أعمدة

نوافذ : «هنا..» حيث عمان

 
shialoom@gmail.com

يشكل فعل الخير؛ أحد أهم المحطات الإنسانية الفاعلة في دنيا الناس، ويقينا؛ لن يخلو أي مجتمع إنساني من هذا الفعل، على الرغم من حالات اليأس العامة التي تخيم على بعض الأذهان؛ بأن فعل الخير يتوارى بفعل تسلط المادة القاتلة على الاشتغالات اليومية لحياة الناس، وهناك من يذهب إلى الأبعد من ذلك عندما يجرد الإنسانية كلها بالحكم المطلق من أن لا خير في كثير من أنشطتهم، واجتهاداتهم، وتسابقهم على فعل الخير، وهذا أمر مبالغ فيه، مهما كانت هناك مسوغات يتكئ عليها هؤلاء البعض، فالدنيا «كما يقال» لا تزال بخير، وأهل الخير تضج بهم الحياة على امتداد الاتجاهات الأربعة للكرة الأرضية.

(هنا..) حيث عمان؛ هذه الأرض الخصبة بعطاءات أبنائها للقريب والبعيد على حد سواء، لا تزال تعيش مخاضات من أعمال الخير، ولا تزال ولاَّدة لكل خير، كيفما تكون ماهيته؛ وبما أنه مصنف ضمن هذا الخير، فهو (هنا..) مُشْتَدٌ عوده، ويؤتي أكله كل حين بفضل الله على إنسان هذا البلد الحبيب، فأينما نيمم وجوهنا نحو المشرق أو المغرب فهنا محطة للخير، وهنا مركز للخير، وهنا أنفس تواقة لفعل الخير، ولا تزال القافلة محملة بعطاءاتها التي لا تنضب، ولا يزال الخير دَفَّاقا يتقصى كل الدروب المتوغلة بين الحارات، للبحث عن فقير، أو أرملة، أو يتيم، أو مسكين، أو محتاج تقطعت به سبل ظروف الحياة اليومية، فهنا أيادٍ حانية، وهنا نفوس واهبة نفسها للعطاء، وهنا لآلئ تضيء سموات عمان معلنة عن نفسها: يا فاعل الخير أقبل، ويا محتاج لهذا الخير أقبل، ولا تزال الحالة تراوح فعلها بأنشطة جديدة، وبأفكار حديثة، لاستقطاب أكثر عدد من مثل هؤلاء.

(هنا..) حيث عمان؛ أصلت «الجمعيات الخيرية» منذ أواخر الثمانينيات مشروعات هذا العطاء، فكان لها سبق الفضل في كثير من المناخات الإنسانية، ولا تزال على قوتها، وحيويتها، وشموليتها، وكم ضربت أروع الأمثلة في الظروف الاستثنائية التي حلت على المجتمع العماني، حيث لم تنتصر لمحيطها الجغرافي (الولاية/ المحافظات) فكانت لكل الولايات ولكل المحافظات بلا استثناء، وفي أواخر التسعينيات بدأت «صناديق التكافل الخيرية» في بعض الولايات، وها هي اليوم تتناسخ لتحط رحالها في كثير من الولايات، وهي فاعلة بدرجة كبيرة، واتساقا مع التجربتين نفسهما؛ ولِما أرختا في ميدان العطاء من أفعال سامية خيرية؛ يأتي أيضا مشروعا «فك كربة» و«الوقف الخيري» كأحدث تجربتين في هذا المضمار، وإن بدتا من اسميهما؛ تتخذان نوعا من الاختصاص والتحديد، إلا أنهما في الخاتمة تصب أنهر عطائهما في الاتجاه الـ «خيري» ذاته.(هنا..) حيث عمان؛ لا يزال هذا البلد الطيب؛ يضرب أروع الأمثلة في العطاء، وفي التضحيات، وفي لم الشمل، وفي التوفيق والمصالحة بين المتنازعين، ولا تزال الأنظار؛ من القريب والبعيد؛ تَشْرَئب إليه إما باحثة عن معانٍ للإنسانية، وإما مستفيدة من التجربة، وإما مؤملة النفس في إيجاد ما لم تجده «ومن تعذر عليه الرزق فعليه بـ (عمان)» ولا يزال هذا التصالح مع الذات يتوغل بين الأنفس القريبة والبعيدة، باعثا لكل ما تجود به النفس الإنسانية الآمنة المطمئنة.