ترجمة

بوتين ليس لديه خطة بديلة

مائدة مستديرة لأربعة من كتاب نيويورك تايمز حول حرب أوكرانيا:

8989995
 
8989995
لولو جارسيا نافارو ـ توماس فريدمان ـ روس داوثات ـ يارا بيومي

ترجمــــة: أحمـــد شــــافعــي

نتجه إلى الأسبوع الثاني من حرب روسيا في أوكرانيا، وقد صعَّدت القوات الروسية هجومها على خركيف ثاني كبرى المدن في أوكرانيا. ومع تعثر قواتها البرية بسبب إخفافات لوجستية، لجأت موسكو إلى القصف الجوي لأهداف مدنية في عموم أوكرانيا.

تقدِّر وكالات اللاجئين أن أكثر من ستمائة ألف شخص قد هربوا إلى بلاد أوروبية مجاورة. وفي خطاب حالة الاتحاد، وعد الرئيس بايدن بأن تواجه روسيا مزيدا من الألم بسب أفعالها. لكن هل وصل الغرب إلى أقصى ما يمكن أن تفعله الإجراءات الاقتصادية؟

يارا بيومي محررة الأمن العالمي والوطني في صفحة الرأي بنيويورك تايمز، وكاتبا العمود توماس فريدمان وروث داوثات، ينضمون إلى لولو جارسيا نافارو مذيعة بودكاست الرأي في الجريدة لمناقشة ما يمكن أن يحدث.

لولو جارسيا نافارو: نحن بالفعل في بحار مجهولة. قليلون في ما أعتقد هم الذين تنبأوا بغزو روسي كامل يحبطه دفاع أوكراني قوي كهذا الذي نراه. نحن نشهد عودة لظهور الناتو، وأوربا تعمل يدا واحدة ضد عدوان روسي. لكن روسيا، مع ذلك، جامحة. ما من دلائل على الأرض في أوكرانيا تشير إلى أن موسكو غيَّرت مسارها. سمعنا، يا توم، الرئيس بايدن ليلة أمس يستهل خطبته عن حالة الاتحاد بالحديث عن أوكرانيا. وخصص من الوقت للحديث عن الصراع فيها أكثر مما خصص لكوفيد. لكنني أعتقد أن سؤالي لك هو: ما المزيد الذي يمكن أن تفعله أمريكا لحلفائها الآن؟

توماس فريدمان: أعتقد أن أهم ما يمكننا فعله هو أن نضمن للأوكرانيين الراغبين في القتال والقائمين بالقتال من أجل بلدهم الأسلحة التي يحتاجون إليها من أجل ذلك. أعتقد أن المحرك الذي يدفع هذا الصراع إلى الأمام هو ما يجري بين الأوكرانيين المدافعين عن بلدهم وجيش فلاديمير بوتين الساعي إلى الاستيلاء على البلد فعليا. هذا هو جوهر هذا الأمر كله.

ما يدهشني هو أن بوتين ظن أن الأمر سوف يكون نزهة، وأنه صدق وهمه فعلا، وهو أن حفنة من النازيين يديرون أوكرانيا، وأنه فور دخوله سيريد الشعب الأوكراني إخراجهم، وسيقابلونه هو بالورد والزهور وهلم جرا.

والآن، يا لولو، بعدما لم يحدث ذلك، من الواضح جدا أن بوتين ليس لديه خطة بديلة. لأنه ما من خطة بديلة.

هو ببساطة لا يستطيع أن يفعل ما كان يرجو فعله: أي أن يثبَّت في الحكم دمية ويرجع إلى الوطن. لو نجح في تثبيت دمية، فسيترك قواته هناك إلى الأبد. لذلك أعتقد أن لدى بوتين بصفة أساسية أربعة خيارات: أن يخسر مبكرا، أو أن يخسر متأخرا، أو أن يخسر كثيرا، أو أن يخسر قليلا. ولكن هذه هي خياراته الوحيدة.

لولو جارسيا نافارو: أريدك أن تتدخل هنا، يا روس. يبدو لي أن عدم وجود خطة بديلة يجعل بوتين محاصرا. أقصد، ما الذي يحتمل أن يكون أكثر ردعا لبوتين، المقاومة الأوكرانية التي تعوق قواته، أم العقوبات الاقتصادية؟ قد لا يكون الوضع إما أو.

روس داوثات: لا أعتقد أن منطق الردع لم يزل قابلا فعليا للتطبيق الآن. نحن إزاء وضع قام فيه الغرب والعالم بصفة أعم باتخاذ خطوات يحتمل أن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي على نحو يقارن على أقل تقدير بما مرت به روسيا في تسعينيات القرن الماضي، وهي فترة لا بد أن أقول إنها هي التي أدت إلى صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة ونهاية الحلم الليبرالي في روسيا.

لا أقول إنه ليس بوسعنا أن نفعل المزيد على الجبهة الاقتصادية. لكننا في وضع أتفق فيه مع توماس فريدمان على أنه لا يحتمل الوصول إلى انتصارات كبرى لبوتين. لكن من منظوره، كل ما يستطيع وضعه على طاولة التفاوض هو ما يستطيع أن يكسبه في الميدان العسكري في فترة محدودة نسبيا نظرا للضغط الاقتصادي الواقع على بلده.

وعليه فإن شعوري بصفة عامة هو أننا ينبغي أن نسلح الأوكرانيين، ونستمر في تسليحهم، ونحول دون تحقيق بوتين انتصارات قصوى في الميدان. لكننا بحاجة إلى أن نفكر بمنتهى الجدية في نوع التسوية التفاوضية المعقولة المتاحة. وقد لا يكون شيء من هذا متاحا في المستقبل القريب. ولكن عالما يحتل فيه بوتين أوكرانيا لعشرين سنة ويهوي فيه اقتصاد روسيا إلى الحضيض، وإن كانت فيه مكاسب استراتيجية للولايات المتحدة على المدى القريب، فهو على المدى البعيد مستقبل شديد السواد.

لولو جارسيا نافارو: أريد أن أصل إلى ما نحن متجهون إليه، لكنني أريد إشراك يارا بيومي. رأينا العقوبات تضرب روسيا بقوة. انخفض الروبل. روسيا معزولة اقتصاديا. ممنوعة حتى من المجال الجوي التجاري فوق أوروبا، وفوق الولايات المتحدة اعتبارا من الليلة. وهذا يتسبب في خسائر داخل البلد، والعقوبات في العادة تكون أشد وطأة على الناس العاديين.

يارا بيومي: نعم، هذا صحيح يا لولو. إن ما نشهده حتى الآن هو رد الفعل الغربي الأقصى من حيث اعتصاره اقتصاد روسيا تماما، بتصور مفاده أن ذلك سوف يعتصر تمويل حرب بوتين. لكن واقع الأمر هو أن ذلك في النهاية يكون أشد وطأة على الشعب.

وعلى حد قولك، المجال الجوي التجاري مغلق. فليس بوسعهم الذهاب إلى أي مكان. انخفضت قيمة رواتبهم بشدة بسبب انخفاض الروبل.

لاحظت بالأمس وأنا أستمع إلى الرئيس بايدن كلاما كثيرا بطبيعة الحال عن وقوف الولايات المتحدة مع الشعب الأوكراني، والوقوف مع نضالهم من أجل الحرية. ولا ذكر مطلقا للشعب الروسي، صح؟ مع أن الصراع ضد بوتين نفسه وليس ضد الشعب الروسي. أعتقد أن فرصة ضاعت لإبلاغ تلك الرسالة، فالعقوبات كما نقول سوف تكون في نهاية المطاف أشد وطأة عليهم منها على من عداهم.

لولو جارسيا نافارو: لكن ما مدى واقعية انتفاض الشعب الروسي في ثورة على بوتين؟

يارا بيومي: شهدنا الكثير من الاحتجاجات في العديد من مدن روسيا. ولكن الوضع أيضا صعب. فقد أوجد بوتين بيئة لا تتسامح مع أي نوع من المعارضة.

التقييد يبلغ أقصى مداه. رأينا ذلك في المظاهرات التي حدثت أيضا. والفضاء الإعلامي بالطبع محدود جدا. قرأت عن ذلك الاستطلاع المثير جدا للاهتمام إذ قال إن 68% من الروس يؤيدون «العملية العسكرية الخاصة» التي يقوم بها بوتين. لم يأت الاستطلاع أصلا على ذكر كلمة الحرب.

ذلك يعطينا فكرة عن البيئة التي يعمل فيها الكثير من الروس حاليا.

لولو جارسيا نافارو: يخيِّم على ذلك كله بالطبع أن القوة التي نتكلم عنها هي قوة نووية. والكلام لكم جميعا. قالت فيونا هيل، الخبيرة الروسية والشاهدة في إجراءات اتهام بايدن، وأنا ألخص كلامها، إننا نخوض بالفعل الحرب العالمية الثالثة، لكننا لم ندرك ذلك بعد. وهذا مروع. أليس كذلك؟ لنبدأ بك يا توم.

توماس فريدمان: لست متأكدا مما يعنيه هذا، ومما إذا كان مفيدا. ما يمكنني قوله يا لولو هو أن هناك شيئا واحدا أخطر من وجود بوتين قوي، وذلك هو وجود بوتين ضعيف. ولم أزل أرجو، وأشك في أن يبدأ إلقاء الأسلحة النووية. لكن ليس من الواضح ما الذي سوف يفعله وما الذي يمكن أن يطلق له العنان. لذلك أنا قلق بعض الشيء حيال ذلك. أما حرب عالمية ثالثة، فأنا شخصيا لم أصل إلى ذلك بعد.

روس داوثات: لا أعتقد أن هذا هو المصطلح الدقيق، ما لم نتصور أن الحرب الباردة كلها كانت هي الحرب العالمية الثالثة بالفعل. فيونا هيل لم تنس الحرب الباردة الأولى في ظني. لكن بعض الناس على الأقل ممن يعلقون على ما يجري لم يكونوا حاضرين في الحرب الباردة. أنا شخصيا كنت صغيرا جدا [ضحك]

توماس فريدمان ضاحكا: أنا حضرتها

روس داوثات: صحيح يا توم. توم وحده الذي يحق له الكلام عن واقع الحرب الباردة. ولكن الواقع هو أن أمورا كثيرة وقعت في الحرب الباردة بخصوص الحروب بالوكالة، والصراع العسكري، وفرض روسيا إرادتها، بقسوة في بعض الأحيان، على دول بالقرب منها. وكل ذلك تحتمت إدارته على مستوى عال من العناية والحذر وذلك على وجه التحديد لاجتناب سيناريو الحرب العالمية الثالثة.

والآن رجعنا إلى تلك الدينامية حيث يصبح من الأهمية الفائقة أن تكون لدينا هذه الأمور التي قد تبدو في لعبة التحليلات التي نمارسها جميعا أشبه بالخطوط التعسفية. كأن نقول إننا سوف نقاتل إلى الأبد من أجل ليتوانيا. لكننا لن نتدخل من أجل أوكرانيا. سنقوم بتسليح من يقتلون الروس. لكننا لن نفعل بأنفسنا شيئا يبدو أنه يهدد بقتل الروس.

لكن وضع هذه الخطوط والحدود كان ضروريا للغاية لإدارة التصعيد النووي. وذلك ما رجعنا إليه الآن. ونعم، أعتقد أن القول بأننا بالفعل في الحرب العالمية الثالثة يغفل عن أهمية ألا نكون فيها.

لولو جارسيا نافارو: أظن أن هذا صحيح. ولكن ما الفصول المحتملة تاليا؟ لأن المرء قد يتصور مستقبلا تكون فيه البلطيق معرضة لخطر الغزو، أو تتعرض أجزاء من أوروبا الشرقية لمخاطر معينة، كأزمة طاقة يتسبب فيها بوتين. وقد تنتقل العدوى.

