أعمدة

نوافذ : يُكافأ الباطلُ أكثر!

 
shialoom@gmail.com

يعيش الإنسان حالة من التضاد، وهي حالة غريبة جدا، وبقدر غرابتها، ومجموعة الأسئلة التي تدور حولها، إلا أن الإنسان هو نفسه الذي يمارسها ويستنكرها في الوقت نفسه، وهو نفسه الذي يطرح أسئلة هذا الاستنكار، مما يكرس أكثر تتالي الأسئلة وتموضعها على كثير من الممارسات، صحيح أن حالة التضاد هي من الفطرة، وليست مكتسبة، ولو كانت مكتسبة لما وقع فيها كثير من الناس، فالمكتسب، في العادة، قد يتشارك الناس فيه، وقد لا يحدث ذلك، بناء على خبرات الشخص، والبيئة المحيطة به، أما الفطرة فيتقاسمها الناس جميعا، وإن كان ذلك بصورة نسبية، فالشر، على سبيل المثال، مغروس عند كل الناس، ولكن توظيفه على الواقع يتفاوت بين فلان من الناس، وغيره، والخير كذلك، والعلم كذلك، والجهل كذلك، والمكر كذلك، والظلم والتسامح، والعفو، والأمانة، والكرم والبخل، والشجاعة والجبن، وغيرها من المتضادات، فهذه مغروسة في كل الأنفس.

وحالة التضاد التي نتحدث عنها، تذهب إلى أننا نكره الكذب، على سبيل المثال، ولكن في مواقف أخرى قد نمارسه، وقد ندفع مالا بكل سخاء لفلان من الناس، لأنه يكذب في مواقف الصدق، أو يخون في مواقف الأمانة، أو يماطل في مواقف اتخاذ القرار الحاسم، أو يظلم في مواقف العدل، أو يتعنت في مواقف التسامح، أو يجبن في مواقف الشجاعة، وفي جانب آخر من حالة التضاد هذه، أنه على الرغم من أهمية كل المثل السابقة، في جانبها الإيجابي لن تلقى التقدير، وهنا أتحدث على مستوى الحالة البشرية المطلقة، ولا أذهب أبعد من ذلك، وبالتالي فلن تجد أن يكافأ الصادق، أو الأمين، أو العادل، أو الكريم، أو المتسامح، بل قد يمارس عليه الكثير من الضغوط، ومن الإقصاء، ومن صور الاتهام، والسبب أنه خرج عن ما يريده الآخرون، أو ما اعتادوا عليه، على الرغم أن في هذه الأخيرة مكابدة، ما بعدها مكابدة، فكل من الصادق، والأمين، والشجاع، والمتسامح، والعادل، والكريم، يدفع أثمانا باهظة من قناعاته، ومن مواقفه، ومن مزاحمة الناس عليه، وهذه المكابدة قد تكلفه منصبه، في بعض الأحيان، وقد تبعده عن حضرة الجماعة التي ينتمي إليها، وقد تتكلف أسرته معه في دفع ثمن ما، فهل يكافأ الباطل أكثر؟!

وما أجمل قول أبي الطيب المتنبي في هذا المعنى، إذ يقول: «ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ: وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ». فالعقل، كما هو معروف، ينتصر لكل القيم السامية، ولا يذهب حيث هي مناخات مواقف الابتذال، والمسألة برمتها لا تذهب إلى حيث طغيان الشر، ومنابته العفنة، ولكن لوقع تأثيره على حياة الناس، يظل يتصدر المشهد، أكثر من غيره من القيم المتصادمة معه، والطرح هنا لا ينتصر إلى الشر على أنه المتسيد على المشهد الإنساني، ولكن لا يغفل مسألة أن هناك من يدفع بأدوات الشر التي سبق ذكرها أعلاه، وذلك لتحقيق مآرب لا يمكن أن يصل إليها بأدوات الخير، وهي الأدوات الموسومة بالوضوح، والحيادية، والتعامل الآمن، والذاهبة كلها إلى جعل الحياة آمنة مطمئنة، وهذا مما يغيض البعض الذين يتعمدون الإساءة إلى الآخرين، وغفلتهم المفرطة عن أنهم يسيئون لأنفسهم، وهم من سوف يدفعون ثمن كل هذه الإساءات خاتمة لحياتهم المعفرة بجبين الحسرة والعسرة.