عمان اليوم

كفالة الأيتام .. أمان اجتماعي وحل بديل للأسر المحرومة من الإنجاب

«التنمية الاجتماعية» تتلقى مئات الطلبات .. وشروط محددة للاحتضان

 
عائشة البحرية: متابعة مستمرة للأطفال المحتضنين من قبل الأسر حتى سن الـ 18

أسر حاضنة: احتواء الأطفال لفتة إنسانية تعيد الثقة للأمهات وترفع حس الأمومة

كفالة الأيتام هي لمسة أمل، وحضن دافئ يمنحهم بعض الأمان الاجتماعي في حياتهم، كما أنها تؤمِّن لهم الغذاء والدواء والكساء والتعليم والدعم النفسي والاجتماعي.

تزداد معاناة الأطفال الأيتام الذين خسروا بوفاة آبائهم مصدر الرعاية والحماية، وفقدوا مقومات تحفظ كرامتهم الإنسانية، وفي سلطنة عمان هناك مؤشرات لارتفاع معدل كفالة الأطفال الأيتام لدى العديد من الأسر الحاضنة، ومراكز الرعاية البديلة، حتى يستطيع أن يعيش الطفل حياة أسرية متكاملة ومساعدته بأن يكمل مسيرة حياته بشكل طبيعي، وتخطي الأزمات المعيشية، وتأمين عاطفة الأمومة والأبوة له هي لفتة إنسانية نبيلة، إضافة إلى أن فكرة الاحتضان وكفالة طفل يتيم تعتبر ظاهرة أخلاقية عالية لها أبعادها ونتائجها المثمرة في جميع الجوانب سواء على الطفل المحتضن أو على الأفراد الذين يقومون برعاية هذا الطفل وعلى المجتمع. «$» وقفت على تجربة بعض الأسر الحاضنة للأطفال الأيتام وتعرفت على أدوارهم وتجاربهم في التربية.

شمسة الخصيبية، امرأة مطلقة ظلت فكرة الاحتضان تداعبها منذ ثلاث سنوات، وقد رأت من حولها صديقاتها وأهلها ممن احتضنوا أطفالا وتكفلوا بتربيتهم بدافع الأمومة والإنسانية، حيث قالت: كنت أحلم بأن يصبح لدي أسرة وأبناء ليكونوا سندا لي، ومسألة الاحتضان جاءت من قناعة تامة بعدما قال لي الأطباء: إن نسبة الحمل ضعيفة لدي، وكلمة «أمي» هي حلم كل أنثى، فطابع العاطفة يدفعني لتلبية هذا الشعور وترجمته في احتضان طفل فهو شعور جميل جدا، والآن أنا في صدد إنهاء الإجراءات اللازمة من وزارة التنمية الاجتماعية، وكلي شغف لرؤية طفلي الذي لم ألده ليدخل السرور في حياتي.مشاعر الامتنان

وقالت أم عائشة عن تجربتها: بسبب عدم قدرتي على الإنجاب بدأت رحلتي مع الكفالة، لم يقتنع زوجي بالفكرة في البداية ولكن مع الإلحاح أعاد النظر في الموضوع من الناحية الإنسانية والدينية وتجاوب مع هذه الرغبة، وقد أدخلت هذه التجربة في حياتي سعادة لا توصف، فعشت مع الطفلة معنى الأمومة في داخلي منذ أول يوم من احتضانها من مشاعر حب وقلق وخوف عليها، وأيضا مشاعر الامتنان التي أشعر بها إلى اليوم بقدرتي على رعاية طفلة وتقديم خدمة إنسانية لها، فهذا بحد ذاته عمل خير اعتبره كصدقة جارية لي، ولقد أحسنت تربيتها واجتهدت في تعليمها وكانت من الأوائل في الدراسة حتى أصبحت اليوم طالبة في إحدى الكليات، وإلى اليوم تشعر ابنتي بأنها وسط أسرتها الحقيقية.

أحمد الخروصي (أبو ملاك) ربّ أسرة ولديه أربعة أبناء، تكونت فكرة الاحتضان بمناقشة الأعمال الخيرية بينه وبين زوجته، حيث قال في هذا الجانب: كنا كزوجين نناقش الأعمال التطوعية وكيف يمكننا أن نساهم في الأعمال التطوعية، فبدأنا باستعراض مجموعة منها ودراسة إمكانية الالتزام بها، إلا أنه بحكم طبيعة أعمالنا كان من الصعب الالتزام والتقيّد ببعض الأعمال، وفي نفس الفترة كنا ننتظر مولودا، فتولدت لدينا شيئا فشيئا فكرة احتضان مولود مع ابننا البيولوجي، فترعرعت الفكرة في داخلنا مع استشعار لعظمة كفالة الأيتام من الناحية الدينية والإنسانية، إلا أن الظروف لم تكن مناسبة عند ولادة المولود، فانتظرنا سنتين حتى تحقق الحلم، ولقد اندمج الطفل في العائلة وأصبح طفلنا الخامس، ولم تكن هناك أي صعوبة في التربية إطلاقا، بل على العكس الشعور بانتماء الطفل لنا وقوله كلمة «ماما وبابا» لم نعد نشعر أنه ليس طفلنا، فالأمر في غاية الروعة والجمال.

الدوافعوأشار الخروصي إلى الرغبة في القيام بعمل تطوعي مستمر مدى العمر غير منقطع، ويكون تأثيره علينا وعلى الطرف الآخر إيجابيا وظاهرا على الدوام، فكفالة اليتيم هي لنيل رضا الله «عز وجل»، علاوة على أن مثل هذه الأعمال تسهم في تصحيح النظرة السلبية للاحتضان لدى المجتمع ولو كان على نطاق الأسرة والأصدقاء، أن العطاء وأعمال الخير لا تقتصر على مبالغ نقدية أو فعالية وقتية فحسب، بل هو عمل مستمر ومنهاج حياة.

تقبل المجتمع

وعن تقبل الأسرة والمجتمع لفكرة الاحتضان قال الخروصي: من الأمور التي كنا نتوقع فيها صعوبة مصارحة الأهل بالفكرة، فقمنا بالاستعداد النفسي والمعنوي من خلال الاطلاع على خبرات من سبقنا وكذلك استشارة المختصين في وزارة التنمية الاجتماعية فكان لهم الدور الإيجابي الكبير، ومما أبهرنا ردة الفعل الحسنة والمشجعة والمحفزة لنا من قبل الأهل سواء من آبائنا أو إخواننا، أما بالنسبة لباقي المجتمع والأصدقاء فكان الأمر أغلبه يتمحور حول شرح الفكرة وإيجابياتها للفرد والمجتمع، ومن نتائج هذه الخطوة هي تقبل الفكرة والشروع من بعض الأصدقاء في التخطيط للاحتضان.حُب الأطفال

سلمى الحجرية تقول عن تجربتها: أنا عاشقة للأطفال منذ صغري، تولدت فكرة الاحتضان في أعماقي في مرحلة مبكرة جدا من عمري، أي مذ كنت طالبة بالجامعة، والاحتضان أكبر من كونه مجرد رعاية لطفل، فالرعاية يمكن أن يقوم بها أي فرد، ولكن هو شعور ودافع إنساني يقدم حياة طبيعية وسليمة لطفل فقد أسرته البيولوجية لينمو وينشأ كأي طفل آخر.

وأكدت الحجرية أن تربية الأطفال بشكل عام في هذا الزمن ليست بالأمر السهل، إلا أنه بالجهد والكثير من الحب والدعاء لهم والتوكل على الله عز وجل فإن الأمور تتيسر، والتحدي الأكبر بالنسبة لنا كحاضنات ليست التربية فقط ولكن هو تقبل المجتمع لهؤلاء الأطفال، بحيث لا يكونوا عرضة للتنمر من قبل الكثير من فئات المجتمع الذين قد ينظرون إليهم بدونية، الأمر الذي يؤثر على حياتهم بشكل كبير جدا.

شروط الاحتضان

وأوضحت عائشة بنت منصور البحرية رئيسة قسم الرعاية البديلة في وزارة التنمية الاجتماعية أن هناك شروطا وسياسات مُتّبعة يجب توافرها لأي فرد لديه الرغبة في احتضان طفل، وعن أهم العوامل الجوهرية المشترطة لاحتضان آمن للطفل قالت: أن تتكفل الأسرة برعاية الطفل المراد احتضانه وتهيئة الظروف الأسرية والنفسية الملائمة، وأن تكون على وعي بأساليب الدعم النفسي والمعنوي للطفل المحتضن، كما أنها على استعداد لتهيئة بيئة اجتماعية أسرية داعمة ومحبة له، وأن يكون المحيط الأسري متقبلا ومشجعا لفكرة الاحتضان وعلى قدر من الوعي في تربية وتلبية احتياجات الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، ويكون قرارها بشأن الاحتضان واضحا وأكيدا ولديها الاستعداد في قبول التحديات التي قد تحدث في المستقبل، إضافة لذلك لا بد أن تتمتع الأسرة بصحة نفسية جيدة واتزان انفعالي وسلوكي، ولديها الوعي الكافي بجوانب التربية الإيجابية، ومدركة للرعاية الوالدية الفعــــالة والقيم والأخلاق النبيلة وتربية الأبناء وتوجيههم.

إيجابيات الاحتضان

وأشارت البحرية إلى أن الطفل الذي يتربى في حضن أسرة وعائلة بديلة يتمتع بقدرة على النمو المُتكافئ السليم بشكل أفضل، حيث يكون مدعوما ومحبوبا من قبل الأسرة فتزيد عنده الثقة بالنفس وتتكون شخصيته، وذلك لأنه تربى في بيئة أسرية متماسكة فيصبح أكثر قدرة على الاندماج الاجتماعي وتكوين علاقات اجتماعية ناجحة، كما أن قدرات ومهارات الأطفال الذين تربوا في بيئة أسرية بديلة فرصهم أفضل بكثير من جميع النواحي الاجتماعية والنفسية حيث يصبح للطفل أخوة يتعايش معهم بشكل طبيعي، وبيّنت أن المتابعة مستمرة للأطفال المحتضنين من قبل الأسر حتى بلوغه سن الـ18، ويتم مساندتهم في حياتهم العلمية والعملية أيضًا.إقبال العمانيين

وثمّنت البحرية إقبال المجتمع العماني على الاحتضان قائلة: إن المجتمع العماني متكافل يحب الخير والعطاء، وهي سمات أساسية له نابعة من تعاليم شريعتنا الإسلامية السمحاء والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، حيث تتقدم العديد من الأسر العمانية للاحتضان بكافة المحافظات، والطلبات تتجاوز المئات سنويا، ويخضع المتقدمون للمقابلات والزيارات الميدانية، وبعضها يحال للاختبارات النفسية للمختصين.