عندما تصبح الحصانة.. معقولة المعنى
الاحد / 8 / رمضان / 1443 هـ - 20:12 - الاحد 10 أبريل 2022 20:12
تكتسب بعض المهن حصانة لضروريات الممارسة، وتحددها مجموعة من النظم والقوانين كالحصانة الصحفية، وهي المتحققة عبر الإيمان بأهمية مواثيق الشرف الصحفية أو الإعلامية مع أن مواثيق الشرف لا تحقق حصانة لمنتميها بصورة لا تقبل النقاش، وإنما على المنتمين لها أن تتوفر فيهم أمانة المسؤولية، ومصداقية الكلمة، وسمو الخلق، وحيادية الأداء.
يتم الحديث كثيرا عن الحصانة بأنواعها، وعن أهميتها، وعن مآلاتها، وعن المعنيين بها، وعن من يهمهم أمر تنفيذها، وفي كل هذا التطواف من الحديث، والتعليل والتفسير، إلا أن المفردة بمعناها التنفيذي لا تعيش واقعا يتوازى مع هذا التنظير المتراكم حول حقيقتها، وإنما المسألة خاضعة كثيرا للظروف الآنية، وللأحوال المختلفة، وللأحداث المستجدة، وبالتالي فـ'الحصانة' سواء الدبلوماسية، أو البرلمانية، أو السيادية، أو الصحفية، أو الأخلاقية، أو الصحية، في الخاتمة تبقى مجرد 'ختم' رسمي، لا يعني الكثير للكثيرين، وإن توشح به البعض كنوع من التميز، أو التفاخر، أو التهرب من سلطة القانون، وبذلك ينظر إلى الحصانة على أنها واحدة من المسوقات أو المبررات التي يتوارى خلفها أصحاب المصالح، لتحقيق ما لم يتحقق بالطرق التقليدية المباشرة، ولذلك يمكن القول: إن الحصانة واقعة في مأزق الاستغلال ممن شرفوا بأن يكونوا محصنين، فأساؤوا إلى الحصانة ولم يحسنوا، وبالتالي فهي الأخرى أن تحسن الظن بحاملها، إلا الاستثناء.
ما معنى أن تكون محصنا؟ سؤال أبتدئ به مناقشة هذا الموضوع، فالمعنى هنا يتشعب كثيرا، ويقبل الكثير من التفاسير، وذلك بسبب أَنَّ من الحصانة ما هو أمر مفروض بالمطلق، وهو ما يندرج تحت مسميات مهنية 'وظيفية' كالحصانة الدبلوماسية شائعة الصيت، ومنها الحصانة البرلمانية والتي لا تقل عن سابقتها حضورا اجتماعيا، وليس شرطا أن يكون حضورا واعيا، ويأتي في ذات السياق الحصانة القضائية، ومنها أيضا الحصانة السيادية وهي الخاصة بالدول، والكيانات السياسية والتنموية الأخرى، وأما الحصانة غير المفروضة بالمطلق يندرج تحتها الحصانة الأخلاقية وهي النابعة من الفطرة، وهي موضوعية أكثر منها إجرائية، إلا إذا خرج السلوك أو الممارسة عن حدود الأخلاق والذوق العام، ومعنى أن تكون محصنا: أن لا يطولك القانون بصورة مباشرة، حيث تكون لك مساحة خاصة تتحرك فيها، دون أن تتعرض للسؤال: لماذا أنت هنا؟
لعل من أهم الحصانات على الإطلاق هي الحصانة السيادية للدول، والتي تعرف بـ'الحصانة السيادية وهي أحد أهم المبادئ الراسخة في القانون الدولي العام، وتعني عدم جواز خضوع دولة بغير إرادتها، لقضاء دولة أخرى. فلا يجوز لدولة ذات سيادة أن تفرض سلطتها القضائية على دولة أخرى ذات سيادة، إذ لا توجد دولة تملك الحق قضائيًا وقانونيًا في الحكم على أفعال دولة أخرى، وذلك استنادًا إلى مبدأ الاستقلال بين الدول، وبالتالي فإن فرض إحدى الدول سيادتها على دولة أخرى يعد انتهاكًا وإخلالاً بمبدأ السيادة' د. سعود بن عبدالله العماري، مقال (الفرق بين الحصانة السيادية والحصانة الدبلوماسية) جريدة الشرق الأوسط؛ 30/10/2016م، العدد (13851).
وتأتي هذه الأهمية أن أكثر الدول بثقلها الإنساني والحضاري يجب أن تبقى على هيبتها، ومكتسباتها، وما تنجزه في المشروع الإنساني، وبالتالي لن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال أن تتنمر أي دولة من الدول، أو أن تتسيد على كل هذا انطلاقا من عنجهيتها، وفوضوية من يقودها من المارقين من قادتها للقوانين، والنظم، والدساتير الدولية، والإنسانية على حد سواء، حتى لا تظل سيادات الدول أمرا مشاعا تولغ فيه الكلاب الضالة تحت مسميات العدالة.
تمثل الحصانة الدبلوماسية أحد الاستحقاقات المهمة للعاملين في السلك الدبلوماسي، ولذلك فأي دبلوماسي تؤول الحصانة إليه يشرع في ممارسة المهمات والمسؤوليات المتعلقة بهذا السلك كما هو الشائع؛ لكن هل تصل الحصانة بالدبلوماسي، أو الدبلوماسية إلى الاصطفاف في مستوى الإنجاز للمهمات والمسؤوليات الموكلة إلى صاحبها بصورة مطلقة، وبأداء متميز لا يتسع لطرح الأسئلة عن أي تقصير، ولو في مستواه المعتاد؟ تظل الإجابة بالنفي، لأن الحصانة في حالتها العامة 'غير معقولة المعنى' كما هو الفهم عند البعض، بمعنى أن حاملها لا يدرك ماهيتها أكثر من أنها حالة أو صورة معنوية يتلبسها لتجاوز محطات المراقبة، أو السؤال حيث لا مساءلة على الدبلوماسي، حتى يعود إلى بلده الأم، وليس للدولة المضيفة الحق في طرح أي سؤال عليه، حيث يحمل حصانة دبلوماسية، ولذلك انتهكت الأعراض والدماء تحت مسميات الحصانة الدبلوماسية، وقد سمعنا الكثير من القصص عندما تعمد الحصانة الدبلوماسية إلى ارتكاب الحماقات، وبيع الذمم، والتجرد من كثير مما يوشي إلى انتهاك الحرمات، ويصل الجميع مما شملتهم الحصانة الدبلوماسية إلى بر الأمان كخاتمة لمثل هذه الممارسات، وهذه الصورة أعلاه ليست بالمطلق المحض، فهناك من انخرط في العمل الوطني، فكانوا بسمو حصانتهم، وهؤلاء القلة يتشاركون أيضا مع البعض من كبار المسؤولين، وأصحاب الوجاهات المختلفة، الذين تشملهم الحصانات المختلفة أيضا بحكم مواقعهم الوظيفية، أو الوجاهية.
