أعمدة

نوافذ :هدية السماء..

 
shialoom@gmail.com

كنت أراقب، كما أتوقع أن غيري كذلك، تلك البهجة العارمة على وجوه الناس، وهم يقرؤون خبر السماح لمجموع المصلين بإقامة صلاة التراويح، مع أن هذه الصلاة ليست فرضا، ولا سنة واجبة، ولكنها ارتبطت بشهر رمضان المبارك الفضيل، يأتي ذلك لأن هذه الصلاة اختفت من المساجد على مدى سنتين متتاليتين بسبب جائحة (كورنا - كوفيد19) كما يعلم الجميع، هذا السرور الظاهر على الوجوه، والقلوب في آن واحد، هو واحد من مكاسب كثيرة يحملها شهر رمضان لأفراد الأمة الإسلامية، ذلك لأن النفوس تعبت من لهاث الحياة اليومي، التي لا تترك للإنسان فرصة لاعتناق لحظات من الروحانيات التي يحتاجها لكي يعقد مع نفسه صفقة من الرضا، ومن الهدوء، ومن الاقتراب من رب العزة والجلال، فلهاث الحياة، يأخذ من هذه الأنفس مأخذه، ويجردها من كثير من مناخاتها الإنسانية الحقيقية، ليزج بها في متون قضايا حياتية، لا أول لها ولا آخر، والأنفس تحتاج لأن تظل دائما مسكونة بوحي من الله، وشهر رمضان هو واحد من صور هذا الوحي الذي اختص الله به عباده المسلمين.

ومعنى هذا يمكن القول، أن رمضان هذا العام غير، وهذه الغيرية تجلبها صلاة التراويح بلا منازع، وهذا يكفيها لأن تحتل المنزلة المباركة التي يتبارك بها المصلون الصائمون، القائمون طوال ليالي شهر رمضان الحبيب، وهذه الغيرية أيضا تعيد للذاكرة تفاصيل الممارسات الرمضانية الجماعية التي فقدت طوال هذين العامين، وفي مقدمتها الالتفاف الجماعي الجميل بين أهل الحي الواحد، على مستوى القرى، وأهل الحارة الواحدة على مستوى المدن، حيث الجميع يبحث عن الجميع، في صورة التكاتف، والتعاون، والاطمئنان بين أبناء الحي أو الحارة.

الجميع مر بحالة جفاف اجتماعية لم تشهدها المجتمعات الإنسانية من قبل، حيث أن معظم الجوائح التي مرة على البشرية لم تغير من طبيعة العلاقات القائمة بين الناس بالصورة التي أوجدتها جائحة «كورونا» ولكن لطف الله بعباده أكبر، ورحمته تسع كل شيء بفضله ورضاه، وعلى ما يبدو أن البشرية في طريقها إلى التعافي إن شاء الله من هذا الوباء القاتل، ونحن « كمسلمين » نستبشر بهذا الرضا من لدن رب العزة والجلال من خلال ما يتوفر من انفراجات في مختلف شؤون الحياة، ومنها الممارسات الدينية الجماعية، وفي مقدمتها صلاة الجماعة في المساجد، وتقاربهم « وإن كان محدودا » في بعض الممارسات الاجتماعية، فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا.

(هدية السماء..) تتحقق بزوال هذه الجائحة ومسبباتها، وبقدرة البشرية على تجاوز محنتها من خلال مجموعة الممارسات التي لا تتيح لهذه الجائحة لأن تتمدد أكثر، أو تخلق واقعا ثقيلا على الناس، وإن كان زوالها المطلق غير وارد، فهي تسجل، بفعل توغلها واستمرارها، ربما ضمن قائمة الأمراض المصنفة عالميا، والتي يعرفها جميعنا، بدءا من ستينيات القرن الماضي، ولا تزال تحافظ على مكانتها من خلال تأثيراتها الخطيرة على الأنفس، ولا تزال تحظى بذات الاهتمام منذ لحظة نشأتها الأولى.

يأتي رمضان هذا العام منتصرا، بفضل الله، على كثير من تعقيدات الجائحة خلال العامين السابقين، فهنيئا للصائمين هذا الفضل والمنة من الله عليهم.