فيسبوك والتنويم المغناطيسي!
الأربعاء / 4 / رمضان / 1443 هـ - 22:24 - الأربعاء 6 أبريل 2022 22:24
ما يعرف بإدمان وسائط التواصل الاجتماعي، الذي هو جزء من الإدمان العام على شبكة الانترنت؛ يعتبر فيسبوك من أهم منصاته التي تشتغل بضروب مختلفة من أنواع الايحاء والتأثير بما يجعل من ذلك الإدمان ممكناً إلى درجة قد تبلغ مبلغ التنويم المغناطيسي! فهذه الوسائط الرقمية التي تخترق حياتنا، طولاً وعرضاً، من خلال منصاتها؛ بلغت درجات التأثر المرضي فيها حدوداً لا يكاد يصدقها العقل، لولا أن هناك أحداثاً غريبة - وإن كانت نادرة - حدثت بالفعل وظهرت على تلك المنصات كممارسة عمليات الانتحار عبر خدمة اللايف (في سلوك يرقى إلى أعلى حالات النرجسية العدمية) إلى ألوان أخرى من محاولات لفت الأنظار من أجل حصد الاعجابات واللايكات بطريقة قد تكون حتى مؤذية للنفس والأعصاب.
يمكن القول، على ضوء تلك الغرائبيات، أن في فيسبوك ما يغري بالإدمان، عبر الإيهام بصناعة حدث مزعوم يتخيل معه صاحبه ما يشبه حالات متوهمة لشعور نجم سينمائي ذائع الشهرة، ومن خلال تلك المجانية العمومية لامتلاك وإدارة الحسابات في فيسبوك فإن زيادة الوهم بحيثية الشعور المتطلع للشهرة في نفوس الملايين ستتمدد مع كل داخل جديد في رحاب الفضاء الأزرق!
ذلك أن الضغط الشعوري الذي يضخه إحساس زائف بكينونة قابلة للشهرة في كوكب فيسبوك على نفوس بسطاء من البشر توافقت طفرات تكنولوجية عجيبة لتجعلهم في مسافة واحدة وفرها فيسبوك للجميع «محطماً» بذلك ثنائية النخبة والجماهير؛ يشبه تماماً قدرات وخواص التنويم المغناطيسي الذي يهيمن به المُنَوِّم على المُنَوَم، فيوجهه كيفما شاء!
لقد تحول الفضاء الأزرق بفعل تلك الأوهام التي خلقها في نفوس العوام، إلى مسرح فضائي هائل للحظات الشهرة البرقية العابرة، وأصبح مع قوة الضغط الجاذبة للملايين يومياً بالدخول إلى فسيبوك؛ كمحيط أوقيانوسي: الكلمة الأولى فيه للسواد الأعظم.
وهكذا، بدا أن الإحساس بالإدمان على فعل أي شيء على فيسبوك، سواءً عبر الخربشات الكتابية، أو عبر خاصية اللايف، هو السبب الأول لذلك الفعل المغناطيسي للفيسبوك.
وبطبيعة الحال؛ فإن ضغوط البث المكثفة لقوائم تحديث بيانات فيسبوك المليونية على مدار الثانية، بالضرورة ستجعل من ذلك المحتوى العمومي الهلامي الضخم في مجرى قوائم التحديث الدائم؛ هو سيد الكلمة الأولى والهيمنة الأخيرة على الخطاب العام لحسابات فيسبوك العابرة للقارات والفضاءات!
إن قوة الضغط المكثف لتلك القوائم ومحتويات حساباتها التي تستعمر كوكب فيسبوك ستجعل من قدرة المستقلين والمتفردين في ذلك الفضاء الأزرق قدرة ذات مساحة محدودة وهوامش ضيقة، وسيكون لذلك التأثير الهلامي الكبير إيحاؤه الباطني (أي تنويمه المغناطيسي) في عقول ومزاج أولئك المتميزين والمتفردين الاستثنائيين الأمر الذي قد يغريهم ، بمرور الوقت وكثرة الضغط، بمجاراة مزاج الحسابات العمومية في فيسبوك، مع ما سيعنيه ذلك من تنازلات في مستوياتهم المتميزة.
فحين يدرك أولئك المتفردون في كوكب فيسبوك أن مزاجهم غير مناسب لسكان الكوكب سيتضح ذلك جلياً عبر غياب اللايكات والتعليقات عن الصفحة، الأمر الذي يذهب بخيالهم مذاهب شتى، فيظنون أن ثمة اقتراناً شرطياً بين عدم رؤية منشوراتهم وبين غياب اللايكات والتعليقات من صفحاتهم، دون أن ينتبه أولئك المتميزون، مثلاً، إلى أن فيسبوك، وبقية وسائط التواصل الاجتماعي؛ هي بالفعل منصات تصنع نجومها ومشاهيرها على غير قياس عالم المشاهير في الواقع الذي يقتضي أسباباً وشروطاً صلبة. ذلك أن التعود المستمر على محتويات ضحلة تذكرك يومياً بإعادة اكتشاف البديهيات مع كل وافد جديد على سطح ذلك الكوكب الأزرق سيكون مللاً ذا ضغط مُكَلِّفْ على النفس والأعصاب، لأن ما يمكن أن يتعرض له مَنْ يتحمل عبء إعادة اكتشاف البديهيات بشكل يومي، سيشعر مع مرور الوقت: أن قدرته على أن يكون فريداً ومختلفاً في هذا الكوكب الأزرق تتقلص باستمرار، حتى يجد نفسه في حدود ضيقة جداً لمجاراة سكان ذلك السطح المغرق في عموميته القاتلة، ويضعه أمام اختبار عسير!
لا يمكننا أن نستيقظ في يوم ما من أيام المستقبل على محتوى مختلف لفيسبوك، ما دامت هذه المنصة تريد باستمرار إيهامنا بأن ما يمكن أن يكون مشتركاً بيننا هو ذاته فرادتنا التي هي سبب تنوعنا كبشر، فهذه المسألة العدمية هي الوجه الآخر لعجز فيسبوك عن توفير معنى منضبط ومسؤول للحرية في فضائه الأزرق.
محمد جميل أحمد كاتب من السودان
يمكن القول، على ضوء تلك الغرائبيات، أن في فيسبوك ما يغري بالإدمان، عبر الإيهام بصناعة حدث مزعوم يتخيل معه صاحبه ما يشبه حالات متوهمة لشعور نجم سينمائي ذائع الشهرة، ومن خلال تلك المجانية العمومية لامتلاك وإدارة الحسابات في فيسبوك فإن زيادة الوهم بحيثية الشعور المتطلع للشهرة في نفوس الملايين ستتمدد مع كل داخل جديد في رحاب الفضاء الأزرق!
ذلك أن الضغط الشعوري الذي يضخه إحساس زائف بكينونة قابلة للشهرة في كوكب فيسبوك على نفوس بسطاء من البشر توافقت طفرات تكنولوجية عجيبة لتجعلهم في مسافة واحدة وفرها فيسبوك للجميع «محطماً» بذلك ثنائية النخبة والجماهير؛ يشبه تماماً قدرات وخواص التنويم المغناطيسي الذي يهيمن به المُنَوِّم على المُنَوَم، فيوجهه كيفما شاء!
لقد تحول الفضاء الأزرق بفعل تلك الأوهام التي خلقها في نفوس العوام، إلى مسرح فضائي هائل للحظات الشهرة البرقية العابرة، وأصبح مع قوة الضغط الجاذبة للملايين يومياً بالدخول إلى فسيبوك؛ كمحيط أوقيانوسي: الكلمة الأولى فيه للسواد الأعظم.
وهكذا، بدا أن الإحساس بالإدمان على فعل أي شيء على فيسبوك، سواءً عبر الخربشات الكتابية، أو عبر خاصية اللايف، هو السبب الأول لذلك الفعل المغناطيسي للفيسبوك.
وبطبيعة الحال؛ فإن ضغوط البث المكثفة لقوائم تحديث بيانات فيسبوك المليونية على مدار الثانية، بالضرورة ستجعل من ذلك المحتوى العمومي الهلامي الضخم في مجرى قوائم التحديث الدائم؛ هو سيد الكلمة الأولى والهيمنة الأخيرة على الخطاب العام لحسابات فيسبوك العابرة للقارات والفضاءات!
إن قوة الضغط المكثف لتلك القوائم ومحتويات حساباتها التي تستعمر كوكب فيسبوك ستجعل من قدرة المستقلين والمتفردين في ذلك الفضاء الأزرق قدرة ذات مساحة محدودة وهوامش ضيقة، وسيكون لذلك التأثير الهلامي الكبير إيحاؤه الباطني (أي تنويمه المغناطيسي) في عقول ومزاج أولئك المتميزين والمتفردين الاستثنائيين الأمر الذي قد يغريهم ، بمرور الوقت وكثرة الضغط، بمجاراة مزاج الحسابات العمومية في فيسبوك، مع ما سيعنيه ذلك من تنازلات في مستوياتهم المتميزة.
فحين يدرك أولئك المتفردون في كوكب فيسبوك أن مزاجهم غير مناسب لسكان الكوكب سيتضح ذلك جلياً عبر غياب اللايكات والتعليقات عن الصفحة، الأمر الذي يذهب بخيالهم مذاهب شتى، فيظنون أن ثمة اقتراناً شرطياً بين عدم رؤية منشوراتهم وبين غياب اللايكات والتعليقات من صفحاتهم، دون أن ينتبه أولئك المتميزون، مثلاً، إلى أن فيسبوك، وبقية وسائط التواصل الاجتماعي؛ هي بالفعل منصات تصنع نجومها ومشاهيرها على غير قياس عالم المشاهير في الواقع الذي يقتضي أسباباً وشروطاً صلبة. ذلك أن التعود المستمر على محتويات ضحلة تذكرك يومياً بإعادة اكتشاف البديهيات مع كل وافد جديد على سطح ذلك الكوكب الأزرق سيكون مللاً ذا ضغط مُكَلِّفْ على النفس والأعصاب، لأن ما يمكن أن يتعرض له مَنْ يتحمل عبء إعادة اكتشاف البديهيات بشكل يومي، سيشعر مع مرور الوقت: أن قدرته على أن يكون فريداً ومختلفاً في هذا الكوكب الأزرق تتقلص باستمرار، حتى يجد نفسه في حدود ضيقة جداً لمجاراة سكان ذلك السطح المغرق في عموميته القاتلة، ويضعه أمام اختبار عسير!
لا يمكننا أن نستيقظ في يوم ما من أيام المستقبل على محتوى مختلف لفيسبوك، ما دامت هذه المنصة تريد باستمرار إيهامنا بأن ما يمكن أن يكون مشتركاً بيننا هو ذاته فرادتنا التي هي سبب تنوعنا كبشر، فهذه المسألة العدمية هي الوجه الآخر لعجز فيسبوك عن توفير معنى منضبط ومسؤول للحرية في فضائه الأزرق.
محمد جميل أحمد كاتب من السودان