أفكار وآراء

الأمم المتحدة .. هل أصبحت منتدى سياسيا؟

كشف عدد من الصراعات والحروب بين الدول خاصة في العقود الأخيرة أن مفهوم نظرية المنتصر في الحرب العالمية الثانية لا تزال هي المهيمنة على هذه المنظمة الدولية وقد ظهر ذلك بجلاء خلال مناقشة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة حول الحرب الروسية الأوكرانية. فقد تحول مجلس الأمن إلى صراع سياسي حاد حول مجمل مشاريع القرارات التي تقدمها الدول الغربية وتلك التي تقدمها روسيا الاتحادية، كما شهد التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضغوطا واسعة النطاق على الدول النامية بهدف استقطاب أصواتها، رغم أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة هي قرارات غير ملزمة وهي أقرب للمواقف الرمزية وأشبه بتسليط الأضواء إعلاميا من خلال تلك المواقف السياسية وسرعان ما يتم نسيان تلك القرارات بعد انتهاء الحرب أو الصراع ويشهد على ذلك أرشيف الأمم المتحدة الذي يعج بتلك القرارات الرمزية.

النظام الدولي

أظهرت الحرب الروسية على أوكرانيا أن النظام الدولي الحالي أصبح غير واقعي في ظل الاستقطاب الحالي خاصة في الأمم المتحدة وبالتحديد في مجلس الأمن، وقد ارتفعت الأصوات في السنوات الأخيرة على ضرورة إصلاح هياكل الأمم المتحدة وإيجاد مقاربة سياسية لا تعتمد على سيطرة الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية ومعهم الصين على الهيمنة والانقسام مما يهدد الأمن والسلم في العالم، كما حدث في النموذج الأوكراني، حيث وصل الأمر بالتهديد باستخدام السلاح النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، بل إن الرئيس الأمريكي بايدن تحدث عن خطورة اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

وعلى ضوء ذلك فإن الأزمة الأوكرانية وما صاحبها من حرب واستقطاب وأحلاف وعقوبات اقتصادية هي الأقسى في التاريخ الحديث تستدعي مراجعة موضوعية للنظام الدولي حيث أصبح إيجاد منظومة جديدة أو إصلاح منظمة الأمم المتحدة وإدخال قوى سياسية صاعدة في القارات الخمس هو من الأمور المنطقية لإيجاد التوازن بين القوى المختلفة في العالم وإعطاء فرصة لإصلاح منظومة مجلس الأمن وأيضا إيجاد تعديلات جوهرية في الميثاق الذي أصبح لا يلبي تطورات المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم شرقه وغربه.

ما حدث من تلاسن واستقطاب في مجلس الأمن بين روسيا الاتحادية والدول الغربية حول الحرب في أوكرانيا يعطي دلالة على فوضى سياسية واستقطاب حاد حيث تحولت قاعات الأمم المتحدة إلى ما يشبه العراك السياسي حيث حدة التصريحات ولغة القوة وتدني الخطاب السياسي بين القوى العالمية التي يفترض أن تكون حريصة على الحفاظ على الأمن والاستقرار وإيجاد حلول توافقية خلال اندلاع الأزمات والحروب. ومن هنا فإن الأمم المتحدة أصبحت ضحية تلك القوى الدولية وأصبحت مصداقيتها على المحك وفقدت الكثير من هيبتها خلال العقود الأخيرة.

منتدى سياسي

ظهرت في السنوات الأخيرة ما يسمى بمنتديات الحوار السياسي وأشهرها مؤتمر ميونخ للأمن علاوة على وجود منتديات أخرى في دول أخرى حيث تناقش من خلال تلك المنتديات عدد من القضايا السياسية وتعرض المواقف السياسية من خلال منصات الحوار، والسؤال الجوهري الذي يمكن طرحه من خلال هذا المقال هل تتجه الأمم المتحدة إلى أن تصل إلى منتدى للحوار السياسي، وهو الأمر الذي تمثله الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال الخطب والكلمات السياسية التي ينتهي تأثيرها بنهاية الخطاب نفسه في ظل تكرار المواقف. كما أن مجلس الأمن أصبحت قراراته واضحة ومعروفة سلفا حيث وجود الفيتو من قبل الخمسة الكبار.

ومن هنا فإن عدم قدرة الأمم المتحدة في إيجاد حلول بعد كل حرب أو أزمة تواجه العالم يجعلها تتدحرج إلى أن تصبح أحد تلك المنتديات السياسية بصرف النظر عن كونها لديها أدوات وتمثل فيها اكثر من ٢٠٠ دولة.

إن العقود الأربعة الأخيرة شهدت عددا من الحروب والصراعات خاصة في المنطقة العربية، ولعل الصراع العربي الإسرائيلي هو أحد أبرز تلك الصراعات لأنه يتعلق باحتلال أرض فلسطين وتشريد شعبها علاوة على عدد من الأزمات الإقليمية ولم تستطع الأمم المتحدة أن تسجل بصمة في إيجاد حلول حيث اقتصر دورها علي الجانب الإنساني، وهو الدور الذي تقوم به عدد من المنظمات المستقلة ومن خلال تلك الصورة الباهتة للأمم المتحدة، فإن دورها المحوري الذي ينص عليه ميثاقها يتقلص بشكل كبير، كما أن الثقة في أدائها تتآكل وهذا شيء معروف. ويمكن القول إن استمرار هذا النهج سوف يحولها في نهاية المطاف إلى منتدى سياسي على غرار تلك المنتديات التي أصبحت تمثل ظاهرة خلال السنوات

أن الأمم المتحدة وجدت لإيجاد حلول حقيقية للمشكلات والأزمات الإقليمية والدولية حتى يمكن المحافظة على السلام والاستقرار، ولكن مع هذا المشهد السياسي في نيويورك وهو مقر المنظمة حيث تعدد المشاريع في مجلس الأمن وتعدد التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد خلق أجواء سلبية ومتوترة وجعل الكثير من دول العالم تواجه ضغوطا سياسية خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا لضمان الأصوات وتسجيل المواقف.

إن إنشاء المنظمة الدولية في أعقاب أهوال الحرب العالمية الثانية كان لإيجاد منظومة السلام العالمية وحل المشكلات بين الدول من خلال الحوار وتطبيق الميثاق دون تردد على الدول جميعها سواء، القوى الكبرى والدول الأقل من ذلك، أما مسألة الهيمنة من قبل القوى الكبرى فقد خلق وضعا مربكا للأمم المتحدة وإذا استمر وضع المنظمة الدولية مع اندلاع كل حرب وأزمة، فإن مصيرها في المشهد الأخير وربما باقتناع خفي من القوى الكبرى هو أن تبقى الأمم المتحدة كمنتدى سياسي حواري مع بقاء مجلس الأمن كرمز للقوة والهيمنة والفيتو للقوى الخمس.

الإصلاح هو الحل

ارتفعت الأصوات كما تمت الإشارة خلال السنوات الأخيرة بضرورة إيجاد إصلاحات هيكلية للأمم المتحدة وكانت اليابان وألمانيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ومصر من القوى التي تطالب بإيجاد توازن في منظومة مجلس الأمن وتوسيع مجلس الأمن لإعطاء التوازن للقارات الخمس خاصة القارة الإفريقية والقارة اللاتينية مع صعود القوى الدولية الجديدة خاصة ألمانيا واليابان والهند، كما أن إعادة هيكلة وكالات الأمم المتحدة وأبعادها عن التأثيرات السياسية كوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين هو من الأمور الأساسية خاصة على الصعيد الإنساني، وكما هو معروف أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب قطعت التمويل عن الانروا وخلقت مشكلة إنسانية كبيرة لملايين اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات، وعلى ضوء ذلك لابد من إبعاد وكالات الأمم المتحدة ذات الطابع الإنساني عن التأثيرات السياسية، كما أن مسألة التصويت في مجلس الأمن لابد أن تتغير وحتى يلغى موضوع الفيتو، لأنه يعبر عن الهيمنة كما أن تأثير الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تمثل أصوات الدول من خلال عرض مشكلاتها لابد أن تأخذ قراراتها بشيء من الجدية والمتابعة، فهناك قرارات الشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية لا تزال في أدراج الأمم المتحدة منذ عقود، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تدافع عن الكيان الإسرائيلي بكل قوة وضد توجهات المجتمع الدولي، وهذا ما يجعل الأمم المتحدة تعيش أزمة حقيقية في أدائها الدولي بسبب تلك الهيمنة في مجلس الأمن. ومن هنا فإن مسألة إصلاح الأمم المتحدة هو الخطوة الأهم حتى يمكن لهذه المنظمة الدولية أن تستعيد هيبتها ومكانتها ودورها الذي رسم لها من خلال الميثاق، وإن مسألة هيكلة الأمم المتحدة والتوازن في قراراتها ودخول عدد من القوى الصاعدة في مجلس الأمن قد يقلل من الصراعات والحروب نفسها من خلال ذلك التوازن في قرارات الأمم المتحدة وهذا هو المنطق السياسي الصحيح أما إذا استمر وضع الأمم المتحدة على ما هو عليه فإن تحولها إلى منتدى سياسي هو أقرب إلى التحقيق، وقد يكون ذلك رغبة القوى الكبرى والتي تعد السبب في تهميش دور هذه المنظمة الدولية.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي