الاقتصادية

كيف تنجح الأساليب الدعائية في إقناعنا بالخروج عن قائمة التسوق في كل مرة؟

أغلفة مبهرجة وعبارات تحاكي حاجات نفسية متأصلة

 


  • البوسعيدي: الأشخاص الذين يضعون خططا صارمة لإنفاقهم لا ينجرون لشراء ما لا يحتاجون


  • العريمي: الهوس الشرائي سببه الأسواق المغرقة بالكماليات والتي تخاطب رغبات مختلفة عند المستهلكين


  • الشامسية: علينا التوقف عن اصطحاب الأطفال لرحلات التسوق لأننا بالكاد نستطيع التحكم برغباتنا في الشراء




'الشخصيات الكرتونية على علب حبوب الفطور توضع على الرفوف العالية وتنظر للأسفل بحثًا عن أعين الصغار لتتواصل معها بصريًا'، هكذا علقت باحثة نفسية على أهمية استخدام التواصل البصري في خلق الثقة بين الأفراد وكيف استخدمت الشركات التجارية ذلك لزيادة مبيعاتها، وقالت إن علب حبوب الفطور لا تنظر إلى أعيننا مباشرة وإنما للأسفل من على أرفف مرتفعة لتتواصل مع الصغار والذين عادة ما يكونون نقطة الضعف الأقوى عند الآباء عندما يتعلق الأمر بالاستهلاك. وهذا مثال واحد فقط للحيل النفسية التي تستقصد مواقع اتخاذ القرار في عقولنا لاقتناء منتجات لم نكن نعلم أننا بحاجة إليها قبل أن نراها مزينة ومخفضة على رف المتجر. لذلك يُنصح بالدخول لمراكز التسوق بعد التسلح بقائمة الضروريات التي نحتاجها والكثير من الوعي لتجنب الخدع النفسية التي قد تفاقم تأثيرات المتغيرات الاقتصادية العالمية على جيوبنا.

'الأشخاص الذين يضعون خططا شهرية صارمة لإنفاقهم، لا تكون رحلات التسوق لديهم اعتباطية أو عشوائية، وعادة لا ينجرون لشراء ما لا يحتاجونه، وهم أكثر المحصنين ضد الأساليب الدعائية التي تتبعها الشركات'، هكذا علق السيد الدكتور منذر البوسعيدي، خبير الاقتصاد السلوكي بوزارة الاقتصاد عند سؤاله حول كيفية تجنب الوقوع في فخ الاستهلاك المبالغ به.



وأشار البوسعيدي إلى أن هناك العديد من الحيل التسويقية التي قد تعترض طريق المستهلك خلال تسوقه، كتغليف المنتجات بألوان وطرق جاذبة، أو وضعها على الأرفف الموازية لمستوى النظر، أو بين الممرات، أو حتى في نهاية رحلة التسوق عند عملية المحاسبة، وأن معرفة هذه الأساليب تعد الخطوة الأولى للتقليل من تأثيرها.

أما الحيل والأساليب النفسية التي قد تجعلنا منساقين لشراء منتجات بعينها رغم عدم وجودها على قائمة الضروريات فقد تتمثل في استخدام الباعة لأسلوب المقارنة، وعرض المنتجات الأغلى ثمنًا بالميزات الأفضل في البداية، لخلق نقطة مرجعية للصورة الأمثل من هذا المنتج، فعلى سبيل المثال عندما تود شراء سيارة من علامة بعينها فإنهم سيعرضون عليك الفئة الأولى والأفضل أولاً، من ثم بقية السيارات، وعلى الأغلب فإن السيارة الأولى هي من سيضعها عقلك كالخيار الأفضل.

وقال د.منذر البوسعيدي إن الباعة في بعض الأحيان يضغطون على الزبائن بعامل الوقت، ويتمثل ذلك في عبارات 'اشترِ هذا المنتج اليوم لتحصل على هدايا إضافية أو ضمان لمدة عام'. أو مخاطبة حاجات الإنسان الاجتماعية كأن يكون جزءًا من جماعة، كأن يتم وضع ملصق 'الأكثر مبيعًا' على أحد المنتجات أو حتى الأطباق، أو أن يتم الترويج لمنتجات بعينها على أنها لنخبة أو طبقة معينة من أفراد المجتمع ليتهافت البقية لاقتناءها رغبة منهم لتصنيفهم ضمن هذا الطبقة أو الفئة.

وفي مقام الإقبال لوضع الخطط المالية وإحكامها من تدخلات الرغبات الشخصية الثانوية والحملات الدعائية الذكية، ينصح البوسعيدي بمراقبة المصروفات وتسجيلها أولًا ولمدة شهر على سبيل المثال، لمعرفة أكثر المنتجات أو الخدمات التي يتم الإنفاق عليها بوعي أو بدون وعي، ثم البدء بالتخطيط من خلال تقسيم المصروفات الثابتة، وهي التي لا يمكن المساس بها كالإيجار مثلا أو الفواتير، والمصروفات المتغيرة التي يمكن إحكامها كمصروفات التنزه والأكل خارج المنزل، الأمر الذي سيساعد الأفراد في إدراك حاجاتهم الضرورية من غيرها ووضع خطط تساعد في التقليل من مصروفاتهم.


