الإيمان في مواجهة الإلحاد
الثلاثاء / 17 / رمضان / 1443 هـ - 22:24 - الثلاثاء 19 أبريل 2022 22:24
قلت في مقالي السابق أنني التقيت أحد المثقفين في نهار يوم من شهر رمضان، وأبدى دهشته من كوني صائمًا، بل أبدى دهشته من الإيمان بالأديان نفسها، باعتبارها- في نظره- مجرد أساطير تحرر منها معظم الفلاسفة على حد قوله. ولأنني لا أسأل أي شخص أتعرف عليه عن معتقداته الدينية (لأن هذه المعتقدات هي مسألة تخص الشخص وحده)؛ فقد أدركت يومها أن هذا الشخص الذي أعرفه- وإن لم أعرف شيئًا عن إيمانه الديني- هو شخص ملحد لا يؤمن بوجود إله. دار بيننا حوار وجدال طويل حول هذه المسألة، وهو ما سبق أن أفصحت عن شيء منه في مقالي السابق. غفوت قليلًا قبيل الإفطار في نهار ذلك اليوم، كنت في حالة بين النوم واليقظة، فخيَّل لي أن كل هذا كان حُلمًا أو وهمًا؛ ولكن ما إن صحوت من غفوتي حتى أدركت أنه حقيقة.
تأملت الأمر في سياق أوسع يتعلق بظاهرة الإلحاد ذاتها، وهي ظاهرة تتنامى عالميًّا، بل إن هذا التنامي أصبح ظاهرًا في المنطقة العربية بعد أن كان من النادر ظهوره، وإن ظهر كان ظهوره على استحياء. ويمكننا أن نلاحظ هنا أمرين: نلاحظ- أولًا- أن المجاهرة الآن بالإلحاد في المنطقة العربية تحدث على المستوى الفردي والجماعي، وهو أمر تشهد به مواقع التواصل الاجتماعي. ونلاحظ- ثانيًا- أن ظاهرة الإلحاد تتنامى في أقطار عربية معينة، خاصةً تلك التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي، وإن كنا لا نملك إحصاءات دقيقة شاملة بخصوص هذا الأمر. ولكن بوسعنا أن نتساءل عن أسباب تنامي الظاهرة في بعض الأقطار العربية، وإن كان بنسبة أدنى كثيرًا من تناميها في العالم الغربي.
في العالم الغربي تطور العلم بشكل مذهل في النصف الثاني من القرن الأخير، على نحو يفوق تطوره عبر قرون عديدة مضت. ومع العلم أتت القوة والهيمنة، ومن ثم النفوذ والثروة؛ وهو ما أدى في النهاية إلى تعاظم الإيمان بسلطان العلم وقدرته اللانهائية، في مقابل تراجع الإيمان بقدرة الله؛ لأن الأسئلة التي كانت متروكة للدين أصبحت خاضعة لسلطان العلم. وقد كان من شأن هذا تنامي ظاهرة الإلحاد لدى الكثيرين، إذ وضعنا في الاعتبار أن هذا التطور العلمي المذهل لم يواكبه تطور في بناء القيم الروحية التي تصنعها الثقافة بمعناها الواسع. وربما يكون هذا العامل الأخير هو مناط اختلاف العالم الغربي عن العالم الشرقي في الهند والصين واليابان وغيرها من البلدان التي تتجذر في ثقافتها القيم الروحية (الدينية والأخلاقية بوجه خاص).
أما في المنطقة العربية، فالأمر بخلاف ذلك؛ ويمكن أن نلاحظ بعض أسباب تنامي الظاهرة هنا فيما يلي:
* هناك حالة من التشوش في الوعي الديني لدى قطاعات واسعة من المسلمين. ولقد تبدى هذا التشوش في الانقسام الذي حدث بين الناس عند انتخاب مرشحي الجماعات الدينية لاعتلاء السلطة في بعض البلدان العربية. إذ إن كثيرًا من الناس كانوا يعتقدون في مظلومية هذه الجماعات التي تريد أن تحكم بتعاليم الإسلام، وترفع الشعارات الإسلامية التي تحققها في الواقع من خلال الخدمة المجتمعية للبسطاء والفقراء من باب الرحمة والتكافل. ولكن بعد أن اعتلت بعض هذه الجماعات السلطة، اكتشف كثير من الناس أنهم قد خُدِعوا؛ لأن هذه الجماعات لم تكن تسعى سوى لاعتلاء السلطة وتمكين أفرادها، من خلال مشروع لا يؤمن بالوطن حقًّا، ولا يؤمن بالدين حقًّا إلا باعتباره وسيلة للتمكين والسلطة. ومن هنا اهتزت صورة الإسلام في وعي البعض ممن يخلطون بين حال الإسلام وحال المسلمين أو المتأسلمين.
* ومن أسباب حالة تشوش الوعي الديني انتشار شيوخ الفتنة عبر الفضائيات ممن يفتون بتأليب الشعوب ضد أوطانهم، وبإباحة القتل والذبح باسم الإسلام، والكراهية لأصحاب الديانات الأخرى كالديانة المسيحية التي أفتى كثير من شيوخ الفتنة بتكفيرهم؛ ومن ثم بعدم جواز مصافحتهم أو تهنئتهم في أعيادهم.
* وبجانب شيوخ الفتنة انتشر أيضًا عبر الفضائيات نوع آخر من الشيوخ ممن يفتقرون إلى فهم روح الدين وفقه الواقع، وراحوا يشغلون الناس بصغائر الأمور، ويسيئون فهم كبائرها، ولا يلقون بالًا لتأويل النص الديني بما يتفق مع روح الواقع الفعلي لحياة الناس، بل مع روح الدين نفسه باعتباره أخلاقيات ومعاملات إنسانية، وليس مجرد شعائر وعبادات؛ وبذلك فقد الدين روحه والغاية من وراء رسالته، وشاع بين الناس نوع من الازدواجية: يؤدون الفرائض ولا يتمثلون الدين في سلوكهم ومعاملاتهم. وهذا كله يؤدي إلى ضعف مكانة الدين والإيمان في نفوس البعض من المهيأين للتشويش العقلي.
هذه مجرد ملاحظات عامة مقتضبة، ربما تصلح كفروض للبحث والاستقصاء. ومن المؤكد أن هناك أسبابًا أخرى لتنامي الظاهرة بالإضافة إلى تلك التي ذكرناها، كما أن هناك أسبابًا أخرى تميز تنامي ظاهرة الإلحاد بين أصحاب الديانات غير الإسلامية في المنطقة العربية، خاصة الديانة المسيحية؛ ولكن استيعاب هذه الأمور جميعًا يحتاج إلى دراسات مسهبة.
تأملت الأمر في سياق أوسع يتعلق بظاهرة الإلحاد ذاتها، وهي ظاهرة تتنامى عالميًّا، بل إن هذا التنامي أصبح ظاهرًا في المنطقة العربية بعد أن كان من النادر ظهوره، وإن ظهر كان ظهوره على استحياء. ويمكننا أن نلاحظ هنا أمرين: نلاحظ- أولًا- أن المجاهرة الآن بالإلحاد في المنطقة العربية تحدث على المستوى الفردي والجماعي، وهو أمر تشهد به مواقع التواصل الاجتماعي. ونلاحظ- ثانيًا- أن ظاهرة الإلحاد تتنامى في أقطار عربية معينة، خاصةً تلك التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي، وإن كنا لا نملك إحصاءات دقيقة شاملة بخصوص هذا الأمر. ولكن بوسعنا أن نتساءل عن أسباب تنامي الظاهرة في بعض الأقطار العربية، وإن كان بنسبة أدنى كثيرًا من تناميها في العالم الغربي.
في العالم الغربي تطور العلم بشكل مذهل في النصف الثاني من القرن الأخير، على نحو يفوق تطوره عبر قرون عديدة مضت. ومع العلم أتت القوة والهيمنة، ومن ثم النفوذ والثروة؛ وهو ما أدى في النهاية إلى تعاظم الإيمان بسلطان العلم وقدرته اللانهائية، في مقابل تراجع الإيمان بقدرة الله؛ لأن الأسئلة التي كانت متروكة للدين أصبحت خاضعة لسلطان العلم. وقد كان من شأن هذا تنامي ظاهرة الإلحاد لدى الكثيرين، إذ وضعنا في الاعتبار أن هذا التطور العلمي المذهل لم يواكبه تطور في بناء القيم الروحية التي تصنعها الثقافة بمعناها الواسع. وربما يكون هذا العامل الأخير هو مناط اختلاف العالم الغربي عن العالم الشرقي في الهند والصين واليابان وغيرها من البلدان التي تتجذر في ثقافتها القيم الروحية (الدينية والأخلاقية بوجه خاص).
أما في المنطقة العربية، فالأمر بخلاف ذلك؛ ويمكن أن نلاحظ بعض أسباب تنامي الظاهرة هنا فيما يلي:
* هناك حالة من التشوش في الوعي الديني لدى قطاعات واسعة من المسلمين. ولقد تبدى هذا التشوش في الانقسام الذي حدث بين الناس عند انتخاب مرشحي الجماعات الدينية لاعتلاء السلطة في بعض البلدان العربية. إذ إن كثيرًا من الناس كانوا يعتقدون في مظلومية هذه الجماعات التي تريد أن تحكم بتعاليم الإسلام، وترفع الشعارات الإسلامية التي تحققها في الواقع من خلال الخدمة المجتمعية للبسطاء والفقراء من باب الرحمة والتكافل. ولكن بعد أن اعتلت بعض هذه الجماعات السلطة، اكتشف كثير من الناس أنهم قد خُدِعوا؛ لأن هذه الجماعات لم تكن تسعى سوى لاعتلاء السلطة وتمكين أفرادها، من خلال مشروع لا يؤمن بالوطن حقًّا، ولا يؤمن بالدين حقًّا إلا باعتباره وسيلة للتمكين والسلطة. ومن هنا اهتزت صورة الإسلام في وعي البعض ممن يخلطون بين حال الإسلام وحال المسلمين أو المتأسلمين.
* ومن أسباب حالة تشوش الوعي الديني انتشار شيوخ الفتنة عبر الفضائيات ممن يفتون بتأليب الشعوب ضد أوطانهم، وبإباحة القتل والذبح باسم الإسلام، والكراهية لأصحاب الديانات الأخرى كالديانة المسيحية التي أفتى كثير من شيوخ الفتنة بتكفيرهم؛ ومن ثم بعدم جواز مصافحتهم أو تهنئتهم في أعيادهم.
* وبجانب شيوخ الفتنة انتشر أيضًا عبر الفضائيات نوع آخر من الشيوخ ممن يفتقرون إلى فهم روح الدين وفقه الواقع، وراحوا يشغلون الناس بصغائر الأمور، ويسيئون فهم كبائرها، ولا يلقون بالًا لتأويل النص الديني بما يتفق مع روح الواقع الفعلي لحياة الناس، بل مع روح الدين نفسه باعتباره أخلاقيات ومعاملات إنسانية، وليس مجرد شعائر وعبادات؛ وبذلك فقد الدين روحه والغاية من وراء رسالته، وشاع بين الناس نوع من الازدواجية: يؤدون الفرائض ولا يتمثلون الدين في سلوكهم ومعاملاتهم. وهذا كله يؤدي إلى ضعف مكانة الدين والإيمان في نفوس البعض من المهيأين للتشويش العقلي.
هذه مجرد ملاحظات عامة مقتضبة، ربما تصلح كفروض للبحث والاستقصاء. ومن المؤكد أن هناك أسبابًا أخرى لتنامي الظاهرة بالإضافة إلى تلك التي ذكرناها، كما أن هناك أسبابًا أخرى تميز تنامي ظاهرة الإلحاد بين أصحاب الديانات غير الإسلامية في المنطقة العربية، خاصة الديانة المسيحية؛ ولكن استيعاب هذه الأمور جميعًا يحتاج إلى دراسات مسهبة.