين الثقافات، وإيجاد لغة حوار مُشتركة بيننا وبين الآخر، فالفن كما يقول إيمانويل كانت (1724-1804) في كتابه نقد ملكة الحكم «ينمي القوى العقلية ثقافيا في التواصل الاجتماعي»، وكان ذاته الذي يصف الفن بقوله: «الفن الجميل كفن جميل هو الفن الذي يمتلك القوة التأملية للحكم وليس مجرد الإحساس كمعيار له». لذلك تُشكل الفنون أي فنون أعمدة للثقافات التي تعتني بالروح لا المادة.
إن القيمة المضافة لمشاركة الفن العماني في أهم المهرجانات على خارطة الفنون العالمية، لا يتمثل في وجود الفن فحسب بل في حضور الفنان العُماني، والتعريف بثقافة وطنه لزوار المعرض القادمين من كل أنحاء العالم، لمشاهدة آخر الإبداعات في الفن الحديث، والتمتع بأحدث الإنتاجات الفنية للمُخيلة الإنسانية في الوقت الراهن، لذلك نأمل أن يتم تنظيم زيارات للفنانين والنحاتين والمصورين العُمانيين إلى البينالي، والتعرف على أساليب الفنانين الآخرين وأدواتهم في العمل والتنفيذ، فالمشاهدة البصرية على عين المكان تُغني عن عشرات الدورات التدريبية والمحاضرات في الفن. فاستغلال مثل هذه المهرجانات العالمية والمحافل الدولية وترك الانطباع الجيد في أذهان الزوار يعود بالنفع على سمعة البلد، وهنا أذكر حادثة وقعت لنا أثناء زيارة البندقية في نهاية خريف 2009، فأثناء انتقالنا بين الساحات في المدينة وصعودنا للجسور الرابطة بين أحياء المدينة العائمة، مررت بمحل بيع التحف واللوحات، وأشار لنا البائع حينما عرف أننا عرب إلى محل مقابلنا وأخبرنا أن المحل المقابل هو معرض دائم للفنان ووزير الثقافة المصري فاروق حسني، لهذا نأمل أن تبقى بعض لوحات الفنانين العمانيين المشاركة في البينالي في البندقية، أو في أحد المعارض أو المزادات، فمن المؤكد أن هناك حركة نشطة لوكلاء اللوحات الفنية، على هامش البينالي لتسويق الأعمال الفنية، وعقد صفقات مع الفنانين، إذ لا ينكر أحد أن مهرجانات الفنون العالمية، هي في الواقع بورصة لتسويق الأعمال الأدبية والفنية، فما هي إلا منافذ لتحريك السيولة المالية والاقتصاد.
أكمل بينالي البندقية الذي افتتح لأول مرة سنة 1894 دورته الـ59، ومن المفارقات أن يقام بينالي الفنون في مدينة مهددة بالغرق نتيجة للتغير المناخي، ولعل البشر يفعلون شيئا لإنقاذ مدينة ماركو بولو، وشايلوك اليهودي تاجر البندقية. المدينة التي تغنى بها الشاعر المصري علي محمود في (الجندولة)، ولحنها وغناها محمد عبد الوهاب سنة 1941.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني