أفكار وآراء

تعددية الأطراف من أجل عالم يسع الجميع

فكتوريا كواكوا - الصين ديلي  - ترجمة قاسم مكي - في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حقق النظام المتعدد الأطراف تقدما اقتصاديا وسياسيا لافتا (تعددية الأطراف هي الحالة التي تتعاون فيها عدة بلدان لمصلحة كل الأطراف أما تعددية الأقطاب فهي نظام تتمتع فيه عدة بلدان بنفوذ كبير يعمل كل منها «ضمنيا» لمصلحته الخاصة - المترجم.) فالعولمة دشنت عهدا غير مسبوق للنمو الذي انتشل مئات الملايين من الفقر. ولعب الانفتاح وكذلك الشراكة بين البلدان دورا حاسما في هذا النجاح. كما شكلت الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمات بريتون وودز ركائز للنظام الاقتصادي المتعدد الأطراف وتحولت إلى منابر صاغت «قواعد اللعبة» للنظام العالمي الذي ازدهرت فيه البلدان. اقتصاد العالم أكثر تعقيدا الآن قياسا بأي وقت مضى. فثمة تحديات عالمية عديدة مثل تراخي النمو والتغير المناخي والجائحات الوبائية واللاجئين. تفرض هذه المشكلات مطالب متزايدة على النظام المتعدد الأطراف. وبقدر ما تزيد حاجتنا إلى التعاون الدولي بقدر ما تتعرض تعددية الأطراف إلى المزيد من الضغوط. فخطاب الحمائية (في التجارة الخارجية) يعلو صوته والإجراءات الحمائية تتزايد. كما يعزو البعض الأزمة المالية العالمية إلى التجاوزات التي تسببت فيها العولمة. وعلى الرغم من ضخامة المكاسب الناتجة عن العولمة إلا إنها لم تشمل الجميع بمنافعها. فالبعض تخلفوا وراء ركب المستفيدين. ونتيجة لذلك تتخلى بعض البلدان عن حلول الماضي التي جاء بها النظام المتعدد الأطراف. غير أنه لا مجال للعودة الى الوراء. ففي وقت مبكر من هذا العام قال الرئيس (الصيني) شي جينبينج أن النظام العالمي للسوق هو المحيط الذي نسبح فيه كلنا ولا يمكننا الهرب منه. وأضاف «أية محاولة .. لتصريف مياهه مرة أخرى إلى بحيرات وخلجان منعزلة غير ممكنة ببساطة.» وسيكون علينا نحن ضمان أن كل واحد منا يمكنه السباحة في هذا المحيط. هذا يعني أننا بحاجة إلى نظام أطراف متعددة يسع الجميع وأكثر ابتكارا. فأولا، نحن في حاجة إلى مؤسسات متعددة الأطراف أقوى وأكثر ملائمة. يجب أن تستخدم بنوك التنمية المتعددة الأطراف كل دولار متاح على أحسن وجه لإثبات قيمة هذا النظام. لقد شهد البنك الدولي خلال الأعوام الخمسة الماضية إصلاحات تنظيمية كبرى من أجل أن يركز على مشاكل اليوم بطريقة أفضل. وقلص البنك حوالي 10% من تكاليفه التشغيلية كي يصبح بنكا أفضل. كما تبنينا (في البنك الدولي) أيضا مقاربة جديدة للتمويل التنموي من أجل تعظيم مشاركة القطاع الخاص في التنمية. وهو ما يسمح لنا بتركيز الموارد العامة على تمويل الصحة العامة والتعليم والمجالات الأخرى التي لا يمكن تمويلها على نحو كاف بواسطة الأموال الخاصة. ثانيا، كي تسود تعددية الأطراف يجب أن تعكس مصالح أطرافها بأفضل طريقة ممكنة. نحن بحاجة إلى نظام ومؤسسات حوكمة اقتصادية أكثر إنصافا في تمثيل أوزان أعضائها. فبلدان الاقتصادات الناشئة والنامية تشكل أكثر من 80% من سكان العالم فيما تمثل أكثر من 35% من اقتصاد العالم (بزيادة 15% فقط مقارنة بما كانت عليه خلال 25 عاما) وتساهم هذه البلدان بأكثر من نصف النمو العالمي. فالصين بلد نامٍ واقتصادها الآن هو الأكبر في العالم إذا قسناه بتعادل القوة الشرائية وثاني أكبر اقتصاد بالقيمة السارية للدولار(دون حساب أثر التضخم.) كما نحن بحاجة إلى مؤسسات حكومية دولية لا تقصي أحدا لمناقشة ومعالجة التحديات العالمية. لقد ابتدر حملة أسهم البنك الدولي عملية هدفها جعل الحصص تعكس على نحو أفضل أصحاب المصلحة الحاليين في الاقتصاد العالمي. وتحولت مجموعة العشرين إلى منبر رئيسي لبناء التعاون والتوافق الدوليين. فهي تمثل 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و75% من التجارة الدولية. وتحت قيادة الصين صار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد لدول البريكس شريكين جديدين وهامين في النظام المتعدد الأطراف لمعالجة الحاجات الضخمة في مجال البنية التحتية والحاسمة في أهميتها لإنهاء الفقر. ومع مبادرة الحزام والطريق جاءت الصين للعالم بطريقة جديدة للتعاون المتعدد الأطراف. فهذه المبادرة الواعدة تهدف إلى تعميق التكامل الاقتصادي بتحسين التجارة والبنية التحتية والاستثمار والترابط بين الشعوب ليس فقط عبر الحدود بل أيضا عبر القارات. ثالثا، نحن بحاجة إلى أدوات جديدة لتمكين النظام العالمي من تحسين إدارته للمهددات والأخطار الدولية الكبرى. فصندوق المناخ الأخضر يعد بتقديم تمويل مطلوب جدا لدعم اتفاق باريس التاريخي حول المناخ. لكن آلية التنمية «النظيفة» وبنوك التنمية المتعددة الأطراف كانت قد حشدت سلفا عشرات البلايين من الدولارات لمكافحة التغير المناخي. كما أوجد البنك الدولي مع الشركاء الثنائيين برنامج مساعدات لمحاربة الجائحات الوبائية. وهو برنامج يمكنه تقديم الأموال المطلوبة على الفور للقضاء على أية جائحة في مراحلها المبكرة قبل أن تتحول إلى مشكلة إقليمية أو عالمية. كما أسسنا ، في البنك الدولي، برنامج أزمات دولية للتعامل مع أزمة اللاجئين التي اجتاحت الشرق الأوسط وتهدد الآن أجزاء من آسيا. لقد أُختُبِرت تعددية الأطراف في الماضي وسيستمر اختبارها في المستقبل. لكنها تظل قوة فعالة وفريدة في ملاءمتها لحل العديد من معظم مشاكل العالم الضاغطة. إنها مسؤوليتنا كلنا كمجتمع دولي في أن نوجد نظاما متعدد الأطراف وأكثر اتساعا ويمكنه دعم البلدان على نحو فعَّال لتطبيق أجندتها الداخلية في النمو والشمول الاقتصادي والاجتماعي. •الكاتبة نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادي.