أفكار وآراء

انتصار أوربان تحذير للغرب

ترجمة ـ قاسم مكي

فوز فيكتور أوربان في انتخابات المجر (هنغاريا) من شأنه أن يقابل بالابتهاج في موسكو وبيجينج ومار- يا- لاجو (مقر إقامة دونالد ترامب) وبالإحباط في بروكسل (مقر رئاسة الاتحاد الأوروبي) وكييف.

قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المجرية يوم الأحد 3 أبريل وصف الرئيس الأوكراني أوربان بالزعيم «الوحيد تقريبا في أوروبا الذي يؤيد علنا فلاديمير بوتين».

انتقم رئيس الوزراء المجري من زيلينسكي فور إعلانه لفوزه بالحديث عنه كأحد «الخصوم» الذين هزمهم إلى جانب بيروقراطيي الاتحاد الأوروبي في بروكسل ووسائل الإعلام العالمية.

تهكُّم أوربان من زيلينسكي في اليوم الذي تكشفت فيه جرائم الحرب الوحشية ضد المدنيين الأوكرانيين غريبٌ ومستهجن حتى إذا وضعنا في الاعتبار فورة الحماس في ليلة الانتخابات. لكن يجب ألا يكون مفاجئا. ففي الماضي أثنى أوربان على بوتين لجعله روسيا «عظيمة مرة أخرى.» كما عقد اجتماعا وُدِّيا مع الرئيس الروسي في موسكو قبل فترة قصيرة من غزو أوكرانيا.

دونالد ترامب مُعجَب آخر بأوربان. ففي وقت مبكر من هذا العام أيَّد الرئيس الأمريكي السابق ترشح الزعيم المجري مجددا في الانتخابات ووصفه بالزعيم «القوي» الذي قام بعمل جبار ومدهش.

كما طوَّر أوربان أيضا علاقة خاصة مع الصين تحت قيادة شي. وكانت المجر أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تشتري لقاح «سينوفارم» الصيني ضد كوفيد -19. أيضا حالت حكومته دون إصدار بيان من الاتحاد الأوروبي ينتقد الصين حول هونج كونج.

هذا النوع من التصرفات الذي يهدف إلى لفت الانتباه يفسر السبب الذي جعل الانتخابات في المجر وهي بلد لا يزيد سكانه عن 10 ملايين نسمة أو 2% تقريبا من سكان الاتحاد الأوروبي تتخذ أهمية دولية. فأوربان بأقواله وأفعاله جعل نفسه ناطقا عالميا باسم آيديولوجية يسميها «الديمقراطية اللاليبرالية.» يعني هذا في المجر نظاما سياسيا يحافظ على مظاهر الديمقراطية وفي ذات الوقت يفرغها من معظم محتواها.

التصويت في انتخابات هذا الشهر بدا نزيها. لكن أوربان زيَّف النظام السياسي لمصلحته على مدى فترة تزيد عن عشرة أعوام بحشد المحاكم (بأنصاره) وتطهير الخدمة المدنية (من مناوئيه) والتلاعب بحدود الدوائر الانتخابية (لضمان الفوز).

فوق كل هذا كان هناك اعتداء على حرية الصحافة. فزعيم المعارضة المجرية بيتر ماركي- زاي حصل على 5 دقائق فقط من وقت إرسال التلفزيون الحكومي خلال كامل فترة الحملة الانتخابية. كما كانت كل صحف المجر مناصرة لأوربان.

هذه البيئة السياسية هي التي تفسر لماذا كانت المجر الدولة الوحيدة العضو في الاتحاد الأوروبي التي صنَّفها مركز الأبحاث فْريدُوم هاوس كدولة «حرة جزئيا» فقط.