تحجز الحصانة البرلمانية لها مكانا حيويا في أنفس البرلمانيين، ربما أكثر من الدبلوماسيين، لأن كمية الإفصاح أو التنظير الذي يكون عند البرلمانيين أكثر بكثير من عند الدبلوماسيين، فالدبلوماسي معروف عنه أنه قليل الكلام، وقليل التفاعل، بالإضافة إلى تميزه بالمناورة اللفظية، وعليك كمحاور لدبلوماسي أن تجتهد أكثر في الفهم لتفتش ما تتضمنه ما خفي من المعاني من تحت السطور، ولذلك فالحصانة عنده آمنة مطمئنة، بخلاف البرلماني الذي يتكئ عليها اتكاء رئيسيا لوقوعه في مزالق التنظير، وقد يغلب عليه حماس المناظرات فيذهب بعيدا عن حصانته الموضوعية، وقد يتعرض إلى ما قبل الحصانة الإجرائية، وهذا أمر لو وصل إليه فيه خطورة كبيرة على مستقبله البرلماني، ومع ذلك فالحصانة البرلمانية تعيش ظروفا صعبة عند المنتمين إليها لحجم التهويل والتأويل الذي يشار به إلى البرلمانيين على وجه الخصوص، إلا القلة منهم، ومن هنا يأتي اتهامهم بالتقصير من قبل الجمهور العام، حيث وقع بعض البرلمانيين في مصيدة حصانتهم، فوظفوها توظيفا غير موفق إلى حد بعيد، ولعلهم تناسوا قبل أن تتلبسهم الحصانة البرلمانية أنهم أطلقوا وعودا كثيرة، وكبيرة لمنتخبيهم، فإذا بهم يخلون بالوعد، ويتناسون أنهم عما قريب سيكونون أمام فوهات صناديق الاقتراع من جديد، حيث لا حصانة لهم حينها فماذا هم فاعلون؟
تأتي الحصانة الأخلاقية وهي أم كل المفاهيم التي تندرج تحت مفهوم الحصانة، وهي معقولة المعنى، لأن نتائجها معروفة، وتداعياتها أيضا معروفة، وإن هي انقسمت بين فطرية المنشأ، أو مكتسبة السلوك الاجتماعي، كأهم أداة لمفهوم الحصانة، وتكتسب أهميتها من الأثر الذي تتركه على مساحات التفاعل الاجتماعي في كل البيئات الإنسانية بلا استثناء، فأنت في بيئتك 'الوطن' بأخلاقك، وأنت في بيئات الآخرين 'الوطن البديل' بأخلاقك، وأنت في بيئتك الفقيرة أينما كنت بأخلاقك، وأنت في بيئتك الغنية أينما كنت بأخلاقك، ولن يضار أحد تمسك بأخلاقه الرفيعة في أي موقف صعب تمتحن فيه الإرادة الذاتية، فالصدق لن يكون مهلكا لصاحبه، وكذلك الأمانة، وكذلك الشجاعة العاقلة، وكذلك الكرم، وكذلك كف اللسان واليد على حد سواء، وهذه في مجملها تنظمها الحصانة الأخلاقية، ومن هنا تأتي مختلف البرامج التربوية التي تحرص عليها الأسر، وفي المناهج الدراسية، والمجتمع ككل، لكي تعزز من الحصانة الأخلاقية، للإيمان الراسخ عند الجميع من أن لا مخرج من الوقوع في إشكاليات مجتمعية كثيرة إلا الحصانة الأخلاقية.
تكتسب بعض المهن حصانة لضروريات الممارسة، وتحددها مجموعة من النظم والقوانين كالحصانة الصحفية، وهي المتحققة عبر الإيمان بأهمية مواثيق الشرف الصحفية أو الإعلامية، وكذلك بعض المهن التي تخضع لـ'بروتوكولات معينة' مع أن هذه: مواثيق الشرف، والبروتوكولات الإدارية لا تحقق حصانة لمنتميها بصورة لا تقبل النقاش، وإنما على المنتمين لها أن تتوفر فيهم أمانة المسؤولية، ومصداقية الكلمة، وسمو الخلق، وحيادية الأداء، وبالتالي فمتى تعزز الواحد بهذه المبادئ والصفات، كان ذلك حصنا له من الوقوع في مطب الأخطاء، ونجا من المساءلة الإجرائية الشبيهة بـ'الحصانة الإجرائية' وفق التعريف العلمي لها، مع أن هذا النوع من الحصانة إن تجوز التسمية لا تخضع لـ 'الحصانة الموضوعية' عند الممارسة، ومعنى ذلك فكل ما يصدر من أخطاء من أصحاب هذه المهن، هم معرضون للمساءلة الإجرائية ولو على مستوى مؤسساتهم التي ينتمون إليها، ولن يغض الطرف عنهم، بأي حال من الأحوال، ولكم عايشنا هذا النوع من المساءلات في الحقل الصحفي على سبيل المثال.
يتم الحديث كثيرا عن الحصانة بأنواعها، وعن أهميتها، وعن مآلاتها، وعن المعنيين بها، وعن من يهمهم أمر تنفيذها، وفي كل هذا التطواف من الحديث، والتعليل والتفسير، إلا أن المفردة بمعناها التنفيذي لا تعيش واقعا يتوازى مع هذا التنظير المتراكم حول حقيقتها، وإنما المسألة خاضعة كثيرا للظروف الآنية، وللأحوال المختلفة، وللأحداث المستجدة، وبالتالي فـ'الحصانة' سواء الدبلوماسية، أو البرلمانية، أو السيادية، أو الصحفية، أو الأخلاقية، أو الصحية، في الخاتمة تبقى مجرد 'ختم' رسمي، لا يعني الكثير للكثيرين، وإن توشح به البعض كنوع من التميز، أو التفاخر، أو التهرب من سلطة القانون، وبذلك ينظر إلى الحصانة على أنها واحدة من المسوقات أو المبررات التي يتوارى خلفها أصحاب المصالح، لتحقيق ما لم يتحقق بالطرق التقليدية المباشرة، ولذلك يمكن القول: إن الحصانة واقعة في مأزق الاستغلال ممن شرفوا بأن يكونوا محصنين، فأساؤوا إلى الحصانة ولم يحسنوا، وبالتالي فهي الأخرى أن تحسن الظن بحاملها، إلا الاستثناء.
ما معنى أن تكون محصنا؟ سؤال أبتدئ به مناقشة هذا الموضوع، فالمعنى هنا يتشعب كثيرا، ويقبل الكثير من التفاسير، وذلك بسبب أَنَّ من الحصانة ما هو أمر مفروض بالمطلق، وهو ما يندرج تحت مسميات مهنية 'وظيفية' كالحصانة الدبلوماسية شائعة الصيت، ومنها الحصانة البرلمانية والتي لا تقل عن سابقتها حضورا اجتماعيا، وليس شرطا أن يكون حضورا واعيا، ويأتي في ذات السياق الحصانة القضائية، ومنها أيضا الحصانة السيادية وهي الخاصة بالدول، والكيانات السياسية والتنموية الأخرى، وأما الحصانة غير المفروضة بالمطلق يندرج تحتها الحصانة الأخلاقية وهي النابعة من الفطرة، وهي موضوعية أكثر منها إجرائية، إلا إذا خرج السلوك أو الممارسة عن حدود الأخلاق والذوق العام، ومعنى أن تكون محصنا: أن لا يطولك القانون بصورة مباشرة، حيث تكون لك مساحة خاصة تتحرك فيها، دون أن تتعرض للسؤال: لماذا أنت هنا؟
لعل من أهم الحصانات على الإطلاق هي الحصانة السيادية للدول، والتي تعرف بـ'الحصانة السيادية وهي أحد أهم المبادئ الراسخة في القانون الدولي العام، وتعني عدم جواز خضوع دولة بغير إرادتها، لقضاء دولة أخرى. فلا يجوز لدولة ذات سيادة أن تفرض سلطتها القضائية على دولة أخرى ذات سيادة، إذ لا توجد دولة تملك الحق قضائيًا وقانونيًا في الحكم على أفعال دولة أخرى، وذلك استنادًا إلى مبدأ الاستقلال بين الدول، وبالتالي فإن فرض إحدى الدول سيادتها على دولة أخرى يعد انتهاكًا وإخلالاً بمبدأ السيادة' د. سعود بن عبدالله العماري، مقال (الفرق بين الحصانة السيادية والحصانة الدبلوماسية) جريدة الشرق الأوسط؛ 30/10/2016م، العدد (13851).
وتأتي هذه الأهمية أن أكثر الدول بثقلها الإنساني والحضاري يجب أن تبقى على هيبتها، ومكتسباتها، وما تنجزه في المشروع الإنساني، وبالتالي لن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال أن تتنمر أي دولة من الدول، أو أن تتسيد على كل هذا انطلاقا من عنجهيتها، وفوضوية من يقودها من المارقين من قادتها للقوانين، والنظم، والدساتير الدولية، والإنسانية على حد سواء، حتى لا تظل سيادات الدول أمرا مشاعا تولغ فيه الكلاب الضالة تحت مسميات العدالة.
تمثل الحصانة الدبلوماسية أحد الاستحقاقات المهمة للعاملين في السلك الدبلوماسي، ولذلك فأي دبلوماسي تؤول الحصانة إليه يشرع في ممارسة المهمات والمسؤوليات المتعلقة بهذا السلك كما هو الشائع؛ لكن هل تصل الحصانة بالدبلوماسي، أو الدبلوماسية إلى الاصطفاف في مستوى الإنجاز للمهمات والمسؤوليات الموكلة إلى صاحبها بصورة مطلقة، وبأداء متميز لا يتسع لطرح الأسئلة عن أي تقصير، ولو في مستواه المعتاد؟ تظل الإجابة بالنفي، لأن الحصانة في حالتها العامة 'غير معقولة المعنى' كما هو الفهم عند البعض، بمعنى أن حاملها لا يدرك ماهيتها أكثر من أنها حالة أو صورة معنوية يتلبسها لتجاوز محطات المراقبة، أو السؤال حيث لا مساءلة على الدبلوماسي، حتى يعود إلى بلده الأم، وليس للدولة المضيفة الحق في طرح أي سؤال عليه، حيث يحمل حصانة دبلوماسية، ولذلك انتهكت الأعراض والدماء تحت مسميات الحصانة الدبلوماسية، وقد سمعنا الكثير من القصص عندما تعمد الحصانة الدبلوماسية إلى ارتكاب الحماقات، وبيع الذمم، والتجرد من كثير مما يوشي إلى انتهاك الحرمات، ويصل الجميع مما شملتهم الحصانة الدبلوماسية إلى بر الأمان كخاتمة لمثل هذه الممارسات، وهذه الصورة أعلاه ليست بالمطلق المحض، فهناك من انخرط في العمل الوطني، فكانوا بسمو حصانتهم، وهؤلاء القلة يتشاركون أيضا مع البعض من كبار المسؤولين، وأصحاب الوجاهات المختلفة، الذين تشملهم الحصانات المختلفة أيضا بحكم مواقعهم الوظيفية، أو الوجاهية.
