الاقتصادية

تسجيل وتقييم الأصول.. فوائد متعددة للحكومة والقطاع الخاص

يتيح وضوحا للتكاليف وشفافية للمركز المالي

 
- اتباع القطاع الخاص لنهج تقييم وإظهار القيمة العادلة للأصول يسهم في إيجاد قواعد بيانات للمركز المالي والرصد الدقيق للمساهمة في الناتج المحلي

- ما زال هناك عزوف كبير من الشركات، خاصة العائلية، عن الإقبال على الإدراج ضمن بورصة مسقط رغم التسهيلات الكبيرة في قانون الشركات التجارية

تحليل - أمل رجب

أطلقت الحكومة في سلطنة عمان عددا من البرامج والمبادرات التي تستهدف تحسين إدارة الأصول العامة بدءا من إنشاء جهاز الاستثمار العماني المنوط به تعزيز الحوكمة والكفاءة في الشركات المملوكة للحكومة، وتأسيس 'شركة تنمية طاقة عُمان' لإدارة وتمويل الاستثمارات الحكومية في النفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة، كما بدأت وزارة المالية في سلطنة عمان الخطوات التنفيذية لإنشاء السجل الوطني للأصول الحكومية، وهو إحدى مبادرات خطة التوازن المالي متوسطة المدى، وتستهدف المبادرة تسجيل وإظهار القيمة الحقيقية للأصول الحكومية، والإدارة الفعالة للأصول الحكومية والمركزية في إدارتها ورفع كفاءتها مع تحديد الأصول الحكومية القابلة للطرح عبر مشروعات التخصيص والشراكة مع القطاع الخاص، وما ينتج عن ذلك من آليات مبتكرة لتمويل مشروعات التنمية والمساهمة في رفد الميزانية العامة للدولة بموارد مالية إضافية، ووفق ما أعلنته وزارة المالية، يجري حاليا تصميم السجل والإطار التنظيمي ووضع السياسات والإجراءات ذات الصلة بتطوير السجل، ويلي ذلك التعريف التفصيلي والتحقق والتقييم للأصول المدرجة في السجل ثم إنشاء نظام فعال لإدارة الأصول الحكومية.

وتقدم هذه المبادرات الحكومية العديد من الفوائد فيما يتعلق برفع كفاءة منظومة الإدارة المالية لسلطنة عمان كما أنها تحمل أيضا العديد من أوجه الجدوى للقطاع الخاص سواء كاستفادة مباشرة من بيئة الاستثمار المواتية التي توجدها الحكومة أو عبر تطبيق تجربة تقييم وتسجيل الأصول بشكل مماثل على أصول القطاع الخاص، حيث يستفيد هذا القطاع من المجال الواسع من الاستثمارات الجديدة والقائمة لجهاز الاستثمار العماني والتي تعزز نمو مختلف قطاعات التنويع الاقتصادي وتدعم الشراكة مع القطاع الخاص، أما سجل الأصول الحكومية فهو يقدم فرصا جديدة لاستثمارات القطاع الخاص من خلال تحديد الأصول القابلة للشراكة مع هذا القطاع.

وفضلا عن ذلك، من المؤمل في ظل التطورات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العماني منذ بدء تطبيق الرؤية المستقبلية وخطتها التنفيذية الأولى، والخطة الخمسية العاشرة، والتوجه الحكومي نحو الاعتماد على القطاع الخاص كمحرك رئيسي للتنمية، أن تستفيد شركات القطاع الخاص من تجربة تقييم وتسجيل الأصول الحكومية واتباع النهج نفسه في تقييم وإظهار القيمة الحقيقية العادلة لأصول شركات القطاع الخاص فيما سيعد تقدما كبيرا نحو إيجاد قواعد البيانات التي تظهر المركز المالي لكل شركة ويسهل تصنيفها ائتمانيا في حال احتياجها لتمويل، إضافة إلى الرصد الشامل والدقيق لأصول القطاع الخاص ومساهمته الفعلية في الناتج المحلي الإجمالي.

وقبل سنوات طويلة قامت الهيئة العامة لسوق المال بحملة توعوية مع عدد من شركات القطاع الخاص بهدف تشجيع هذه الشركات على التحول لمساهمة عامة، وكان هناك اهتمام خاص بتشجيع الشركات العائلية على الإدراج في سوق الأوراق المالية نظرا للثقل الكبير الذي تمثله هذه النوعية من الشركات في الاقتصاد المحلي، وكان أحد التحديات الأساسية التي تعرقل تسهيل الإدراج ضمن سوق الأوراق المالية هو معايير تقييم الأصول المملوكة للشركات، وهو إجراء يتم لتحديد القيمة السوقية للشركة تمهيدا لإدراجها في سوق الأوراق المالية عبر اكتتاب عام، وحتى الوقت الحالي ما زال هناك عزوف كبير من الشركات، خاصة العائلية، عن الإقبال على الإدراج ضمن بورصة مسقط على الرغم من التسهيلات الكبيرة التي قدمها قانون الشركات التجارية لتشجيع الشركات على الإدراج في البورصة حيث يعتبر القانون الإطار القانوني الأصيل لتنظيم أعمال الشركات التجارية ويوضح إجراءات تأسيس الشركات بأشكالها القانونية المختلفة وكيفية إدارتها وكافة المراحل التي تمر بها الشركات التجارية.

وتضمن القانون معالجات عديدة في تنظيم سوق رأس المال العماني ومكونات هيكله التنظيمي وذلك في سياق توفير العناصر الأساسية لبناء سوق رأس مال متين يتمتع بمستوى عال من الثقة وبالجاهزية التشريعية والتقنية التي تجعل من سوق رأس المال العماني محركا مستداما للنمو الاقتصادي الشامل وتكوين الثروات من خلال ما تتسم به نصوص القانون من مرونة وممارسات وتسهيلات إجرائية تدفع نحو جعل سوق رأس المال المصدر الأول لتمويل المشروعات والمبادرات الاستثمارية والحاضنة لقيام الاستثمارات الإنتاجية الكبيرة، وقد أعطى القانون اهتماما بتحفيز الشركات القائمة ومنها العائلية على التحول إلى شركات مساهمة عامة، وذلك من خلال منح تلك الشركات مزايا تختلف عن الشركات التي تؤسس حديثا، ومن ذلك سمح للشركات المتحولة أن تحتفظ بالاسم التجاري الذي كانت تحمله قبل التحول حتى إذا كان الاسم التجاري هو اسم لشخص طبيعي، كذلك سمح لتلك الشركات المتحولة أن يكون رأس مالها مليون ريال عماني خلافا للشركات التي تؤسس حديثا والتي يكون رأس مالها 2 مليون ريال عماني فأكثر، وتحفيزا للشركات العائلية وغيرها من الشركات للتحول إلى شركات مساهمة عامة فقد أجاز القانون لمؤسسيها الاحتفاظ بنسب أعلى من النسب المقررة لتملك المؤسسين في الشركات الحديثة، حيث نصت المادة (100): 'على المؤسســين فـي شركـــة المساهمة العامـــة أن يكتتبوا بنسبة لا تقـــل عـــن (30%) ولا تزيــد علــى (60%) مـــن رأس المــال، ويطرح الباقــي للاكتتـــاب العام، إلا فـي حالة التحول إلى شركة مساهمة عامة، فإنه يجوز للمساهمين أوالشركاء فـي الشركة قبل التحول أن يحتفظوا بنسبة (75%) من رأس المــال وللهيئة السماح للمؤسسين بتملك نسبة أعلى.

وحسب ما أعلنته الهيئة العام لسوق المال، حرص المشرع على تسهيل تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة نظرا للأهمية والوزن الاقتصادي الذي باتت تحتله هذه النوعية من الشركات، والتي تعتبر مؤسسات وطنية، الأمر الذي يتطلب توفير المناخ المناسب لاستمرار أدائها نحو الأفضل دون أن تتأثر بالتحديات التي توجه الشركات العائلية نتيجة تعاقب الأجيال.

وخلال الفترة الماضية، شهدت بورصة مسقط زخما واسعا من إدراج الشركات المقفلة وهو ما ساهم في ارتفاع القيمة السوقية للبورصة إلي مستويات قياسية غير مسبوقة وربما يسهم ذلك في تحول بعض هذه الشركات المقفلة إلى مساهمة عامة مستقبلا، ويمهد تحول الشركات المقفلة والعائلية إلى مساهمة عامة لمزيد من النشاط في بورصة مسقط بما يواكب أهداف الاستراتيجية الطموحة التي بدأت بورصة مسقط تطبيقها مؤخرا كما يمثل هذا التحول مساهمة جيدة متوقعة في خدمة أهداف النمو الاقتصادي وزيادة المجال المتاح لحوكمة الأداء في الشركات.

وتستهدف الخطة الخمسية العاشرة رفع معدل الاستثمار ليصل إلى 27 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي سجل نموا بنهاية العام الماضي ليبلغ 33 مليار ريال عماني، وتسعى الخطة لزيادة مساهمة القطاع الخاص في البرامج الاستثمارية إلى 60 بالمائة كمتوسط سنوي خلال فترة الخطة مع السعي لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات النفطية وغير النفطية إلى ما يعادل 10.9 بالمائة بنهاية الخطة، وللوصول إلى ذلك تعمل سلطنة عمان على تحفيز القطاع الخاص واستقطاب الاستثمار الأجنبي والمحلي لضخ المزيد من الاستثمارات المحلية.

ويذكر أن عدة دول أخرى في مجلس التعاون لدول الخليج العربي تبنت برامج لإعداد سجل وطني للأصول الحكومية في إطار إجراءات التنظيم المالي وتعزيز تنافسية الدولة ودعم سياسات التنويع الاقتصادي في مرحلة من التحول الجذري للدول المصدرة للنفط نحو تنويع الاقتصاد وإنهاء الاعتماد على النفط والغاز كمصادر أساسية للعائدات العامة. وقبل سنوات تحولت دولة الإمارات إلى تطبيق برنامج المحاسبة على أساس الاستحقاق الذي يسهم في إدارة وتنمية الموارد المالية للحكومة الاتحادية بكفاءة وفقا لأفضل الممارسات المتبعة عالميا.

كما توجهت المملكة العربية السعودية إلى إنشاء مركز الاستحقاق المحاسبي في مجال دعم الجهات الحكومية في تطبيق معايير المحاسبة والتحول إلى الاستحقاق المحاسبي، لما يمكن أن يكون للمركز من أثر مهم في رفع الشفافية وتحسين جودة الحسابات المالية في الجهات الحكومية، وأثره المتوقع في دعم عملية اتخاذ القرار وفق البيانات الدقيقة والمنهجيات المحكمة، حيث تعد إدارة الأصول من أهم محددات المركز المالي لكل جهة، ويترتب على الكفاءة في حصرها وتقييمها الكثير من النتائج الإيجابية من ناحية الشفافية وتكوين رؤية واضحة للمركز المالي للجهات وإمكانية التنبؤ بقدر كبير من الدقة بالالتزامات المالية للجهة وتكاليف إدارة أصولها.

كما تحولت دولة الكويت من الأساس النقدي للإدارة المالية إلى أساس الاستحقاق وذلك عملا على تقديم التقارير المالية للكويت، وبما يتماشى مع معايير المحاسبة الدولية في القطاع العام، ووفقا لذلك أدرجت جميع الجهات الحكومية الأصول المملوكة لها في سجلاتها المحاسبية مع حساب تكلفة الإهلاك للأصول لضمان أن تعكس قيمتها الدفترية القيمة العادلة للأصول، ووفق تجربة الكويت تشمل الأصول

المباني والأراضي المملوكة للجهات الحكومية والإضافات عليها والمعدات والآلات المملوكة للجهات الحكومية مثل: معدات النقل البري والجوي والبحري والبنية التحتية (الطرق، والجسور، والأنفاق، والموانئ الجوية والبحرية، وشبكات الصرف الصحي، وشبكات المياه، وشبكات الكهرباء والماء والغاز). وغير ذلك من الأصول.

وضمن المنطقة العربية، اتجهت جمهورية مصر العربية مؤخرا إلى إنشاء صندوق للأصول السيادية بهدف دعم المركز المالي للدولة ويتضمن الأصول العينية المملوكة للدولة.