المنوعات

الحـلـم الصينـي.. بيـن كونـفـوشـيـوس وبـيـنـغ

1144769
 
1144769
عبدالله بن سالم الشعيلي - Twitter:@ashouily - «داي وي» شاب صيني لا يزيد عمره عن السابعة والعشرين عاما، تعول عليه الصين اليوم لتحقيق ما يسميه ساستها «بالحلم الصيني» المتمثل في غزو الثقافة والمنتجات الصينية لأسواق العالم مجتمعة بدءا من دول جوارها الآسيوية مرورا بأفريقيا وحتى الوصول الى العمق الاوربي والداخل الامريكي الذي استلهمت منه الصين فكرة حلمها. فهذا الحلم الذي تسعى الصين الحديثة الى تحقيقه أشار اليه لأول مرة الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ قبل خمس سنوات من الان وتحديدا قبيل تسلمه رئاسة الصين بأشهر قليلة عندما أشار في كلمة له في عام 2012 الى ضروة «العمل الدؤوب وبذل الجهود الحثيثة من أجل تحقيق الحلم الصيني بالتجديد العظيم للأمة الصينية». «داي وي» هو المؤسس والرئيس التنفيذي الشاب لشركة الدراجات الصينية الصفراء ofoالمنتشرة في شوارع مائتي مدينة صينية وتمتلك ما يزيد عن ستة ملايين دراجة هوائية تقدر قيمتها الرأسمالية بحوالي ثلاثة مليارات دولار أمريكي وتخطط بنهاية هذا العام للوصول الى 20 مليون دراجة هوائية في عشرين دولة خارج الصين بدأتها فعليا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض الدول الآسيوية القريبة من الصين، هو من تعول عليه الصين وعلى أمثاله من الشباب الجدد في تحقيق الحلم الصيني لنشر الثقافة الصينية والوصول الى أسواق العالم المختلفة كما فعل من قبله من الاثرياء الصينين أمثال «جاك ما» الملياردير الصيني مؤسس موقع علي بابا من خلال نقل أعمالهم التجارية الناجحة الى خارج أسوار سور الصين العظيم. صورة أخرى من صور تدعيم وتثبيت «الحلم الصيني» لمستها شخصيا من خلال الترويج الصيني القوي لمبادرة الحزام والطريق التي تسعى من خلالها الصين لاحياء طريق الحرير بشقيه البري والبحري حيث استطاعت الحكومة الصينية حتى اليوم استقطاب أكثر من ثمان وستين دولة آسيوية وافريقية واوروبية للاتفاق على العمل سوية لاحياء هذا الطريق لا سيما في الجانب الاقتصادي حيث تخطط الصين لانفاق أكثر من مائة وخمسين مليار دولار سنويا كاستثمارات مشتركة مع الدول الموافقة على المشاركة في هذه المبادرة في مجالات البنى التحتية والطاقة والموارد الطبيعية والطاقة الانتاجية والنشاط التجاري والاستثمارات. طريق الحرير القديم كان في الأصل عبارة عن شبكة طرق تجارية مترابطة تسلكها القوافل البرية والسفن من المراكز التجارية في شمال الصين حيث ينقسم الى فرعين شمالي وجنوبي، فرعه الشمالي يمتد عبر شرق أوروبا والبلقان وشبه جزيرة القرم في حين يصل فرعه الجنوبي الى تركستان وخراسان وبلاد ما بين النهرين مرورا بالبحر المتوسط وبلاد الشام ويصل الطريق البحري منه الى عمان واليمن وغيرها من الموانئ العربية والافريقية، ويعود الفضل في تسمية هذا الطريق بطريق الحرير الى الجغرافي الالماني فرديناند فون ريتشفون الذي عاش في القرن التاسع عشر. اليوم تراهن الصين على هذا الطريق ومحاولة بعثه من جديد ولكن بصياغة مفهوم آخر له من خلال التركيز على الشق التجاري والمساعدات المالية ودعم البنى التحتية للدول المشاركة في هذه المبادرة وتشجيع تلك الدول على التقارب مع الصين تجاريا واقتصاديا وحتى ثقافيا وإعلاميا، وهذا ما كان محور منتدى التعاون الاعلامي الذي نظمته صحيفة الشعب الصينية الاسبوع الفائت تحت عنوان « الحزام والطريق» وشارك فيه أكثر من ثلاثمائة وسيلة اعلامية من حوالي مائة وست وعشرين دولة واقيم في مدينة دونهوانغ الواقعة على طريق الحرير القديم . اختيار الصينيين لمدينة دونهوانغ لاستضافة أعمال المنتدى نبع من أهميتها التاريخية كونها كانت ممرا لقوافل طريق الحرير القديمة البرية حيث كانت الابل تعبر هذه المنطقة الصحراوية الرملية محملة بالكثير من السلع والبضائع علاوة على أهميتها الحضارية كونها تحوي أجمل الكهوف في العالم هي كهوف موغاو وتعني في اللغة الصينية «الكهوف منقطعة النّظير» ويعود تاريخها الى ما قبل 1600 سنة حيث تحوي هذه الكهوف على رسومات جدارية قديمة وتم ادراجها قائمة التراث العالمي لليونسكو. هذه الكهوف التي يشار اليها في بعض الكتابات بأنها « كهوف الالف بوذا» يصل عددها الى أكثر من أربعمائة وتسعين كهفا تضم مجموعة كبيرة من الفن البوذي القديم وتحوي هذه الكهوف تماثيل ضخمة لبوذا وتلامذته ولعل ثالث أكبر تمثال لبوذا في العالم يقع في أحد هذه الكهوف التي تقول الكتابات التاريخية أن راهبا رأى رؤيا فيها ألف لهب مشتعل فقرر نحت هذه الكهوف على الصخور الرملية في هذه المدينة. تزداد أهمية هذه الكهوف وغيرها من المفردات الحضارية والتراثية للصين مع الانفتاح الكبير والعولمة الاقتصادية وزيادة دوران محركات الاقتصاد الصيني ووجود أصوات من الداخل الصيني تنادي بتنحية ارث كونوفوشيوس فيلسوف الصين الكبير الذي عاش قبل أكثر من الفين وخمسائة سنة جانبا والبدء في التفكير جدية في فكر ليبرالي يعيد للصين هيبتها العالمية التي سلبت منها منذ منتصف القرن التاسع عشر وهذا ما حاولت الثورة الشيوعية التي قادها ماوتسي توتغ مؤسس جمهورية الصين في 1949 تحقيقه يتحويل الصين من دولة زراعية مستهلكة الى دولة صناعية مزدهرة الا أن حلم ماو لم يتحقق بصورة كبيرة بسبب عدم الاستقرار والقلاقل التي عصفت ببلاده وخلفت في وقتها أكثر من مليون ونصف المليون قتيل فيما بات يعرف بالثورة الثقافية التي قضت على الكثير من الاحلام الصينية. من ينغمس في الداخل الصيني يجد أن الفرد الصيني قبل قيادته في الحزب الشيوعي لا يفكر سوى في جعل بلاده القوة الصناعية والسياسية الاولى عالميا من خلال رفع شعار « الحلم الصيني» وتبني مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها ذات الرئيس الحالي شي جين بينغ فتجد أن المزارع الصيني الذي يعيش على الاطراف يعمل كي تصل منتجاته الزراعية الى كل أنحاء العالم والعامل في منجم الفحم في شمال شرق البلاد في منغوليا يعمل كي يصل الفحم الذي يستخرجه الى كافة أنحاء الصين وخارجها والموظف في شركة لتصنيع المحمول في مدينة شينزن الواقعة في جنوبي الصين يطبق أيضا هذا الحلم ويتبنى ذات المبادرة في أن تصل أجهزة المحمول التي يصنعونها الى كل مستخدم في أقطار العالم مجتمعة. صديقي الصيني زي تهاي الذي يقع مقر الشركة التي يعمل بها في منطقة شينزن الاقتصادية التقيته خلال زيارتي الاخيرة للصين، شرح لنا في جولة لبعض معالم بكين الحديثة التحول الذي تمر به بلاده في الجانب التقني والثقافي ومحاولة كثير من المنتجات الغربية ايجاد موطئ قدم لها في الصين رغما عن أن هذه المنتجات والماركات تصنع في داخل الصين في مصانع صينية وعمال صينين لكن ذلك لم يمنع كثير من الغربيين من القدوم الى الصين للاستفادة من الكثافة الصينية العالية للسكان التي تقدر اليوم بمليار ونصف المليار نسمة. وقفنا في جولتنا الصينية مع هاو على تحول الشباب الصيني الذي بات مولعا كثيرا بالثقافة الغربية ومنتجاتها لا سيما من اتيحت لهم الفرصة للدراسة أو العمل خارج أسوار الصين، هؤلا الشباب لم يعد الكثير منهم يؤمن بمبادئ كونفوشيوس أو ماو ولا حتى بمبادئ الشيوعية وفلسفتها وانما ايمانه الاوحد مكرس في ثقافة العمل وكيفية النجاح في الحياة وجني أكبر قدر من المال والسفر الى بقاع العالم المختلفة لنشر هذه الثقافة الصينية الجديدة وقبل ذلك كيفية تحقيق حلمه «الحلم الصيني الكبير».