روس داوثات: مؤكد، لكن في حال غزو بوتين للبلطيق، فإن لدينا تحالفا عسكريا مع البلطيق يستوجب منا الذهاب للدفاع عنهم. وبوتين يعلم هذا. والأركان العامة في روسيا تعلم هذا. والمحيطون ببوتين يعلمون هذا. وهذه هي الطريقة التي أدرنا بها المخاطر في الماضي.

صحيح أن لدينا الآن في الواقع أمورا مثل الحرب السيبرانية لم تكن حاضرة بالطريقة نفسها في عام 1972، وعلينا أن نتحسس طريقنا وصولا إلى تفاهمات في هذه القضايا تماثل التفاهمات المتعلقة بحروب الوكالة خلال الحرب الباردة نفسها. لكن هذه العملية جوهرية لبقاء ملايين وملايين من البشر. ولا بد من المضي فيها بحذر شديد وليس بأوهام تجاه ما ستحققه المثالية.

لولو جارسيا نافارو: يبدو أن توم وروس يا يارا غير مقتنعين بفكرة أن هذا الصراع يمكن أن يتوسع. ماذا عنك؟

يارا بيومي: إيضاحا لبضع نقاط في حالة الحرب الباردة مما ذكره روس حالا: كثير مما كنت تتكلم عنه هو وجود كثير من أولئك الحراس الذين حالوا، كما قلت، دون تحول الحرب الباردة إلى حرب عالمية. وليس لدينا الكثير من أولئك الحراس في الوقت الراهن، سواء أهي اتفاقيات للحد من التسلح، أم وعي ثقافي تكوَّن لدى من نشأوا خلال الحرب الباردة.

وكان هناك، مثلما قلت، الكثير من العناية في كيفية عمل السوفييت والأمريكيين معا للمحاولة الجادة لاجتناب أي موقف قد يفضي إلى وضع كارثي محتمل. حتى قبل هذا الغزو، كنا نرى نمطا من الحوادث الأمريكية والروسية بين طيارين يحلقون مقتربين للغاية، وهذه الحوادث كان يمكن أن تؤدي إلى عواقب لا يمكننا في الوقت الراهن أن نفهمها أصلا. من أسباب دعوة الرئيس زيلينسكي إلى منطقة حظر طيران أنهم على وجه التحديد لا يريدون أن يجدوا أنفسهم في موقف يشهد صراعا مباشرا، أو احتمالا لصراع مباشر.

لذلك لا أعتقد أنا الأخرى أننا في حرب عالمية ثالثة. لكن ربما الأسهل بالنسبة لي أن أتصور كيف يمكن أن يمضي الوضع الراهن في الوجهة الخاطئة بسرعة بالغة، وليس في الوجهة المحسوبة التي يبدو أننا نتبعها ونعتقد أنها يمكن أن تستمر.

لولو جارسيا نافارو: أريد أن أتكلم عن السبل التي يمكن من خلالها تخفيف هذا التصعيد. لأن بوسعنا أن نرى سبلا ممكنة للتدهور. لكنك كتبت يا توم عن أربعة سيناريوهات من شأنها أن توفر مخرجا. هل يمكن أن تحدثني عن كيفية حدوث ذلك؟

توماس فريدمان: هناك سيناريوهان أكثر احتمالا ـ وأحدهما أكثر احتمالا من الآخر بفارق كبير ـ الأول أقرب إلى تسوية قذرة أو تسوية غير مرضية. ويحدث فيه بالدرجة الأساسية خلال المحادثات التي تجريها أوكرانيا مع روسيا، أن يوافق الأوكرانيون على حصول الروس على الجيوب الشرقية التي تم الاستيلاء عليها بالفعل وأن تصدر أوكرانيا بيانا قاطعا بعدم انضمامها إلى الناتو. وفي المقابل تغادر القوات الروسية وترفع العقوبات الغربية.

وهنا أشير إلى أنهم في الجانب الأوكراني قد يريدون بعض المال للخروج من هذا الوضع أو وسيلة لإعادة البناء. فقد وقعت بالفعل أضرار هائلة. فما الذي يجعلنا نصل إلى هذه التسوية غير المرضية؟ من وجهة النظر الأوكرانية، بوسع روسيا فعليا أن تدمر أكبر المدن والبنية الأساسية في أوكرانيا. وأن تلحق أضرارا مريعة.

وجعل جهة تدفع من أجل إعادة البناء حيث لا توجد في البيئة الدولية الراهنة قوة كبيرة ـ باستثناء روسيا ـ راغبة في التورط في مثل هذا الأمر لأنهم لن يكسبوا من ورائه إلا الفواتير ـ فالحوافز كثيرة لدفع الأوكرانيين إلى هذا.

ويمكنني أن أرى يقينا من وجهة نظر بوتين أن ثمة أمورا قد تكون لها تداعيات بعيدة المدى، مع استمرار أوجاع تلك العقوبات، واستمرار تعرض الروس لما ينجم عنها من تضخم هائل، ومع إعلان شركات مثل بي بيBP قائلة «سوف نتراجع فعليا عن صفقتنا النفطية مع روزينفت Rosneft». لذلك لا أعرف هل هذا السيناريو محتمل. لكنه قد يكون السيناريو الأكثر احتمالا للوصول إلى مخرج من الوضع الراهن.

يمكنني القول إن السيناريو التالي، واحتماله غير كبير على الإطلاق، فهو السيناريو بعيد الاحتمال، وهو أن العديد من كبار رجال مخابرات بوتين في حديثهم العابر قرب مبرد المياه مثلا قد يتكلمون عما يفكرون فيه وهو من قبيل «اللعنة! هذا الرجل قد مسه الجنون».

لولو جارسيا نافارو: لا أعتقد أنهم يقولون اللعنة في روسيا مثلما نقولها

توماس فريدمان: مهما تكن النسخة الروسية منها، يمكنني التفكير في بعض بدائل أخرى لكننا نخاطب عائلات الآن... ما أقوله بالدرجة الأساسية هو أننا حتما سوف نشهد وفق هذا السيناريو تدخلا، لا في أوكرانيا، ولكن في الكريملين مع الزعيم العزيز. أعتقد أن هذا سوف يكون شديد الصعوبة. فقد أحاط بوتين نفسه بطبقات عدة من الأمن.

لكن من أبعاد هذا الأمر أن الدولة الروسية قوية وقادرة على قمع الانتفاضات الشعبية. لكن كل شيء وارد. حينما يقع شيء ما، كأن يفقد الناس إحساسهم بالخوف، فكل شيء وارد. مع رجوع المزيد من الجثث إلى الوطن، يأتي دور الأمهات. وثمة شيء واحد نعلمه يقينا عن بوتين، وهو أنه يجري استطلاعات الرأي باستمرار، لأنه يعلم إلى أي مدى يفتقر إلى الشرعية. ويقرأ هذه الاستطلاعات.

سيناريو الاحتمال البعيد إذن هو أن يتقدم شخص ويبعده فتصير لدينا روسيا أخرى. لكن الأول هو سيناريو التسوية القذرة، والثالث هو الحرب اللانهائية التي قد تكون بالفعل مريعة.

لولو جارسيا نافارو: أنت أيضا كتبت عن هذا يا روس

روس داوثات: سيناريوهات توم الثلاثة هذه هي المدرجة في مقالتي «بحثا عن نهاية للعبة في أوكرانيا» اليوم، وهذا يشي بأنها تعبر بصفة عامة عما ننظر إليه الآن. أعتقد أن ما يقلقني بعض الشيء هو أن الجميع ملتزمون أكثر مما ينبغي. وبوتين انتقل من سردية «لا نريد الناتو أن يتوسع» إلى سردية «أوكرانيا ليست بلدا حقيقيا ولا بد من إعادة توحدها مع روسيا الكبرى العظمى التي تنتمي إليها أصلا».