  • تأهب قبل الشراء.. وحقق مع نفسك





وليس المستهلك هو الملام الوحيد لعدم قدرته على ضبط إنفاقه، حيث يقول د.محمد العريمي، خبير إعلامي بهيئة حماية المستهلك، إن انتشار الهوس الشرائي مؤخرًا يرجع بشكل أساسي إلى نوعية الأسواق التي باتت مغرقة بالكماليات وتحوي العديد من سبل الراحة والتسلية، وتخاطب رغبات مختلفة عند المستهلكين. وأنه مع غياب الوعي بهذه الأساليب أصبح من السهل لشركات الدعاية أن تؤثر على قرارات الأفراد.

وحدد العريمي ثلاث خطوات أساسية لعملية تسوق 'رشيدة'، وقال: أولا، يجب وضع قائمة مشتريات وإطلاع أفراد العائلة عليها قبل الذهاب، ثم التأكد من صلاحية وجودة المنتجات خلال التسوق كي لا يتم إهدارها فيما بعد، وأخيرًا الاهتمام بالتخزين الجيد للمنتجات وخاصة الغذائية لضمان بقاءها لفترة أطول. 'وحين تشعر برغبة كبيرة في اقتناء منتج معين، حاور نفسك ووجه إليها مجموعة من الأسئلة، مثل: هل أحتاج لهذا حقًا؟ هل يمكنني اقتناؤه دون التأثير على مخططاتي الأخرى؟ ثم اعطش نفسك مهلة من يوم ليومين لترى مدى جديتك'.

ومع المتغيرات الاقتصادية المتسارعة وغلاء الأسعار، ينصح العريمي بأهمية ادخار 10 بالمائة من الدخل للطوارئ، وكذلك مراجعة بعض السلوكيات الاجتماعية كالتقليل من العزائم والولائم الكبيرة والبدء بمشاركة الفاتورة بعد تناول وجبة مشتركة.


  • ثقف أطفالك.. ولا تصطحبهم للتسوق





وترى حمده بِنت سعيد الشامسية المؤسسة لشركة إيسار للاستشارات المالية والإدارية أن البداية في خلق الوعي الاستهلاكي الأمثل يبدأ حين يتم مشاركة الأطفال في القرارات المالية للأسرة. وقالت: يجب أن تكون لدينا موازنة للأسرة، نحدد فيها أبواب الصرف والإنفاق، وفي عالم أصبح الاستهلاك فيه ثقافة عامة يجب أن تشارك الأسرة في القرارات لأن أفرادها يدخلون منظومة الاستهلاك من عمر مبكر جدا، فالأطفال لا يعرفون مصدر المال ولا يدركون محدوديته، لكنهم أذكياء جدا ولديهم حس فطري بالمسؤولية، ولكن دون إشراكهم في المشاكل والضغوطات المالية بشكل متكرر، فهذا يولد لديهم شعورا سلبيا تجاه المال قد يظهر في مرحلة لاحقة على شكل أمراض سلوكية مثل البخل والتعلق والاكتناز والإنفاق اللاواعي.

وقالت الشامسية: لا شك أن غياب ثقافة الاستهلاك يؤثر على حركة الأسواق، فالأسواق يحركها قانون العرض والطلب، فكلما زاد الطلب على سلعة ما زاد عرضها، المنتجون ومقدمو الخدمات لن يستمروا في تقديم منتجاتهم إلا في حال كان هناك إقبال كبير عليها من المستهلكين، اليوم تنفق الشركات مبالغ ضخمة من موازناتها على التسويق من أجل إقناعنا بشراء شيء نحن لا نريده ولا نحتاجه في الأصل كل ما حولك من روائح وألوان، وتصاميم صممت بدقة لإجبارك على الشراء، مجرد وعيك لهذا سيجعل المهمة صعبة عليهم. وعلينا كأفراد أن نتوقف عن اصطحاب أطفالنا لرحلات التسوق وكأنها مقصد ترفيهي، لأننا بالكاد نستطيع التحكم برغبتنا في الشراء فكيف لنا التحكم برغبات صغارنا!

ولمجاراة المتغيرات الاقتصادية وتجنب تأثيراتها، توصي الشامسية بالادخار، والذي تفاقمت أهميته بين الناس بشكل أكبر بعد الجائحة والتي أثرت سلبا على الجميع وأعادت تشكيل مفهوم الأمان المالي لديهم، ولم يستطع النجاة من تأثيراتها سوى من كانت لديهم مدخرات ومصادر دخل أخرى. وتقول الشامسية إنه بات يمكن الادخار من خلال إعطاء تعليمات للبنك لاقتطاع النسبة الأنسب لك آليا من حسابك للتخفيف من الصراع الشهري بين الرغبة والحاجة. وأضافت: اليوم نحن في أشد الحاجة لمصادر دخل متعددة، من باب توزيع المخاطر، والادخار للاستثمار وتفعيل وتشغيل تلك الأموال حتى نتجنب تآكلها بفعل التضخم.