أفكار وآراء

بعيدا عن العنصرية، قريبا من التاريخ

حصة البادي
 
حصة البادي
تصطخب وسائل الإعلام العربية باكتشاف عنصرية الأوروبيين في تعاملهم مع أزمة أوكرانيا وروسيا، ولا يقصد بهذه العنصرية عنصرية العامة، بل الكلام هنا عن الخاصة من سياسيين وإعلاميين غربيين عبّروا بمنتهى الوضوح عمّا ترسخ لديهم من أفكار عن الآخر في انفعال عابر للقارات.

ولستُ أعجب من عنصرية الغرب التي باغتت المتلقي العربي وغير العربي في آسيا وأفريقيا على أقل تقدير؛ لأن التعليقات الصادمة والجارحة وضعت الحروب والقتل والتشريد في سلة الشرق، وبدت مستنكرة لحضوره غربيا بين أوكرانيا و روسيا.

استغراب الغربيين من أن تطال الحروب أوروبا هو الذي أدهشني وأثار استغرابي، ولا ينبغي أن يُظن هنا أن في المقالة شماتة بأوروبا وتشفيّا ببلوغ الحرب منازل الغربيين في كل من أوكرانيا وروسيا، على أن في الأمر متسعا لإعادة النظر في دروس التاريخ التي لمّا نتعلمها بعد ولمّا نبلغ حكمتها.

لن نتبحّر في حروب تاريخية لأزمنة غابرة، بل حسبنا أوروبا التي قادت حربين عالميتين في العصر الحديث، ثم كانت ولم تزل إما مصنّعا أو مغذيا أو محرّكا لحروب أخرى في العالم عموما، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

وكل ذلك ليس بالمنطق وحده، ولا بحساب المصلحة والنفوذ وحسب، بل يدعمه ما تمخّض عن حرب الاستخبارات الحالية بين كل من أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى وظهور أوراق معلوماتية في هذه الحرب النفسية التي تدور رحاها بين إعلام الجهتين، والتي تضمنت التصريح بكشف معلومات استخباراتية حول قضايا شرق أوسطية مثل تفجير ميناء بيروت، وحرب العراق، و أحداث 11 سبتمبر، ومقتل الحريري، ومع كل ذلك سيتابع المتلقي العربي صدمته وتلّبس دهشته واستغرابه مما قد يظهر في هذه الكشوفات العظيمة بعد عقود من مسبباتها، فهل سنعجب إن كشفت الأيام عن دور أمريكي أو آخر بريطاني أو غيره أوروبي في دفع عجلة تلك الأحداث؟!

من اللافت كذلك أن رئيس المخابرات الروسية يرى محاولة الغرب تدمير روسيا حيث يقول: 'الأقنعة تسقط، الغرب لا يحاول فقط تطويق روسيا بستار حديدي جديد، هذه محاولات لتدمير دولتنا لإفنائها'.

انتقد رئيس الاستخبارات الروسي كذلك توسع حلف الناتو على مدى العقود الثلاثة الماضية و'الإبادة الجماعية الثقافية' للمتحدثين بالروسية في دول الاتحاد الروسي السابق ومن بينها أوكرانيا.

إن أشد ما أثار اهتمامي في هذا التصريح هو 'الأمن اللغوي الثقافي' إن جاز التعبير، وربطه بالأمن القومي، وإن لم يكن المعرض معرض حديث عن اللغة هنا (كما قد يرى بعض القراء) إلا أنها هنا شئنا أم أبينا، وها هي الدول الكبرى تتلمس أمنها القومي عبر أمنها الثقافي اللغوي، فأين أمننا اللغوي الثقافي في كل الوطن العربي من كل ذلك؟

ويمر الوقت لنتابع مشاهدات يومية وأحداث تترى وتصريحات مختلفة موجهة سياسيا واقتصاديا بالضرورة هنا وهناك لتغذية هذه القرية العالمية المفتوحة التي نعيش فيها وعولمة الموقف، ومحاولة إشراكها في إرهاصات 'هذه الحرب' إن حدثت، وإن كنا نتمنى وندعو الله - صادقين - أن لا تحدث الحرب لمعرفتنا اليقينية بأننا سنكون وقودها ورحاها لا محالة، إذ أننا الحلقة الأضعف حتى وإن لم نشارك بها بشكل مباشر، سندفع ضريبتنا فيها ومنها وستكون وبَالا علينا اقتصاديا واجتماعيا (شعوبا عربية)؛ إذ ستدفع شعوبنا فاتورة إعادة إعمار أوروبا الجديدة، وستعاني شعوبنا مع شح الموارد وندرة المواد الأساسية التي تأتي عبر أوروبا أو روسيا وسنواجه التضخم وتداعياته، سيحدث كل ذلك حتى مع كل توقعات الساسة بأنها مرحلة مفصلية لاقتصاد عالمي جديد، وتشكلات مختلفة للقوى العالمية.

لسنا مع الحروب على كل حال، ولا ينبغي أن نكون معها لما ذقناه من ويلاتها، وللمتوقع من نتائجها، وتوافقا مع إنسانيتنا لا نبغي أن نَعلك عنصرية الغرب المقيتة في التمييز بين قتيل غربي أو شرقي، عربي أو روسي، فالإنسانية واحدة والدم واحد والحاجة للأمان واحدة.

* حصة البادي شاعرة وكاتبة عمانية