فعليه إذن أن يثب من تلك السردية الثانية إلى الأولى، الأكثر منطقية، وهي «أنا لا أريد الناتو في فنائي الخلفي». ولكن الكثير من الإعلام الغربي ملتزم الآن بسردية أن هذا في جوهره عدوان هتلري المستوى، وأننا بالفعل في الحرب العالمية الثالثة. وأعتقد أن في الإعلام الغربي بقنواته وإعلامه الاجتماعي وما إلى ذلك في هذه اللحظة ما لا يقل عن إحساس بأنه إذا قدم للجمهور صفقة قذرة كالتي يصفها توم، فسيثور غضب عارم على فكرة إعطاء روسيا اعترافا بأي شيء بعد حرب عدوانية كهذه.

وهو ما يعني أساسا أنني أعتقد أن يصبح الأوكرانيون لاعبين أساسيين. فوفقا لصفقة قذرة سوف يتعين عليهم أن يتخلوا عن بعض الحضور والتضامن والعضوية اليسيرة السريعة في الاتحاد الأوربي، ومثل هذه الأشياء التي ظفروا بها، وذلك إنقاذا لبلدهم من الدمار. وأفترض أنهم مستعدون لمثل هذه المقايضة. لكن لديَّ الكثير من الأسئلة عما يعتزم كل طرف القيام به لتصبح الصفقة القذرة ممكنة.

لولو جارسيا نافارو: يدعم وجهة نظر روس، يا يارا، أن أوكرانيا من أوجه كثيرة قد كسبت حرب الإعلام، أليس كذلك؟ أعني أنهم في برنامج «ليلة السبت» أنشدوا النشيد الوطني الأوكراني. لكن أليست هذه تكلفة تتكبدها الحكومات الغربية؟ هل المواطنون الذين يجلسون لمشاهدة ما يجري أو شديدو الاهتمام به سيجلسون في أماكنهم وهم يشاهدون إخضاع أوكرانيا بوحشية والخروج بصفقة قذرة؟

يارا بيومي: مثيرة للغاية رؤية هذه الحرب الإعلامية جارية، سواء أتمثلت في لجوء كثير من الأوكرانيين إلى الإعلام الاجتماعي أم في إعلان الشباب الأوكراني أنهم سوف يفعلون أي شيء للدفاع عن بلدهم.

وأعتقد أن ذلك لمس عصبا وأثار إعجابا لا أظننا رأينا مثيلا له من قبل لدى الجماهير الغربية. هذا أمر بالغ القوة. لكنني قلقة أيضا من بضعة سيناريوهات متصلة بذلك، منها أننا نرى تشجيعا، وتشجيعا من الرئيس زيلينسكي نفسه، لمجيء أجانب للقتال دفاعا عن أوكرانيا.

ومما يقلقني قلقا بالغا أيضا أننا في وضع التزمت فيه الولايات المتحدة والغرب ـ مثلما نرى الآن ـ التزاما قويا بالدفاع عن أوكرانيا. ولكن الوضع ينتهي إلى أن يكون هذا الحصار المطول أشبه بحرب عصابات، وذلك، مرة أخرى، بسبب تفاوت القوة القتالية والقدرات بين الجيش الأوكراني والجيش الروسي.

أعتقد أن ثمة الكثير من المخاوف الآن بشأن ما قد تبدو عليه حرب مقاومة طويلة الأمد. وهذا بالنسبة لي سيناريو كابوسي.

توماس فريدمان: لولو، هل لي أن أقول شيئا واحدا. لقد زرت أوكرانيا في تسعينيات القرن الماضي حينما كنت أقوم بتغطية أخبار وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، وزرتها أخيرا، وكذلك تايوان. وكلتاهما تغيرت من أوجه كثيرة مدهشة منذ زيارتي الأولى في الثمانينيات وفي التسعينيات. شيء واحد فقط لم يتغير في أي منهما، ذلك هو الجغرافيا.

كلتاهما دولة صغيرة نسبيا تعيش بجوار جار شديد القوة شديد الضخامة، ومحتمل الخطورة. إنني أدعم الأوكرانيين في هذا الصراع مائة في المائة. لكنني قلق حقا من أن ندخل مرحلة نكون فيها مستعدين للقتال من أجل الأوكراني الأخير، مرددين النشيد الوطني، وكل تلك الأمور الرائعة. لكن في نهاية المطاف، حينما يجري سحق بلد في حرب ويخرج كل أولئك اللاجئين، وقد عشت ذلك من قبل في لبنان، فإن لملمة أوصال البلد ثانية مسألة صعبة، صعبة للغاية.

لولو جارسيا نافارو: روس، أنا سعيدة أن توم أتى على ذكر تايوان فما كان في ذهني هو هذا: هل ما نشهده هو انطلاق صراع كبير بين الاستبداد والديمقراطية؟ واعتمادا على الطريقة التي تسير بها الأمور، هل يمكن أن يصبح العالم أكثر أمنا؟ وجود روسيا خائفة سوف يبعث رسالة إلى الصين وغيرها بأن العقوبات ستعوقهم إذا لجأوا إلى العدوان. أم هل تجترئ الصين على تايوان بسبب ما يجري؟

روس داوثات: أعتقد على المدى القصير، بناء على أحداث لا نعلمها مما سيقع خلال الأسابيع التالية في الحرب، أن هذا الصراع يساعد الولايات المتحدة من بضعة أوجه مهمة قد تؤدي إلى الاستقرار العالمي على المدى البعيد.

فقد ساعدتنا الحرب على أن نظهر لحلفائنا الأوربيين أنهم قد يكونون بحاجة إلى التعامل بمزيد من الجدية مع مشكلات عتيقة الطراز، كأن يكون لديهم جيش ضخم، أو أن يحققوا شيئا من الاستقلال في الطاقة فلا يعتمدون على بلد استبدادي مهدد يأتي منه الغاز. وكلما جدوا في التعامل مع تلك المشكلات، سَهُل على الولايات المتحدة أن تعيد التقدير بطريقة ما وتكمل محور آسيا الشهير الذي كان يفترض البدء فيه في ظل إدارة باراك أوباما.

وعلى المنوال نفسه، في الأسابيع القليلة الأولى على الأقل، على الصين أن تنظر إلى المشقة التي يواجهها بوتين في إخضاع أوكرانيا مدركة التحديات المماثلة المحتملة عند غزو تايوان الذي سوف يقتضي ترتيبا عسكريا مختلفا كل الاختلاف. من هاتين الناحيتين إذن، أعتقد أن من الممكن الخروج، لا بطرح متفائل بالضبط، وإنما على الأقل بطرح آمل بعض الشيء في أن ينتج خيرا من هذا الوضع على الاستقرار العالمي.

أريد أن أتراجع قليلا عن الإطار الحتمي الذي يسارع إليه الكثيرون وأعني به إطار الديمقراطية في مقابل الاستبدادية. كلما أرغمت روسيا على الاندفاع إلى اشتباك عميق مع الصين، ازداد وجود محور بكين-موسكو، وازدادت حتمية هذا الإطار. لكن هناك طرقا كثيرة تؤثر بها سياسات المصلحة على كل شيء أكثر من تأثير سياسات الأيديولوجية.

فتركيا على سبيل المثال، تعارض روسيا بغاية العنف. فما من محور يجمع تركيا وروسيا. في الوقت نفسه، فإن الهند، وهي أكثر ديمقراطية، تبدو أكثر ترددا في اللحاق بروسيا. ويمكن أن نطيل في هذه القائمة. ولكن بالأساس، هناك أوجه كثيرة لم يزل العالم يتحرك بها بناء على تقارب المصالح بقدر ما يتحرك بناء على الأيديولوجيات حتى في الوقت الراهن.

لولو جارسيا نافارو: وهذا ما يأخذنا، في تقديري، إلى بايدن. لقد حصل على جبهة موحدة من كلا الحزبين في الكونجرس بشأن أوكرانيا خلال خطاب حالة الاتحاد. كيف لهذا أن يساعده، يساعد الغرب في الأيام والأسابيع القادمة، إن كان له أن يساعد أصلا؟

توماس فريدمان: أعتقد أن بايدن أحسن عملا في حشده الأمريكيين والناتو والعالم في هذا الشأن. أعتقد أن هذا كان أمرا بالغ الأهمية. وأثق أنه سوف يستفيد سياسيا من ذلك. لكن في ظني أنا، يا لولو، أن ما يحرك كل شيء هو ما يجري على الأرض في أوكرانيا. ولو استطاع الأوكرانيون الثبات في هذه اللحظة شديدة التشابك، ولو لأسبوع أو اثنين فقط، واستمروا في إلحاق خسائر بالروس، فسيكون ذلك هو ما يحرك كل شيء ويفتح جميع أشكال الاحتمالات.

يارا بيومي: أعتقد أننا رأينا بالفعل تحولا في طبيعة رسائل بايدن عن مرحلة ما قبل الصراع، التحول إلى مخاطبة مباشرة ومقصودة للأمريكيين ومحاولة توضيح التكاليف، وبخاصة من حيث ارتفاع أسعار الطاقة وذلك أمر أعتقد أن يشغل الأمريكيين أيضا. ورأينا بعد الانسحاب من أفغانستان كثرة الحديث عن سحب الولايات المتحدة يدها من مسائل الحرب كلها.

مواجهة بايدن هذا السيناريو تعني أنه لم يعد قادرا على التركيز محليا بقدر ما كان ليطيب له، وأنه يوجه الكثير من اهتمامه للأزمة في الوقت الراهن. وسيكون لذلك حتما تداعياته على الداخل أيضا. وأعتقد أن هذا ما يعيه بايدن فيحاول أن يسير على الحبل الرفيع بين وقوف الولايات المتحدة بحزم أمام عدوان روسيا على أن يوضح تمام الوضوح أهمية أن يتحمل الأمريكيون بعض التكاليف المحتومة.

روس داوثات: أعتقد أن بايدن أحسن العمل حتى الآن. وأعتقد أن إدارته أحسنت العمل في سياق الحرب هذا الأسبوع في ضوء تولي زمام القيادة مع السماح للأوربيين بالقيادة تحقيقا لمصالحنا ومصالحهم، في ضوء عدم القفز إلى أفكار مجنونة مثل منطقة حظر الطيران مع دعم حقيقي للأوكرانيين. ولا أعرف إلى أي مدى سيساعد أي من هذا بايدن سياسيا على المدى البعيد.

فالسيناريوهان الأكثر احتمالا هما الاحتلال الطاحن والحرب في أوكرانيا. وذلك لا يساعد بايدن سياسيا. لكن بوسعي أيضا أن أتخيل عالما نبرم فيه نسخة من الصفقة القذرة التي نتكلم عنها، والتي أعتقد أنها ضرورية، ويترشح الجمهوريون ضد بايدن في 2024 قائلين «لماذا أبرمت هذه الصفقة مع المعتدي الشرير بوتين؟»

في الواقع، يمكنني أن أتخيل دونالد ترامب، والسيناريو النهائي هو أن نرى دونالد ترامب في 2024 يترشح ضد جو باين ويتكلم عن خيانة بايدن للبطل زيلينسكي وإبرامه صفقة مع الشرير فلاديمير بوتين الذي كان ترامب ليعامله بمزيد من الشدة. يمكنني أن أتخيل تماما حدوث هذا الجنون. المقصود من هذا كله أن إدارة بايدن يمكن أن تحسن العمل بصفة عامة، وهذا أمر صعب بحيث قد لا يثمر أي مكاسب سياسية.

«خدمة نيويورك تايمز»