تحجز الحصانة البرلمانية لها مكانا حيويا في أنفس البرلمانيين، ربما أكثر من الدبلوماسيين، لأن كمية الإفصاح أو التنظير الذي يكون عند البرلمانيين أكثر بكثير من عند الدبلوماسيين، فالدبلوماسي معروف عنه أنه قليل الكلام، وقليل التفاعل، بالإضافة إلى تميزه بالمناورة اللفظية، وعليك كمحاور لدبلوماسي أن تجتهد أكثر في الفهم لتفتش ما تتضمنه ما خفي من المعاني من تحت السطور، ولذلك فالحصانة عنده آمنة مطمئنة، بخلاف البرلماني الذي يتكئ عليها اتكاء رئيسيا لوقوعه في مزالق التنظير، وقد يغلب عليه حماس المناظرات فيذهب بعيدا عن حصانته الموضوعية، وقد يتعرض إلى ما قبل الحصانة الإجرائية، وهذا أمر لو وصل إليه فيه خطورة كبيرة على مستقبله البرلماني، ومع ذلك فالحصانة البرلمانية تعيش ظروفا صعبة عند المنتمين إليها لحجم التهويل والتأويل الذي يشار به إلى البرلمانيين على وجه الخصوص، إلا القلة منهم، ومن هنا يأتي اتهامهم بالتقصير من قبل الجمهور العام، حيث وقع بعض البرلمانيين في مصيدة حصانتهم، فوظفوها توظيفا غير موفق إلى حد بعيد، ولعلهم تناسوا قبل أن تتلبسهم الحصانة البرلمانية أنهم أطلقوا وعودا كثيرة، وكبيرة لمنتخبيهم، فإذا بهم يخلون بالوعد، ويتناسون أنهم عما قريب سيكونون أمام فوهات صناديق الاقتراع من جديد، حيث لا حصانة لهم حينها فماذا هم فاعلون؟
تأتي الحصانة الأخلاقية وهي أم كل المفاهيم التي تندرج تحت مفهوم الحصانة، وهي معقولة المعنى، لأن نتائجها معروفة، وتداعياتها أيضا معروفة، وإن هي انقسمت بين فطرية المنشأ، أو مكتسبة السلوك الاجتماعي، كأهم أداة لمفهوم الحصانة، وتكتسب أهميتها من الأثر الذي تتركه على مساحات التفاعل الاجتماعي في كل البيئات الإنسانية بلا استثناء، فأنت في بيئتك 'الوطن' بأخلاقك، وأنت في بيئات الآخرين 'الوطن البديل' بأخلاقك، وأنت في بيئتك الفقيرة أينما كنت بأخلاقك، وأنت في بيئتك الغنية أينما كنت بأخلاقك، ولن يضار أحد تمسك بأخلاقه الرفيعة في أي موقف صعب تمتحن فيه الإرادة الذاتية، فالصدق لن يكون مهلكا لصاحبه، وكذلك الأمانة، وكذلك الشجاعة العاقلة، وكذلك الكرم، وكذلك كف اللسان واليد على حد سواء، وهذه في مجملها تنظمها الحصانة الأخلاقية، ومن هنا تأتي مختلف البرامج التربوية التي تحرص عليها الأسر، وفي المناهج الدراسية، والمجتمع ككل، لكي تعزز من الحصانة الأخلاقية، للإيمان الراسخ عند الجميع من أن لا مخرج من الوقوع في إشكاليات مجتمعية كثيرة إلا الحصانة الأخلاقية.
تكتسب بعض المهن حصانة لضروريات الممارسة، وتحددها مجموعة من النظم والقوانين كالحصانة الصحفية، وهي المتحققة عبر الإيمان بأهمية مواثيق الشرف الصحفية أو الإعلامية، وكذلك بعض المهن التي تخضع لـ'بروتوكولات معينة' مع أن هذه: مواثيق الشرف، والبروتوكولات الإدارية لا تحقق حصانة لمنتميها بصورة لا تقبل النقاش، وإنما على المنتمين لها أن تتوفر فيهم أمانة المسؤولية، ومصداقية الكلمة، وسمو الخلق، وحيادية الأداء، وبالتالي فمتى تعزز الواحد بهذه المبادئ والصفات، كان ذلك حصنا له من الوقوع في مطب الأخطاء، ونجا من المساءلة الإجرائية الشبيهة بـ'الحصانة الإجرائية' وفق التعريف العلمي لها، مع أن هذا النوع من الحصانة إن تجوز التسمية لا تخضع لـ 'الحصانة الموضوعية' عند الممارسة، ومعنى ذلك فكل ما يصدر من أخطاء من أصحاب هذه المهن، هم معرضون للمساءلة الإجرائية ولو على مستوى مؤسساتهم التي ينتمون إليها، ولن يغض الطرف عنهم، بأي حال من الأحوال، ولكم عايشنا هذا النوع من المساءلات في الحقل الصحفي على سبيل المثال.