أعمدة

نوافذ : ماذا لو تحطمت الطائرة؟

shialoom@gmail.com

جميع الأنشطة في حياتنا لا تحتاج إلى جدل سفسطائي مقيت، في فهم جميع مكوناتها، وأسبابها، ومآلاتها؛ خاصة عند من تحققت عنده تجربة حياة معقولة، وإلا لذهبت حيوية القلب، واتزان العقل، وهدوء النفس؛ أدراج الرياح، وحمل الإنسان نفسه خسارة كبيرة، لن تعوضها الأيام القادمة، فهي الأخرى تحتاج لعناصر داعمة؛ كما احتاجت لذلك من قبل، صحيح أن هناك وجهات نظر خاصة، تعكس الكثير من تجربة الحياة، وما تعتريه النفوس من ضوائق، ومعاناة، وقسوات المواقف المتراكمة؛ لا أول لها ولا آخر، فما أن يخرج أحدنا من واحدة، تتولاه الأخرى، في سلسلة لا تنقطع حلقاتها، ومن هنا عزز الإنسان بالصبر، وبالتحمل، وبالتأمل، ومتى استطاع أن يتجاوز عنق الزجاجة، أو آخر النفق المظلم؛ استطاع في المقابل أن يسجل لنفسه حضورا إنسانيا رائعا من الرضا، والسعادة، والقناعات الأكيدة.

فـ «الطائرة» وهي هنا رمزية يمكن إسقاطها على كثير من معززات حياتنا اليومية، فالأسرة، والمجتمع، والوطن، وأي مناخ أو مكوِّن اجتماعي، يمكن أن يكون طائرة محلقة في سماوات تصرفاتنا، فهذه الطائرة تحمل أفرادا قد تصنفهم ظروف الحياة؛ مثل ركاب الدرجة الأولى، والدرجة الاقتصادية، والدرجة السياحية، كما هي التسميات المعروفة، ولكن في حالة العسر، فأي تعطل في أحد مكونات هذه الطائرة، فإن السقوط لن يكون في جانب الدرجة السياحية قبل الاقتصادية، ولن يكون في جانب الاقتصادية قبل الدرجة الأولى، بل سيهوي الجميع إلى مصير محتوم بلا نقاش، وبلا مفاوضات، وبلا تعدد للخيارات.

يطالب الناس بعضهم بعضا بضرورة التعقل، والتحكم في الأقوال والأفعال، وبضرورة إعطاء فرص ممنوحة؛ بلا مقابل؛ وذلك لتسوية الكثير من الأمور، والكثير مما يرفع من وتيرة خفقان القلوب، وقلق النفوس، فـ «المرء في المحنة عيٌّ» أي لا يحسن التصرف، حيث يعتريه الشطط، والتعجل، فلا يميز بين الخطأ والصواب، وبين المظلم والمنير، فيسارع في سقوطه، ولأن الطائرة محملة بكم كبير من البشر، فإن المسؤولية بذلك تكون أشمل، وثقلها أكبر، مع اليقين أن الجميع؛ كما يقال: «في مركب واحد» وفي حالة الطائرة، فالجميع يستشعر حجم مسؤولية قبطان الطائرة، حتى لا تتعرض لهيجان الرياح، فتأخذها نحو المشرق مرة، و المغرب مرة، أو تهوي بها في مكان سحيق، وما أكثر من هوت بهم طائرتهم في أماكن سحيقة، فلم يعودوا على سطح هذه البسيطة، إما لسوء تقديرهم للمواقف، أو لشططهم وتسرعهم، وإما لتلبية رغبات زائلة أوهمتهم نفوسهم بأن فيها شيئا من تحقيق الذات، أو شيئا من تلبية الفطرة.

ماذا لو تحطمت الطائرة؟ سؤال معني به كل منا، فكلنا قباطنة، وكلنا مسؤولون، وكلنا سوف نجرجر نحو الإجابة عن سؤال جوهري كبير: لماذا لم تحرص على سلامة الركاب الذين كلفت بقيادة طائرتهم التي يستقلونها؟ وركابها المتعددون بدءا من الأسرة الصغيرة، مرورا بمختلف المسؤوليات في مواقع الحياة المختلفة، وصولا إلى المجتمع الذي نعيش تفاصيله كل لحظة، لن يتنازلوا عن حقوقهم، ولن يتسامحوا عن أي تقصير حصل في حقهم، ولذلك تبقى المراجعة اليوم قبل الغد؛ فرصة سانحة؛ وتفويتها الوقوع في مأزق التقصير، والمساءلة المختومة بالمحاسبة.