التوظيف الحر في الاقتصاد المبدع
السبت / 15 / شعبان / 1443 هـ - 17:57 - السبت 19 مارس 2022 17:57
يستعد العالم للعودة لممارسة أنشطة الحياة بعد تداعيات جائحة كورونا (كوفيد 19) في ظل دعوات لانتهاء هذه الجائحة وزوالها التام، على الرغم من أنها فترة ما يُسمى بـ (عدم اليقين) باصطلاح تقرير مجموعة البنك الدولي (الآفاق الاقتصادية العالمية 2022)، إلاَّ أن الأنظار تترقب أنماط هذه العودة وأشكالها، التي كان للانقطاع والتذبذ في ممارسة الحياة الاجتماعية الطبيعية والأعمال التجارية، بل حتى في علاقة الناس بالطبيعة، الأثر الكبير في تحولاتها وتغيراتها. ولهذا فإن العديد من التقارير تشير إلى ذلك التغير الذي طرأ على أنماط الحياة اليومية للأفراد، والذي سيكون له الأثر البالغ في تشكيل الأنماط الحياتية القادمة لما بعد الجائحة.
لقد قدَّم لنا تقرير (اتجاهات فيجور 2022) الصادر عن شركة (إكستنشر التفاعلية) في إسبانيا، مجموعة من الاتجات الحديثة في سوق الأعمال بعد استعراض اتجاهات العام الماضي المرتبطة بـ “قيام الأفراد والمؤسسات بتعيين مناطق جديدة للحياة مع انحسار صدمة الوباء”، إلاَّ أن العام الحالي يشهد تحديات تتعلَّق بـ “الحاجة إلى الاستجابة للتغيرات في جميع العلاقات والخيوط التي تشكل نسيج الحياة الجديدة”، وهذه التغيرات قد تؤثر في علاقاتنا بالآخر على المستوى الاجتماعي، وعلاقتنا بالعمل على المستوى المؤسسي، بل وحتى علاقتنا بالمعاملات الاقتصادية على المستوى الأوسع.
إن الخيارات التي تنتظرنا خلال الفترة المقبلة تؤثر على عالمنا وعلاقتنا بالمجتمع، ولهذا فإن تقرير فيجور يعدنا بفرص جديدة (لتصميم أنظمة حديثة وطرق جديدة للوجود)، وهي أنظمة قائمة على بناء علاقات إيجابية وواعية بأهمية تطوير أنماط معيشية أوسع من ناحية والانفتاح على الخيارات الأكثر تطلعا نحو المستقبل من ناحية أخرى. إن ضرورة إيجاد أنماط تؤكد مبدأ تطوير وسائل العيش وسوق الأعمال والثقة بالأهداف الوطنية تُعد اليوم من المسلمات؛ ذلك لأن الجائحة وضعت الناس في قلب المجتمع الذي تحرص الدولة على الحفاظ عليه ليس على المستوى الصحي والبيئي وحسب بل حتى على المستويات الاجتماعية والاقتصادية.
فلقد تغيرت أولويات الأفراد بسبب الجائحة وتداعياتها المختلفة، ومع انفتاح الاقتصادات العالمية بحلول منتصف عام 2021، إضافة إلى الطفرات التقنية الهائلة السريعة التي صاحبت الجائحة، وبدلا من أن نتحدث عن التسريحات التي رافقت الجائحة بسبب الأزمة الاقتصادية على مستوى المؤسسات، نذكر هنا ظاهرة قلبت الموازين؛ حيث يخبرنا التقرير عن (تغير سوق العمل إلى سوق الطلب) ـ وهو من التعبيرات التي صاغها أستاذ الإدارة الأمريكي أنتوني كلوتس ـ وذلك بسبب ظاهرة الاستقالات الاختيارية الكبرى التي واكبت الجائحة، وهو تعبير يصف حالة الموظفين والعمَّال الذين تركوا وظائفهم بعد إعادة النظر في أولوياتهم أثناء عمليات الإغلاق الوبائي؛ حيث بدأ الكثير منهم يرى في العمل المرن أكثر فاعلية، خاصة بعد تجربة العمل عن بُعد؛ فعلى الصعيد الدولي وحسب دراسة أجرتها شركة ميكروسوفت فإن مصانع الصين كافحت للعثور على العمال بسبب الاستقالات، وفي ألمانيا أبلغت “أكثر من ثلث الشركات عن مخاوفها بسبب نقص العمالة الماهرة”، وفي المملكة المتحدة “وصل عدد الوظائف الشاغرة من يوليو إلى سبتمبر 2021 إلى مستوى قياسي بلغ 1،102،000 وظيفة”
ينبئنا ذلك كله عن التحوُّل في المفاهيم والتغير في طبيعة النظر إلى أنماط الحياة، والوظائف والمهارات المرتبطة بها. إنه توجُّه العمالة الماهرة إلى الأعمال الحرة التي لا تلتزم سوى بمستويات الإبداع والابتكار، حيث تعتمد على الخبرة والقدرات المهنية، ليظهر ما يُسمى بـ (الاقتصاد المبدع سريع النمو)، الأمر الذي جعل الأنماط الإبداعية المرتبطة بالثقافة بشكل خاص أحد أهم تلك التغيرات التي أثَّرت على المستويات الحياتية كلها، ولقد اتضح أثناء الجائحة قدرة الأنماط الثقافية على النمو، والصمود أكثر من غيرها، خاصة في اعتمادها على التقنيات وما واكبها من تطور سريع.
إن التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي غيَّرت أنماط الحياة على مستوى العالم، هي نفسها التي تشكِّل التحديات التي يعاني منها مجتمعنا، وهي نفسها التي تقدِّم مجموعة من الحلول التي تحتاج إلى وعي المجتمع بأهمية الاستفادة من الخبرات والمهارات من ناحية، والاقتصادات الإبداعية الجديدة التي أصبحت أحد أهم محددات المرحلة القادمة من ناحية أخرى.
فالتحولات الثقافية التي مرَّت بها المجتمعات قادرة على إحداث تغيُّرات على المستويات الوطنية، ولهذا فإن ما يتحدث عنه العالم اليوم وهو يستعد لمرحلة (ما بعد الجائحة) هو (الخبرات الثقافية المشتركة) و(الاقتصادات الجديدة). إنهما محوران يعتمدان على قدرة المجتمع على تحديد أولوياته، وقدرته على فهم المتطلبات المرحلية الوطنية والعالمية. وإذا كان العالم يسعى اليوم إلى التوجه نحو الاقتصاد الحر، فإن ذلك يعني أن مفاهيم تنمية الموارد البشرية والخبرات قد تغيرت بالفعل، وأن المستقبل للمهارة والإبداع والابتكار.
وإذا كانت البرامج الاستراتيجية للخطة الخمسية العاشرة (2021 ـ 2025) في أولوية سوق العمل والتشغيل قائمة على استشراف مستقبل سوق العمل، والتدريب والتأهيل، فإن ذلك كله عليه أن يتأسس وفق معطيات (ما بعد الجائحة)؛ ولقد قدَّمت عُمان نموذجا مهما في فكر التوظيف والتشغيل خلال الفترة الماضية، والتي كانت من أشد الفترات صعوبة، إلاَّ أن المرحلة المقبلة ستحتاج إلى رؤى قادرة على مواكبة المتطلبات المحلية والرؤى العالمية، إضافة إلى التحديات المرحلة. وإذا ما تحدثنا عن قطاعات الثقافة فإنها ستكون فاتحة مهمة للتحولات الوظيفية في سوق العمل للمرحلة المقبلة.
إن قطاع الثقافة بأنواعه المختلفة يمر بمنعطفات وتحولاّت مهمة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا فإن فيجور في تقريرها تعتبر هذه التحولات هي حركة انتعاش لسوق الأعمال الثقافية، وهي في ذلك تقارنه بـ (عصر النهضة في فلورنسا وفيينا في القرن العشرين وعقد الستينيات في لندن). إنه عصر ذهبي لأن الأعمال تتجه نحو تطويع التقنية والإبداع في خدمة هذا القطاع الثري، ليكون المتنفس الترفيهي الذي ينتظره الناس بعد حالة من التقلبات الصحية والاقتصادية أدت إلى العديد من التحديات، إضافة إلى قدرته المرنة على استيعاب التوظيف الحر الذي تتطلبه المرحلة.
إن سوق العمل الثقافي في سلطنة عُمان إذا ما استطاع استثمار الفرص الاقتصادية والوظيفية القائمة على (الاقتصاد المبدع)، وإذا ما كان قادرا على توظيف المبدعين توظيفا يتناسب مع مهاراتهم، فإنه سيقدم نماذج إبداعية اقتصادية مثرية؛ فالعالم اليوم يعمل على إشراك الناس في الفن والموسيقا والأفلام والعلامات التجارية المرتبطة بالصناعات الإبداعية والأزياء وتصاميم المجوهرات والموضة وغير ذلك من الأنواع الثقافية الإبداعية.
وعلى الرغم من تزايد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الثقافة، إضافة إلى الفرق المسرحية والفنية وغيرها، إلاَّ أن التطلعات تزداد في إثراء هذه التجربة، وإحداث تغيرات في فكر الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، خاصة في المرحلة المقبلة التي ستشهد ـ بحسب التطلعات العالمية ـ تغيرات على مستوى الأداء، ومستوى التوظيف، حيث سيكون قطاعا جاذبا للتوظيف المرن والحر.
ولهذا فإن القطاعات الثقافية الاستثمارية عليها أن تقدم نفسها باعتبارها علامات تجارية منافسة لا على المستوى المحلي وحسب بل أيضا على المستوى الإقليمي؛ ذلك لأن فعل التنافس يُنشء القدرة على التطوير بما يتناسب والمتغيرات الأوسع والأكثر شمولية، والأقدر على الصمود أمام تقلبات سوق العمل، وبالتالي فإن قياس الأثر لا يكون بعدد المؤسسات بل على مستوى قدرتها التنافسية وجودة منتجها.
ولكي يستطيع هذا القطاع الاقتصادي الحيوي التنافس فإنه يحتاج إلى مجموعة من السياسات الداعمة، والميسِّرة، والاستثمارات القائمة على الشراكات، إضافة إلى الأسواق المفتوحة أو المنافذ التقنية ذات المستويات التسويقية عالية الجودة؛ حيث لا يمكن للمبدع وحده (موسيقي، أو كاتب، أو حرفي، أو مصمم أو غير ذلك)، الاستثمار في قطاعه الإبداعي دون أن تكون لديه ملاءة مالية، أو خبرة إدارية وتسويقية.
إن سوق العمل الثقافي اليوم يمر بمتغيرات حيوية قادرة على جذب رؤوس الأموال، لأنه من القطاعات التي تعتمد على الإبداع، والشراكة المجتمعية، وهما مستقبل الاستثمار الذي يتأسس على مفهوم (الرفاهية)، الذي تُقبل عليه المجتمعات بعد الجائحة وتداعياتها، ليصبح سوقا مفتوحة قادرة على المضي وكسر التحديات، إذا ما تم العمل عليه باعتباره المتنفس الذي ينشده العالم في المرحلة المقبلة.
لقد قدَّم لنا تقرير (اتجاهات فيجور 2022) الصادر عن شركة (إكستنشر التفاعلية) في إسبانيا، مجموعة من الاتجات الحديثة في سوق الأعمال بعد استعراض اتجاهات العام الماضي المرتبطة بـ “قيام الأفراد والمؤسسات بتعيين مناطق جديدة للحياة مع انحسار صدمة الوباء”، إلاَّ أن العام الحالي يشهد تحديات تتعلَّق بـ “الحاجة إلى الاستجابة للتغيرات في جميع العلاقات والخيوط التي تشكل نسيج الحياة الجديدة”، وهذه التغيرات قد تؤثر في علاقاتنا بالآخر على المستوى الاجتماعي، وعلاقتنا بالعمل على المستوى المؤسسي، بل وحتى علاقتنا بالمعاملات الاقتصادية على المستوى الأوسع.
إن الخيارات التي تنتظرنا خلال الفترة المقبلة تؤثر على عالمنا وعلاقتنا بالمجتمع، ولهذا فإن تقرير فيجور يعدنا بفرص جديدة (لتصميم أنظمة حديثة وطرق جديدة للوجود)، وهي أنظمة قائمة على بناء علاقات إيجابية وواعية بأهمية تطوير أنماط معيشية أوسع من ناحية والانفتاح على الخيارات الأكثر تطلعا نحو المستقبل من ناحية أخرى. إن ضرورة إيجاد أنماط تؤكد مبدأ تطوير وسائل العيش وسوق الأعمال والثقة بالأهداف الوطنية تُعد اليوم من المسلمات؛ ذلك لأن الجائحة وضعت الناس في قلب المجتمع الذي تحرص الدولة على الحفاظ عليه ليس على المستوى الصحي والبيئي وحسب بل حتى على المستويات الاجتماعية والاقتصادية.
فلقد تغيرت أولويات الأفراد بسبب الجائحة وتداعياتها المختلفة، ومع انفتاح الاقتصادات العالمية بحلول منتصف عام 2021، إضافة إلى الطفرات التقنية الهائلة السريعة التي صاحبت الجائحة، وبدلا من أن نتحدث عن التسريحات التي رافقت الجائحة بسبب الأزمة الاقتصادية على مستوى المؤسسات، نذكر هنا ظاهرة قلبت الموازين؛ حيث يخبرنا التقرير عن (تغير سوق العمل إلى سوق الطلب) ـ وهو من التعبيرات التي صاغها أستاذ الإدارة الأمريكي أنتوني كلوتس ـ وذلك بسبب ظاهرة الاستقالات الاختيارية الكبرى التي واكبت الجائحة، وهو تعبير يصف حالة الموظفين والعمَّال الذين تركوا وظائفهم بعد إعادة النظر في أولوياتهم أثناء عمليات الإغلاق الوبائي؛ حيث بدأ الكثير منهم يرى في العمل المرن أكثر فاعلية، خاصة بعد تجربة العمل عن بُعد؛ فعلى الصعيد الدولي وحسب دراسة أجرتها شركة ميكروسوفت فإن مصانع الصين كافحت للعثور على العمال بسبب الاستقالات، وفي ألمانيا أبلغت “أكثر من ثلث الشركات عن مخاوفها بسبب نقص العمالة الماهرة”، وفي المملكة المتحدة “وصل عدد الوظائف الشاغرة من يوليو إلى سبتمبر 2021 إلى مستوى قياسي بلغ 1،102،000 وظيفة”
ينبئنا ذلك كله عن التحوُّل في المفاهيم والتغير في طبيعة النظر إلى أنماط الحياة، والوظائف والمهارات المرتبطة بها. إنه توجُّه العمالة الماهرة إلى الأعمال الحرة التي لا تلتزم سوى بمستويات الإبداع والابتكار، حيث تعتمد على الخبرة والقدرات المهنية، ليظهر ما يُسمى بـ (الاقتصاد المبدع سريع النمو)، الأمر الذي جعل الأنماط الإبداعية المرتبطة بالثقافة بشكل خاص أحد أهم تلك التغيرات التي أثَّرت على المستويات الحياتية كلها، ولقد اتضح أثناء الجائحة قدرة الأنماط الثقافية على النمو، والصمود أكثر من غيرها، خاصة في اعتمادها على التقنيات وما واكبها من تطور سريع.
إن التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي غيَّرت أنماط الحياة على مستوى العالم، هي نفسها التي تشكِّل التحديات التي يعاني منها مجتمعنا، وهي نفسها التي تقدِّم مجموعة من الحلول التي تحتاج إلى وعي المجتمع بأهمية الاستفادة من الخبرات والمهارات من ناحية، والاقتصادات الإبداعية الجديدة التي أصبحت أحد أهم محددات المرحلة القادمة من ناحية أخرى.
فالتحولات الثقافية التي مرَّت بها المجتمعات قادرة على إحداث تغيُّرات على المستويات الوطنية، ولهذا فإن ما يتحدث عنه العالم اليوم وهو يستعد لمرحلة (ما بعد الجائحة) هو (الخبرات الثقافية المشتركة) و(الاقتصادات الجديدة). إنهما محوران يعتمدان على قدرة المجتمع على تحديد أولوياته، وقدرته على فهم المتطلبات المرحلية الوطنية والعالمية. وإذا كان العالم يسعى اليوم إلى التوجه نحو الاقتصاد الحر، فإن ذلك يعني أن مفاهيم تنمية الموارد البشرية والخبرات قد تغيرت بالفعل، وأن المستقبل للمهارة والإبداع والابتكار.
وإذا كانت البرامج الاستراتيجية للخطة الخمسية العاشرة (2021 ـ 2025) في أولوية سوق العمل والتشغيل قائمة على استشراف مستقبل سوق العمل، والتدريب والتأهيل، فإن ذلك كله عليه أن يتأسس وفق معطيات (ما بعد الجائحة)؛ ولقد قدَّمت عُمان نموذجا مهما في فكر التوظيف والتشغيل خلال الفترة الماضية، والتي كانت من أشد الفترات صعوبة، إلاَّ أن المرحلة المقبلة ستحتاج إلى رؤى قادرة على مواكبة المتطلبات المحلية والرؤى العالمية، إضافة إلى التحديات المرحلة. وإذا ما تحدثنا عن قطاعات الثقافة فإنها ستكون فاتحة مهمة للتحولات الوظيفية في سوق العمل للمرحلة المقبلة.
إن قطاع الثقافة بأنواعه المختلفة يمر بمنعطفات وتحولاّت مهمة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا فإن فيجور في تقريرها تعتبر هذه التحولات هي حركة انتعاش لسوق الأعمال الثقافية، وهي في ذلك تقارنه بـ (عصر النهضة في فلورنسا وفيينا في القرن العشرين وعقد الستينيات في لندن). إنه عصر ذهبي لأن الأعمال تتجه نحو تطويع التقنية والإبداع في خدمة هذا القطاع الثري، ليكون المتنفس الترفيهي الذي ينتظره الناس بعد حالة من التقلبات الصحية والاقتصادية أدت إلى العديد من التحديات، إضافة إلى قدرته المرنة على استيعاب التوظيف الحر الذي تتطلبه المرحلة.
إن سوق العمل الثقافي في سلطنة عُمان إذا ما استطاع استثمار الفرص الاقتصادية والوظيفية القائمة على (الاقتصاد المبدع)، وإذا ما كان قادرا على توظيف المبدعين توظيفا يتناسب مع مهاراتهم، فإنه سيقدم نماذج إبداعية اقتصادية مثرية؛ فالعالم اليوم يعمل على إشراك الناس في الفن والموسيقا والأفلام والعلامات التجارية المرتبطة بالصناعات الإبداعية والأزياء وتصاميم المجوهرات والموضة وغير ذلك من الأنواع الثقافية الإبداعية.
وعلى الرغم من تزايد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الثقافة، إضافة إلى الفرق المسرحية والفنية وغيرها، إلاَّ أن التطلعات تزداد في إثراء هذه التجربة، وإحداث تغيرات في فكر الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، خاصة في المرحلة المقبلة التي ستشهد ـ بحسب التطلعات العالمية ـ تغيرات على مستوى الأداء، ومستوى التوظيف، حيث سيكون قطاعا جاذبا للتوظيف المرن والحر.
ولهذا فإن القطاعات الثقافية الاستثمارية عليها أن تقدم نفسها باعتبارها علامات تجارية منافسة لا على المستوى المحلي وحسب بل أيضا على المستوى الإقليمي؛ ذلك لأن فعل التنافس يُنشء القدرة على التطوير بما يتناسب والمتغيرات الأوسع والأكثر شمولية، والأقدر على الصمود أمام تقلبات سوق العمل، وبالتالي فإن قياس الأثر لا يكون بعدد المؤسسات بل على مستوى قدرتها التنافسية وجودة منتجها.
ولكي يستطيع هذا القطاع الاقتصادي الحيوي التنافس فإنه يحتاج إلى مجموعة من السياسات الداعمة، والميسِّرة، والاستثمارات القائمة على الشراكات، إضافة إلى الأسواق المفتوحة أو المنافذ التقنية ذات المستويات التسويقية عالية الجودة؛ حيث لا يمكن للمبدع وحده (موسيقي، أو كاتب، أو حرفي، أو مصمم أو غير ذلك)، الاستثمار في قطاعه الإبداعي دون أن تكون لديه ملاءة مالية، أو خبرة إدارية وتسويقية.
إن سوق العمل الثقافي اليوم يمر بمتغيرات حيوية قادرة على جذب رؤوس الأموال، لأنه من القطاعات التي تعتمد على الإبداع، والشراكة المجتمعية، وهما مستقبل الاستثمار الذي يتأسس على مفهوم (الرفاهية)، الذي تُقبل عليه المجتمعات بعد الجائحة وتداعياتها، ليصبح سوقا مفتوحة قادرة على المضي وكسر التحديات، إذا ما تم العمل عليه باعتباره المتنفس الذي ينشده العالم في المرحلة المقبلة.