الثقافة

تقريب وجهات النظر في قضية تحمل آراءً متباينة.. تحويل النصوص الأدبية إلى أعمال مسرحية.. تأليف أم إعداد.. وما هو الدراماتورج؟!

صثببثب
 
صثببثب
استطلاع - عامر بن عبدالله الأنصاري تختلط أحيانا معنى «التأليف المسرحي» أو «الإعداد المسرحي»، في حالة كانت الفكرة مستقاة من نص أدبي، رواية كانت أم فصلًا من فصولها أم قصة، وفي حديث دار بيني وبين الزميل المخرج المسرحي «طاهر الحراصي» حول هذا الموضوع، إذ به يطرح اختلافًا آخر بين المسرحيين بمعنى مصطلح «الدراماتورج» الذي يدخل أحيانا في معنى الإعداد المسرحي والتأليف المسرحي، فكيف يرى المسرحيون هذه المصطلحات الثلاثة بناء على وجهات نظرهم وخبراتهم في المجال المسرحي. تأليف وإعداد واقتباس [caption id='attachment_817290' width='771'] الشاعر عبدالرزاق الربيعي[/caption] بداية تحدث الكاتب المسرحي والشاعر عبدالرزاق الربيعي عن الموضوع قائلا: «لابد من التنبيه في البداية أن إلى جانب التأليف، والاعداد هناك اشتغال ثالث هو الاقتباس، طبعا التأليف معروف، وقيام كاتب باستلهام حدث من التاريخ أو قصة من الموروث الشعبي مع الاهتمام بإسقاطات الماضي على الظرف المعاصر، وبذلك يكون قد أخذ من الحدث الإطار العام وقام بتوظيفه دراميا، وهذا لا يعني أنه قام بإعدادها للمسرح، بل هو تأليف، لأنه سيعيد صياغة الحكاية، أو الحدث بقالب مسرحي، عاكسا رؤيته، ولو فحصنا نتاج شكسبير المسرحي، لرأينا كل أعماله استلهمها من حوادث تاريخية، ووقائع سبق أن كتب عنها كتاب آخرون سبقوه، كعطيل وروميو وجوليت والملك لير، فهل نعتبر ما قام به شكسبير إعدادًا؟ بالتأكيد لا، ففي المسرح تلعب الحبكة الدرامية والحوار، ورؤية الكاتب دورا في ذلك، لذا فما يكتبه يوضع في خانة التأليف». وتابع الربيعي قائلا: «أما الإعداد فغالبا ما يكون عن قصة يجري تحويلها إلى عرض مسرحي، أو رواية، وينبغي وضع إشارة للمصدر، في بروشور العرض كحق أدبي، أما بخصوص الاقتباس، ففي بعض الحالات يعيد مخرج قراءة نص مسرحي كلاسيكي معروف، ويعمل على خلخلة تركيب أحداثه، وفق رؤيته، ويحذف من زمن عرضه، ويكيّفه لعرضه، مع مراعاة العادات والتقاليد التي قد لا تلائم البيئة التي يعرض فيها النص الأصلي، إلى جانب الظروف الثقافية والاقتصادية، لذا يكون قد اقتبس من النص الأصلي، مع ضرورة الإشارة إلى ذلك». وحول تباين المصطلحات بين المسرحيين قال الربيعي: «نعم، كثيرا ما يحدث هذا الخلط، فيقوم المخرج بالاشتغال على نص بالحذف، والتعديل، وهذا جزء من اشتغاله، فالمخرج يعيد إنتاج النص وفق رؤيته، وظروف عرضه، لكنه في الكثير من الأحيان، يكتب اسمه معدّا، ويغيّب اسم المؤلف الأصلي!! وهذا اعتداء على حقّ المؤلف الأدبي، لذا يجب أن يكتب اسم المؤلف الأصلي، ومن ثم اسم الذي قام بالإعداد». وفيما يتعلق بتعريف الربيعي للدراماتورج قال: «في السابق كانت صفة (الدراماتورج) تطلق على من يقوم بعملية التأليف الدرامي، ويعد الكاتب الألماني غوتولد لسنغ الذي عاش في القرن الثامن عشر أول دراماتورج في العصر الحديث، ثم قام بريخت بإعداد مسرحيات كلاسيكية بشكل حديث وتحليل النصوص، ثم تفرّع عمل الدراماتورج إلى الإخراج، والإنتاج، وإعداد الممثل، والسينوغرافيا، والنقد، فصار الدراماتورج هو الذي ينظّر للعرض المسرحي ككلّ، وسؤالك يندرج ضمن دراماتورج المنصة الذي يقوم بإعداد النص بالتعاون مع المخرج والممثل والسينوغراف، وقد يقوم به أثناء التحضير للعمل فقط، أو يستمر به خلال التدريبات أيضاً، وهناك حالات يقوم فيها الدراماتورج بكتابة النص من خلال ورشة عمل، كما رأينا في عرض (عطسه) المقتبس عن قصة لغوغول، الفائز بجائزة مهرجان الدن للمسرح العربي ٢٠١٨، إذ قام المخرج الكويتي عبدالله الحكماني بعمل ورشة لكتابة النص، وكان العرض نتاج هذه الورشة». قواعد واضحة تماما   [caption id='attachment_817292' width='800'] عماد الشنفري[/caption] أما الكاتب والمخرج المسرحي الدكتور عماد الشنفري فقد قال: «هناك فرق بين مسألة الإعداد، والتأليف، ويمكن تعريف التأليف بأنه أي عمل تقوم من خلاله بالكتابة، ولكن يعتمد الأمر على عدة أمور، ومنها هل الفكرة مقتبسة، أو فكرة وتأليف للموضوع برمته، بالتالي أي اقتباس من رواية أو قصة وتحويله إلى عمل مسرحي هو تأليف مقتبس، مشروط بذكر انه مقتبس من الرواية الفلانية أو القصة الفلانية، هذه حقوق يجب أن تُعطى لصاحبها، أما الإعداد فهو شأن آخر، وغالبا ما يكون الإعداد على النص المسرحي جاهز، بحيث يتم إعداد النص بما يتوافق مع ثقافة البلد والذوق العام والمحاذير والقوانين المحيطة، ولماذا أسمي الاقتباس تأليفا، لأن هناك عملية كتابة وصنع شخوص وسيناريو وحوار من خيال كاتب، وهو المؤلف بطبيعة الحال». وأضاف الدكتور عماد: «بمناسبة السؤال عن التباين بوجهات نظر المسرحين بهذا الخصوص، أعتقد لا يوجد تباين في وجهات النظر، فهذه قواعد واضحة تماما، يعني مسألة الاقتباس، والفكرة، والحقوق، كلها أمور لا يجب أن يتباين حولها المسرحيون». وحول مصطلح الدراماتورج قال الشنفري: «الدراماتورج مصطلح ظهر في العقد الأخير من المجال الفني بالسلطنة، ومهمة الدراماتورج أشبه بمهمة الخبير أو العين الثالثة التي ترى العرض وتُفند الشخصيات وتحللها، وأحيانا تتدخل في الإخراج والرؤية الفنية وتعطي رؤيتها للمخرج وطاقم العمل، وأنا استعنت بالدراماتورج في عدة أعمال، وأرى أن وجوده أمر ممتاز وإضافة قيمة للعمل من خلال تقديم رؤيته ونصائحه لطاقم العمل، وبعض المخرجين في الحداثة يقدمون عرضهم المسرحي لمجموعة مختارة من الجمهور، ومن ثم يتم الجلوس مع هؤلاء الجمهور وأخذ رأيهم على العرض وبالتالي التعديل على الأخطاء وتطبيق الرأي السديد منهم، وهنا يقوم هذا الجمهور النخبوي بدور الدراماتورج». التأليف نتاج تأثير   [caption id='attachment_817293' width='864'] بدر النبهاني[/caption] وبدوره قال الناقد المسرحي بدر النبهاني: «إن إبداع نصٍ بشخصياته وصراعه وحبكته؛ مَلَكَة لو أن الله وضعها في إنسان؛ فإنه قد حباه بِسمة تميزه بشكل كبير عن سائر البشر، مع أننا في قرارة نفوسنا، ندرك تمامًا أن التأليف لا يمكن إلا أن يبنى على تأثر معين، ثم تسهم ثقافة الكاتب مما قرأه، وشاهده في إثراء ذلك النص، بإدراكنا لهذا الأمر فإننا نسلم بأن العملية التي يقوم بها المؤلف الذي وجد في قصة، أو رواية ضالته في الكتابة، وأدرك أن موضعها من الأهمية بما كان ليقدمه في قناة ثقافية كالمسرح؛ هي عملية يسلم فيها الكاتب بأن المسرح أقوى من باقي القنوات في خلق ذلك التيار الهائل من التأثير عندما يتفجر الحدث أمام المتفرج حيًا مشاهدًا، وتجتمع حواسه كلها لتخدم الدهشة التي تؤثر فيه وتجعله يفكر، فإن كان الكاتب مؤمنًا بذلك؛ فتلك عملية بلاشك تصب في صالح الثقافة ودورها في تنوير المجتمع، أما لو أنه وجد في تلك الرواية ما يخلصه من شقاء التفكير وعناء الإبداع؛ فإنك ستشتم كل ذلك الكسل في كتابته، ولعل هذا الأمر هو ما يخلق التباين بين المسرحيين في نظرتهم إلى هذا المؤلف، مع أن الجميع يقدر كل الجهود التي تبذل لإثراء المسرح». وتابع النبهاني حديثه قائلا: «هذه العملية جزء من عمل الدراماتورج الذي لا يقتصر على تحويل نص من الأدب القصصي إلى المسرح، بل أنه يمتد إلى دراسة حال الجمهور على مختلف الأصعدة الزمانية والمكانية والاجتماعية..الخ، فالمؤلف الدراماتورج هو ذلك العنصر الشبيه بالزئبق في ولوجه إلى كل تلك التفاصيل ليدرسها بعمق، ويجليها بحكمة، ويقدمها في قالب متماسك، وبلا شك أن اقتناصه لنص قصصي، أو شعري، وتغيير بنيته السردية إلى بنية حوارية بصراع متوازن، مراعيًا زمان ومكان الفعل المسرحي ومراعيًا التكوين الديموغرافي للمتلفرج؛ لهو إنجاز وإبداع في حد ذاته». «كسلنا كمسرحيين»   [caption id='attachment_817291' width='1053'] حسين العلوي[/caption] أما المخرج المسرحي حسين العلوي فقال متحدثا عن الموضوع: «التأليف هو إبداع معنى من خلال فكرة أو مجموعة من الأفكار تبنى في قالب أدبي أو فني مثل القصة والرواية والقصيدة والنص المسرحي وحتى اللحن الموسيقي، أما الإعداد فهو تحويل هذه القوالب إلى أشكال إبداعية أخرى كالفيلم أو المسلسل أو الأوبرا أو العرض المسرحي أو قطعة موسيقية أوغيرها من الأشكال الإبداعية، والعرض المسرحي هو عمل إبداعي فني جمالي له أدواته واشتراطاته حتى وإن كان منطلقه النص مسرحي فيلزم هذا النص أن يخضع لاشتراطات الفرجة المسرحية، فيمر بعملية تفكيك وبناء بهدف توليد المعنى، يتدخل في إحداث هذه العملية عناصر العرض المسرحي كالحركة والتعابير الجسدية والديكور والموسيقى والألوان والإضاءة والحوارات، أي أن النص يمر بعملية إعداد ليتحول إلى عرض مسرحي يحقق فرجة مسرحية، ومن هذا المفهوم فبالإمكان إخضاع أجناس أدبية كثيرة وتحويلها إلى عرض مسرحي وتبقى ميزة النص المسرحي أنه أقرب هذه الأجناس إلى العرض المسرحي، وأود هنا أن أشير إلى أن زيادة الوعي والمطالعة بالأجناس الأدبية الأخرى كالرواية والقصة سيساعد في إنتاج عروض مسرحية أكثر واستلهام أفكار متنوعة إلا أن كسلنا كمسرحيين هو الذي جعلنا نركن فقط على النص المسرحي وتحويله إلى عرض مسرحي ظنا منا أن النص المسرحي هو عرض مسرحي جاهز!». وحول تباين الآراء قال: «باعتقادي هذه مسألة لا تحتاج تباين، فمن فهم المسرح وتعلمه يعلم كيف فجرت الأساطير اليونانية والحكايات الشعبية القديمة عروضا مسرحية تعتبر مرجعا تاريخيا للمسرح وبدايات حقيقية لظهور المسرح وانتشاره منذ ما قبل الميلاد». وفي تعريف الدراماتورج قال العلوي: «ربما يقوم الدراماتورج بجزء من العملية كالبحث في تاريخية النص وتداعيات أفكاره وحالة الوعي الاجتماعية المحيطة بالنص ومفاهيمه، إلا أن التحويل والتشكيل إلى عرض مسرحي تعتمد على المخرج كمنتج رئيسي للفرجة المسرحية، ومهمة الدراماترورج معقدة ومتشعبة جدا بل حتى أن تعريفها متباين بين المدارس الأوروبية الفرنسية والألمانية والبريطانية، وفي بحث الدكتور مؤيد حمزة بعنوان (تطور مفهوم الدراماتورجيا ووظائفها في المسرح الأوروبي) يقول: (... هناك أوجها كثيرة لمهنة الدراماتورج التي يمكن وضعها في قائمة طويلة بعد أن تستخلص من مجموعة من التعاريف، مع التنويه بأنه لا يمكن أن يتفق كل تعريف منها على جميع هذه المهمات)، وبالرجوع لمختلف التعريفات التي تعرف الدراماتورج فهي تدرج قائمة من المهام يقوم بها منها مستشار مسرحي، ناقد، البحث في أصالة العروض المسرحية، المشاركة في إعداد جدول العروض (الريبتوار)، كاتب مسرحي مقيم في الفريق».