أوربان مفضَّل لليمين المؤيد لترامب في الولايات المتحدة على الرغم من هذا السجل أو ربما بسببه. فقد وصفه ستيف بانون كبير المستشارين الاستراتيجيين السابق لدونالد ترامب بالبطل. وبثَّ تاكر كارلسون مذيع شبكة فوكس نيوز برنامجه التلفزيوني من العاصمة المجرية بودابست على مدار أسبوع في العام الماضي لكي يعرض المجر تحت زعامة أوربان كنموذج محتمل للولايات المتحدة.

يعتبر اليمين المتطرف في الولايات المتحدة أوربان نموذجا بسبب قوميته الجازمة وموقفه المتشدد تجاه اللاجئين وتبنيه الأطروحات الشعبوية حول القضايا الثقافية. فخلال حملة انتخابية مؤخرا صوَّر أوربان مشاكله مع بروكسل باعتبارها ناشئة عن رغبة الاتحاد الأوروبي في فرض «جنون جندري» على المجر.

في الحقيقة جوهر النزاع بين بروكسل وبودابست يتمثل في اتهامات ضد حكومة أوربان بأنها قوضت منهجيا حكم القانون وحولت أموال الاتحاد الأوروبي إلى محاسيبه. فأحد أصدقاء أوربان أيام الدراسة أغنى رجل في المجر الآن.

سيغذي فوز أوربان الخشيةَ في بروكسل من أن الاتحاد الأوروبي ربما تأخر أكثر من اللازم في التحرك ضده. فالديمقراطية «اللاليبرالية» تترسخ في المجر. وأوربان (58 عاما) هو الزعيم الوطني الذي قضى أطول فترة في الحكم في بلدان الاتحاد الأوروبي. وقد يظل في السلطة لسنوات عديدة قادمة. لكن رغم احتمال ابتهاج أوربان ومعجبيه العالميين وإحساسهم بصواب موقفهم سرعان ما ستصبح حياته (السياسية) أكثر تعقيدا.

كان أوربان يخطو على حبل مشدود لما يزيد عن عقد. لقد بقي في نادي الاتحاد الأوروبي متمتعا بالمنافع التي تجلبها له عضوية الاتحاد في الاستثمار والدعومات المالية وتعزيز الأمن والنفوذ الدبلوماسي. وفي الوقت ذاته تودَّدَ إلى الشخصيات القوية المعادية للاتحاد الأوروبي مثل بوتين وترامب وشي.

غزو روسيا لأوكرانيا سيجعل حفاظ أوربان على هذا التوازن أكثر صعوبة. فباقي بلدان الاتحاد الأوروبي تعبئ نفسها ضد بوتين وهي مدفوعة بمزيج من الغضب والخوف. لذلك من المرجح أن ينحسر تسامحها بشدة مع «تدليس» أوربان بشأن روسيا. وكما قال زيلينسكي ربما سيلزم الزعيم المجري قريبا أن يختار.

حتى وقت ليس بعيدا أنقذت الحكومة البولندية أوربان من العزلة داخل الاتحاد الأوروبي. لقد اصطدمت هي أيضا ببروكسل حول قضايا تتعلق بحكم القانون. لكن البولنديين يقودون دعوة إلى اتخاذ إجراء أشد قسوة ضد روسيا. كما أفصحوا عن عدم سعادتهم من أوربان. وربما يفكرون في التوصل إلى تسوية مع بروكسل لمصلحة وحدة الاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا.

بعد انتصاره الانتخابي ادعى أوربان، كما كان يفعل كثيرا في الماضي، أن نمط «المحافظة غير الليبرالية» التي يعتنقها تمثل مستقبل أوروبا. هذا تحدٍّ لبقية بلدان الاتحاد الأوروبي ويجب أن تتعامل بجدية بالغة معه في وقت يرتكب فيه قومي مستبد آخر جرائمَ حربِ على الحدود الشرقية للمجر.

لكن عزلة المجر المتزايدة في الاتحاد الأوروبي توجِد فرصة يجب انتهازها لممارسة ضغطٍ تأخر كثيرا على أوربان.

جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز