الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي
السبت / 1 / شعبان / 1443 هـ - 17:17 - السبت 5 مارس 2022 17:17
يؤكد فهرس الويب العالمي في تقريره الخاص بـ (أحدث الاتجاهات في وسائل التواصل الاجتماعي)، أن استخدام هذه الوسائل ما يزال مرتفع، لكن الثقة به تتدنى؛ ذلك أن 'الإيجابية تجاه تأثير وسائل التواصل الاجتماعي هي عموما في الجانب المنخفض' ـ بحسب الفهرس ـ، إلاَّ أنه يكشف في مقابل ذلك أن أكثر من (95٪) من مستخدمي الانترنت يواصلون استخدام هذه المواقع والتطبيقات الاجتماعية، ويعتمدون عليها في التواصل والترفيه وتحديث الأخبار.
يُظهر التقرير أن مستخدمي الإنترنت في أوروبا وأمريكا الشمالية (أقل إيجابية) تجاه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، ولهذا فإنها دعت هذه المواقع إلى إبداع طرق أكثر أمنا للاستخدام من خلال محاربة الأخبار المظلِّلة، وإيجاد سياسات أكثر صرامة. إلاَّ أن اللافت فيما يعرضه تقرير الفهرس أن من بين من يؤمنون بإيجابية هذه المواقع وفوائدها على المستوى الاجتماعي هي بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، في نسبة متوسطة بلغت أقل من 50٪ من الفئات التي استهدفتها دراسة التقرير، وهذا يعني أن هناك أكثر من 50٪ لا يؤمنون بإيجابية هذه الواقع وفوائدها للمجتمعات.
ولأن وسائل التواصل الاجتماعي عموما كانت المأوى الذي آل إليه العالم في ظل تفشي جائحة كورونا (كوفيد 19) للتواصل والترفيه والتبادل التجاري وغيره، إلاَّ أنه كان أيضا المجال الواسع القادر على تغيير المنظومات الاجتماعية والثقافية، من خلال تكريس العديد من الممارسات وفق ما يُسمى بـ (الثقافة التعبيرية)، التي سيطرت على العالم في الآونة الأخيرة، عبر الانخراط الناعم في تلك المواقع، وإعادة الإنتاج الفكري والثقافي وفقا لمعطيات عالمية طارئة. ولعل عدم الثقة في هذه المواقع وإدراك العالم لخطرها الاجتماعي، كان سببا في استمرار الضغط العالمي عليها لاتخاذ الإجراءات الصارمة التي تحرر مستخدميها من ربقة المغررين، وإحكام سيطرتهم الفكرية، وفي ذلك يقدم تقرير الفهرس نموذجا واضحا لتلك الأيديولوجيات التي تحاك ضد مصالح المجتمعات، يتمثل في إثباط التآمر على أهمية التطعيم ضد كوفيد 19 التي شُنت عبر موقع (الفيس بوك).
ولهذا فإن كاتب مثل أمبرتو إيكو يعبر عن ذلك في ردٍ له على أحد الأسئلة في حوار له لصحيفة (لومانيتية) الفرنسية، أنه “على شبكة الإنترنت، لا أعرف من يتكلم. إذ أنني ضحية محتملة لكل التزييف والرشاوي التي لا يمكن تخطيها. لا يمكن لأي شاب أن يميز بين موقع معادٍ للسامية وبين آخر ديمقراطي بشكل عادي”، وهو ما يجعل القلق يزايد على المستوى الثقافي بشكل متصاعد. وعلى الرغم من تلك الإشكالات والتحديات التي تثيرها هذه المواقع، إلاَّ أنها تمثل روابطا رقمية متأسسة على الروابط الاجتماعية الواقعية؛ حيث تتشابك وتتداخل مع الأشكال الاجتماعية الأخرى في الحياة الإنسانية وتحاول إعادة تنظيمها وتشكيلها وفق معطيات ثقافية جديدة، لذا سنجد أن ما يُبث في وسائل التواصل الاجتماعي ينتقل بين الناس بوسائل ووسائط مختلفة؛ فما يغرد به شخص ما في موقع (توتير، أو أنستجرام) مثلا، ستجده متداولا في شكل صور في برامج تواصل أخرى لعلها أقرب إلى يد المتلقي كالواتس آب أو غيره، لتصل لأكبر قدر من الأشخاص ممن لا يملكون حسابا في تلك المواقع، وهكذا تصلنا صورا ومقاطع مرئية من مواقع عدة قد لا نعرفها أو لم نلجها قط، مما يكشف الضغط الثقافي الذي تمثله هذه المواقع في اختراق الهُويات الاجتماعية وبالتالي الهُويات الوطنية.
لقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي عبر ما يسمى بـ (تكنولوجيا الإعلام والتواصل)، في تطوير وسائل التبادل والظهور المجتمعي أو ما يسميه ريمي ريفيل بـ (المؤانسة) ـ في كتابه (الثورة الرقمية، ثورة ثقافية؟) ـ، حيث تتيح هذه البرامج التواصل السهل بين الغرباء، ولهذا فإن الشخصية المؤثرة ستجعل من نفسها قالبا ذاتيا قادرا على الولوج إلى شخصية الآخر المتلقي، وبالتالي التأثير فيه سلبا أو إيجابا، باعتبار أن هذا القالب الذاتي يمثل هُوية شخصية، مرتبطة ببناء قاعدة افتراضية في علاقتها مع متابعيها بصرف النظر عن هواياتهم الشخصية والاجتماعية، مما سينتج عنه مجموعة من القوالب الذاتية المكرورة على المستوى الشخصي وبالتالي الاجتماعي الثقافي.
والحال أننا لو تابعنا ملياً أولئك المؤثرين أو المغردين سنجد تركيزهم على تجاربهم الشخصية وإسقاطها على الآخر باعتبارها ظواهر إنسانية أو وطنية، ولهذا فإن قدرة هؤلاء على التأثير ترتبط بقدرات المتلقي نفسه من حيث تشكُّل هُويته الذاتية والاجتماعية من ناحية، وإمكاناته الثقافية والعلمية من ناحية أخرى، فالمؤثرون غالبا ما يتبنون تلك التحديات وحاجات المجتمع عامة، لاستغلالها من أجل لفت انتباه الجمهور المتابع، حتى وإن اضطر أحدهم إلى ابتداع موقف ما، وبثه باعتباره خيط البداية، مما يجعل من أهمية دراسة تلك الروابط الاجتماعية التي تؤسسها هذه الوسائل وقدرتها على التأثير من ضمن الأولويات الوطنية في التنمية الاجتماعية.
يبدأ تقرير(العرض الرقمي العالمي للعام 2021)، الصادر عن منصة (Hootsuite) لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، مناقشة المنظور الاجتماعي لوسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على الاكتشاف والتواصل والمرح، في سبيل تحقيق الغاية الأسمى من هذا التواصل، بقوله أن “الأذكياء هم أولئك الذين يجلسون وستمعون ثم يجدون طرقا إبداعية للانخراط في المحادثة الاجتماعية بدلا من محاولة قيادتها”؛ ذلك لأن قيادة المحادثة الاجتماعية الإلكترونية غالبا ما ينتج عنها اجترار نحو الممارسات الذاتية في مقابل الممارسات التشاركية التي تتراجع في صالح الممارسة الشخصية.
وتحت عنوان (الرقمنة في 2021. الأعمال غير العادية)، يكشف التقرير أن أعداد الملتحقين بوسائل التواصل الاجتماعي قد زاد بنسبة 13٪ منذ تقرير 2020؛ فقد 'انضم ما يقرب من نصف مليار مستخدم إلى وسائل التواصل الاجتماعي في العام الماضي، ليرتفع إلى 4.2 مليار مستخدم في أوائل 2021، حتى بلغ عدد المستخدمين الذين يصلون إلى وسائل التواصل عن طريق هواتفهم ما يقارب (4.15) بليون'، ولهذا فإن الهاتف الذكي هو الشاشة الأولى الأكثر مشاهدة في العالم مقارنة مع شاشة التلفاز.
يعرض التقرير مجموعة من المتغيرات الإحصائية التي طرأت على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث بلغ العدد الإجمالي لمستخدمي هذه الوسائل بالنسبة لعدد سكان العالم في العام الفائت (53.6٪)، بتغير سنوي وصل إلى (+13.2٪) أي أكثر من (490 مليون)، وعلى الرغم من أن هذا التغير يكشف التزايد اللافت في المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، إلاَّ أنه لا يقدِّم لنا تلك الإحصائية الدالة على الفئات التي لا تستخدم هذا المواقع وأسباب ذلك. إن هذه الإحصائية تعكس في مقابل ذلك تلك الأعداد من سكَّان العالم ممن لا يستخدمون تلك المواقع وربما لا يعرفونها، وسواء أكان ذلك اختياريا بسبب عدم الثقة أم إجباريا لأسباب تقنية، إلاَّ أنها فئة لا يُستهان بها، فهي ما زالت مرتبطة بالتفاعل الاجتماعي الإنساني العام خارج هذا الفضاء. الأمر الذي يثير مجموعة من التساؤلات على المستوى الاجتماعي بشأن ذلك التأثير المتوقع للشخصيات (المؤثرة) في هذه الوسائل إذا كان أكثر من نصف المجتمع العالمي لا يلج هذه الوسائل الإلكترونية.
إن الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي على المستويين الاجتماعي والثقافي تتراجع بل تتدنى على المستوى العالمي،على الرغم مما تمنحه لنا من إمكانات، وممارسات قادرة على خدمة المجتمعات. فهذه المواقع تقدم محيطا اجتماعيا قادرا على ضبط التحولات الثقافية والحفاظ على الهُويات الوطنية، إذا ما استطعنا ـ كمستخدمين ـ الحفاظ على هوياتنا الذاتية والثقافية، وتطلعنا نحو الأهداف الوطنية الأسمى التي تروم إليها دولنا.
فنحن بصفتتنا الوطنية نقدم نماذج للهُوية الاجتماعية والثقافية للدولة، وهي التي تتأسس على هويتنا الذاتية، وبالتالي فإن ما نقدمه في وسائل التواصل الاجتماعي يكشف مجموعة من التمثيلات التي تقدم ممارسات اجتماعية، وتكشف عن حالة ثقافية في المجتمع الواقعي، ولهذا فإن الثقة في وسائل التواصل تتأسس على قدرتها الموضوعية، والمستوى الأخلاقي الذي تقدمه، لا على قدرتها الفضائحية أو الهدامة.
إن ما نقدمه في وسائل التواصل الاجتماعي يكشف قدرتنا على فهم معطيات المراحل التنموية التي تمر بها دولنا من خلال وعينا بأهمية دورنا التنموي كأفراد، وبالتالي قدرتنا على المساهمة، وتقديم الهُوية الذاتية التي تمثلنا باعتبارها جزءا أساسيا من الهُوية الوطنية، وبالتالي فإن دورنا في وسائل التواصل الاجتماعي لا يقل أهمية عن دور الإعلام الرسمي، ومساهمته الفاعلة في دعم التوجهات وتقديم المقترحات التنموية البنَّاءة.
يُظهر التقرير أن مستخدمي الإنترنت في أوروبا وأمريكا الشمالية (أقل إيجابية) تجاه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، ولهذا فإنها دعت هذه المواقع إلى إبداع طرق أكثر أمنا للاستخدام من خلال محاربة الأخبار المظلِّلة، وإيجاد سياسات أكثر صرامة. إلاَّ أن اللافت فيما يعرضه تقرير الفهرس أن من بين من يؤمنون بإيجابية هذه المواقع وفوائدها على المستوى الاجتماعي هي بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، في نسبة متوسطة بلغت أقل من 50٪ من الفئات التي استهدفتها دراسة التقرير، وهذا يعني أن هناك أكثر من 50٪ لا يؤمنون بإيجابية هذه الواقع وفوائدها للمجتمعات.
ولأن وسائل التواصل الاجتماعي عموما كانت المأوى الذي آل إليه العالم في ظل تفشي جائحة كورونا (كوفيد 19) للتواصل والترفيه والتبادل التجاري وغيره، إلاَّ أنه كان أيضا المجال الواسع القادر على تغيير المنظومات الاجتماعية والثقافية، من خلال تكريس العديد من الممارسات وفق ما يُسمى بـ (الثقافة التعبيرية)، التي سيطرت على العالم في الآونة الأخيرة، عبر الانخراط الناعم في تلك المواقع، وإعادة الإنتاج الفكري والثقافي وفقا لمعطيات عالمية طارئة. ولعل عدم الثقة في هذه المواقع وإدراك العالم لخطرها الاجتماعي، كان سببا في استمرار الضغط العالمي عليها لاتخاذ الإجراءات الصارمة التي تحرر مستخدميها من ربقة المغررين، وإحكام سيطرتهم الفكرية، وفي ذلك يقدم تقرير الفهرس نموذجا واضحا لتلك الأيديولوجيات التي تحاك ضد مصالح المجتمعات، يتمثل في إثباط التآمر على أهمية التطعيم ضد كوفيد 19 التي شُنت عبر موقع (الفيس بوك).
ولهذا فإن كاتب مثل أمبرتو إيكو يعبر عن ذلك في ردٍ له على أحد الأسئلة في حوار له لصحيفة (لومانيتية) الفرنسية، أنه “على شبكة الإنترنت، لا أعرف من يتكلم. إذ أنني ضحية محتملة لكل التزييف والرشاوي التي لا يمكن تخطيها. لا يمكن لأي شاب أن يميز بين موقع معادٍ للسامية وبين آخر ديمقراطي بشكل عادي”، وهو ما يجعل القلق يزايد على المستوى الثقافي بشكل متصاعد. وعلى الرغم من تلك الإشكالات والتحديات التي تثيرها هذه المواقع، إلاَّ أنها تمثل روابطا رقمية متأسسة على الروابط الاجتماعية الواقعية؛ حيث تتشابك وتتداخل مع الأشكال الاجتماعية الأخرى في الحياة الإنسانية وتحاول إعادة تنظيمها وتشكيلها وفق معطيات ثقافية جديدة، لذا سنجد أن ما يُبث في وسائل التواصل الاجتماعي ينتقل بين الناس بوسائل ووسائط مختلفة؛ فما يغرد به شخص ما في موقع (توتير، أو أنستجرام) مثلا، ستجده متداولا في شكل صور في برامج تواصل أخرى لعلها أقرب إلى يد المتلقي كالواتس آب أو غيره، لتصل لأكبر قدر من الأشخاص ممن لا يملكون حسابا في تلك المواقع، وهكذا تصلنا صورا ومقاطع مرئية من مواقع عدة قد لا نعرفها أو لم نلجها قط، مما يكشف الضغط الثقافي الذي تمثله هذه المواقع في اختراق الهُويات الاجتماعية وبالتالي الهُويات الوطنية.
لقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي عبر ما يسمى بـ (تكنولوجيا الإعلام والتواصل)، في تطوير وسائل التبادل والظهور المجتمعي أو ما يسميه ريمي ريفيل بـ (المؤانسة) ـ في كتابه (الثورة الرقمية، ثورة ثقافية؟) ـ، حيث تتيح هذه البرامج التواصل السهل بين الغرباء، ولهذا فإن الشخصية المؤثرة ستجعل من نفسها قالبا ذاتيا قادرا على الولوج إلى شخصية الآخر المتلقي، وبالتالي التأثير فيه سلبا أو إيجابا، باعتبار أن هذا القالب الذاتي يمثل هُوية شخصية، مرتبطة ببناء قاعدة افتراضية في علاقتها مع متابعيها بصرف النظر عن هواياتهم الشخصية والاجتماعية، مما سينتج عنه مجموعة من القوالب الذاتية المكرورة على المستوى الشخصي وبالتالي الاجتماعي الثقافي.
والحال أننا لو تابعنا ملياً أولئك المؤثرين أو المغردين سنجد تركيزهم على تجاربهم الشخصية وإسقاطها على الآخر باعتبارها ظواهر إنسانية أو وطنية، ولهذا فإن قدرة هؤلاء على التأثير ترتبط بقدرات المتلقي نفسه من حيث تشكُّل هُويته الذاتية والاجتماعية من ناحية، وإمكاناته الثقافية والعلمية من ناحية أخرى، فالمؤثرون غالبا ما يتبنون تلك التحديات وحاجات المجتمع عامة، لاستغلالها من أجل لفت انتباه الجمهور المتابع، حتى وإن اضطر أحدهم إلى ابتداع موقف ما، وبثه باعتباره خيط البداية، مما يجعل من أهمية دراسة تلك الروابط الاجتماعية التي تؤسسها هذه الوسائل وقدرتها على التأثير من ضمن الأولويات الوطنية في التنمية الاجتماعية.
يبدأ تقرير(العرض الرقمي العالمي للعام 2021)، الصادر عن منصة (Hootsuite) لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، مناقشة المنظور الاجتماعي لوسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على الاكتشاف والتواصل والمرح، في سبيل تحقيق الغاية الأسمى من هذا التواصل، بقوله أن “الأذكياء هم أولئك الذين يجلسون وستمعون ثم يجدون طرقا إبداعية للانخراط في المحادثة الاجتماعية بدلا من محاولة قيادتها”؛ ذلك لأن قيادة المحادثة الاجتماعية الإلكترونية غالبا ما ينتج عنها اجترار نحو الممارسات الذاتية في مقابل الممارسات التشاركية التي تتراجع في صالح الممارسة الشخصية.
وتحت عنوان (الرقمنة في 2021. الأعمال غير العادية)، يكشف التقرير أن أعداد الملتحقين بوسائل التواصل الاجتماعي قد زاد بنسبة 13٪ منذ تقرير 2020؛ فقد 'انضم ما يقرب من نصف مليار مستخدم إلى وسائل التواصل الاجتماعي في العام الماضي، ليرتفع إلى 4.2 مليار مستخدم في أوائل 2021، حتى بلغ عدد المستخدمين الذين يصلون إلى وسائل التواصل عن طريق هواتفهم ما يقارب (4.15) بليون'، ولهذا فإن الهاتف الذكي هو الشاشة الأولى الأكثر مشاهدة في العالم مقارنة مع شاشة التلفاز.
يعرض التقرير مجموعة من المتغيرات الإحصائية التي طرأت على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث بلغ العدد الإجمالي لمستخدمي هذه الوسائل بالنسبة لعدد سكان العالم في العام الفائت (53.6٪)، بتغير سنوي وصل إلى (+13.2٪) أي أكثر من (490 مليون)، وعلى الرغم من أن هذا التغير يكشف التزايد اللافت في المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، إلاَّ أنه لا يقدِّم لنا تلك الإحصائية الدالة على الفئات التي لا تستخدم هذا المواقع وأسباب ذلك. إن هذه الإحصائية تعكس في مقابل ذلك تلك الأعداد من سكَّان العالم ممن لا يستخدمون تلك المواقع وربما لا يعرفونها، وسواء أكان ذلك اختياريا بسبب عدم الثقة أم إجباريا لأسباب تقنية، إلاَّ أنها فئة لا يُستهان بها، فهي ما زالت مرتبطة بالتفاعل الاجتماعي الإنساني العام خارج هذا الفضاء. الأمر الذي يثير مجموعة من التساؤلات على المستوى الاجتماعي بشأن ذلك التأثير المتوقع للشخصيات (المؤثرة) في هذه الوسائل إذا كان أكثر من نصف المجتمع العالمي لا يلج هذه الوسائل الإلكترونية.
إن الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي على المستويين الاجتماعي والثقافي تتراجع بل تتدنى على المستوى العالمي،على الرغم مما تمنحه لنا من إمكانات، وممارسات قادرة على خدمة المجتمعات. فهذه المواقع تقدم محيطا اجتماعيا قادرا على ضبط التحولات الثقافية والحفاظ على الهُويات الوطنية، إذا ما استطعنا ـ كمستخدمين ـ الحفاظ على هوياتنا الذاتية والثقافية، وتطلعنا نحو الأهداف الوطنية الأسمى التي تروم إليها دولنا.
فنحن بصفتتنا الوطنية نقدم نماذج للهُوية الاجتماعية والثقافية للدولة، وهي التي تتأسس على هويتنا الذاتية، وبالتالي فإن ما نقدمه في وسائل التواصل الاجتماعي يكشف مجموعة من التمثيلات التي تقدم ممارسات اجتماعية، وتكشف عن حالة ثقافية في المجتمع الواقعي، ولهذا فإن الثقة في وسائل التواصل تتأسس على قدرتها الموضوعية، والمستوى الأخلاقي الذي تقدمه، لا على قدرتها الفضائحية أو الهدامة.
إن ما نقدمه في وسائل التواصل الاجتماعي يكشف قدرتنا على فهم معطيات المراحل التنموية التي تمر بها دولنا من خلال وعينا بأهمية دورنا التنموي كأفراد، وبالتالي قدرتنا على المساهمة، وتقديم الهُوية الذاتية التي تمثلنا باعتبارها جزءا أساسيا من الهُوية الوطنية، وبالتالي فإن دورنا في وسائل التواصل الاجتماعي لا يقل أهمية عن دور الإعلام الرسمي، ومساهمته الفاعلة في دعم التوجهات وتقديم المقترحات التنموية البنَّاءة.